والأمة التي تهمل شأن الطفل، وتغفل عن أهميته وعن إمكاناته غير المحدودة التي تبزغ في شبابه ورجولته؛ هي أمة فقدت بُعْد النظر، والسداد في الرأي، وكل تقدُّم أو تطوُّر تُحْرزه أو تحققه اليوم ذاهب أدراج الرياح غدًا،
يعيش الإنسان الطفولة مرتين؛ مرة بكل مشاعره وأحاسيسه وحواسه حينما كان في المهد
صبيًّا. ومرة حينما يكون أبًا مسؤولًا عن طفل.
المرة الأولى بالمعايشة، والمرة الثانية بالمشاهدة. في المرة الأولى يعيشها بكل
عواطفه البِكْر وجوارحه الساذجة، يتلقى أول تأثيرات العالم من حوله، مثل تلك الزهرة
الغضَّة التي تتفتح في راحة الصبح، وتتلقَّى أول نسماته، وأول دفقات أنواره.
وفي المرة الثانية يعيشها بعقله الناضج وتجاربه الكثيرة، يَحْدُوه الأمل في أن يصنع
من طفله رجلًا صالحًا ينفع نفسه وأُمّته، ويحرص على أن يدفع ابنه برفق ليُحقِّق ما
فشل هو في تحقيقه، فابنه استمرار له وتجسيد حي لكلّ ما يتمناه وكل ما يرجوه، فالطفل
بمثابة مادة خام يستطيع أن يُشكِّلها ويُنمّيها كما يشاء؛ فهو يمتلك الغد، ويستطيع
أن يكون له يد في تشكيل المستقبل وتحديد ملامحه حتى وإن غاب عن الوجود، وذلك من
خلال هذا النَّبْت الضعيف الذي هو في حاجة إلى دعامات يستند إليها حتى يشبّ وينمو
ويكبر.
من خلال هذا النبت -الطفل- يستطيع الأب، أو مَن يتولى أمر الطفل عقليًّا ونفسيًّا
وأدبيًّا أن يدفع بالأُمَّة إلى الأمام، ويجعلها ترتقي درجات واسعة من التقدم
والتطور، فكلّ ما نزرعه اليوم ونُقدِّمه لأطفالنا اليوم سنحصده، ونجد آثاره غدًا.
فـ«إذا
أردنا تهذيب المجتمع فلْنُهذِّب الطفل، وإذا أردنا أن يعرف المجتمع معنى أداء
الواجب فلْنُعَوِّد الطفل ذلك من الصِّغر؛ فطفل اليوم رجل الغد، والأمة مجموعة
أفراد، فإذا فكَّرنا في تربية الفرد تربية خُلقية اجتماعية علمية صحية عقلية؛ كان
ذلك أدعى إلى رُقي الأمة والنهوض بها».[1]
لذلك فرأس مالنا الذي به نربح المستقبل، أو نضمن أن يكون لنا يدٌ في أن يسير في
صالحنا؛ هو الطفل.
أهمية الطفل:
أهمية الطفل لا تنبع فقط من كونه استمرارًا أو امتدادًا للأب فحسب، أو أنه مجرد
سلسلة تصل اللاحق بالسابق في حلقة الأجيال المتعاقبة المطردة، ولكنَّه يُناط به كلّ
تغيير أو تطوير أو تقدُّم، وما من أُمَّة من الأمم عرفت للطفل تلك الأهمية،
وبوَّأته تلك المكانة المُهمَّة والخطيرة؛ إلا ونجحت في أن تُحقّق كل ما تصبو إليه
من أهداف وآمال، وتمكَّنت من أن تمتلك مصيرها في يدها.
والأمة التي تهمل شأن الطفل، وتغفل عن أهميته وعن إمكاناته غير المحدودة التي تبزغ
في شبابه ورجولته؛ هي أمة فقدت بُعْد النظر، والسداد في الرأي، وكل تقدُّم أو
تطوُّر تُحْرزه أو تحققه اليوم ذاهب أدراج الرياح غدًا، وهي إذ تُقيم بناءها -وهي
تظن أنه راسخ يتحدَّى ظروف الأيام-، فإنما هي تقيمه على شفا جُرف هارٍ لا بقاء له؛
وذلك لأنها أهملت من شأن الطفل.
الشريعة الإسلامية والطفل:
الأمة الإسلامية من الأمم التي اهتمَّت بالطفل اهتمامًا لا تَجد له نظيرًا بين
الأمم. بل أكاد أقول: إننا لا نجد أُمَّة منحت مساحة واسعة من تفكيرها ووقتها للطفل
منذ أن يُولَد إلى أن يبلغ الحُلم مثل الأمة الإسلامية؛ فقد اهتمَّت به وهو ما يزال
جنينًا في رحم أُمّه، ولا أبالغ إذا قلت: إنها اهتمَّت به وهو ما يزال في أصلاب
الرجال وترائب النساء؛ فكل الأوامر والنواهي في الشريعة الإسلامية التي تهدف إلى
حماية الأسرة من كل عوامل الهدم وصيانتها من التحلل والتفكك هدفها الأساسي هو
الطفل.
