• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مفهوم الصحابة عند الرافضة

مفهوم الصحابة عند الرافضة


إن للرافضة مفهوماً خاصّاً للصحابة كسائر تعاملهم مع المصطلحات الشرعية، ومصطلحاتهم لا يعرفها - في الغالب - سوى شيوخهم أو من يتعامل مع مصادرهم، وأنت خبير بأن من أهم وسائل دراسة أي طائفة معرفة مصطلحاتها ورموزها وإشاراتها، وإذا أردنا أن نتعرف إلى حقيقة مصطلح الصحابة عند الرافضة، فلا بد أن يُعلم أن مصطلح «الرافضة» يشمل اليوم طائفتين، هما:

1 - الإسماعيلية:

والتي تلقب بالباطنية والسبعية، ومنهم خرج القرامطة والحشاشون، وتفرع عنهم من الفرق المعاصرة الدروز والبهرة والآغاخانية، ومن دولهم الدولة العبيدية التي يلقبونها بالفاطمية، ومذهبهم - كما يقول الإمام الغزالي - «ظاهره الرفض، وباطنه الكفر المحض»[1].

وهم أشد غلوّاً في استعمال المصطلحات الخاصة، وأكثر غموضاً في الرموز والإشارات، بحيث تنقطع صلتها بالعبارات أو ظواهر الألفاظ ودلالات السياق، لا سيما مصطلحاتهم المتداولة في مصادرهم السرية، بل إنهم كما يحجبون معاني نصوصهم وحقيقة اعتقادهم بالرموز والإشارات، فإنهم يحجبون أيضاً مصادرهم عن التداول والانتشار، ولذا يقول أحد الباطنيين المعاصرين: «إن لنا كتباً لا يقف على قراءتها غيرنا، ولا يطلع على حقائقها سوانا»[2]. ولجهل الناس بذلك فإنهم اغتروا بما ينشرونه من كتبهم العلنية التي تنشر للدعاية والإعلام، ولذلك يقول د. علي النشار عن نشرات د. محمد كامل حسين من كتب الإسماعيلية: «وقد قدم لنا عدداً كبيراً من مخطوطات الإسماعيلية في نشرات علمية، وقد أجهد نفسه في سبيل توضيح عناصر هذا المذهب، غير أنني ألاحظ أنه فيما خلا كتب الكرماني التي نشرها د. محمد كامل حسين، فإن الكتب التي قدمها لنا ليست من الكتب السرية»[3].

وقد وقع بيد ابن النديم صاحب «الفهرست»، كتاب خطير في مراحل الدعوة عند هؤلاء الباطنيين، ووصفه بقوله: «ولهم البلاغات السبعة، وهي: كتاب البلاغ الأول للعامة، وكتاب البلاغ الثاني لفوق هؤلاء قليلاً، وكتاب البلاغ الثالث لمن دخل في المذهب سنة، وكتاب البلاغ الرابع لمن دخل في المذهب سنتين، وكتاب البلاغ الخامس لمن دخل في المذهب ثلاث سنين، وكتاب البلاغ السادس لمن دخل في المذهب أربع سنين، وكتاب البلاغ السابع وفيه نتيجة المذهب والكشف الأكبر»، ثم قال: «وقد قرأته، يعني البلاغ السابع، فرأيت فيه أمراً عظيماً من إباحة المحظورات والوضع من الشرائع وأصحابها»[4]. ويبدو أن ابن النديم استطاع أن يقف على هذه الوثيقة الخطيرة بحكم نزعة شيعية اعتزالية موجودة عنده[5]، فكانت له خلطة بهم، وإن لم يصل إلى ما وصلوا إليه من الإلحاد. وقد أخبرني بعض من هداه الله منهم للحق بأنه وعامة الأتباع لا يتمكنون من معرفة أسرار ديانتهم الباطنية، وقد يموت أحدهم قبل أن يصل إلى الدرجة الثانية أو الثالثة، أما غير المنتمين لهذه الديانة فلا يمكّنون أصلاً إلا من الاطلاع على كتب الدعاية للمذهب.

