جاستا مشاريع الهلاك واللعب بكل الأوراق
قال تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]، وقال تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْـمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون: ٧].
بمرور الزمن تظهر حقائق الموروث التاريخي بين الحق الواحد المتنوع في بعض القضايا والمفاهيم، والباطل المتعدد في الأصول والفروع والكليات والجزئيات، وبرغم ذلك وضع الباطل لنفسه مشروعاً أو مشروعات تحمل رؤى متنوعة ورسالة واضحة وأهدافاً محددة ووسائل بحسب الواقع والممكن والمتاح؛ لإهلاك أهل الإسلام بصفة عامة حتى ولو رفعوا شعار العلمانية الخالصة أو الاشتراكية أو الرأسمالية، فمن يمسك بقرار القيادة في الغرب أو الشرق تحكمه معطيات عدة، منها: المعطيات العقدية، والمعطيات الاقتصادية، وكلا الأمرين لا يسبق أحدهما الآخر فيكون أحدهما مقدمة للآخر أياً كان الترتيب.
المعطيات العقدية لمشاريع الهلاك: هي أطروحات من رؤوس المنظمات الكنسية واللاهوتية حول العالم، من خلال منظومة الاختزال للدين في نهاية الحقبة المسيحية كما يزعم الإنجيليون والبروتستانت والكاثوليك، حتى تم تجييش جيوش الغرب العلماني للتمهيد للجيش الصربي بغزو بلاد البوسنة والهرسك، ثم قاموا بمزاعم التنديد بعد اكتمال المراد من احتلال البلاد الإسلامية وإقصاء الفكرة الإٍسلامية هناك بمكر ماكر من غربان أوربا والبيت الأبيض على السواء. وزاد الأمر وضوحاً في أعقاب 11 سبتمبر حين قرر بوش غزو البلاد الإسلامية بحجة الحرب على الإرهاب، فما كان منه إلا أن قال أنا الذي استدعاني الرب، في إشارة إلى جعل العمليات العسكرية تكتسب الطابع الديني عند الغرب الصليبي، ثم هيأ الإعلام العربي لتسويق فكرة الغلو والتشدد السلفي في أفغانستان والصومال لتهيئة الأمة لاستيعاب المحرقة للمسلمين.
المعطيات العقدية هي مادة الفكر الصهيوني والرافضي الشيعي على السواء، وكذلك الفكر الغربي في شتى بلاد الدنيا تحت مسميات الاستشراق أو التغريب للعقل العربي في شتى مجالات الحياة.
المعطيات العقدية هي مفردات التسطيح العقلي للعقل العربي حتى تعيش النصوص الإسلامية كتاب أو سنة في غربة تامة عن كافة مناحي الحياة، تبدأ من الطرق على عقول الأبناء في مرحلة الطفولة وتنتهي بتغريب العقول في الدراسات العلمية هنا وهناك.
المعطيات العقدية هي تلك النصوص التلمودية أو الإنجيلية أو التوراتية عند بني صهيون، والتي من خلالها يتم تحديد مجالات العمل للسياسة الأمريكية في الغرف المغلقة، ويتم من خلال آلة الإعلام الموجه لخدمة تلك المشاريع تغيير المفردات للخصوم والأولياء على السواء، لم تكن السياسات الغربية في يوم من الأيام في معزل عن كهنوت الباباوات في روما أو أمريكا أو الإسكندرية أو إثيوبيا.
