أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وما وراء الحملة
صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نجوم الأرض كما الكواكب نجوم في السماء، رضي الله عنهم وأرضاهم. وليس فوق تزكية الله لهم تزكية، وليس فوق الجنة منزلة وقد أُعدَّت لهم {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْـمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].
ولئن كانوا بشراً غير معصومين من الخطأ، فما انقطع الوحي من السماء حتى تاب الله عليهم وأكرمهم وخلَّد ذكرهم وشاع الثناء عليهم في الخافقين؛ وليس لأحد أن يغمزهم أو يتقصدهم بسوء والله - تعالى - يقول: {لَقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْـمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 117].
وأكد الحبيب الذي لا ينطق عن الهوى خيريتهم وفضلهم على القرون فقال - صلى الله عليه وسلم -: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم...» الحديث[1]، ونهى عن سبِّهم وأذيتهم فقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسبوا أصحابي؛ فو الذي نفسـي بيده لو أنفـق أحدكم مثل أُحـدٍ ذهباً ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصيفَه»[2].
أيها المسلمون! عقيدة أهل السنة والجماعة في محبة الصحابة وتقديرهم والدفاع عنهم رسم معالمها القرآن الكريم، وأعظم شاهدٍ عليها محمد - صلى الله عليه وسلم -، ومن حاد عن كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فسحقاً له وتبّاً، ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون، كما أن عدالة الصحابة - رضوان الله عليهم - عند أهل السُّنة والجماعة من مسائل العقيدة القطعية ومما هو معلوم من الدين بالضرورة، وليس يطعن فيهم إلا من في قلبه غِلٌ، أو في معتقده خلل.
وأمهات المؤمنين الطاهرات المطهرات، اختارهن الله ليكنَّ أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة، وحكم - وهو أصدق الحاكمين - في كتابه الكريم: {الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور: 26].
وبنص القرآن أذهب الله عن أهل البيت الرجز وطهرهم تطهيراً، وتليت في بيوت نساء النبي آيات الله والحكمة؛ فهل بعد هذا الثناء والتزكية مدخل أو طريق للفتنة؟
وأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في طليعة النساء وأفضل وأحب نسائه إليه - صلى الله عليه وسلم -؛ ففي صحيح البخاري وغيره قال - صلى الله عليه وسلم -: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام»[3].
إنها الصديقة بنت الصديق بُعثَ لها السلام من السماء، وبلَّغها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سلام شديد القوى (جبريل عليه السلام)؛ ففي صحيح البخاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لها يوماً: «يا عائشُ هذا جبريل يقرؤك السلام، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى»، تريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
أجل لقد تأثَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين طلبت أمهات المؤمنين ومتحدثتهن أم سلمة أن يأمر الناس أن يُهدُوا إليه حيث كان ولا يتحروا بهداياتهم يوم عائشة، فأعرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطلب، حتى إذا أكثـرت عليه أم سلمة قال لها: «يا أم سـلمة! لا تؤذيني في عائشة؛ فإنه - والله - مانزل عليَّ وحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها»[4]. قال ابن حجر - رحمه الله -: (وفي هذا الحديث منقبة عظيمة لعائشة، رضي الله عنها)[5].
وإذا اعتبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الطلب البسيط أذى؛ فكيف بمن يؤذي عائشة ومِن ورائها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما هو أعظم من هذا؟ وإذا تابت أم سلمة؛ كما في رواية أخرى أنها قالت: (أتوب إلى الله، تعالى)[6]، أفلا يتوب إلى الله كلُّ من زل لسانه أو خط قلمه إثماً وبهتاناً على عائشة؟
إن الأذية لأحدٍ من أزواجه - صلى الله عليه وسلم - أو أهل بيته المؤمنين أو أصحابه أجمعين أذية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا} [الأحزاب: 53].
لقد ترجم الإمام الذهبي - رحمه الله - لعائشة - رضي الله عنها - في سير إعلام النبلاء وأطال وأثنى، معتمداً على أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وتزكيات العلماء، ومما ساقه حديث البخاري ومسلم في سؤال عمـرو بن العاص - رضي الله عنه - للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث قال: «أي الناس أحب إليك يا رسول الله؟ قال: عائشة، قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها»[7]. ثم علق الذهبي قائلاً: (هذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض وما كان عليه السلام ليحب إلا طيباً... فأحبَّ أفضل رجل من أمته وأفضل امرأة من أمته؛ فمن أبغض حبيبَي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو حري أن يكون بغيضاً إلى الله ورسوله)[8].
