الجوف اليمنية تحت خطر التوسع الحوثي
يخوض
أبناء محافظة الجوف اليمنية[1] معارك
طاحنة في سبيل الدفاع عن ديارهم وأعراضهم ودينهم من خطر التوسع العسكري الحوثي،
الذي يشنّ هجماته المتتالية على بعض المديريات التابعة للمحافظة بغرض إسقاطها بقوة
السلاح، وإخضاع أهلها للفكر الشيعي، والإذعان لسلطات وأوامر الدولة الحوثية.
ويتولى
أبناء محافظة الجوف من القبائل السنية مساندة قوات الجيش في المحافظة، مهمة الدفاع
عن المناطق التي يريد الحوثيون إسقاطها وفتح بوابة جديدة للدخول إلى مدينة الجوف
الحدودية مع المملكة العربية السعودية، والتي تزخر، حسب تقارير دولية، بثروة كبيرة
من المخزون النفطي.
وبدأت
أطماع الحوثيين بمحافظة الجوف منذ بداية عام 2011م
بعد سيطرتهم على محافظة صعدة بالكامل أثناء انشغال النظام اليمني بمواجهة الثورة
الشبابية في صنعاء التي أسقطت نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، حيث حاول
الحوثيون الهجوم على معسكرات الجوف بهدف إسقاطها، لكن محاولتهم باءت بالفشل بعد
تلقيهم صفعات كبيرة من القبائل الجوفية التي تداعت من كل مكان لحماية معسكرات
الأمن والجيش ومقار الدولة في المحافظة.
واستمرت
محاولات الحوثيين بالتوسع في أطراف المدينة، والدفع ببعض المواطنين البسطاء لفتح
الأبواب لهم للعبور إلى المناطق التي يريدون غزوها، ومحاولة إغراء بعض القبائل
بالعطايا الثمينة مقابل السماح لهم بالدخول في المنطقة بطريقة سرية. واستطاع
الحوثيون الوصول إلى بعض المديريات والتمركز فيها بالسلاح المتوسط والثقيل، بعدها
بدأت الأطماع تتجه لإسقاط المحافظة تباعاً.
ومنذ
نحو شهرين يشن الحوثيون هجمات مسلحة على مديريتي الغيل والصفراء القريبتين من
محافظة مأرب، بهدف إسقاطهما والتمركز في الطريق الواصل بين العاصمة ومحافظات مأرب
وصعدة والجوف.
وتدخّلت
وساطات قبلية خلال الشهرين الماضيين لمحاولة إنهاء المواجهات بين الطرفين، إلا أن
كل الجهود باءت بالفشل نتيجة إصرار وتعنّت ميليشيات الحوثي، التي تهدد بإسقاط
المدينة وضمها إلى مناطق حكمها.
وقبل
أكثر من شهر أطلق محافظة الجوف، محمد بن سالم بن عبود، نداء استغاثة إلى وزارة
الدفاع[2]، طالب فيه بإرسال
تعزيزات عسكرية لإيقاف التمدد الحوثي على مديريات محافظة الجوف، إلا أن نداءاته لم
تلقَ الحماس المطلوب من قبل وزارة الدفاع، ولا حتى الرئاسة.
ويزيد
من قلق كثير من المواطنين الدور السلبي الذي تقوم به وزارة الدفاع إزاء الجبهات
التي تفتعلها جماعة الحوثي في أكثر من منطقة، حيث يؤكد كثير من الحقائق والشواهد
تواطؤاً واضحاً مع الميليشيات الحوثية منذ بداية المواجهات في منطقة «دماج» و«كتاف»،
مروراً بسقوط منطقة «حاشد»،
وصولاً إلى إسقاط محافظة «عمران» تحت
سيطرة الحوثيين.
ويخوض
اللواء 115 مشاة المرابط في مدينة الجوف، معارك ضارية
تسانده فيها قبائل من محافظتي مأرب والجوف، بعد حشد الحوثيين أنصارهم من كل مكان
مدججين بكافة أنواع الأسلحة، لمحاولة تكرار السيناريو نفسه الذي حصل في محافظة
عمران التي سقطت تحت حكمهم في يوليو/ تموز الماضي بعد مواجهات
عنيفة استمرت لأشهر مع اللواء 310 مدرع، الذي سقط أيضاً
بمجمل سلاحه ومعداته العسكرية تحت قبضة الحوثيين.
سيناريو
إسقاط عمران يتكرر في الجوف
بعد
هدوء الأوضاع في مدينة عمران نتيجة السيطرة الكاملة لميليشيات الحوثي على كافة
أرجاء المدينة وعلى كل المقار والمراكز الحكومية، وإخراج وتهجير كل المناوئين
للحوثي فكرياً وسياسياً من المدينة؛ بدأت الأنظار تتجه إلى محافظة الجوف الحدودية
مع المملكة العربية السعودية، حيث تسللت مجاميع حوثية مسلحة إلى مديريتي الغيل
والصفراء، وبدأت تفجير الوضع عسكرياً بعد اختطافهم شخصاً من آل النهمي، ومحاولة
السيطرة على مواقع عسكرية وتفجير قسم للشرطة في الغيل.
