قال
ابن القيم - رحمه الله - في تفاوت الناس في مراتب فَهْم القرآن: «مِنْهُمْ مَنْ
يَفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ حُكْماً أَوْ حُكْمَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَفْهَمُ
مِنْهَا عَشَرَةَ أَحْكَامٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ
يَقْتَصِرُ فِي الْفَهْمِ عَلَى مُجَرَّدِ اللَّفْظِ دُونَ سِيَاقِهِ وَدُونَ
إيمَائِهِ وَإِشَارَتِهِ وَتَنْبِيهِهِ وَاعْتِبَارِهِ، وَأَخَصُّ مِنْ هَذَا
وَأَلْطَفُ، ضَمُّهُ إلَى نَصٍّ آخَرَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ؛ فَيَفْهَمُ مِنْ
اقْتِرَانِهِ بِهِ قَدْراً زَائِداً عَلَى ذَلِكَ اللَّفْظِ بِمُفْرَدِهِ. وَهَذَا
بَابٌ عَجِيبٌ مِنْ فَهْمِ الْقُرْآنِ لَا يَتَنَبَّهُ لَهُ إلَّا النَّادِرُ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ؛ فَإِنَّ الذِّهْنَ قَدْ لَا يَشْعُرُ بِارْتِبَاطِ هَذَا
بِهَذَا وَتَعَلُّقِهِ بِهِ[1].
الآيات التي تقدَّم فيها المال على النفس:
1
- قال - تعالى -: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:
41].
2
- قال - تعالى -: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:
١١].
3
- قال - تعالى -: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ
وَالْـمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ
اللَّهُ الْـمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ
دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْـحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْـمُجَاهِدِينَ
عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95].
4
- قال - تعالى -: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُوْلَئِكَ
بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم
مِّن وَلايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ
فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ
وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 72].
5 - قال - تعالى -: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ
وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: 20].
6
- قال - تعالى -: {لا يَسْتَئْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن
يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْـمُتَّقِينَ} [التوبة:
٤٤].
7
- قال - تعالى -: {إنَّمَا الْـمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ
لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15].
8
- قال - تعالى -: {فَرِحَ الْـمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا
أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا
تَنفِرُوا فِي الْـحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا
يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81].
9
- قال - تعالى -: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ
وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْـخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ
الْـمُفْلِحُونَ} [التوبة: ٨٨].
الآية التي تقدَّمت فيها النفس على المال:
10
- قال - تعالى -: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم
بِأَنَّ لَهُمُ الْـجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنجِيلِ وَالْقُرْآنِ
وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي
بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: ١١١].
من حِكَمِ تقديم المال على النفس في أقوال العلماء:
قال
الآلوسي - رحمه الله -: «لعل تقديم الأموال على الأنفس لِـمَا أن المجاهدة
بالأموال أكثر وقوعاً، وأتم دفعاً للحاجة؛ حيث لا يُتصَوَر المجاهدة بالنفس بلا
مجاهدة بالمال، وقيل: ترتيب هذه المتعاطفات في الآية على حسب الوقوع؛ فالجهاد بـ
(المال) لنحو التأهب للحرب، ثم الجهاد بالنفس»[2].
وقال
ابن حيان - رحمه الله -: «تقديم الأموال على الأنفس؛ لأن المجاهد بائع، فأخَّر
ذكرها تنبيهاً على أنَّ المضايقة فيها أشد؛ فلا يرضى ببذلها إلا في آخِر المراتب.
والمشتري قُدِّمت له النفس تنبيهاً على أنَّ الرغبة فيها أشد، وإنما يرغب أولاً في
الأَنْفَسِ الغالي»[3].
وقال
صاحب البرهان - رحمه الله -: «وجه التقديم أن الجهاد يستدعي تقديم إنفاق الأموال
أولاً؛ فهو من باب السبق بالسببية»[4].
وقال ابن القيم – رحمه الله – في حكمة تقديم المال على النفس:
«أولاً:
هذا دليل على وجوب الجهاد بالمال كما يجب بالنفس، فإذا دهم العدو وجب على القادر
الخروج بنفسه، فإن كان عاجزاً وجب عليه أن يكتري بماله.
ومن
تأمَّل أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرته في أصحابه - رضي الله عنهم -
وأَمْرَهم بإخراج أموالهم في الجهاد، قطع بصحة هذا القول. والمقصود: تقديم المال
في الذكر، وأن ذلك مشعِرٌ بإنكارِ وَهْمِ مَنْ يتوهم أن العاجز بنفسه إذا كان
قادراً على أن يغزو بماله لا يجب عليه شيء؛ فحيث ذكر الجهاد قدَّم ذكر المال؛ فكيف
يقال: لا يجيب به؟
ولو
قيل: إن وجوبه بالمال أعظم وأقوى من وجوبه بالنفس، لكان هذا القول أصحَّ من قول من
قال: لا يجب بالمال، وهذا بَيِّن، وعلى هذا فتظهر الفائدة في تقديمه في الذكر.