وأم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - لا غرو أن تكون محل الثناء والحب والتقدير من لدن الأكابر من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يزيد في عطاء عائشة عن أمهات المؤمنين؛ إذ فرض لهن عشرة ألاف، وزاد عائشة ألفين وقال: (إنها حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)[9] وأبو موسى - رضي الله عنه - يقول: (ما أشكل علينا أمرٌ فسألنا عنه عائشة - رضي الله عنها - إلا وجدنا عندها علماً)[10]. وبرغم أنوف الروافض هذا علي، رضي الله عنه - مع ما وقع بينهما - يثني على عائشة ويقول: (إنها خليلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)[11]. ويستمر ثناء الصحابة - وهم خير الشهود - على عائشة حتى فارقت الدنيا، وهذا ابن عباس - رضي الله عنهما - جاء يستأذن على عائشة فقيل: (هذا عبد الله بن عباس يستأذن - وهي تموت - فقالت: دعني من ابن عباس، فقال: يا أمتاه! إن ابن عباس من صالحي بنيك ليسلِّم عليك ويودعك، فقالت: ائذن له إن شئت. قال: فادخلته فلما جلس قال: أبشري. فقالت: أيضاً. فقال: ما بينك وبين أن تلقي محمداً - صلى الله عليه وسلم - والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد؛ كنت أحبَّ نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رسول الله ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب إلا طيباً، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فأصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يصبح في المنزل، وأصبح الناس ليس معهم ماء فأنزل الله - عز و جل - {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: ٦] فكان ذلك في سببك وما أنزل الله - عز و جل - لهذه الأمة من الرخصة، وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات جاء به الروح الأمين فأصبح ليس لله مسجد من مساجد الله يذكر الله إلا يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار. فقالت دعني منك يا ابن عباس، والذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسياً منسياً)[12]
ولم يكن الشعر والشعراء بمعزل عن مشهد عائشة والثناء عليها والدفاع عنها، ولا سيما ممن أيده الله بروح القدس، فحسان بن ثابت - رضي الله عنه - يقول في عائشة:
رأيتُك – وليَغْفر لكِ الله - حرةً
من المحصَنات غَيْر ذاتِ غوائلِ
حَصَانٌ رزانٌ ما تُزَنُّ بريبةٍ
وتصبح غَرْثى من لحوم الغوافِلِ
عقيلةُ حيٍّ من لؤي بن غالبٍ
كرام المساعي مجدهم غيرُ زائلِ
مهذبةً قد طيَّب الله خِيْمَها
وطهَّرها الله من كل سوءٍ وباطلِ
فإن كُنتُ قد قلتُ الذي قد زعموا
فلا رفَعَتْ سوطي إليَّ أناملي
وكيف وُودِّي ماحِييتُ ونصرتي
لآل رسول الله زَيْن المحافلِ
فإن الذي قد قيل ليس بلائطٍ
ولكنه قول امرئ متماحلِ[13]
وحينما قيل لعائشة: إن حساناً شارك في حديث الإفك اعتذرت عنه وقالت: أليس هو الذي يقول:
فإن أبي ووالده وعرضي
لعرض محمدٍ منكم وقاء[14]
وكذلك سار قطار التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى تقدير أم المؤمنين عائشة والثناءِ عليها؛ فهذا (مسروق) - رحمه الله - كان إذا حدَّث عن عائشة - رضي الله عنها - قال: (حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سموات)[15].
لقد فاقت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - غيرها في علم الدين والدنيا؛ فهذا عروة بن الزبير - رحمه الله - كان يقول لعائشة: (يا أمتاه، لا أعجب من فقهك، أقول: زوجة نبي الله وابنة أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس أقول: ابنة أبي بكر وكان أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو؟ ومن أين هو؟ وما هو؟ قال: فضربت على منكبه وقالت: أي عريَّه! إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسقم عند آخر عمره وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فتنعت له الأنعات، وكنت أعالجها له، فمن ثَمَّ)[16]. وبلع إعجاب الذهبي بعلم عائشة حدّاً قال معه: (ولا أعلم في أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل ولا في النساء مطلقاً امرأة أعلم منها)[17].
أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - جمعت خِلالاً أخرى واختصت بمزايا قالت عنها: (توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، وفي يومي وليلتي، وبين سَحري ونَحري، ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رطب، فنظر إليه حتى ظننت أنه يريده فأخذته فمضغتـه ونفضته وطيبتـه ثم دفعتـه إليـه فاستنَّ به كأحسـن ما رأيته مستناً قط، ثم ذهب ليرفعه إليَّ فسقطت يده، فأخذت أدعو له بدعاء كان يدعو به له جبريل حتى رفع بصره إلى السماء وقال: الرفيقَ الأعلى، وفاضت نفسه؛ فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا)[18].
ما أحبَّ عائشةَ إلا مؤمن، وما أبغضها إلا منافق، {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [النور: 26] اللهم إنا نشهدك على محبة عائشة ومحبة حبيبها - صلى الله عليه وسلم - وأبيها أبي بكر - رضي الله عنه - اللهم واحشرنا معهم وافضح من نالهم بسوء.
إن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - شمس لا يمكن حجب نورها، إنها في كل بيت، وعلى كل لسان، وفي كل عصر ومصر لا يكاد يخلو منها كتاب، ولا تكاد تخطئ فضائلها عين أو تغيب مناقبها عن سمع؛ هي ملء السمع والبصر، وحمقى أولئك الذين يشغبون عليها أو يظنون أنهم يحجبون شيئاً من أنوارها.
ففي سورة النور نور وبرهان وفرقان وبلاء وبهتان؛ لقد صال المنافقون وارجفوا واتهموا بيت النبوة، وراموا النيل من الإسلام وأهله، حتى إذا زُلزِل أهل الإيمان كشف الله الغمة، وفضح أهل النفاق، ومع عِظَم البلاء، نزلت البراءة من السماء فكانت بياناً وتزكية للصديقة عائشة إلى يوم الدين: {إنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: ١١]، ولقد وقف المفسرون عند آيات الإفك وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، فقال ابن كثير: (هذا وعيد من الله - تعالى - للذين يرمون المحصنات الغافلات، خرج مخرج الغالب (المؤمنات)، فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة، ولا سيما التي كانت سببَ النزول، وهي عائشة بنت الصديق - رضي الله عنهما - وقد أجمع العلماء - رحمهم الله - قاطبة على أن من سبَّها بعد هذا ورماها به بعد هذا الذي ذُكِر في هذه الآية فإنه كافر لأنه معاند للقرآن)[19].
وقبله قال القرطبي عند قوله - تعالى -: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِـمِثْلِهِ أَبَدًا إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [النور: 17]: (فكل من سبَّها بما برأها الله منه مُكذِّبٌ لله، ومن كذَّب الله فهو كافر)[20].
إنه لن يضير أمَّ المؤمنين إرجاف المرجفين وقد تولى الله بنفسه الدفاع عنها وتبرئتها، بل كلما زاد الإجاف والبلبلة والتهم الباطلة زاد معه الحبُّ لعائشة، وعلم الناس من فضائلها ومقامها ما جهلوا، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يفقهون.
إنها لا تحتاج إلى دفاع أحد بعد دفاع الله عنها ولن يضيرها شماتة المرجفين وبعض الحاقدين وقد أحبها خيرة خلق الله أجمعين، ومما ينبغي أن يُعلَم أن عائشة ليست أول من رُمي بالفاحشة من الصالحين؛ فقد سبقها بالتهمة طاهرون وطاهرات؛ فيوسف - عليه السلام - قيل عنه: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف: 25] ، ومريم قال لها قومها: {يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا 27 يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: 27 - 28]. قال القرطبي: (قال بعض أهل التحقيق: إن يوسف - عليه السلام - لما رُمِي بالفاحشة برأه الله على لسان صبي في المهد، وإن مريم لَـمَّا رميت بالفاحشة برأها الله على لسان ابنها عيسى - صلوات الله عليه - وإن عائشة لما رميت بالفاحشة برأها الله - تعالى - بالقرآن؛ فما رضي لها ببراءة صبي ولا نبي حتى برأها الله بكلامه من القذف والبهتان)[21].