2 - الإثنا عشرية:

وهم أقل غلوّاً في استخدام الرموز وحجب المصادر، إلا أنهم يعتمدون المنهج الباطني كالإسماعيلية تماماً، فلذلك قررت نصوصهم أن «للقرآن ظهراً وبطناً»[6]. بل زاد غلوهم فقالوا: لكل آية سبعة بطون. ثم طاشت تقديراتهم فقالوا: لكل آية سبعون بطناً. واستفاضت بشأن ذلك أخبارهم؛ قال أبو الحسن الشريف: «... لكل آية من كلام الله ظهر وبطن... بل لكل واحدة منها كما يظهر من الأخبار المستفيضة سبعة وسبعون بطناً»[7].

ولأن هذا النهج الباطني هو عمدة مذهبهم، تصدر التعبير عنه أبواب مصادرهم المعتمدة، كما سيأتي.

وللرافضة في تفسير مصطلح الصحابة مسالك:

الأول: تفسير الصحابة بآل البيت، ففي مصادرهم: عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما وجدتم في كتاب الله عز وجل فالعمل لكم به، لا عذر لكم في تركه، وما لم يكن في كتاب الله عز وجل، وكانت فيه سنة مني، فلا عذر لكم في ترك سنتي، وما لم يكن فيه سنة مني فما قال أصحابي فقولوا به، فإنما مثَل أصحابي فيكم كمثل النجوم بأيها أخذ اهتدي، وبأي أقاويل أصحابي أخذتم اهتديتم». ولما رأوا أن هذا النص ينسف ما يأفكون، ويهدم بنيانهم الذي يشيدون، أضافوا عليه الزيادة التالية: فقيل: يا رسول الله، ومن أصحابك؟ قال: «أهل بيتي»[8].

ولا شك في أن تفسير الصحابة بأهل البيت فقط بعيد جداً، وقد لاحظ شيخهم ابن بابويه هذا البعد فعقب على النص السالف بقوله: «إن أهل البيت لا يختلفون، ولكن يفتون الشيعة بمر الحق، وربما أفتوهم بالتقية، فما يختلف من قولهم فهو للتقية، والتقية رحمة للشيعة»[9].

فهو هنا يحمل النص الذي يتضمن الثناء على الصحابة، وأن قولهم حجة بعد الكتاب والسنة؛ على التقية، والعقل يأبى هذا (التحريف). فلِمَ يكون الثناء على الصحابة الذي أثنى عليهم الله ورسوله، وشهد التاريخ بفضلهم وجهادهم؛ تقية؟! ويكون السب لهم والطعن فيهم والقدح في عدالتهم ودينهم هو الحقيقة وهو مذهب الأئمة؟!

ثم إن النص السابق يرويه جعفر الصادق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فهل رسول الله يكذب على الأمة تقية؟! أو أن جعفراً يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل التقية؟! وكلا الأمرين طعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، ومخالفة صريحة للقرآن والسنة.

وفي نهج البلاغة يقول علي رضي الله عنه في أبي بكر أو عمر - رضي الله عنهما - على اختلاف بين شيوخ الشيعة في ذلك[10]: «لله بلاء فلان[11]، فلقد قوَّم الأوَد[12]، وداوى العَمَد[13]، وأقام السنة، وخلَّف الفتنة[14]، ذهب نقيُّ الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها، وسبق شرها، أدّى إلى الله طاعته، واتقاه بحقه»[15].

وهذا النص يهدم كل ما بنوه وزعموه عن عداوة وصراع بين علي والشيخين رضي الله عنهم؛ لأنه ورد عندهم في كتاب «نهج البلاغة» الذي قال عنه أحد شيوخهم المعاصرين: «إن الشيعة على كثرة فرقهم واختلافها متفقون متسالمون على أن ما في نهج البلاغة هو من كلام أمير المؤمنين اعتماداً على رواية الشريف ودرايته ووثاقته»، حتى كاد أن يكون إنكار نسبته إليه - رضي الله عنه - عندهم من إنكار الضروريات وجحد البديهيات، اللهم إلا شاذّاً منهم.. وأن جميع ما فيه من الخطب والكتب والوصايا والحكم والآداب حاله كحال ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم[16]، وقد راموا تحريف النص السابق وفق أساليبهم الباطنية التي تجعل لكل تنزيل تأويلاً، ولكل ظاهر باطناً، فلم يجدوا إلى ذلك سبيلاً سوى دعوى التقية، وهذا برهان عجزهم.

