• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
فاجعة المسلمين في إندونيسيا

فاجعة المسلمين في إندونيسيا

التفاصيل كثيرة حينما نتحدث عن التوجهات القومية والدينية المتصارعة في بلد يتكون من اتحاد أكثر من 18 ألف جزيرة، بالإضافة إلى 300 إثنية عرقية ودينية، ويقطنها أكثر من 249 مليون نسمة. إندونيسيا التي دائمًا يتباهى المسلمون بفتحها بدون إراقة دماء، تعتبر أكثر الدول الإسلامية ضخامة من حيث عدد السكان، لكنها فعليًّا لا تزال تخوض صراعًا عميقًا في البحث عن الهوية الفكرية للدولة، فمنذ استقلالها عن الاستعمار الهولندي وهي تعاني من مزيج من الثقافات المحلية والضرورات السياسية التي صنعها الاستعمار لأهداف طويلة الأمد تمكنه من ممارسة سطوته عن بعد.

حاولت الأحزاب العلمانية والقومية بعد جلاء الاستعمار تجميل صورة العلمانية كرمز للتعايش بين أبناء الشعب الإندونيسي ساعين بجهود حثيثة لتطبيق التجربة التركية. ربما نجح أول رؤساء إندونيسيا أحمد سوكارنو في ترسيخ هذا المفهوم للدولة على حساب إقصاء الآخرين من خصومه، وخصوصًا الأحزاب الإسلامية، وخاض صدامات عنيفة من أجل تحقيق رغبة استعمارية تبقى شبحًا يطارد استقرار إندونيسيا حتى بعد رحيل المستعمر، فبعد أن انتهت محنة الاستعمار دخل الشعب الإندونيسي في صراع جديد من نوعه للبحث عن الهوية الدينية وكيفية جعلها للدولة خيارًا يسيّر أمور حياتهم وينتصر لحقوقهم. إن أبرز مؤثرات العلمانية على المجتمعات ذات الطبيعة العرقية المختلفة مثل إندونيسيا، أنها تبقي تلك الأعراق متصارعة فيما بينها ضمن حلبة مصارعة واحدة تسمى «القومية الأم»، فلا مانع لدى الاستعمار أن يبقى لكل إثنية عرقية دينها وفكرها وثقافتها، بينما الإسلام يمكنه أن يمحو كل ذلك من خلال الوحدة خلف غاية واحدة وهي الاعتصام تحت راية الإسلام وإذابة أي خلافات قائمة بين تلك الأعراق.

للتصدي لمخططات العلمانيين وعلى رأسهم الرئيس سوكارنو أنشأ الدكتور محمد ناصر حزب «ماشومي» (مجلس شورى مسلمي إندونيسيا)، والغاية كانت توحيد المسلمين في بلاده وجعل الإسلام الدين الرسمي للدولة، وفي عام 1950 أصبح رئيسًا للوزراء، لكن اضطر للاستقالة بعد سبعة أشهر بسبب صدامه مع الرئيس سوكارنو حول الغايات التي يريد تحقيقها.

كان سوكارنو جزءًا من الإرث الاستعماري كنظرائه في المنطقة العربية، أمثال جمال عبدالناصر وغيره من القوميين، فقد مارس ضغوطًا كبيرة لتقليل فرص الإسلاميين في الوصول إلى مبتغاهم، وأصر على أن يحكم إندونيسيا «الحزب الوطني»  - وهو حزبه -، وأن تقوم الدولة على مبادئ علمانية يتم تدريسها في المدارس، وتجبر المؤسسات الإسلامية على قبولها. وسُجن الدكتور ناصر مدة أربع سنوات في عهد سوكارنو، ومنذ تلك الفترة وحجم الصراع الحضاري بين الأقليات الدينية والمسلمين في إندونيسيا يزيد حدة والسبب في ذلك الأحزاب العلمانية التي تحافظ على مساحة من الحرية للأقليات الدينية للتحرك في البلاد على حساب المسلمين، وترفض مطالب المسلمين وهم أغلبية السكان بتطبيق الشريعة.