وفائدة
ثانية: على تقدير عدم الوجوب؛ وهي أن المال محبوب النفس ومعشوقها التي تبذل ذاتَها
في تحصيله وترتكب الأخطار وتتعرض للموت في طلبه، وهذا يدل على أنه هو محبوبها
ومعشوقها، فندب الله - تعالى - محبِّيه المجاهدين في سبيله إلى بذل معشوقهم
ومحبوبهم في مرضاته؛ فإن المقصود أن يكون الله هو أحب شيء إليهم، ولا يكون في
الوجود شيء أحبَّ إليهم منه، فإذا بذلوا محبوبهم في حبه نقلهم إلى مرتبة أخرى أكمل
منها؛ وهي بذل نفوسهم له؛ فهذا غاية الحب؛ فإن الإنسان لا شيء أحبَّ إليه من نفسه،
فإذا أحب شيئاً بذل له محبوبه من نفسه وماله، فإذا آل الأمر إلى بَذْلِ نفسه ضنَّ
بنفسه وآثرها على محبوبه.
هذا
هو الغالب وهو مقتضى الطبيعة الحيوانية والإنسانية؛ ولهذا يدافع الرجل عن ماله
وأهله وولده فإذا أحس بالمغلوبية والوصول إلى مهجته ونفسه فرَّ وتركهم، فلم يرضَ
الله من محبيه بهذا، بل أمرهم أن يبذلوا له نفوسهم بعد أن بذلوا له محبوباتهم. وأيضاً
فبذل النفس آخر المراتب؛ فإن العبد يبذل ماله أولاً يقي به نفسه، فإذا لم يبقَ له
ماله بذل نفسه؛ فكان تقديم المال على النفس في الجهاد مطابقاً للواقع.
وأما قوله - تعالى -: {إنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُم} [التوبة: ١١١]، فكان تقديم الأنفس هو الأَوْلَى ؛ لأنها هي
المشتراة في الحقيقة، وهي مورد العقد، وهي السلعة التي استلمها ربها وطلب شراءها
لنفسه، وجعل ثمن هذا العقد رضاه وجنَّته، فكانت هي المقصودة بعقد الشراء. والأموال
تَبَع لها فإذا مَلَكها مشتريها ملك مالها؛ فإن العبد وما يملكه لسيده، ليس له فيه
شيء؛ فالمالك الحق إذا ملك النفس ملك أموالها ومتعلقاتها»[5].
وقال
الشنقيطي - رحمه الله -: «وحقيقة الجهاد بَذْلُ الجهد والطاقة، والمال هو عصب
الحرب، وهو مدد الجيش، وهو أهم من الجهاد بالسلاح؛ فبالمال يُشتَرَى السلاح، وقد
تُستَأجَر الرجال؛ كما في الجيوش الحديثة من الفِرَق الأجنبية، وبالمال يجهَّز
الجيش؛ ولذا لما جاء الإذن بالجهاد أعذر الله المرضى والضعفاء، وأعذر معهم الفقراء
الذين لا يستطيعون تجهيز أنفسهم، وأعذر معهم الرسـولَ - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ
لم يوجد عنده مـا يجهزهم به؛ كما في قوله - تعالى -: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا
عَلَى الْـمَرْضَى} [التوبة: 91]، إلى قوله: {وَلا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا
أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا
وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ}
[التوبة: 92].
وكذلك
من جانب آخر: قد يجاهد بالمال من لا يستطيع بالسلاح كالنساء والضعفاء، كما ورد عن
زيد بن خَالِدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه
وسلم - قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ
خَلَفَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا»[6].
أما
الآية الثانية: فهي في مَعْرِض الاستبــدال والعرض والطلب أو ما يسمى بالمساومة؛
فقدَّم النفس؛ لأنها أعزُّ ما يملك الحي، وجعل في مقابلها الجنة؛ وهي أعزُّ ما
يوهَب، وأحسن ما قيل في ذلك.
أُثامِـــنُ بالنفس
النفيسةِ ربَّها
وليس لها في
الخَلْقِ كلِّهـم ثمن
بها تملك الأخرى؛ فإن
أنا بعتُها
بشيء من
الدنيا؛ فذاك هو الغبـن
لئن ذهبتْ نفسٌ بدنيــا
أصيبها
لقد ذهبت نفسي
وقَدْ ذهب الثمَن
فالتجارة
هنا معاملة مع الله إيماناً بالله وبرسوله، وجهاداً بالمال والنفس والعمل الصالح،
كما قيل أيضاً[7]:
فاعمل لنفسك قبل الموت
مجتهداً؛
فإنما الربح والخسران
في العملِ»
وقال
أبو بكر الجزائري: «يخبر - تعالى - مرغباً في الجهاد بالمال لتقدُّمه على الجهاد
بالنفس؛ لأن العدة أولاً والرجال ثانياً»[8].
جهاد
المال ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: هو المشاركة بالمال في دعم المجاهدين وأُسَرِهم.
القسم الثاني: هو مقاطعة المعتدي الغاصب اقتصادياً ومالياً؛ وذلك من الجهاد
بالمال أيضاً؛ فإذا كان الإنسان بخيلاً أو عاجزاً أو ضعيفاً؛ لا يستطيع المشاركة
بماله في دعم تحرير هذه الأوطان المقدسة، فعلى الأقل يشاركُ بَقَطْعِ دعم العدو
المحتل، الغاصب[9].
