ويُعدّ الشيخ عثمان أول داعية إفريقي قام بتغيير المنكر بالقلب واللسان وباليد، وبرز دوره مفكرًا سياسيًّا لإقامة دولة تحكم بكتاب الله وسنة نبيه الكريم.
شهدت منطقة غرب إفريقيا (السودان الغربي)، مع بداية العصور الحديثة حركات استعمارية وتنصيرية لم يشهدها تاريخ المنطقة من قبل. وعلى الرغم من شدة البعث الصليبي الذي باركته البابوية، ورغم العبث الاستعماري لزحزحة القارة عن قِيَمها؛ إلا أن إفريقيا ظلت متمسكة بالإسلام الذي عرفته منذ وقت مبكر، وبالتحديد مع أول هجرة في الإسلام، حين لجأ بعض المسلمين الأوائل إلى نجاشي الحبشة؛ هربًا من الاضطهاد والتعذيب الذي لاقوه على أيدي أهل مكة من المشركين.
ومنذ فجر الإسلام كانت المناطق الإفريقية، وبخاصة منطقة الغرب منها، تعيش بين الظلمة والنور، بين الإقدام والإحجام حتى كادت آثار الإسلام أن تندثر منها؛ بسبب نكوص كثير من المسلمين بأفعالهم عن أسس الدين الحنيف، وإن كانوا يتخذونه دينًا بلسانهم؛ فخيَّمت العقيدة الفاسدة والعصبية المُدمّرة الخبيثة، وانتشر الظلم واستشرى بين القبائل، وانتشرت الخرافات والخزعبلات، وكثرت البدع وتنوعت الآلهة وتكاثرت؛ فعَبَد بعضهم الأشجار والأنهار، وبعضهم الحيوان والأحجار....
في هذا الظلام الحالك، وبين تلك المسالك المتفرّقة؛ بزغت شمس حياة المجاهد الكبير والداعية الإسلامي المُجدِّد عثمان بن محمد بن عثمان صالح دان فودي (شيخو عثمان)، في مدينة (مارتا)، بإمارة (جوبير) في الخامس عشر من شهر كانون أول (ديسمبر) عام 1754م. ولُقِّب فودي يعني (الفقيه) بلغة الفولان.
وُلِدَ شيخو عثمان في بيت عِلْم وتقوى، وفي أسرة تنتمي إلى جماعات الفولان، التي كانت تعمل برعي الأبقار (بقارة)، وهي جماعات نزحت بعد طرد المسلمين من بلاد الأندلس، واستقرت في منطقة (جبال فوتاتورو) الواقعة في منطقة الحدود بين مالي وغينيا. وفي حين اشتغل بعضها بالتجارة، واصلت جماعات أخرى هجرتها، واستقرت في نيجيريا والكاميرون والنيجر وغينيا، وكان يُطلَق عليهم قديمًا اسم (التكرور أو التوكولور).
وتُعتبر جماعة الفولان من أوائل الجماعات الإفريقية التي اعتنقت الإسلام، وبذلك أصبحت حاملة الإسلام إلى مَن لم يعتنقه، وداعية الإصلاح الديني بينهم.
وأُسْرة الشيخ عثمان كان موطنها الأصلي جبال (فوتاتورو)، لكنّها ما لبثت أن انطلقت في ركاب المهاجرين واستقرت في بلاد الهوسا (نيجيريا الشمالية)؛ حيث كانت هناك مجموعتان من الفولان؛ إحداهما في كيبي والأخرى في كوني، بالإضافة إلى بعض الجماعات الفولانية الصغيرة، مثل: (بني الإسلام) و(السلاباوا)، و (بني ترونكة) و(التورونكارا).