المعطيات الاقتصادية: هي أحد مكنونات السياسات الغربية ضد بلاد الشرق الأوسط الإسلامي، وهي أحد مكنونات الحروب العالمية حال تناطح المصالح بين الجميع من أصحاب المشاريع الإمبراطورية، سواء كانت أمريكية أو بريطانية أو يابانية أو روسية أو صهيونية أو فارسية أو فرنسية أو إيطالية أو ألمانية أو برتغالية، لم يكن الواقع الاقتصادي وأحلام قادة شركات السلاح في العالم في يوم من الأيام بمعزل عن الغرف المغلقة، وليس لأصحاب العقول الأسيرة في بحار وأوهام حسن الظن بعلمانية الغرب إلا سراب التيه الكوني حين تتخلص الأمة من عوامل القوة لديها وهم حملة الفكرة الإسلامية، وتحت مسميات مقاومة الإرهاب يتم تجفيف منابع العمل الإسلامي، في مشهد من مشاهد التذويب الفكري والعقلي للأمة، سواء وقعت بتدرج أو من خلال عمليات مخطط لها كما وقع في العراق والشام، والخلاص من علماء السنة بصفة خاصة في كل ربوع المعمورة حتى يهيم أهل السنة غرباء بين حدود بلادهم.
أوراق مشاريع الهلاك
يعمد صناع القرار في مشاريع الهلاك والإهلاك للأمة الإسلامية بل للأرض حين يتخلى المسلمون عن موضع القيادة المنتظرة لهم متى عادوا إلى أصل دينهم وسنة نبيهم وحققوا التوافق الشرعي بين القدر الشرعي المحمود من خلال نصوص الشريعة وبين المجموع البشري الجامع للجماعة المسلمة والأمة في شتى مظاهر التجمعات داخل المسجد أو داخل المصنع أو داخل أروقة نظم الحكم الحاكمة لتشكل من خلال جميعها حقيقة الدولة المسلمة أو حقيقة الأمة المسلمة. فحين يعيش أهل الإسلام بعيدين كل البعد عن حقيقة التدين إلى تدين على غير الحقيقة كما تروج له مدارس بدعية من خلال نظرية التخلي أو دلائل الولاء والنصرة والبراء والعزة بموروث فهم من أخلاق مجتمع إلى قادة الساسة، زاعمين رفع منظومة الرؤية الوسطية وما هي بوسطية إلا وسط بين باطلين أحدهما أبطل من الآخر.
التغريب والعلمنة: من توابع مشاريع الهلاك الاستدراج المنهجي للشباب نحو بيئة التغريب والعلمنة فينتج منها ردة فعل بمفردات لتكفير للأفراد والأسر والجماعات والدول، ولذا أدرك غربان الغرب والشرق أن التغريب هو أساس التكفير، وأن التكفير هو الفرصة الذهبية ليتم تجديد الحكم العلماني في الأمة المسلمة لقرن قادم أو يزيد، فكان رعاة الغرب يفسدون أتباعهم في بلاد الشرق لتمهيد الواقع إلى الرؤية الصفرية التي يجنح لها دعاة التكفير والعمل المسلح، ومن ثم تتحول البلاد الإسلامية إلى ساحة مشاريع تخدم المعطيات العقدية والاقتصادية للأمم الغربية المعادية للأمة على كافة المحاور.
رعاية الدكتاتورية في بلاد الإسلام ومنهجية التبعية الاقتصادية: حتى إذا انفجر العقد الاجتماعي للأمة العربية والدول العربية تصبح الأمة بين رؤيتين لا تتلاقيان أبداً، الرؤية الأولى إذا نجحت الثورات العربية تصطدم بالثورة المضادة، ومن ثم ينقسم الوطن اجتماعياً حال العجز عن قسمته طائفياً.