الثاني: تفسير مصطلح الصحابة بثلاثة أو أربعة أو سبعة منهم فقط، ولا يزيدون، فإذا أطلقوا مصطلح «الصحابة» في كلامهم لم يريدوا به سوى هؤلاء السبعة فحسب؛ ولذا فإنهم يثنون على الصحابة، ويترضون عنهم، وقد يغتر بعض الناس بثنائهم ظنّاً منهم أنهم يعنون جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحقيقة أنهم لا يعنون سوى هؤلاء الثلاثة أو الأربعة أو السبعة، ولذا يصفونهم أحياناً عند الترضي بقولهم: «وصحابته المنتجبين»، ونحو ذلك، كما أنهم عندما يصلون على آل البيت فيقولون: اللهم صلِّ على محمد وآل محمد»، يظن السامع أنهم يصلون على آل البيت بالمعنى الشرعي عند أهل السنة، وهم في الحقيقة لا يعنون سوى السبعة – كاعتقاد الإسماعيلية -، أو الاثني عشر - كاعتقاد الإثنا عشرية -، أما البقية فإنهم لا يدخلونهم في مفهوم الآل، بل يكفرون كثيراً منهم ويلعنونهم[17].

ولحصرهم الصحابة في هذا العدد فقد استفاض في مصادرهم اللعن والتكفير لمن رضي الله عنهم ورضوا عنه، من المهاجرين والأنصار، وأهل بدر، وبيعة الرضوان، وسائر الصحابة أجمعين، ولا تستثني منهم إلا هؤلاء الذين لا يتجاوزون أصابع اليد، وأصبحت هذه المسألة بعد ظهور كتبهم وانتشارها من الأمور التي لا تحجب بالتقية.

وروى ثقتهم الكليني في الكافي: «عن حمران بن أعين قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: جعلت فداك، ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها؟ فقال: ألا أحدّثك بأعجب من ذلك، المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا - وأشار بيده – ثلاثة»[18].

وقد علق هنا شيخهم المعاصر علي أكبر الغفاري فقال: «يعني أشار عليه السّلام بثلاث من أصابع يده، والمراد بالثّلاثة: سلمان وأبو ذرّ والمقداد»[19].

وجاء في رجال الكشي: «عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان الناس أهل الردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة، فقلت: ومن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي. ثم عرف الناس بعد يسير، وقال: هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا لأبي بكر حتى جاؤوا بأمير المؤمنين مكرهاً فبايع»[20].

وإذا كان هذا هو مفهوم الصحابة عندهم، فإن مفهوم التابعين لهم بإحسان مقصور عندهم أيضاً على ثلاثة، تقول مصادرهم: «ارتد الناس بعد قتل الحسين إلا ثلاثة: أبو خالد الكابلي، ويحيى بن أم الطويل، وجبير بن مطعم»[21].

وهذه المحاولات اليائسة والبائسة لتفسير الصحابة بالآل، أو بثلاثة أو سبعة؛ ترجع إلى تعمدهم التلبيس على المسلمين، علَّهم أن يجدوا لهم قبولاً، أو أن يسمع لقولهم.. هذا من وجه.

ومن وجه آخر، هو محاولة أو حيلة لتحريف ما استفاض عن آل البيت من الثناء على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ما وجد طريقه إلى كتبهم المعتمدة؛ ففي «الخصال» لابن بابويه القمي: عن أبي عبدالله قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألفاً، ثمانية آلاف من المدينة، وألفان من أهل مكة، وألفان من الطلقاء، لم ير فيهم قدريٌّ، ولا مرجئ، ولا حروريٌّ، ولا معتزليٌّ، ولا صاحب رأي، كانوا يبكون الليل والنهار»[22].