دور الوالدَيْن
نشأ الشيخ عثمان في كَنَف والدَيْن كان لهما الفضل في توجُّهه إلى العلم والدين والعبادة، وفي هذا الجو الإسلامي العَبِق تلقَّى دروسه الأولى على يد والده (محمد دان فودي)، وأمه حواء؛ فنِسَاء الفولان كن يتمتعن بحقّهن في التعليم كالرجال سواء بسواء.
في سنواته الأولى انتقل مع أسرته إلى ديجل، فأرسله والده إلى مدارس القرآن الكريم، وما أن انتهى من حفظ القرآن الكريم حتى اشتغل به رسمًا وتجويدًا، وتربَّى على أيدي بعض الشيوخ والعلماء الذين بلغوا شهرة واسعة في العلوم الإسلامية من الفولان والهوسا والرناوس؛ فتلقَّى عنهم مبادئ العلم والعمل والورع، ومبادئ الدين الإسلامي، فسمع العِلْم من الشيخ محمد تبو بن عبدالله، وأخذ الإعراب عن الشيخ عبدالرحمن بن حمراء، وسمع الحديث والتفسير في (زنفر)، ودرس هناك صحيح البخاري ومسلم، وبرز في الفقه والتوحيد، وكان مثار الإعجاب ومحطّ الآمال؛ فقد متَّعه الله بحافظةٍ تُثير الدهش وذاكرة قوية عجيبة، يقول عنه محمد بللو صاحب كتاب (إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور): «إنه عالم العلماء ورافع لواء الدين، أحيا السنة وأمات البدعة، ونشر العلوم وكشف الغموم، وبهر علمه العقول، وكان فصيحًا فاضلًا حسن الخلق جميل العشرة».
ولما بلغ مبلغ الرجال العارفين وجد أهل عصره على عدة طوائف فدهش لحالهم، وقد بلغ الفساد منتهاه وظهر الدين أمامه، وقد شابته البدع، واختلطت به الخرافات، وعبثت به أيدي المُضلّلين، ولعل أبلغ ما يُوضِّح أحوال المسلمين في بلاد الفولان والهوسا والسودان ما جاء في كتاب إنفاق الميسور لمصنّفه؛ حيث يقول: «وقد وجَد في هذه البلاد مِن أنواع الكفر والفسق والعصيان أمورًا فظيعة، وأحوالًا شنيعة طبقت في هذه البلاد وملأتها، حتى لا يكاد يوجد في هذه البلاد مَن صحَّ إسلامه وتعبُّده إلا النادر القليل، ولا يوجد في أغلبيتهم مَن يعرف التوحيد ويُحْسِن الوضوء والصلاة والزكاة والصيام، وسائر العبادات.
ومنهم كفار يعبدون الأشجار والأحجار والجن، ويُصرّحون على أنفسهم بالكفر ولا يُصلّون ولا يصومون، ولا يزكون، ويقولون في حق الله تعالى ما لا يليق بجنابه الأعلى، وهؤلاء هم أغلبية السودانيين الذين يقال لهم (ماغذوا)، أي (شعب المجوس)، وبعض عتاة الفولان والطوارق، ومنهم قوم يقرون بكلمة التوحيد، ويُصلّون ويصومون ويزكون من غير استكمال الشروط، يأتون في ذلك كله بالرسم والعمل الظاهر، مع أنهم يخلطون هذه الأعمال بأعمال الشرك الذي ورثوه عن آبائهم وأجدادهم.
وأكثر ملوك هذه البلاد وجنودهم وأطبائهم وعلمائهم من هذا القبيل، ومنهم قوم يُقِرُّون بالتوحيد ويصلون ويصومون من غير استكمال شروط الأعمال كما مر، ويقيمون على بدع شيطانية، وينهمكون في المعاصي الجاهلية، مستأنسين بها، جارين فيها مجرى المباحات، حتى كأنهم لم يدروا فيها نهيًا، وهي خصال كثيرة أقاموا عليها.