في أول أيام عيد الفطر الماضي، وقعت حادثة أثارت من جديد الصراع الأيديولوجي في أكبر دولة إسلامية من حيث السكان، حيث هاجمت مجموعة مسيحية 153 مسلمًا في إقليم بابوا بشرق إندونيسيا أثناء أدائهم صلاة العيد واعتدوا على المصلين بالحجارة، وأحرقوا المسجد، لم يكن موقف الدولة سوى تسكين المسلمين ومحاولة امتصاص غضبهم.

وبالرغم من أن وزارة الشؤون الاجتماعية قالت إن المسلمين فروا إلى نقطة عسكرية ومركز شرطة بعدما تعرضوا للهجوم، وأحرق مسجدهم و63 محلًا تجاريًّا يملكونها، إلا أن السلطات اكتفت بدعوة الجميع إلى ضبط النفس.

إفادة المتحدث باسم الشرطة المحلية باتريغي ريناوارين أظهرت أن سبب الحادثة يعود إلى تحذير مكتوب وزعته كنيسة الإنجيل الإندونيسية بالمنطقة تطالب فيه المسلمين بعدم أداء صلاة عيد الفطر ورفع الأصوات بالتكبير.

ويحذر المنشور المسلمات من لبس الحجاب في المحافظة خلال هذه الأيام، ويدعو المسلمين إلى أداء الصلاة بمدن أو محافظات أخرى، بحجة أن ذلك يأتي بالتزامن مع اجتماع دولي تنظمه الكنيسة خلال هذا الأسبوع. اكتفى نائب الرئيس الإندونيسي بالتعبير عن أسفه لما جرى، وطالب المجني عليهم بالكف عن استخدام العنف وضبط النفس.

وخلال البحث عن المزيد من التفاصيل حول هذه الحادثة، اتضح أن لجنة العمل الإقليمية BPWT التابعة للكنيسة الإنجيلية في إندونيسيا GIDI قد نشرت رسالة تهديد بتاريخ 11/07/2015، وقعها الكاهن ويندا نيوس، وتم إرسال نسخة منها إلى رئيس البرلمان، والشرطة، ويحتوي الخطاب على منع المسلمين من الاحتفال بعيد الفطر في المنطقة، ومنع النساء المسلمات من ارتداء الحجاب، بينما كان نائب الرئيس الإندونيسي يزعم أن الهجوم تم بسبب ارتفاع مكبرات الصوت في المسجد خلال الصلاة.

ويعاني المسلمين الذين يعيشون في مدن ذات أغلبية غير مسلمة من منع بناء المساجد وممارسات عنصرية تجاه المسلمين وكذلك منع الأنشطة الإسلامية.

تراخي الأحزاب الحاكمة في إندونيسيا - وهم من العلمانيين والقوميين - ورفضهم مطالبات شعبية بتطبيق الشريعة في البلاد سمح للكنائس المسيحية بتنفيذ حملات تنصير ضخمة، حتى إن نجاح البعثات التنصيرية المتواصل وخصوصًا البروتستانتية دفع بعض الباحثين للقول إن عام 2050 سيكون نسبة كبيرة من المسيحيين في العالم من سكان الدول الفقيرة، كما يشير تقرير نشرته مجلة التايم سابقًا، إلى أن المجتمع المسيحي في إندونيسيا ربما يزيد عن عشرة في المائة من السكان، وتضيف المجلة أن مدينة تيمانغونغ مثلًا لم تكن تحتوي على أي كنيسة عام 1960، بينما تضم اليوم أكثر من 40 كنيسة. ونظرًا لاستشعارها خطورة الموقف، نظمت جمعية «هيئة العلماء» المعروفة حملة ضد التنصير ودعت المسلمين إلى حماية دينهم في ظل تقاعس الدولة عن ذلك، الأمر الذي تسبب بإغلاق عشرات الكنائس.