وفي «البحار» للمجلسي: عن الصادق عن آبائه عن علي (ع) قال: «أوصيكم بأصحاب نبيكم لا تسبوهم، الذين لم يحدثوا بعده محدثاً، ولم يؤووا حدثاً، فإن رسول الله أوصى بهم الخير»[23].

وفي «البحار» أيضاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «طوبى لمن رآني، وطوبى لمن رأى من رآني، وطوبى لمن رأى من رأى من رآني»[24].

وعن موسى بن جعفر (إمامهم السابع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أمَنَة لأصحابي، فإذا قُبضت دنا من أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمَنَة لأمتي فإذا قُبض أصحابي دنا من أمتي ما يوعدون، ولا يزال هذا الدين ظاهراً على الأديان كلها ما دام فيكم من قد رآني»[25].

ويقول زين العابدين علي بن الحسين في «الصحيفة السجادية» من دعاء له في الصلاة على أتباع الرسل، وهو: «اللهم وأصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم خاصة الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلَوا البلاء الحسن في نصره، وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته، وقاتلوا الآباء والأبناء في تثبيت نبوته»[26].

الثالث: ثناؤهم على الصحابة تقية، فيتظاهرون بالثناء عليهم ظاهراً بين أهل السنة، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون؛ لأن التقية عندهم هي الدين، حتى قالوا: «لا دين لمن لا تقية له»[27]. كما أنهم يحملون نصوص الثناء على الصحابة والذي استفاض وتواتر عن آل البيت على التقية، والتقية هي حيلتهم التي يلجؤون إليها كلما أعياهم المخرج، وضاقت بهم السبل، فلم يجدوا إلى تأويلها سبيلاً، فيلجؤون إليها، وهي حيلة عاجز، وفعلة زنديق أو جاهل. وأسلوب التقية هو الغالب على خطابهم للآخر، وقد أشار إلى ذلك شيخهم الطوسي الملقب بشيخ الطائفة، حيث قال بعد أن سبَّ عائشة أمَّ المؤمنين رضي الله عنها: «فإن قيل: أليس قد روي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر أن سائلاً سأله عن عائشة وعن مسيرها في تلك الحرب، فاستغفر لها وقال له (الراوي): تستغفر لها وتتولاها؟ فقال: نعم، أما علمت ما كانت تقول: يا ليتني كنت شجرة، ليتني كنت مدرة». قال الطوسي: «لا حجة في ذلك على مذاهبنا؛ لأنّا نجيز عليه - صلوات الله عليه - التورية، ويجوز أن يكون السائل من أهل العداوة واتقاه بهذا القول وروى فيه تورية يخرجه من أن يكون كذباً، وبعد، فإنه علق توبتها بتمنيها أن تكون شجرة ومدرة، وقد بيّنا أن ذلك لا يكون توبة، وهو - عليه السلام - بهذا أعلم»[28].

وهو أيضاً المسلك المعتمد لديهم في كتبهم الدعائية التي يروجون فيها لنحلتهم، ويخدعون بها السذج من أهل السنة تحت ما يسمى «التقريب»، وقد سلك هذا المسلك طائفة من شيوخهم المعاصرين، فظهرت كتابات لبعض المعاصرين من الشيعة ممن يتظاهر بالدعوة للتقارب - وهي موضوعة للدفاع عن معتقد التشيع والدعاية للشيعة، وموجهة لبلاد السنة - تضمنت القول بأن الشيعة لا تسب فضلاً عن أن تكفر الخلفاء الثلاثة، وأنها تقدر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمدحهم وتثني عليهم[29]، وهذا النفي لما هو واقع علامة التقية.