ويحاول
الحوثيون إبعاد الجيش عن معاركهم التي يفتعلونها في أكثر من منطقة، ويُصرحون في
وسائل الإعلام التابعة لهم بأن الجيش يجب أن يتخذ موقف الحياد في المواجهات التي
تدور بينهم وبين من يسمونهم «التكفيريين» أو
«مسلحي
حزب الإصلاح الإسلامي»، لكنهم في واقع الحال يقاتلون الجيش في أي
معركة يفتعلونها، وسبق أن تم إسقاط مراكز أمنية ونقاط تابعة للجيش في أكثر من
منطقة، آخرها الاعتداء على معسكر اللواء 310 مدرع في عمران، ونهب جميع
ممتلكاته من سلاح وذخيرة ومعدات.
وتقول
المصادر الخاصة إن الحوثيين بدأوا نقل قواتهم العسكرية من مدينة عمران بعد استتباب
الأمر تحت سيطرتهم، إلى مدينة الجوف؛ استعداداً لإسقاط مديرياتها تباعاً كما حدث
في عمران. وقلل مراقبون من نية وزارة الدفاع التدخل
لإيقاف تمدد جماعة الحوثي في الجوف، خصوصاً بعد تصريحات وزير الدفاع اللواء محمد
ناصر أحمد[3] بأن الجيش لن يتدخل في
الصراعات بين المكونات السياسية في اليمن، في إشارة إلى المواجهات التي حدثت بين
ميليشيات الحوثي والقبائل الموالية لحزب الإصلاح الإسلامي، التي قامت بمهمة مساندة
كتائب الجيش في مدينة عمران.
ويرى
مراقبون أن وزارة الدفاع تقوم بدور أساس في تمكين الحوثيين عسكرياً، من خلال
التواطؤ معهم والقيام بدور المتفرج - والداعم أحياناً - في
حروبهم مع القبائل منذ بدأت في «دماج» و«كتاف» و«حاشد» و«عمران» و«الجوف» و«ذمار»،
ويدللون على ذلك بسقوط مدينة عمران ونهب اللواء 310 مدرع
ومقتل قائده العميد حميد القشيبي، من دون أن يكون للدفاع أي دور إيجابي في مساندة
مقاتلي اللواء.
ويقول
عسكريون إن قيادات عليا في وزارة الدفاع سهّلت الطريق أمام وصول الحوثيين إلى مركز
محافظة عمران، وأسهمت في تسهيل سقوط معسكر اللواء 310 مدرع،
وقتل قائده القشيبي، الذي رفض أكثر من مرة الانسحاب من المعركة بعد وصول طائرة
خاصة لنقله إلى صنعاء.
ومن
العلامات المنذرة بسوء النوايا الحوثية في الجوف، أن مجاميع حوثية بدأت جمع
توقيعات على عريضة تطالب بإقالة محافظ محافظة الجوف محمد بن سالم بن عبود، ومدير
أمن المحافظة وقائد اللواء العسكري 115 مشاة الذي يدافع عن
المدينة من الهجمات الحوثية، في خطوة يقوم بها الحوثيون لمحاولة تكرار السيناريو
نفسه الذي حصل في محافظة عمران، حيث بدأت المطالب بإقالة محافظ المحافظة وقائد
اللواء 310 مدرع، وما إن تم تحقيق مطلبهم بتغيير
المحافظ حتى بدأت ميليشيات الحوثي العسكرية شن هجمات عنيفة على المدينة حتى أعلنت
سقوطها عسكرياً في بداية يوليو/ تموز الماضي.
ويرى
المحلل السياسي اليمني فهد سلطان «أن جماعة الحوثي خرجت بعد
انتصارها الكبير في عمران لتعود إلى محافظة الجوف مستفيدة من النصر الكبير الذي
تحقق برعاية رسمية»، موضحاً «أن
الحوثي شعر بأن الطريقة التي سقطت فيها عمران ستفتح بها الأبواب المغلقة على الأقل
في الجوف، أو أنها ستحقق انتصاراً بالرعب، مستفيدة من الفعل السياسي الذي أعقب
سقوط عمران بتغييرات عسكرية لعدد من الألوية كلها لصالح الجماعة».
الجوف
عصية.. ولكن؟!
خلال
ثلاثة أعوام فائتة ظلت محافظة الجوف عصية على الكسر والتطويع أمام التمدد العسكري
الحوثي؛ كونها تمثل الشرارة الأولى لحلم التوسع الحوثي الذي بدأ مع بداية سقوط
محافظة صعدة في مارس/ آذار 2011م.