وهؤلاء أكثر عامة الفولان وبعض مسلمي السودان؛ وقع أغلبيتهم في الجهل والشرك، ومنهم قوم مؤمنون عارفون بالتوحيد كما ينبغي، يُحسنون الوضوء والغسل والصلاة والصيام والزكاة عاملين بذلك كما ينبغي، وهؤلاء هم النادر القليل».
دور الشيخ في الإصلاح الديني
اشتغل شيخو عثمان بالدعوة في ديجل، وقام يدعو إلى الله، وينصح العباد في دين الله، ويهدم العادات الرديئة، ويُخْمِد البدع الشيطانية، ويُحيي السُّنة المحمدية، ويُعلِّم الناس فروض الأعيان، ويَدلّهم على الله، ويُرشدهم إلى طاعته، ويكشف لهم عواقب الجهل، ويزيل عنهم الإشكالات؛ فسارع إليه المُوفَّقون، وبدأ الناس يدخلون في دين الله أفواجًا، وهو يُقرِّر لهم الطريق، ويُوضِّح لهم ما التبس على أفهامهم، ثم انتقل إلى (جوبير)، إيذانًا بقيام دولة إسلامية في غرب إفريقيا، والتقى بسلطانها (ويدعى نافاتا)، وأخذ يشرح له مبادئ وأصول الإسلام.
وعمل السلطان أول الأمر على إصلاح ما اعوجَّ من أمور الدين في بلاده، مستعينًا بالشيخ عثمان، ولكن سرعان ما شعر بخطورة الشيخ، وخشي على نفسه وهو يرى أتباع الشيخ عثمان يزدادون يومًا بعد يوم، وأدرك قوتهم، فما كان منه إلا أن أصدر مرسومًا يتضمن عدم السماح لأيّ شخص باعتناق الدين الإسلامي إلا مَن ورثه عن أجداده، وعدم السماح لأحد أن يلبس العمامة بعد تاريخ هذا المرسوم، وألا تضرب امرأة بخمارها على وجهها، وعدم السماح لأيّ شخص بالوعظ إلا الشيخ عثمان نفسه.
رأي حكيم... ولكن ما النهاية؟
قَبِلَ الشيخ عثمان هذا المرسوم بالرغم من معارضة أتباعه، وعلى رأسهم أخوه الأصغر وساعده الأيمن، وقرروا الوقوف ضد هذه الإجراءات بالقوة، ولكنّ الشيخ عثمان عارَض استخدام القوة؛ لأنه لا يريد أن يدخل في صراع مع الحُكّام؛ حتى لا ينصرف عن هدفه المرسوم، وهو رفع راية الإسلام خفاقة.
واعتبر هذا المرسوم (النافاتي)، الشرارة الأولى التي أسعرت نار الجهاد، بعدها بفترة قصيرة يموت (نافاتا)، ويتولى الحكم من بعده ابنه (يونفا)، الذي زاد عند الإحساس بخطر الدعوة التي يقوم بها الشيخ عثمان فتمادى في إذلاله وأتباعه الذين بلغوا يومئذ (5000) شخص، وطلب من الشيخ أن يترك الجماعة، لكن رفض الشيخ رفضًا مطلقًا، تآمر (يونفا) مع حكام الإمارات الأخرى، ومع جبهة المعارضين للدعوة الإسلامية، على قتل الشيخ عثمان على إثر شعورهم بالخطر نتيجة الانتشار السريع والواسع للدعوة التي أعلنها الشيخ (عثمان دان فودي) لنشر الإسلام في ربوع المنطقة الغربية من إفريقيا.
ثم ازداد هذا الشعور قوةً على إثر ازدياد عدد الأتباع الذين ينضمون إلى جانب الشيخ بعدما هاجر إليه الناس من أقصى البلاد للاستماع لوعظه والاقتداء بسلوكه، الأمر الذي جعلهم يُفكّرون في التخلُّص منه إن استطاعوا، وبذلك يثأرون لأنفسهم ويحققون السيطرة على الإمارات التي يحكمونها، وبالتالي وقف التيار الإسلامي، والحيلولة دون انتشاره في إفريقيا الغربية، وبالتحديد في (جوبير) على الأقل؛ حتى لا يصبح الإسلام عقبة أمامهم ومنافسًا بصعب القضاء عليه.