ومن الأمثلة على ذلك أحد روافض العراق الذين لجؤوا إلى مصر لنشر التشيع[30]، والذي أنشأ جمعية لهذا الغرض سماها (جمعية أهل البيت) وسمى نفسه (إمام الشيعة في جمهورية مصر العربية)[31]. وقد أصدر في مصر كتاباً بعنوان «تقدير الإمامية للصحابة»، وكان قد قدمه إلى مؤتمر إسلامي، ونفى فيه أن تكون الشيعة ترمي الشيخين ومن بايعهما بلعن أو تفكير[32]، وقال: «إن الشيعة لو كفرتهما لكفرت عليّاً، لأنه بايعهما، ولكفّرت سلمان وعماراً لأنهما بايعوهما؛ بل إن سلمان تولى على المدائن لعمر، فكيف يتصور منه أن يلي لعمر لو كان يرى كفره؟!»[33]، ثم قال إن الشيعة تؤمن بالقرآن وقد جاء فيه الثناء على الأصحاب واستدل بالآية المائة من سورة التوبة، والآية 29 من سورة الفتح، ثم أردف ذلك ببعض ما جاء في نهج البلاغة والصحيفة السجادية من الثناء عليهم[34].

ونقل بعد هذا أقوال بعض شيوخهم المعاصرين في مدح الصحابة، واستدل بقول باقر الصدر: «إن الصحابة بوصفهم الطليعة المؤمنة والمستنيرة كانوا أفضل وأصلح بذرة لنشوء أمة رسالية، حتى إن تاريخ الإنسان لم يشهد جيلاً عقائديّاً أروع وأنبل وأطهر من الجيل الذي أنشأ الرسول القائد»[35].

ثم ختم حديثه عن هذه المسألة بقوله: «إن من ينسب إليهم ذلك (أي الصحابة) فهو إما أن يكون خصماً سيئ النية، وإما لم يطّلع على مذهب الشيعة إلا من خلال كتب خصومها، ولم يتمكن من الاطلاع على كتب أصحاب المذهب نفسه»[36].

فهل يخفى عليه أن الذي نسب إلى الشيعة هذا المذهب هو كتبهم، والذي سجل عليهم هذا العار هو مشايخهم، أمثال: الكليني والقمي والعياشي والمجلسي، وليس خصماً سيئ النية أو جاهلاً بما في كتبهم؟!

والرفاعي نفسه قد رجع في كتيّبه الذي سماه «تقدير الإمامية للصحابة» إلى «البحار» للمجلسي[37]، والذي حوى من السب واللعن والتكفير ما تقشعر منه جلود المؤمنين؛ حتى إنه عقد باباً بعنوان «باب كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم وقبائح آثارهم، وفضل التبري منهم ولعنهم»[38] (أي الخلفاء قبل علي)، فكيف يقول بأن الشيعة تقدر الصحابة؟ وإذا كان يؤمن بمبدأ تقدير الصحابة فعليه أن ينشر ذلك في الوسط الشيعي لا في القاهرة، وأن يجاهد من أجل إقناع إخوانه الإمامية حتى يغيّروا هذا البلاء الذي عمّ وطمّ في كتبهم، أو يعرضوا عنها ويعلنوا فسادها، أما نفي ما هو واقع فلا يجدي في الدفاع؛ لأنه سيؤول من قبل الشيعة والمطلعين على كتبهم من غير الشيعة بأنه تقية.

وهذا الرفاعي الذي يكتب في القاهرة بين أهل السنة «تقدير الإمامية للصحابة» ويتجاهل ما جاء في كتبهم قديمها وحديثها، وما يجري في واقعهم من عوامهم وشيوخهم؛ هو نفسه يسب خيار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو من الذين يقولون ما لا يفعلون، وينكرون ما يعرفون، فيتهم فاروق هذه الأمة بالتآمر، وأنه أول من قال بالرجعة من المسلمين[39]، كما يسب أبا بكر وعمر وأبا عبيدة رضوان الله عليهم[40].

فأي تقدير هذا؟! إلا إن كان يريد أن تقدير الإمامية للصحابة هو السب واللعن والتكفير.

فما أجرأ هؤلاء على الكذب!

إن الرافضة بهذه المسالك في التأويل يخادعون الذين آمنوا، وما يخدعون إلا أنفسهم، فإن كانوا صادقين فليرجعوا إلى مصادر الأمة ودواوين الإسلام، وليتبرؤوا من تلك المصادر التي حوت هذا الكفر والضلال.