جاستا الأمريكي وعنصرية القرار: تعمد مؤسسات الكيان الأمريكي إلى إحداث خلل اقتصادي عن طريق الاستدراج للفوضى الاقتصادية من خلال قانون جاستا العنصري الذي يمثل أعلى درجات انهيار معايير العقل عند أصحاب القرار الأمريكي، فكان القانون عبارة عن صورة من صور الاستعلاء في الرؤية الذاتية للمجتمع والقادة الأمريكان لتطبيق سبل الابتزاز للدول الإسلامية عامة والمملكة ودول الجوار للكيان الغاصب بصفة خاصة، لتحقيق إما تبعية كلية أو تغريباً كاملاً أو انهياراً اجتماعياً بعد تجفيف الدعم الخليجي للدول، ومن ثم تتهيأ الدول لحدوث خلل اجتماعي عقب المراد لهم بعد الشحن الإعلامي نحو ثورات لا تحدث نقلة نوعية نحو الاستقرار، بل تحدث فوضى عقب وقوع السلاح في أيدي قادة الفوضى، ومن ثم يربح غربان الغرب في تصدير العشوائية في الشعوب أو الديكتاتورية التي تمحق بركة الإبداع الفكري أو العلمي أو الاقتصادي.
غربان الغرب ورعاية الانقسام المتوالي: لم يدخر غربان الفكر الغربي سواء الاجتماعي أو الاقتصادي أو الديني الوسع في صناعة الانقسام المتوالي داخل الأمة، سواء بدعم الليبراليين أو استدراج فصائل الإسلاميين، واستغلال الخلل الفكري في إدارة التنوع الإسلامي في فهم بعض القضايا الفقهية أو زويا الرؤية للسياسة المعاصرة التي تتغير بتغير طبيعة الضغوط من المخالفين أو تعنت المعاصرين وتكلس العقول حول رؤية كان بالوسع أن تتغير، إلا أن الذاتية التي يرعى الغرب أطيافها وأطرافها تصنع في الأمة ظاهرة الانقسام المتوالي الذي يمثل طوق نجاة لصناع القرار الغاشم جاستا الأمريكي.
تبني المشروع الفارسي كرؤية تعوق الإسلام السني: أظهرت خطى الغرب في الواقع المعاصر رعاية الثورة الباطنية الرافضية في إيران منذ بدايتها حتى كانت الطائرة الفرنسية ذات الخلفية العلمانية هي التي تحمل شيطان العصر الخميني من فرنسا إلى سدة الحكم الصفوي الجديد الفارسي الأصل، فكان الدعم الغربي لاستهلاك قوى العراق السني ثم الاستدراج الماكر له في أزمة الخليج ثم القضاء عليه في 2003م، وتسليم بلاد الخلافة العراق العظيم إلى مجوس إيران وأتباعهم، ولم ينتهِ الأمر عند الأزمة العراقية بل تمدد المجوس غرباً حتى الشام الجريح من خلال دغم طاغية الشام ومجرم البشرية المعاصرة بشار الأسد قصم الله ظهره، ثم التمدد نحو جنوب الجزيرة لتكون اليمن شيطاناً باطنياً حوثياً يقع في خاصرة المملكة العربية السعودية، حتى بمرور الزمن وصناعة الفتن تتهيأ الأمة لميلاد دولة قرامطة في المشرق من الجزيرة العربية، نسأل الله أن يحفظها بأهل السنة إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ها قد انكشفت كل الأوراق وليس أمام الأجيال إلا أمران، إما العمل بحجم الهدف؛ وهو العبودية لله عز وجل وجعل المنهج السني واقع حياة يعيش الحق من خلال الثوابت ويقبل العمل بالمتغيرات من خلال رؤى أهل الأصول الثابتة التي تصون الثبات وتقبل التيسير في آن واحد، أو العمل على أساس حجم الأخطار التي تحيط بالأمة الإٍسلامية عامة والسنية بصفة خاصة، فلم تعد الخيارات كثيرة أمام أهل السنة والجماعة، فانحصر الخيار في وجوب العمل بحجم الخطر وعظيم الهدف وليس من بديل غير المشروع السني العظيم الذي يجمع الأمة بتنوعها ويحقق الخير لها برغم تعدد زويا رؤيتها، فهل من مدكر؟ {فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلَى اللَّهِ إنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر: ٤٤].
:: مجلة البيان العدد 355 ربيـع الأول 1438هـ، ديـسـمـبـر 2016م.