مشروع قانون يهودية الدولة
قدم
كل من عضوي الكنيست «زئيف إلكين» عن حزب الليكود، و«لأييليت شاكيد» عن حزب البيت اليهودي اقتراحي «قانون أساس القومية» الذي يقضي باعتبار الكيان الصهيوني الوطن القومي لليهود
فقط، وقد صوتت الحكومة الإسرائيلية يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر
2014 على
دعم الاقتراحين، ولكن تمريرهما للكنسيت تعطل على إثر معارضة رئيسة لجنة التشريع
وزيرة العمل «تسيفي ليفني»؛ وذلك للنظر في اقتراحات أخرى يمكن أن تقدم، على اعتبار
أن هذين الاقتراحين يمثلان الصورة الأكثر راديكالية، وهو ما دفع رئيس مكتب رئيس
الوزراء لإعداد مسودة ثالثة تكون بديلاً عن الاقتراحين السابقين.
ويقضي هذا القانون باعتبار الكيان الصهيوني
الوطن القومي لليهود بمعنى أن حق تقرير المصير وحق العودة مقصورين على اليهود فقط
دون سواهم من الأقليات التي تعيش داخل الكيان، وهو ما يحول بشكل مباشر العرب الذين
يشكلون أكبر أقلية داخل الكيان الصهيوني إلى مواطنين من الدرجة الثانية، ويقطع
الطريق أمام أية عودة للاجئين الفلسطينيين لقراهم ومدنهم التي هجروا منها عام 1948.
وقد برر رئيس الحكومة دعمه لمثل هذا القانون - حسب
تصريحاته في الكنيسيت الأربعاء 2014/11/26 - بالادعاء
أن هناك الكثيرين يهددون فكرة أن «إسرائيل» هي
الوطن القومي للشعب اليهودي، وأن هذا القانون جاء ليدعم هذا الحق، ويمنع أي
محاولات لتغيير الطابع اليهودي للدولة سواء عن طريق تغيير النشيد الوطني، أو تغيير
الطابع الديمغرافي للدولة بإغراقها باللاجئين الفلسطينين، مؤكداً أن هذا القانون
سيكون عائقاً في وجه أولئك الذين يتطلعون لإقامة حكم ذاتي للعرب في الجليل والنقب.
ويقف في صف الداعمين بقوة لمشروع هذا القرار
الأحزاب والتيارات المحسوبة على اليمين القومي والديني المتطرف سواء داخل الائتلاف
الحكومي أو خارجه، على رأسهم زعيم حزب البيت اليهودي ووزير الاقتصاد «نفتالي
بنت» الذي
هدد أنه ما لم يتم تمرير القانون فإنه سوف ينسحب من الائتلاف، في المقابل فإنه
بالإضافة لحزب «الحركة» فإن
حزب «هناك
مستقبل» بزعامة «يائير
لبيد» يقف في صف المعارضين للقانون وإن كانت
معارضته تنصب على الصيغ الراديكالية لمشروع القرار وليس على أصل الفكرة باعتبار «إسرائيل» وطناً
قومياً لليهود!
كما اصطف في فريق المنتقدين لمشروع القانون
الرئيس الصهيوني «رؤوفين ريفلين» الذي
وصفه بأنه رهينة بيد أولئك الذي يسعون لتشويه سمعة «إسرائيل»،
وانضم إليه الرئيس الصهيوني الأسبق «شمعون بيرز»،
الذي اعتبر بدوره القانون محاولة لإخضاع إعلان «الاستقلال» ليخدم
أجندات سياسية خاصة لدى البعض، وأنه بصيغته الحالية يشكل عقبة في وجه التوصل
لاتفاق سلام مع الفلسطينيين.
أما حزب العمل فقد عارض القانون الذي رأى
فيه تهديداً مباشراً للصبغة العلمانية للدولة وللطبيعة الديمقراطية، وعبر زعيمه «يتسحاق
هرتسوغ» عن ثقته بقدرة الحزب على تشكيل الحكومة
المقبلة في حال توجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لانتخابات باكرة، ودعا كل من «يائير
لبيد» و«تسيفي ليفنيى» للانضمام
إليه وتشكيل جبهة وسط تقف في وجه التيارات الدينية واليمينية.
وبين أولئك الذين يدعمون القانون ويهددون
بالانسحاب من الحكومة إذا لم يُقر، وبين أولئك الذين يهددون بالانسحاب إذا ما
أُقر، يجد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو نفسه بموقف حرج، فالائتلاف الحكومي مهدد
بالانهيار، والذهاب لانتخابات باكرة أمر وارد في الحسبان، ولذلك فهو يسابق الزمن
لأجل استمالة الأحزاب الأرثوذكسية مثل حزب شاس للانضمام للائتلاف لإبقائه متماسكاً
في حال خرج أحد مكوناته، أو دعم تسميته كرئيس وزراء قادم في حال الذهاب لانتخابات
باكرة، وقطع الطريق على منافسيه!