وإن على الذين يزعمون تقدير الشيعة للصحابة أن يعلنوا خطأ هذه المسالك وعدم صحتها، وأن يعترفوا ببطلان تلك الروايات السوداء، وأن يصْدُقوا ولا يتناقضوا، حتى يقبل منهم موقفهم، ثم لِمَ يذهبون للرد على أهل السنة إذا قالوا: إن مذهب الشيعة الطعن في الصحابة وتكفيرهم، ولا يردون على أنفسهم وعلى كتبهم وعلى مشايخهم المعاصرين الذين لا يزالون يهذون بهذا الضلال؟!

وتفسيرهم للصحابة بهذه المعاني الباطلة وفق هذه المسالك الخادعة؛ أجرَوا مثله على جميع المصطلحات الشرعية التي وردت في القرآن، مثل مصطلحات (المؤمن، والأبرار، والمتقين، والمقربين، وأصحاب اليمين)، وغيرها من المصطلحات الشرعية، ويسمون ذلك «تأويلاً»، وهو في الحقيقة - كما قال ابن أبي العز - من «التحريف الذي سماه أهله تأويلاً ليقبل، وقلَّ من يهتدي إلى الفرق بين التحريف والتأويل، إذ قد يسمى صرف الكلام عن ظاهره إلى معنى آخر يحتمله اللفظ في الجملة تأويلاً، وإن لم يكن ثمَّ قرينة توجب ذلك، ومن هنا حصل الفساد، فإذا سموه تأويلاً قُبل وراج على من لا يهتدي إلى الفرق بينهما»[41]. وقد سمى الإمام الشنقيطي هذا النوع من التحريف «لعباً؛ لأنه تلاعب بكتاب الله جل وعلا من غير دليل ولا مستند»[42]، وعده أهل العلم من الكفر؛ لأن حقيقته التكذيب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

وقد حشدوا رواياتهم الموضوعة التي ينسبونها إلى بعض أئمة آل البيت كذباً وزوراً علّها تجد القبول، وتحظى بالرواج بين الجهلة والأغرار، بل عقدوا أبواباً في مصادرهم المعتمدة لديهم في تحريف هذه المصطلحات، فمن أبواب كتابهم «البحار»:

باب «تأويل المؤمنين والإيمان والمسلمين والإسلام بهم وبولايتهم عليهم السلام، والكفار والمشركين، والكفر والشرك، والجبت والطاغوت واللات والعزى، والأصنام بأعدائهم ومخالفيهم»[43]، وقد ذكر تحت هذا الباب مائة حديث لهم.

باب «أنهم عليهم السلام الأبرار والمتقون، والسابقون والمقربون، وشيعتهم أصحاب اليمين، وأعداؤهم الفجار والأشرار وأصحاب الشمال»[44]، وذكر فيه 25 رواية لهم.

باب «أنهم عليهم السلام وولايتهم العدل والمعروف والإحسان والقسط والميزان، وترك ولايتهم وأعداؤهم الكفر والفسوق والعصيان والفحشاء والمنكر والبغي»[45]، وأورد فيه 14 حديثاً من أحاديثهم.

وأبواب أخرى على هذا النمط تكشف كفرهم ونفاقهم، وهي محاولة أو حيلة من هؤلاء الزنادقة لتغيير دين الإسلام[46]، يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون، والله حافظ دينه ولو كره الكافرون والمنافقون، وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»[47].