وهنا قرَّر الشيخ أن يخرج من (جوبير)، لتنظيم صفوفه، واستطاع أن يخرج منها سالمًا هو أتباعه، وهاجر إلى مكان يسمى (جوديو)، وهناك بايعه أتباعه على طاعة الله والجهاد في سبيله، ولقّبوه بأمير المؤمنين، ودعاهم إلى حمل السلاح لأداء فريضة الجهاد ضد مَن لا يقبلون الإصلاح الديني من الوثنيين من السكان، وأصدر وثيقة عُرفت بوثيقة أهل السودان، والتي اعتُبرت إعلانًا رسميًّا للجهاد حدَّد فيها الأُسس والمبادئ التي يقوم عليها الجهاد، ومنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والهجرة من بلاد الكفر، وتنفيذ أحكام الشرع والجهاد، وقتال أهل البغي والفسق، وكلها من الأمور الواجبة شرعًا.
وقد استطاع الشيخ عثمان -بصدق توجُّهه إلى الله- أن يكون داعية وقدوة ومثالًا يُحتَذى به، فتعدَّت دعوته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لنَشْر العدل والمساوة بين الناس، وتنظيم العلاقات بين الفرد والجماعة، ونفي الفوارق بين الناس لإنقاذهم والسير بهم إلى شاطئ الأمن والسلام.
ويُعدّ الشيخ عثمان أول داعية إفريقي قام بتغيير المنكر بالقلب واللسان وباليد، وبرز دوره مفكرًا سياسيًّا لإقامة دولة تحكم بكتاب الله وسنة نبيه الكريم.
ثم ارتأى الشيخ عثمان أن يتوجَّه إلى البلاد العربية للتزود من الثقافة الإسلامية، وأن يثلج صدره بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحية التي قامت أول ما قامت لمحاربة البدع، والتي حقَّقت قدرًا كبيرًا من النجاح بالتحالف بينها وبين آل سعود.
وتمكَّن الشيخ عثمان من الاختلاط بدعاتها وتشرَّب مبادئها، وقويت في نفسه الرغبة في إيقاظ مسلمي إفريقيا من خمولهم وسُباتهم وحياتهم الدينية المقفرة والمشوهة، وكان يذكر دائمًا أن العناية الإلهية قد اختارته ليتولَّى الإصلاح الديني وإعادة حكم الأمة والجماعة.
المرحلة الثانية (انتصارات الشيخ)
بعد أن طبّقت شهرته الآفاق، انتقل الشيخ إلى المرحلة الثانية من دعوته، وهي وَعْظ الأمراء وإرشادهم بغيةَ أن يتم التحالف بينه وبين أمراء (الهوسا)، فاتجه إلى أمير (جوبير)، الذي استجاب له أول الأمر، لكنَّ حسّاده أظهروا له العداوة، وأخذوا يدسّون عليه ويكيدون له، ووشوا به لدى الأمير، حتى ضاق صدر الأمير وامتلأ بالحقد والبغضاء، واتهم الشيخ بطلب الرئاسة وحب الدنيا، ولمَّا لم يجد الشيخ طريقة لتحقيق هدفه ترك جوبير واتجه إلى (زنفر)، ثم إلى (كيبي)، وزادت خطورته على الأمراء، فتزعم أمير جوبير جبهة المعارضين وسار لحربه.
وهنا أعلن الشيخ بداية دور جديد، وهو الفتح الإسلامي، فبدأ بالهجوم على مدينة (كانوا)، وهزم أميرها، ثم إمارة (زاريا)، وفتحها عام 1807م، وبعد جولات وصولات عديدة استطاع أن يُخْضِع إمارات (الهوسا) لنفوذه.