ويفيد تقرير نشره موقع indonesia-investments أن عدد المسيحيين في أندونيسيا 23.5 مليون شخص، الغالبية العظمى منهم والبالغة 16.5 مليون شخص هم من البروتستانت، بينما يبلغ عدد الكاثوليك 7.5 ملايين شخص. ويتمركز معظم المسيحيين في شرق إندونيسيا، في المناطق التالية:

1. سومطرة الشمالية.

2. كاليمانتان.

3. شمال سولاويسي.

4. سولاويزي الغربي.

5. الملوك.

6. بابوا.

7. فلوريس.

8. سومبا.

9. تيمور الغربية.

تفيد الروايات التاريخية أن انتشار المسيحية في إندونيسيا يعود لعهد استيطان البرتغاليين في الجزر الإندونيسية، حيث أصبحت حركة تجارة جيدة في المنطقة، الأمر الذي سهل حركة البعثات التنصيرية الكاثوليكية في جزيرة الملوك الجنوبية حيث أصبح بحلول القرن السادس 20% من السكان كاثوليك.

بعد ذلك في عام 1607م، أنشأت البروتستانتية الهولندية أولى مستوطناتها في إندونيسيا بهدف احتكار تجارة التوابل، ودعمت النشاط التنصيري لتشكيل حاضنة بشرية تحمي تجارتها، وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر وفدت إلى الجزر الإندونيسية بعثات تنصيرية من ألمانيا وهولندا ودعمت الحكومات الاستعمارية هذه الجهود ووفرت مساحة للبعثات التنصيرية من خلال حملاتها العسكرية في تلك المناطق في شرق آسيا.

سهلت الأحزاب العلمانية في أندونيسيا ومنذ عهد الرئيس سوكارنوا بيئة جيدة للمسيحيين ومنحتهم فرص كبيرة لتحقيق نجاحات في مجال التجارة والتعليم، حتى أصبح لهم وجود قوي في الحياة السياسية والاقتصادية بما في ذلك الجيش الإندونيسي. في عام 1950 و1960 شهدت إندونيسيا صراعًا بين الإسلاميين والقوميين بالتزامن مع ذلك صعد سوهارتو إلى الحكم ليبذل جهودًا كبيرة لتحجيم دور الإسلاميين، وكان يعتبر المسيحيين حلفاء له.

وفي بداية التسعينيات، بدأت قطاعات كبيرة في المجتمع الإندونيسي بالمطالبة بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية نظرًا لسوء الأوضاع الاقتصادية، وبدأت التيارات الإسلامية توجيه انتقادات للحكومة، حتى بدأ سوهارتو بتعيين إسلاميين في المناصب العليا للدولة لتجنب المواجهة، وعام 1998 سقط سوهارتو وبدأت صراعات داخل أوساط الطبقات السياسية في إندونيسيا وأصبحت الحكومة المركزية غير قادرة على ضبط تلك الصراعات، بما في ذلك الهجمات التي تشنها جماعات مسيحية على المسلمين، لكن بعض المختصين في الشأن السياسي الإندونيسي رجحوا أن يكون الجيش هو الذي يقف خلف دوامة العنف في تلك الفترة.

يلخص الناشط الحقوقي الإندونيسي الدكتور لطفي اسياوكاني، المشهد السياسي بعد استقالة سوهارتو بالقول: «وضعت انتخابات 1999 مستقبل البلاد على المحك، على إثرها تم تشكيل مئات الأحزاب السياسية وتسجيلها في لجنة الانتخابات العامة، من بينها أحزاب إسلامية». ويضيف أن من بين 160 حزبًا تقدموا للجنة الانتخابات العامة للتسجيل، تم قبول 84 حزبًا من بينها 11 حزبًا إسلاميًّا، كانت غايتها تطبيق الشريعة الإسلامية».