إذا تم وضع مشروع القرار ضمن سياق بيئته
المحلية والإقليمية يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
أولاً: على
الجانب القانوني فمهمة المشروع هي تقنين إجراءات إقصائية تحدث بحكم الأمر الواقع
منذ عقود في فلسطين المحتلة ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، من حيث مصادرة
الأراضي، والتهويد، والإبعاد، والحرمان من الحقوق المدنية والوطنية، ولذلك لم
يستغرب الفلسطينيون من حمَلة الجنسية «الإسرائيلية» من
إصدار مثل هذا القانون، فهو يضاف لغيره من القوانين العنصرية التي صدرت في السابق،
ومع ذلك فقد عبروا عن استنكارهم الشديد له ولغيره من القوانين العنصرية، كقانون «حنين
زعبي» الذي يقضي بفصل أي نائب يتضامن مع نضال
الشعب الفلسطيني، والخطورة تكمن هنا بأن القانون سيعمل على تعطيل واحدة من الأدوات
المهمة التي يلجأ إليها العرب في إسرائيل للمطالبة بحقوقهم أو رفع الظلم عنهم وهي
المحكمة الدستورية، والتي ستعتمد في نظامها القضائي هذا القانون في حال تمت
المصادقة عليه، وبذلك تصبح سياسة التميز والإقصاء ضد العرب محمية بموجب القانون!
ثانياً: على
جانب حق العودة وتقرير المصير والهجرة فإن القانون سيشكل قاعدة قوية لإجهاض أي حل
يتضمن حق العودة للاجئين الفلسطينيين؛ فحق العودة حسب القانون مقصور على اليهود
فقط حيث ستوفر لهم الدولة كافة التسهيلات للهجرة إليها والاستيطان فيها مع ضمان
كافة الحقوق المدنية والسياسية. كما أن تقرير المصير هو
حق لليهود فقط بمعنى أن الأقليات الأخرى والتي لا تملك مثل هذا الحق سيجدون أنفسهم
أمام خيارين: إما المكوث والعيش كمواطنين من الدرجة
الثانية، وإما الرحيل.
ثالثاً: على
جانب هوية الدولة فإنه يعمل على إضفاء مزيد من التطرف اليميني عليها، يظهر ذلك
بذهاب رئيس الوزراء لحشد التأييد من حزب شاس اليميني المتطرف على حساب أحزاب يسار
وسط كحزب «هناك مستقبل»،
أو يمين وسط كحزب «البيت اليهودي»،
كما يعكس في الوقت ذاته الصدع في المجتمع الإسرائيل المنقسم بين العلمانيين
والدينيين.
كما يعكس أيضاً الصدع الحاصل داخل التيار
اليميني نفسه، فطائفة «الحريديم» أبدت
انزعاجها من مشروع القانون الذي لم ينص صراحة على مصطلحات مثل: اليهودية (Judaism)،
والتوراة (Torah)، والهلاكاه (Halakha)؛
وهي مصطلحات من صميم التدين اليهودي، وبرأي الحاخام «إيلي
أوفران» فإن اليهودية التي ذكرت بمشروع القرار تعود
للثقافة والتاريخ وليس لتعاليم التوراة.
رابعاً: على
المستوى الدستوري سيعد القانون من القوانين الأساسية التي يتعامل معها المُشرِّع
الإسرائيلي على أنها واحدة من المواد الدستورية لدستور غير مدون، فإسرائيل تفتقر
لدستور بالمصطلح السياسي والقانوني المتعارف عليه دولياً، وكما هو معروف فإن
النظام القضائي في إسرائيل يخلو من قاعدة واضحة لتحديد أسبقية القواعد الأساسية
بعضها من بعض أو حتى تحديد أسبقيتها مع التشريعات العادية، وفي كثير من الحالات
يتم ترك تفسير هذا التداخل بناء على اجتهادات القضاة وهو معيار غير منضبط قد يخضع
لتوظيفات سياسية تضر بأصحاب القضايا وتحرمهم حقوقهم.
خامساً: على
الجانب الحزبي يخدم مشروع القرار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في اتجاهين: الاتجاه
الأول يتعلق بالانتخابات الحزبية المزمع عقدها نهاية هذا العام والتي يتنافس على
رئاسة حزب الليكود فيها كل من «بنيامين نتناهو» والسياسي
المتطرف «موشيه فيجلين»،
وبلا شك فإن مثل هذا المشروع من شأنه أن يستميل مناصري فيجلين الأكثر تطرفاً في
الحزب لدعم نتنياهو والفوز بأغلبية الأصوات بما يمكنه من مواصلة زعامة الليكود
وإجراء التعديلات في قائمته للانتخابات القادمة بما يضمن له رئاسة الوزراء لفترة
جديدة.