كانت
الجوف بالنسبة للحركة الحوثية المعبر الأول للتوسع حينها، لكنها تفاجأت بعد
محاولات مستمرة بقبائل عصية على التفكك والخسران، وخرجت من الجوف حينها بخسائر
فادحة بالعدة والعتاد البشري والمادي، وهو الأمر الذي دفع الميليشيات الحوثية
للتوجه إلى مناطق أخرى، وفتح أكثر من جبهة للتوسع، في مديريات حجة وعمران وقبلها
في دماج، مع بقاء جبهة الجوف مفتوحة للعودة إليها كونها تحمل أولوية في حسابها.
وبعد
سقوط حاشد وعمران، اتجهت عيون الحوثيين إلى النقطة الأولى التي افتتحوها عام 2011م
بمحافظة الجوف، لكن المفاجأة الأخرى أن قبائل «جهم» و«دُهم» المرابطة
في الجوف، لم ترتعب من الأسطورة المكسورة التي تروج بأن «الحوثي
لا يُغلب»، بل وقفت القبائل وقفة صمود وثبات وعززت من
وحدتها رغم كل التجاهل الرسمي والإقليمي للدور الذي تقوم به في مواجهة الغزو
الحوثي المتعطش للحكم السلالي الطبقي عبر بوابة الدماء.
حتى
الآن، لا تزال الأمور تحت سيطرة الجيش والقبائل المساندة له في الجوف، ولا تزال
المواجهات بين كر وفر، مع تفوق واضح للجيش ورجال القبائل المساندين له، لكن يخشى
أن تتكرر مأساة عمران، حيث يخشى أن تتعمد وزارة الدفاع تجاهل صمود اللواء 115 مشاة
في الجوف، كما تجاهلت صمود اللواء 310 مدرع في عمران، الأمر
الذي قد يقضي بسقوط مدينة ثالثة – بجوار صعدة وعمران - تحت
حكم الحوثي.
ولعل
أكثر ما يقلق أبناء محافظة الجوف أن يتكرر سيناريو الخيانات داخل قيادات الجيش في
المحافظة، وداخل أبناء القبائل، حيث يعتمد الحوثيون على عنصر «الخيانة
من الداخل» بدرجة رئيسة في حروبهم، من خلال الوصول إلى
قيادات قبلية وعسكرية وشراء ولائها بالمال الوفير مقابل تقديم خدمات مساندة من
الداخل، كما حدث في قبيلة حاشد عندما انقلب البعض من أبناء القبائل على أسرة آل
الأحمر بعد تلقيهم أموالاً طائلة من جماعة الحوثي مقابل فتح الطرقات إلى منزل آل
الأحمر للسيطرة على المنطقة.
وحذر
مدير أمن الجوف العميد محمد العديني قبل أيام[4] من
خطر ما يحدث من تغلل حوثي في كل المناطق، مذكراً الجهات الرسمية بدورها الوطني. ومع
ذلك فكل الاحتمالات واردة، فمع بقاء الجيش المرابط في الجوف متماسكاً، تسنده
القبائل الموحدة على قيادة متماسكة؛ سيكون النصر حليف أهل الأرض في الدفاع عن
أراضيهم وأعراضهم من التغلغل الحوثي المسلح. أما
إن تكررت خيانات الجيش والقبائل من الداخل – كما
حدث في عمران - فالنتيجة واحدة بالتأكيد: ضم
محافظة الجوف إلى محافظتي صعدة وعمران لتكتمل الدولة الشيعية الخالصة في شمال
اليمن.
ولعل أكثر ما نشير إليه هنا، أن سقوط محافظة الجوف – التي
تحاذي الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية - بيد الحوثيين، قد يقدم خدمة
مجانية للأجندة الإيرانية التي تبحث لها عن موطئ قدم على ساحل البحر الأحمر من
بوابة جماعة الحوثي المتطلعة لضم أكبر قدر ممكن من الرقعة الجغرافية اليمنية إلى
سلطتها الوليدة.
:: مجلة البيان العدد 328 ذو الحجة 1435هـ، أكتوبر 2014م.
[1] الجوف محافظة يمنية
شمالية تعد ثالث أكبر المحافظات اليمنية، وتبلغ مساحتها نحو 40 ألف
كيلو متر مربع، وهي محافظة نفطية تبعد عاصمتها «الحزم» عن
صنعاء (170 كلم)،
تحدها من الشمال السعودية، ومن الغرب والشمال الغربي عمران وصعدة، ومن الجنوب
صنعاء ومأرب، ومن الشرق حضرموت.
[2] الصحوة نت: محافظ الجوف يناشد وزير
الدفاع إرسال كتائب عسكرية لاستلام مواقع محررة بالجوف ومأرب
(http://www.alsahwa-yemen.net/subjects.aspx?id=41990 ).
[3]
اليمن: وزير الدفاع يشدد على حياد الجيش بالصراع
السياسي
(http://www.raya.com/news/pages/65b48368-694c-4137-bca0-88e1bba920ec ).
[4]
مدير أمن الجوف: لن يتكرر
سيناريو عمران وسنقبر
الحوثيين في المحافظة
(http://www.alkhabarnow.net/news/142382/2014/09/04/ )