فالأسرة بمثابة مؤسسة تقوم على دعامتين: الرجل والمرأة، وهدف تلك المؤسسة هو إيجاد
الطفل، وكل ما يحكم تلك المؤسسة من قِيَم ومبادئ ينعكس أثره على الطفل.
ولا توجد شريعة فوق الأرض اهتمت بالأسرة، وبهاتين الدعامتين -الرجل والمرأة-؛ مثل
اهتمام الشريعة الإسلامية، وحضّ الإسلام كلًّا من الأب والأم على تربية أطفالهما،
وبَذْل كلّ الجهد وكلّ الوقت في تلك التربية.
اهتمام الرسول بالطفل:
ولنا في رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أُسوة حسنة، فمُعلِّم تلك الأمة والمُربِّي الأول لها، نبَّه الأذهان ولفت الأنظار
إلى وجوب الرعاية والاهتمام بالطفل، وكان هذا شيئًا غريبًا وعجيبًا في نظر البعض في
ذلك الوقت؛ وذلك لأن العرب قديمًا كان اهتمامهم بالطفل منعدمًا، ولا نجد فيما ورد
إلينا من آثار أنهم أَوْلَوْا أيَّ قَدْر من الرعاية أو الاهتمام بالطفل، وإنما كان
شأنه مهملًا، ومكانته ضائعة، وليس غريبًا أن نجد تلك الأمة -قبل الإسلام- شأنها
أيضًا مُهمَل، ومكانتها ضائعة بين أمم ذلك الزمان.
والدليل على تعجُّب البعض من اهتمام رسول الله
صلى الله عليه وسلم
بالطفل، ما حدَث حينما دخل الأقرع بن حابس -رضي الله عنه- على رسول الله، فوجده
يُقبِّل الحسن أو الحسين، فتعجَّب عجبًا شديدًا مِن فِعْل رسول الله، وقال -وما زال
التعجب والاندهاش يأخذان بملامح وجهه-: يا رسول الله إن لي أحد عشر ولدًا ما
قبَّلتُ أحدًا منهم قط!! فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
:
«مَنْ
لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ»[2].
فالأقرع بن حابس -رضي الله عنه- مثار تعجُّبه أن الرسول يُقبِّل أحد أحفاده، وكان
في ظنّ الصحابي أنه لا يجب على الأب أن يتلطف أو يتودّد أو يتحبَّب إلى بَنِيه، أو
الجد إلى أحفاده، فهذا في ظنّه لا يليق بالرجل، ولا يستحقه الطفل.
وكانت مناسبة لرسول الله
صلى الله عليه وسلم
أن يُوجِّه الأنظار إلى أن الأطفال هم أولى الناس بالاهتمام والرعاية، وأن الله
يُحاسب الرجل على معاملته للطفل، وكان درسًا استوعبته الأمة من مُعلِّمها ومربيها
العظيم.
وليس من أنبياء الله -صلوات الله عليهم- مَن اتسع صدره للطفل مثل اتساع صدر رسول
الله
صلى الله عليه وسلم
، وليس منهم مَن هو أولى اهتمامًا وحبًّا وحدبًا وتكريمًا للطفل من رسول الله، وهو
لا يفعل ذلك إلا لكي يُعلِّم الأمة ما كانت غافلة عنه، ويجعلها تهتم بمن كانت
منصرفةً عنه، ويُرقِّق ويُليِّن منها إلى مَن كانت قاسية وغليظة عليه.
فهذا الطفل الصغير الغضّ في أمسّ الحاجة إلى الحبّ واللين والتلطف، هو في حاجة إلى
أن يشعر أن مَن حوله يُحبّونه، وكما أنهم يقدمون له الغذاء لينمو جسمه ويشتد، فهو
في حاجة إلى الحبّ لكي تنمو نفسه وهي عامرة به، فيفيض منه حين يكبر على مَن حوله،
وتكون كل معاملته لمن حوله يَحكمها الحُبّ والمودة، ومَن حُرِمَ مِن الحُبّ صغيرًا
فعسير عليه أن يُقدّمه لأحد وهو كبير؛ فنفسه عاطلة منه، ولم يذق طعم الحب وهو صغير؛
فكيف يُقدِّر قيمته وهو كبير؟!