وهذا المنهج في مخاطبتهم مخالفهم وفق طقوس التقية أو الترضي عن الصحابة وفق مصطلح خاص للصحابة عندهم، وهو تفسيرهم بأهل البيت أو حصرهم بعدد يسير لا يتجاوز السبعة؛ لا ينفي وجود رجال خرجوا من هذه الظلمات وردوا هذه الأباطيل، ومن هؤلاء: العالم الإيراني الشهير الأستاذ أحمد الكسروي، الأستاذ بجامعة طهران ورئيس المحاكم الإيرانية في زمنه، والذي ذهب إلى أن مقالة هؤلاء الروافض في الصحابة دليل كذبهم وبطلان مذهبهم، فقال: «وأما ما قالوا من ارتداد المسلمين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم فاجتراء منهم على الكذب والبهتان، فلقائل أن يقول: كيف ارتدوا وهم كانوا أصحاب النبي آمنوا به حين كذبه الآخرون، ودافعوا عنه واحتملوا الأذى في سبيله ثم ناصروه في حروبه، ولم يرغبوا عنه بأنفسهم؟ ثم أي نفع لهم في خلافة أبي بكر ليرتدوا عن دينهم لأجله؟! فأي الأمرين أسهل احتمالاً: أكذب رجلاً أو رجلين من ذوي الأغراض الفاسدة، أو ارتداد بضع مئات من خلص المسلمين؟ فأجيبونا إن كان لكم جواب»[48].

وكذلك الإمام البرقعي الذي هداه الله إلى الحق، يذهب إلى القول بأن مصادرهم التي تحوي عقيدة الطعن في الصحابة وغيرها من عقائدهم الباطلة؛ هي أصنام يعبدونها من دون الله، ولا بد في سبيل دعوتهم للحق من الخلاص منها وتكسيرها فوق رؤوس منتحليها، وقد بدأ فعلاً بأكبرها، وهو «الكافي»، وذلك في كتابه الذي أسماه: «كسر الصنم».

 

:: مجلة البيان العدد  325 رمضان 1435هـ، يوليو  2014م.


[1] «فضائح الباطنية» (ص37).

[2] «الحركات الباطنية في الإسلام» مصطفى غالب (ص67).

[3] «نشأة الفكر الفلسفي» (2/394). وأذكر أنني التقيت قديماً في معرض الكتاب بالقاهرة الأستاذ إحسان إلهي ظهير وهو يبحث عن مصادر الإسماعيلية، وذلك قبل إصداره كتابه عن الإسماعيلية، وذكر أنه لم يجد من المعروض عن الإسماعيلية سوى الكتب الدعائية، ثم رأيته قد أشار في مقدمة كتابه المذكور عن وصوله إلى كتبهم السرية.

[4] «الفهرست» (ص267ـ 268) .

[5] قال الحافظ ابن حجر : «كان معتزليّاً متشيعاً يدل كتابه على ذلك» (لسان الميزان 5/72).

[6] وهو عنوان باب عقده المجلسي في «البحار» (92/78-106)، وأورد فيه (84) رواية تؤيد هذا المعنى.

[7] «مرآة الأنوار» (ص3).

[8] «معاني الأخبار» للصدوق (ص156-157)، «البحار» (22/307).

[9] «معاني الأخبار» (ص156-157).

[10] انظر: «شرح نهج البلاغة» ميثم البحراني (4/97).

[11] أي عمله الحسن في سبيل الله (شرح نهج البلاغة، ميثم البحراني 4/97).

[12] وهو كناية عن تقويمه لاعوجاج الخلق عن سبيل الله إلى الاستقامة (المصدر السابق 4/97).

[13] العمد بالتّحريك: العلّة (انظر: صبحي الصّالح في تعليقه على نهج البلاغة، ص671).

[14] تركها خلفاً، لا هو أدركها ولا هي أدركته (المصدر السّابق).

[15] «نهج البلاغة» (ص350)، تحقيق صبحي الصّالح.

[16] «مدارك نهج البلاغة» الهادي كاشف الغطا (ص 190-191).

مع أن أكثره موضوع على علي كما قرر ذلك المحققون. انظر في نقد نهج البلاغة: ابن تيمية/ منهاج السنة: 4/159، المنتقى من منهاج الاعتدال: ص 508-509، الذهبي/ ميزان الاعتدال (ترجمة علي بن الحسين الشريف المرتضى: 3/124)، ابن حجر/ لسان الميزان: 4/223، مختصر التحفة الاثنا عشرية: ص 36، محب الدين الخطيب/ حاشية مختصر التحفة: ص 58، وحاشية المنتقى: ص 430، أحمد أمين/ فجر الإسلام: ص 178، أحمد زكي صفوت/ ترجمة علي بن أبي طالب: ص 125-162، الزعبي/ البينات في الرد على أباطيل المراجعات: ص 36-40، مجلة المقتطف المجلد 42 جص 248 العدد (25) ربيع الأول عام 1331هـ، الوادعي/ رياض الجنة: ص162-163.