ولكن السؤال المهم: ماذا وراء الإرجاف والبلبلة في صديقة الأمة ؟ لئن استهدفت عائشة - رضي الله عنها - ظاهراً فوراء الأكمة ما وراءها، والمشروع المتآمر يتجاوز عائشة إلى استهداف رموز الإسلام وحَمَلة القرآن والسُّنة، (والخيِّران). أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - ليسا بمعزل عن تُهَم مَنْ لا خلاق لهم، وإنه لمـن المعيب أن تُنسَب مصنفـات لأهل الإسـلام جاء فيهـا - كما يقول المجلسي -: (ومما عُدَّ من ضروريات دين الإمامية، استحلال المتعة، وحج التمتع، والبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية)[22]، بل يتجاوز الطعن إلى شخص الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث اتُّهمَ بيته ورميت بالفاحشة حبيبته، بل يتجاوز الطعن من شخصه إلى سنته؛ حيث روت عائشة - رضي الله عنها - طائفة كبرى من سنته، وقد بلغ ما أسندته ألفين ومائتين وعشرة أحاديث[23]، بل يروم المغرضون والطاعنون في أم المؤمنين التشكيك في أحكام الدين، وقد قيل: إن ربع الأحكام الشرعية منقول عن عائشة، رضي الله عنها[24]، ويرومون التشكيك في القرآن وتكذيب آياته، ويبلغ التطاول مداه حين يكون على رب العالمين؛ حيث يعترض على تبرئته لعائشة - رضي الله عنها - من فوق سبع سموات؛ فماذا بقي؟ وأي إسلام هذا؟
إن القضية التي تدور رحى فتنتها هذه الأيام، ليست وليدة اليوم، وليست مجرد نزوة فردية، بل هي عقيدة راسخة، وتراث تتجدد طبعاته وهو يفيض بالطعن والسبِّ لا لعائشة وحدها، بل لجمهور الصحابة، وخليق بأصحاب هذا المذهب أن يعلنوا براءتهم منه؛ إن كانوا رافضين لسب أم المؤمنين عائشة[25].
إنها ثقافة متجذرة، ودول تخدم هذا المذهب وتسيِّس الدين وتصدِّر الثروة وتُشعِل الفتنة، وعلى المسلمين كافة أن ينتبهوا للخطر وحجم المنكر، ولا يجوز بحال، في زمان اصطفاف المسلمين في مواجهة التحريف والتشويه والسخرية بالإسلام ونبيِّه، والتهديد بإحراق القرآن، واتهام أهله، لا يحوز أن تزيد طوائف تُنسَب إلى الإسلام وأهله الطين بِلَّة وتوسِّع دائرة التهم والسخرية والبلبلة والفتنة، وعلى كل من سعى بالفتنة وفرَّق الصـف من اللـه ما يسـتحق، والمكـر السـيئ لا يحيـق إلا بأهله، وما تعرَّض أحدٌ لأهل الإسلام الكبار بسوء إلا خذله الله في قديم الزمان وحديثه. أما أم المؤمنين فستظل منارة يقبس منها أهل الإسلام، وستظل شهاباً محرقاً لأهل الزيغ والزندقة والفساد، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
[1] متفق عليه.
[2] رواه البخاري.
[3] الفتح: 7/106.
[4] رواه البخاري: ح3775.
[5] الفتح: 7/108.
[6] البخاري، الفتح: 7/108.
[7] البخاري: 7/18، ح3662، ومسلم: ح2384.
[8] سير أعلام النبلاء: 2/142.
[9] الطبقات لابن سعد: 8/67.
[10] الإصابة:13/40.
[11] حسنه الذهبي في السير: 2/77.
[12] أخرجه إحمد وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده قوي على شرط مسلم، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن خثيم فمن رجال مسلم.
[13] السيرة لابن هشام: 3/324، الاستيعاب لابن عبد البر: 13/90.
[14] الاستيعاب: 13/92.
[15] الحلية: 2/44، السير: 2/181.
[16] السير: 2/182.
[17] السير: 2/140.
[18] أخرجه أحمد: 4816، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في المستدرك: 4/7، والسير: 2/189.
[19] تفسير ابن كثير عند آية النور: 3/456.
[20] تفسير القرطبي: 12/206.
[21] الجامع لأحكام القرآن: 12/212.
[22] الاعتقادات للمجلسي:90 - 91 عن كتاب: أصول مذهب الإمامية الإثني عشرية د.ناصر القفاري.
[23] الذهبي: السير: 2/139.
[24] الفتح: 7/107.
[25] إننا نقبل من الشيعة أن يستنكروا الطعن في أم المؤمنين عائشة، لكننا لا نقبل أن تظل مصنفاتهم ومصنفات مشايخهم طافحة بالسب والطعن لجمهور الصحابة، كما لا نقبل أن تظل مواقعهم الإلكترونية وقنواتهم الفضائية كذلك.