ولذا فقد كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم
بمثابة نَبْع يَفيض بالحُبّ والتلطُّف بالأطفال:
«فقد
كان التلطف بالصبيان من عادة رسول الله
صلى الله عليه وسلم
، وكان يقدم من السفر فيتلقاه الصبيان فيقف عليهم، ثم يأمر بهم فيُرْفَعُون إليه،
فيُرْفَع منهم بين يديه ومن خلفه، ويأمر أصحابه أن يحملوا بعضهم؛ فربما تفاخر
الصبيان بعد ذلك فيقول بعضهم لبعض: حملني رسول الله بين يديه، وحملك أنت وراءه،
ويقول بعضهم: أمر أصحابه أن يحملوك وراءهم، وكان يُؤتَى بالصبي الصغير ليدعو له
بالبركة وليُسَمِّيه، فيأخذه فيضعه في حجره، فربما بال الصبي فيصيح بعض مَن يراه
فيقول:
«لاَ
تُزْرِمُوا الصبي»[3]؛
فيدعه حتى يقضي بوله، ثم يفرغ من دعائه له وتسميته، ويبلغ سرور أهله فيه لئلا يروا
أنه تأذَّى ببوله، فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعده».[4]
انظر اليوم للأب إذا كان يحمل ابنه، وبال الابن على ثوب أبيه؛ تجد الصياح والتأفف
والغضب والغيظ، حتى إن الطفل يفزع، وربما انقطع بوله خوفًا وهلعًا؛ فهو لا يَفهم
سبب هذا الصياح والثورة، وهو يقضي حاجته الطبيعية. بينما كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يترك الطفل حتى يقضي حاجته، وينهى أهله أن يُخيفوه أو يُفزعوه.
وانظر كيف يزرع الرسول
صلى الله عليه وسلم
الحُبّ في نفوس الصغار، ويجعله يأخذ مكانه في قلوبهم، وكل منهم يفتخر أن الرسول
حمله... ولِمَ لا والرسول يبني نفوسًا ويعمر أرواحًا سبيله في ذلك الحب والعطف
والحدب.
الأدب النبوي والطفل:
لم يكن اهتمام رسول الله
صلى الله عليه وسلم
مقصورًا على نفسية الطفل فحسب، بل كان اهتمامه شاملًا للطفل، فهو يخصّ بأحد
أحاديثه ويوجّهها إلى غلام. وذلك أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
الذي يحمل رسالة كبرى، مُكلَّف بأن يهدي أُمَّة تشعّبت بها سُبُل الضلال، يجد من
وقته واهتمامه وتفكيره ما يُوجّهه للغلام! عالمًا أن ما يقوله سيستوعبه الغلام،
ويكون دستورًا ومُوجِّهًا لكل تصرفاته وهو كبير، بل سيكون له النصيب الأوفر في بناء
شخصيته وتحديد معالمها ورسم ملامحها؛ قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
لعبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-:
«يا
غلامُ، إنِّي أُعَلِّمُكَ كلماتٍ؛ احفظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احفظِ اللهَ تَجِدْهُ
تُجاهَكَ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استَعَنْتَ فاستَعِنْ باللهِ، واعلم أنَّ
الأُمَّةَ لو اجتمعت على أن ينفعوكَ بشيءٍ؛ لم ينفعوك إلّا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك،
ولو اجتمعوا على أن يضرُّوكَ بشيءٍ؛ لم يضروكَ إلّا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليكَ،
رُفِعَت الأقلامُ، وجَفَّت الصُّحُفُ».[5]
التوجيهات:
أهم شيء يجب أن يعرفه الطفل وهو في بداية حياته أمران:
الأول:
أن كل عملٍ يعمله له مردوده؛ إما له أو عليه.
الآخر:
أن كل عمل يعمله في حياته، صغُر هذا العمل أو كبُر، لا بد أن يكون خالصًا لله، وليس
لأحد من الناس مهما علت منزلته.
وكأني برسول الله
صلى الله عليه وسلم
يُوجِّهنا أن هذا الحديث يجب أن يعرفه كل طفل، وتلك الكلمات يجب أن تملأ معانيها
قلبه، وتجري منه مجرى الدم في العروق؛ فهي تُعلِّمه أن القوة لا تُستمَد إلا من
الله، وأن المُقدِّر لكل ما يحدث في حياته هو الله، وأن النافع هو الله، والضار هو
الله، والمعز هو الله، والمذل هو الله.
الرسول يُفْسِح مكانًا عظيمًا (لله) من إحساس وتفكير الغلام، وانظر إلى كلمة (الله)
كرَّرها الرسول كم مرة؟ ست مرات، وتكرارها بهذا العدد له دلالتان:
الأولي: بلاغية على المستوى اللفظي:
فهي تقرع أذنيه، وهو مستمتع بالتكرار النغمي للكلمة؛ فالغلام يطيب له في هذا السن
المبكرة أن يسمع كلمات وتكرر عليه، ليقوم هو الآخر بتكرارها، وتصبح من الكلمات
المألوفة المعروفة لديه، والتي يبدأ بالبحث عن معناها ومدلولها من خلال سؤال مَن هم
أكبر منه.