[17] انظر مبحث (تكفيرهم أهل البيت) في: «أصول مذهب الشيعة» (2/734).

[18] «أصول الكافي» (2/244)، وانظر: «رجال الكشّي» (ص7)، «بحار الأنوار» (22/345).

[19] «الكافي» (2/244 الهامش).

[20] «رجال الكشي» (ص6)، «الكافي» كتاب الروضة (12/321-322) مع شرح جامع للمازندراني.

[21] «رجال الكشي» (ص123).

[22] هذا من وضع الجهال، فعدد الصحابة الذين شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حنيناً، اثنا عشر ألفاً سوى الأتباع من النساء، وجاء إليه هوازن مسلمين، وترك مكة مملوءة ناساً، وكذلك المدينة أيضاً، وكل من اجتاز به من قبائل العرب وكانوا مسلمين؛ فهؤلاء كلهم لهم صحابة، وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان، وكذلك حجة الوداع وكلهم له صحبة. انظر: «أسد الغابة» (1/19). قال أبو زرعة: قبض رسول الله عن مائة ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه. انظر: «تدريب الراوي» (1/220)، «الإصابة» (ص2)، «تجريد أسماء الصحابة» للذهبي (ص: ب)، والمعتمد أنه ليس هناك تحديد ثابت لهم. انظر: «فتح المغيث» السخاوي (3/111).

[23] «الخصال» (ص 639- 640)، وانظر: «البحار» (22/305).

[24] «البحار» (22/305).

[25] «المصدر السابق» (22/309- 310).

[26] «الصحيفة السجادية» (ص43-44).

[27] «أصول الكافي» (2/217)، «المحاسن» للبرقي (ص259)، «وسائل الشيعة» (11/460)، «بحار الأنوار» (75/423).

[28] «الاستفياء في الإمامة» للطوسي، الورقة 288 (النسخة المخطوطة).

[29] انظر: «الدعوة الإسلامية» للخنيزي (1/256-257)، «الإمام جعفر الصادق» لأحمد مغنية (ص113-114)، «تقدير الإمامية للصحابة» (ص36 ،37، 39 – 43)، «عقيدة الشيعة في الإمام الصادق» لحسين يوسف العاملي (ص19)، «أصل الشيعة» لمحمد حسين آل كاشف الغطا (ص113).

[30] وهو المدعو طالب الحسيني الرفاعي.

[31] انظر: كتيبه: «مع الإمام علي في نهجه» (ص64).

[32] «تقدير الإمامية للصحابة» (ص36).

[33] «تقدير الإمامية للصحابة» (ص37-39).

[34] «تقدير الإمامية للصحابة» (ص39-43).

[35] «تقدير الإمامية للصحابة» (ص43-46)، وأرجع كلام الصدر إلى كتابه: «التشيع ظاهرة طبيعية» (ص80).

[36] «تقدير الإمامية للصحابة» (ص46-47).

[37] انظر: (ص15، 17، 19).

[38] «بحار الأنوار» (2/208-252) الطبعة الحجرية.

[39] انظر تعليقه على كتيب «التشيع» لمحمد باقر الصدر (ص30-31).

[40] انظر تعليقه على كتيب «التشيع» لمحمد باقر الصدر (ص46).

[41] «شرح الطحاوية» (1/13).

[42] «منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات» (ص35).

[43] «بحار الأنوار» (23/354-390).

[44] «المصدر السابق» (24/1-9).

[45] «بحار الأنوار» (24/187-191).

[46] انظر تفصيل ذلك في: «أصول مذهب الشيعة» (1/150) وما بعدها.

[47] أخرجه مسلم ح رقم (1920).

[48] «التشيع والشيعة» (ص66).

أعلى