وتمكَّن الشيخ من إقامة العديد من مراكز الجهاد في طول البلاد وعرضها؛ للاستعداد لشنّ الحروب ضد القبائل التي بقيت على وثنيتها وكفرها، وهاجَم إمارة (جوبير)، واستمرت الحرب سجالًا بين الفريقين حتى تحقَّق له النصر في النهاية.
أول دولة إسلامية
بهذه الانتصارات تكوَّنت أول دولة إسلامية حملت لقب الخلافة الإسلامية في (سوكوتو)، التي أصبحت عامة الدولة التي امتدت من شمال الكاميرون إلى شمال نيجيريا، واعتبرت نقطة انطلاق الدعوة الكبرى، واتخذها الشيخ عثمان حاضرةً له، وبدأت وفود القبائل تترى للدخول في دين الله؛ لما وجدته من يُسْر المعتقدات الإسلامية، وتسامح الإسلام مع الآخرين. وانضمَّت كثير من القبائل إلى حلف الشيخ، وانضوت تحت راية الإسلام، وتوسَّعت إمبراطورية الفولان، وبهذا أصبح الدين الجديد جذابًا باعتباره مصدرًا لأساليب حياة جديدة لأناس كانوا في الحقيقة يفتشون عن الشقاء.
وبعد أن رأى الشيخ عثمان أنه قد أدَّى رسالته صرَف همّه إلى العلم، واقتصر دوره على التأليف والإرشاد في مدينة (سيفاوا)، وتنظيم شؤون الدولة بعد أن قسم الإمبراطورية إلى قسمين؛ بين ابنه الذي أشرف على القسم الشرقي منها، وأخيه الذي أشرف على القسم الغربي منها.
تأثير حركة الشيخ الإصلاحية
لم تكن الحركة الإصلاحية التي قام بها الشيخ عثمان مجهولة في تاريخ إفريقيا الغربية، بل صادفت إعجابًا واستجابة في كل البلاد، حتى إن السلطان محمد الباقر سلطان (أهير)، كتب إلى أحد ملوك المغرب، وهو (مولاي بن أحمد)، رسالة يُثني فيها على الشيخ عثمان، فنالت إعجابه، وأدهشه منهج الشيخ في الإصلاح؛ فكتب إلى الشيخ عثمان، يقول: «إلى السيد الذي فشا في الأقطار السودانية عدلُه، واشتهر في الآفاق المغربية فضله وديانته، العلامة النبيه، العدل في زمانه، الشبيه بذي النورين في العلم والعمل اللذين هما منتهى الأمر، السيد/ عثمان بن محمد بن عثمان صالح الفولاني؛ نفع الله بعلومه القاصي والداني، سلام منا عليه ما اشتد شوقنا إليه، ورحمة من عند الله تغشاه، حتى لا يخشى إلا الله، والله أحق أن تخشاه. وبعد: فقد بلغنا من الثناء عليك والتعريف بأحوالك وأفعالك، ما أوجب محبتنا وتسليمنا إليك، وذلك على لسان سلطان أمير الطوائف الإسلامية بساحتكم، المُقِرّ في كتابه إلينا بفضلك، وأنك ناصح لله، فإنه أخبرنا بما قلت وقمت به من الواجب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الناس أكيس من أن يمدحوا رجلًا ما لم يروا عنده آثار إحسان، وهذا من أعظم المِنَح، وأتم النعم، فالله يجازيكم عن الأمم خيرًا، ويديم دولتكم محفوظة ومحفوفة وبعين العناية ملحوظة، قال تعالى: ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحج: ٤٠].
