الكاثوليكية تحكم أمريكا
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، وبعد:
عندما أصبحت الولايات المتحدة دولة ذات شأن في القرن التاسع عشر، اشرأبت أعناق الدول الأوربية ومؤسساتها الاقتصادية تطمع في أن تنال حصتها منها؛ لكنها لم تبلغ ما بلغته الكنيسة الكاثوليكية من سعي دؤوب لاستثمار هذه الأرض البكر.
كان هدف الكنيسة الكاثوليكية ذا شقين: أولاً، أن تكون لها قدم راسخة في العالم الجديد. ثانياً، أن تتحالف مع قارة قد تصبح يوماً قائدة للعالم. وكانت بروتستانتية الولايات المتحدة دافعاً للفاتيكان لتكثيف جهوده من أجل تحويل القارتين الأمريكيتين إلى الديانة النصرانية الكاثوليكية تحديداً.
كان اليسوعيون من أوائل الجماعات الكاثوليكية التي نشطت في أمريكا. ففي عام 1816م كتب «جون آدمز» رسالة وثقتها الموسوعة الكاثوليكية الجديدة - إلى الرئيس «جفرسون» جاء فيها:
لا أحب ظهور اليسوعيين ثانية. ألن تكون أسرابهم بيننا بأقنعة عديدة لا يستطيعها إلا ملك الغجر؛ لابسين لباس الرسامين والناشرين والكُتاب ومديري المدارس؟ إن كان هناك جمع من البشر يستحقون هلاكاً أبدياً على الأرض وفي جهنم فإنها جمعية لويولا هذه. لكن نظام التسامح الديني لدينا يحتم علينا أن نمنحهم حق اللجوء[1].
أما «صموئيل مورس» - مخترع التلغراف - فعبر عن خطر هذا الوافد بقوله:
أعمالهم تلقاء أعينكم في أحداث كل يوم. إنها جمعية سرية، شكل من أشكال التنظيم الماسوني، مع مزيد من الصفات البغيضة المقززة، وتفوقها خطراً بآلاف المرات. إنهم ليسوا مجرد قساوسةِ أو كهنةِ معتقَدٍ ما. إنهم تجار ومحامون ومحرِّرون وأصحاب كل مهنة، لا يميزهم شعار (في هذا البلد) يعرفون به. إنهم ينتشرون في مجتمعكم كله[2].
وهي حقيقة عبر عنها الرئيس «أبراهام لنكولن» بقوله: «إن القساوسة والراهبات والرهبان الذي يحُطُّون على شواطئنا كل يوم تحت ستار الدعوة إلى دينهم... ليسوا سوى رسل للبابا»[3].
وكيف يكون تنفيذ خطة بسط النفوذ في الولايات المتحدة؟ هذا ما يجليه الأب الكاثوليكي الأسبق «تشارلز تشينيكي» بعد أن حضر اجتماع القساوسة الكاثوليك في «بَفَلو» عام 1852م الذي أعلنوا فيه:
«لقد عزمنا على الاستيلاء على الولايات المتحدة وحكمِها، لكننا لا نستطيع صنع ذلك دون العمل سراً وبكل حِكمة... بسرية وصبر علينا أن نحشد أتباعنا من الروم الكاثوليك في المدن الكبرى بالولايات المتحدة... لِندْعُ فقراءنا المؤمنين من الكاثوليك الأيرلنديين من كل أنحاء العالم... وما عسى المنافقين من أبناء وبنات الآباء المهاجرين المتعصبين [البروتستانت] أن يقولوا عندما لا يمكن اختيار قاضٍ أو مُعلمٍ أو شرطي إلا أن يكون رومياً كاثوليكياً أيرلندياً متديناً؟ ... عندما لا يمكن انتخاب سيناتور أو عضو في الكونجرس ما لم يكن خاضعاً لأبينا الأقدس - البابا! كم هي بائسة تلك النسبة التي سيحققها أولئك اليانكيون البروتستانت عندما لا ننتخب الرئيس فحسب بل نعبئ الجيوش ونقودها، ونجنّد الأساطيل، ونمتلك مفاتيح الخزانة العامة. حينئذ، أجل حينئذٍ، سنحكم الولايات المتحدة ونطرحها عند أقدام نائب يسوع المسيح [البابا]»[4].