وفي
سؤال لفضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - قال فيه السائل: نجد أن الله - عزَّ
وجل - في كثير من آيات الجهاد يقدِّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس؛ فما الحكمة
من ذلك؟
فأجاب
فضيلته بقوله: يظهر - والله أعلم - لأن الجيش الإسلامي قد يحتاج إلى المال أكثر من
حاجته إلى الرجال؛ ولأن الجهاد بالمال أيسر من الجهاد بالنفس[10].
وفي
السُّنة تقديم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس:
عَنْ
أَنَسٍ - رضي الله عنه - قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -:
«جَاهِدُوا الـمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ»[11].
الْجِهَادُ
الْمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ:
إذا
كان المجاهد مديناً وتعيَّن الجهاد لدفع الضرر، قُدِمَ الجهاد بالمال على سداد
الدين. قال ابن تيمية - رحمه الله -: «فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ الـمُتَعَيِّنُ
لِدَفْعِ الضَّرَر؛ِ كَمَا إذَا حَضَرَهُ الْعَدُوُّ، أَوْ حَضَرَ الصَّفَّ
قُدِّمَ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ كَالنَّفَقَةِ وَأَوْلَى»[12].
بعض
النماذج التي توضِّح سبل الجهاد بالمال في ضوء الظروف التي تعايشها الأمة الإسلامية:
أولاً: إنفاق المال في تجهيز المجاهد بالسلاح: فيجب على كل مسلم أن
يدفع حقاً معلوماً من ماله لأُولِي الأمر من المسلمين؛ عقيدة وشريعة وقولاً وعملاً
من المسؤولين عن الجهاد، وَلْيَكن لنا في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -
العبرة؛ حيث كان الصحابة والمسلمون من السابقين يتنافسون في نيل شرف إعداد الجيوش
للغزوات: {وَفِي
ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْـمُتَنَافِسُونَ } [المطففين: 26]؛ وما تنافُس
سيِّدنا أبي بكر وسيدنا عمر في تجهيز إحدى الغزوات بأموالهم إلاَّ نموذجٌ يجب أن
يقتديَ به المسلمون.
ثانياً: إنفاق المال لكفالة أُسَر المجاهدين الذين استجابوا لنداء
الجهاد تاركين خلفهم أولادهم ونسائهم:
إن هذه الأُسَر في حاجة مُلِحَّة إلى المال لكفالة متطلبات الحياة من المأكل
والمشرب والمـأوى.
إن
اطمئنـان المجـاهد أن هنـاك مجـاهـدين بأموالهـم لا يبخلون بمالهم على أسرته، نوع
من أنواع إعداد العدة للكفار الذين يحاربون الإسلام.
ثالثاً: إنفاق المال على أبناء الشهداء الذين سالت دماؤهم من أجل
الإسلام والذود عنه:
فعلى أصحاب المال حقٌ لهـؤلاء؛ فإن المجـاهد بنفسه، أقلُّ ما ينتظر منك تجاهه أن
تجود بشيء من مالك من أجل زوجته وأولاده؛ حتى ينشؤوا أقوياء يتسلمون الراية ممن
سبقوهم.
إن
أبناء الشهداء ينتظرون من أغنياء الأمة الإسلامية حقوقَهم، وألا يعتبروا ذلك
مِنَّة أو هِبَةً منهم؛ ولكنه حق معلوم قرره الله لهم، في قوله - تبارك وتعالى -: {وَالَّذِينَ
فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْـمَحْرُومِ}
[المعارج: 24 - 25].
رابعاً: إنفاق المال لتعمير أثار
تدمير بيوت المسلمين: فمن
خصال اليهود والكفار والطواغيت على مَرِّ العصور التدمير والخراب، وتشريد
المسلمين، وما أرض فلسطين وأفغانستان مَّنا ببعيد؛ فماذا فعل اليهود في فلسطين؟
وماذا فعل الروس في أفغانستان؟ وماذا فعل الأمريكان في الصومال؟
اللهم
يسِّر لنا سُبُل الجهاد بالأموال والأنفس بكرمك وجودك يا كريم! يا جواد!
[1] إعلام الموقعين عن رب العالمين: 1/ 484.
[2] الآلوسي: 7/ 141.
[3] البحر المحيط: 4/ 242.
[4] البرهان: 3/ 256.
[5] بدائع الفوائد: ص 86
[6] صحيح البخاري: بَاب فَضْلِ مَنْ جَهَّزَ غَازِياً أَوْ
خَلَفَهُ بِخَيْرٍ، (2631).
[7] أضواء البيان: 8/ 248.
[8] أيسر التفاسير: 134.
[9] الشيخ محمد حسن الددو الشنقيطي في لقاء مع الجزيرة في برنامج
الشريعة والحياة، تاريخ الحلقة: 21/4/2002م.
[10] مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين: 25/ 312.
[11] مسند أحمد: مسند أنس بن مالك: ( 11798).
[12] الفتاوى الكبرى: 5/ 537.