العظماء لا تُحسَب أعمارهم بأيام الناس
إن العظماء لا تُحسَب أعمارهم بأيام الناس المحسوبة، بل بما عَلِمُوا وعَمَلوا. وكما قلنا؛ فإن الشيخ عثمان كرّس حياته الباقية للتأمل والدراسة، فحظي بشرف تعلُّم العلم وتعليمه، وخلَّف وراءه ثروة عظيمة من المؤلفات الدينية والسياسية، نذكر منها: (أصول الولاية- هداية الطلاب- إحياء السنة وإخماد البدعة- نصائح الأمة المحمدية- بيان وجوب الهجرة- التصوف- كتاب العرف- ترغيب العباد- تمييز المسلمين- دالية المديح- عمدة العلماء- كفّ الطالبين- نور الألباب- المسائل المهمة- علوم المعاملة- المهدي المنتظر- سوق الصادقين- عمدة البيان- شفاء العليل- العقل الأول- حسن الإفهام من جيوش الأوهام).
وفاة الشيخ
بعد حياة عامرة بالإيمان وحافلة بالجد والكفاح غربت شمس هذا المجاهد الإسلامي الكبير، عام 1817م، بعد أن أرسى قواعد الدولة الإسلامية الكبرى، واستقرت فيها الخلافة، وحكم فيها أبناؤه من بعده طيلة قرن من الزمان، وحتى سقوط هذه الخلافة في أيدي المستعمر البريطاني عام 1903م.
ومن نافلة القول: أن الحركة الإصلاحية التي قام بها الشيخ (عثمان دان فودي) تُعدّ من أقوى حركات الإصلاح الديني والحركات الإسلامية التي شهدتها إفريقيا الغربية في القرن التاسع عشر، وإن كنا في ذلك لا نُقلِّل من شأن الحركات الإصلاحية الأخرى، والتي انبثقت وتمخضت عن هذه الحركة، واتصفت بشمولها واتصالها ببعضها في منطقة غرب إفريقيا كالحركة (المهدوية)، في شرق إفريقيا في السودان والصومال، وحركة (سيكو أحمد)، في مالي، وحركة (موديبو أداما)، في شمال الكاميرون وشرق نيجيريا. والحركة التي قام بها الحاج (عمر بن سعيد التكروري)، في السنغال، وحركة الشيخ (محمد الأمين)، (ميلامين دميا ديباسي) في منطقة سانجاميبا في بلاد التكرور، وحركة الزعيم (ساموري توري)، في أعالي النيجر، وحركة الشيخ رابح فضل الله (رابح الزبير)، في منطقة بحر تشاد، وحركة الزعيم (السيد محمد عبدالله حسن) في بلاد الصومال، وغيرها من الحركات الإصلاحية الأخرى.
المصادر
إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور، محمد بللو بن عثمان، القاهرة 1946م
الإسلام والثقافة العربية في إفريقيا، د. حسن أحمد محمود، ج1 القاهرة 1963م
الدعوة الإسلامية في غرب إفريقيا وقيام دولة الفولاني، د. حسين عيسى عبدالظاهر، الرياض 1981م.
تاريخ كشف إفريقيا واستعمارها، د. شوقي عطا الله الجمل، القاهرة 1980م
المسلمون والاستعمار الأوروبي لإفريقيا، د. عبدالله عبدالرازق إبراهيم، سلسلة عالم المعرفة، العدد 139 الكويت 1989م.
الإسلام والحضارة الإسلامية في نيجيريا، د. عبدالله عبدالرازق إبراهيم، القاهرة، 1984م.
مجلة الفيصل، من مقال الحياة الثقافية والفكرية في نيجيريا في القرن التاسع عشر، للدكتور عبدالله عبدالرازق إبراهيم، العدد 103.
مجلة الفيصل، من مقال مدرسة سوكوتو وحركة الاجتهاد، للدكتور عبدالحميد إبراهيم العدد 223.
مجلة رسالة الجهاد، من زاوية أضواء على العالم الإسلامي، الإسلام في نيجيريا، بقلم أسرة التحرير العدد 86.