وبالفعل، تمكَّن الكاثوليك - تدريجياً عن طريق الهجرات المتتابعة من أوربا وأمريكا اللاتينية - من قلب الخريطة الديمغرافية في أمريكا الشمالية، فبين عامي 1881 و1890 ازداد أتباع الكنيسة الكاثوليكية 1.250.000 تابع من المهاجرين الجدد. وبنهاية القرن التاسع عشر انضاف إليهم 1.225.000 آخرون! وخلال ثلاثة عقود كانت الكنيسة الكاثوليكية قد أضافت إلى رعاياها 5.900.000 من المهاجرين الكاثوليك[5].
والآن تتباهى الكنيسة الرومية الكاثوليكية بأنها تفوق الكنائس البروتستانتية أتباعاً؛ فهم يشـكِّلون في أمريكا الشمالية 22.6% بينما لا يتجاوز البروتستانت 19.0%؛ بمعنى أن الولايات المتحدة التي تبلغ نسبة الكاثوليك فيها 19.6% مقابل 18.6% لصالح البروتستانت لم تَعُد بروتستانتية «إصلاحية» كما يُظَن، بل هي الآن دولة كاثوليكية بابويَّة.[6]
وعندما دخلت الولايات الحرب العالمية الثانية عام 1941م كانت الكنيسة الكاثوليكية تمتلك شبكة من الكنائس والمدارس والمستشفيات والصحف تمتد من الساحل الأطلنطي إلى الساحل الباسيفيكي، وكانت الطائفةَ الدينية الأقوى، حتى رأى الرئيس الأمريكي ضرورة أن يكون لديه مبعوث خاص لدى الفاتيكان. وأما اليوم فإن الكنيسة تتمتع بدعم مالي كبير جداً توجزه الإحصائية التالية التي نشرتها مجلة الإكونومست:
الرعاية الصحية | 98.6 بليون دولار |
الكليات والجامعات | 48.8 بليون دولار |
الأبرشيات والأسقفيات والمدارس | 11.0 بليون دولار |
المؤسسات «الخيرية» | 4.7 بليون دولار |
نفقات أخرى | 8.5 بليون دولار |
المجمــوع | 171.6 بليون دولار |
أما أمريكا اللاتينية فقد شكل انتخاب البابا فرنسيس منها رد اعتبار للقارة الأم؛ فهي تضم 70% من الروم الكاثوليك الموالين للبابوية، وتغطي مساحة شاسعة تبلغ 14% من اليابسة، كما أنها تشكل قوة ضغطٍ سبق أن استعملها الفاتيكان أثناء الحرب العالمية الثانية ضد الرئيس الأمريكي روزفلت. وهذا الاختيار غير المتوقع للبابا الأرجنتيني سيعزز بلا شك مكانة البابوية في عيون الكاثوليك اللاتين ويقوي الولاء لدى أتباع الكنيسة في تلك «القارة الأمل».
إذا أضيف إلى هذا انتصار الحزب الديمقراطي - بعد أن دعمه الجمهوري بوش الأب! - واختيار نائب كاثوليكي متعصب «تيم كين» مقرب من البابوية، فإن الكنيسة الكاثوليكية ستعيش مرحلة ذهبية من حياتها في أمريكا، وحينها قد «تحكم الولاياتِ المتحدة وتطرحها عند أقدام نائب يسوع المسيح [البابا]»، كما أراد المتآمرون في اجتماع «بفلو» عام 1852م.
:: مجلة البيان العدد 353 مـحــرم 1438هـ، أكـتـوبـر 2016م.
[1] Fullop-Miller, Rene. The Power and Secrets of the Jesuits (New York: The Vikings Press, 1930), p. 390.
[2] Laurens, J. Wayne. The Crisis: Or, The Enemies of America Unmasked (Philadelphia: G. D. Miller Publisher, 1855), p. 266.
[3] Charles Chiniquy, Fifty Years in the Church of Rome, p. 699.
[4] Fifty Years in the Church of Rome, p. 668.
[5] The Vatican and the USA (The Thinker’s Forum), p. 4.
[6] Encyclopedia Britannica Almanac 2010, p. 467.