كانت تلك الانتخابات ستحدد مصير الحالة السياسية الإندونيسية، فقد كان صعود الإسلام السياسي سيربك حسابات الغرب والعلمانيين في الداخل، فجدول أعمال الأحزاب السياسية الإسلامية كان واضحًا تمامًا، وهو إعادة الـ«الكلمات السبع» إلى الدستور، وهي الصياغة التي كانت تتضمن تطبيق الشريعة في إندونيسيا.وبحسب الباحث الإندونيسي فقد كان الكلمات موجدة في الدستور حتى عام 1945 حيث قامت اللجنة التحضرية للاستقلال بحذفها بطلب من وفد يمثل الأقلية المسيحية في البلاد، حاول الإسلاميون في عهد سوكارنو لكنه كان عمادًا للعلمانية في إندونيسيا، وفي انتخابات عام 1999 كان الفائز الحزب الديمقراطي الإندونيسي من أجل الكفاح، وهو حزب علماني تتزعمه ابنة سوكارنو.

لم تزد النسبة الكلية للأحزاب الإسلامية مجتمعة عن 20 بالمائة، وبالتالي لا تكفي لتشكيل الأغلبية في البرلمان، البعض برر خسارة الإسلاميين بارتباط المجتمع الإندونيسي بالعلمانية العسكرية، وكذلك سيطرت الجيش على مفاصل الدولة مكنته من توجيه الانتخابات حتى لا تتجه البلاد وجهه جديدة لا يريدها المجتمع الدولي.

في أبريل 2014 حملت نتائج الانتخابات مفاجآت سارة بالنسبة للأحزاب الإسلامية، فقد حصلت على المزيد من الأصوات بينما خسرت الأحزاب العلمانية الكثير من رصيدها، فقد حصل حزب «النضال من أجل الديمقراطية»الذي تتزعمه الرئيسة السابقة ميغاواتي سوكارنو بوتري على نسبة 19% من الأصوات، أما الحزب الديمقراطي الحاكم فقد حصل على أقل من 10%، بينما حصد في انتخابات 2009 حوالي 21%. وحافظ حزب«غولكار» الذي كان يحكم في زمن الرئيس السابق سوهارتو على نسبته السابقة 14.5%، كما قفزت نتائج حزب «إندونيسيا العظمى» حديث التأسيس بقيادة الجنرال المتقاعد برابوو من 4.2% عام 2009 إلى 11.8%ليحل في المرتبة الثالثة.

وحققت الأحزاب الإسلامية تقدمًا مقارنة بنتائجها السابقة، فقد حصل حزب العدالة والرفاه على نسبة 7%، والنهضة 9.5%، والأمانة 7.5%، والنجمة والهلال 1.6%، والتنمية المتحد 6.5%، وبنسبة إجمالية بلغت32%، وهي أكثر من سابقتها (29%) في انتخابات 2009، وهذه النسبة كسرت دائرة احتكار العلمانيين لصناعة القرار في الدولة.

تتجه الحالة البرلمانية كثيرًا نحو صياغة تحالفات لاستمرار عجلة الديمقراطية، وهذا الأمر سيسمح للإسلاميين بتحقيق المزيد من التقدم في ظل توفر مناخ المنافسة، ولا يستبعد أن تكون قوة الأحزاب في البرلمان القادم متقاربة، لكن النقطة الأهم أن الأحزاب العلمانية خسرت التفرد بصناعة القرار في إندونيسيا.

ويشترط قانون الانتخابات أن يحصل الحزب أو تحالف الأحزاب على 25% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية أو 20% من مقاعد البرلمان، كي يتأهل لتقديم مرشح للرئاسة منفردًا. ويقول رئيس حزب العدالة والرفاه «أنيس متى» في حديثه لقناة الجزيرة، إن النتائج الأخيرة للبرلمان ستعطي الأحزاب الإسلامية فرصة كبيرة لتحقيق مكاسب سياسية حقيقية، سيكون لها أثر كبير على الوجهة السياسية لإندونيسيا.

:: مجلة البيان العدد  340 ذو الحجة  1436هـ، سبتمبر  - أكتوبر  2015م.

انفوجرافيك اندونيسيا

أعلى