الاتجاه الآخر يتعلق بالانتخابات العامة حيث
يبدي بنيامين نتنياهو امتعاضه من الائتلاف الحكومي الحالي الذي يصف فيه رفقاءه في
الحكم بأنهم أشد عليه من خصومه في المعارضة، وفي حال طلب من رئيس الدولة إعفاءه من
الاستمرار في منصبه فإنه يسعى لأن يضع العراقيل في وجه أي تسمية لأحد من خصومه في
الائتلاف ليكون رئيساً للوزراء في الدورة الحالية، وذلك من خلال التقارب مع
الأحزاب الأرثوذكسية، مثل «شاس» وحزب «يهودية
التوراة»، تجاه عدم دعم مثل هذا الترشيح، وهو بذلك
يجبر رئيس الدولة على حل الكنيست والدعوة لانتخابات باكرة، والتي يسعى فيها
نتنياهو للفوز مجدداً وتشكيل ائتلاف حكومي أقل تبايناً من الائتلاف الحالي، وذلك
عبر انضمام التيارات اليمينية الأخرى والتضحية بكل من اليسار، واليسار - وسط
مثل حزب «هناك مستقبل».
سادساً: على
مستوى الصراع مع الفلسطينيين فإن حلم الصهاينة مازال يتمحور حول تفريغ فلسطين
التاريخية من سكانها الأصليين، وهو حلم مازال زعماء الكيان الصهيوني يسعون لأجل
تحقيقه عبر استخدام كافة الطرق سواء العسكرية والأمنية والثقافية والتشريعية
والقانونية كما هو الحال في مشروع القانون الأساسي الأخير، ولا يخفي زعماء الكيان
خوفهم الشديد من المعضلة الديمغرافية للدولة والمتمثلة بالانفجار السكاني
الفلسطيني سواء عبر الزيادة الطبيعية أو من خلال عودة اللاجئين – وإن
بشكل محدود - ضمن ترتيبات اتفاقيات الحل النهائي في عملية
السلام.
وقد لا يكون مستغرباً تزامن هذا القانون مع
التصريحات التي يطلقها مسؤولون من كلا الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي» حول
عملية السلام واتفاق الحل النهائي، فالرئيس الفلسطيني محمود عباس عبر عن قبوله
بإقامة الدولة الفلسطينية على مساحة 22 في المئة فقط من أرض
فلسطين التاريخية، وذلك في كلمته خلال احتفال الأمم المتحدة باليوم العالمي
للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مقرها بنيويورك يوم الإثنين 2014/11/24،
في حين تحدثت صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم
الجمعة 2014/11/28 عن خطة سلام أعدها وزير
الخارجية الإسرائيلي «أفغدور ليبرمان» ووافق
عليها حزبه «إسرائيل بيتنا» تتضمن
إفساح المجال أمام المواطنين العرب المقيمين داخل الخط الأخضر والذين لا يبدون
تضامنهم مع «دولة إسرائيل» أن
يصبحوا جزءاً من الدولة الفلسطينية المزمع قيامها. يتزامن
ذلك أيضاً مع التسريب الذي نشره المراسل الدبلوماسي لموقع Walla
العبري «عمير تيبون» في
صحيفة New Republic بتاريخ 2014/11/26،
والذي يتحدث فيه عن قناة سرية للتفاوض بين مسؤول فلسطيني (لم
يسمه لدواعٍ أمنية) والمستشار الخاص لرئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو «يتسحاق مولخو» والتي
قدم فيها الجانبان تنازلات وصفها بالمهمة فيما يتعلق بالحدود واللاجئين مع استثناء
القدس تماماً.
خاتمة
بغض النظر عن المسودة الأخيرة التي ستعتمد
لقانون يهودية الدولة، فإنه سيبقى قانوناً تمييزياً عنصرياً يهدد الأقلية العربية
التي توجد داخل الخط الأخضر على وجه التحديد، وهو ما قد يعمل على تأجيج حدة التوتر
في الأراضي الفلسطينية بشكل عام وخصوصاً في القدس ومناطق «48». كما
سيكون له آثار واضحة على هوية الدولة التي تنزلق تدريجياً نحو التطرف اليميني مع
استمرار عجز الليبراليين واليسار عن لملمة أرصدتهم المتبعثرة هنا وهناك سواء على
الجانب الاجتماعي والسياسي أو حتى على جانب الرؤية والمشروع. والحديث
هنا لا يتمحور حول إصدار القانون؛ فالأمر أصبح في عداد المؤكد حسب ما صرحت به
مصادر مقربة من مطبخ القرار الصهيوني لصحيفة «الجاروزاليم
بوست» يوم الجمعة 28/11/2014،
ولكن يتمحور حول التوقيت، وذلك بعد إنهاء كافة الترتيبات السياسية لرئيس الوزراء
الصهيوني سواء مع حلفائه داخل الائتلاف أو خارجه لضمان الخطوة المقبلة لما بعد
المصادقة على القانون.
:: البيان تنشر ملف
خاص بعنوان (( قضية فلسطين.. والصراع على القدس))
:: مجلة البيان العدد 331 ربيع الأول 1436هـ، يناير
2015م.