الثانية: وجدانية على المستوى النفسي:
نفس وعقل الغلام كالحَيِّز في حاجة أن يُملَأ أو أن يُشْغَل، وأن يُعمر هذا الخلوّ،
وما يشغل وجدان الغلام في هذا السن من العسير ومن الصعب مَحْوه بعد ذلك؛ لأن النفس
تستشرف وتطمح إلى ما يؤكد وجودها ويثبت ذاتيتها، ولا شيء يؤكد وجود النفس الإنسانية
مثل واهب الوجود وخالقه؛ لأن أيّ شيء غير الله تعمر النفس به ذاتها هو تشتيت لها
واضمحلال وتبديد، وفناء يصير بها لا محالة إلى العدم، والحديث منذ البداية يُحدِّد
للغلام ما الذي يجب أن يعمر به شعاب نفسه، ما النور الذي يجب أن ينوّر به مسالك
ودروب نفسه، ما الذي يجب أن تصمد إليه النفس حين تتحزب بها الأمور.
فالله هو الملجأ، هو الحصن، وعلاقة الإنسان بالله سلبًا وإيجابًا بيد الإنسان نفسه،
فإن هو حفظ الله، فالله معه في كل آنٍ وحين. وإذا سأل فلا أحد جدير بالسؤال غير
الله؛ لأنه هو السميع،
«وإذا
استعنت فاستعن بالله»؛
لأنه هو المُعين، ولا معين غيره، والقوة لا تُلتَمَس من العباد، والعزة لا تُطلَب
من أحد غير الله.
حين يُدرك الغلام كل تلك المعاني والدلالات المحيطة بكلمة (الله)؛ فسوف تتفجّر في
نفسه ينابيع الحب لله، ويتذوق ويستشعر بكل خلايا نفسه معنى هذا الحُبّ الإلهي،
وتنمو نفسه وتقتات بهذا الحب الذي تؤكده وتؤصله وتقويه كلمة الله.
الرسول يؤكد على أدب الطفل:
ورسول الله
صلى الله عليه وسلم
ينهى ويشدد في النهي، أن يقف الأب من ولده موقفًا سلبيًّا، بل لا بد أن يكون له
موقف إيجابي، ولا يترك ابنه للأهواء؛ لأن تركه للأهواء كفيلٌ بأن يُفْسِد كل مصادر
الخير في نفسه. فعن أيوب بن موسي عن أبيه عن جده أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
قال:
«ما
نحَل والدٌ والدًا خيرًا من أدبٍ حَسن»[6].
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم
:
«ما
ورَّث والدٌ ولدًا خيرٌ من أدب حسن»[7]،
ورُوِيَ عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
أنه قال:
»أكرِمُوا
أولادكم، وأحسنوا أدبهم»[8].
والجامع بين الأحاديث الثلاثة هو كلمة
«الأدب»،
وجاءت بعدها الصفة
«حَسَن»،
والرسول
صلى الله عليه وسلم
لم يقل: عَلِّموا أولادكم، ولم يقل ربُّوهم، وإنما قال أدِّبُوهم؛ لأن التعليم
مقصور على الناحية العقلية فحسب، والتربية مقصورة على الناحية الجسدية والنفسية،
أما الأدب فلفظ جامع لكل ما يشتمل عليه الإنسان من نوازع فهو يشمل تعهُّد الإنسان
بصفة كلية ومن جميع نواحيه.
ومن خطورة وعِظَم شأن الأدب: أنك لا تستطيع أن تُعلِّم كما يجب أن يكون التعلُّم،
ولا تُربّي كما ينبغي أن تكون التربية إلا من خلال الأدب؛ فهو قِوَام الأمرين من
عِلْم وتربية.
«وللعقول
سجيات وغرائز بها تقبل الأدب، وبالأدب تنمو العقول وتزكو، فكما أن الحبة المدفونة
في الأرض لا تقدر أن تخلع يُبسها وتُظهر قوتها وتطلع فوق الأرض بزهرتها وريعها
ونضرتها ونمائها إلا بمعونة الماء الذي يعود إليها في مستودعها فيُذْهِب عنها أذى
اليبس والموت، ويُحْدِث لها -بإذن الله- القوة والحياة؛ فكذلك سليقة العقل مكنونة
في مغرزها من القلب، لا قوة لها، ولا حياة بها، ولا منفعة عندها؛ حتى يعتملها الأدب
الذي هو ثمارها وحياتها ولقاحها».[9]
وليس عجيبًا أن يَحُثّ الرسول
صلى الله عليه وسلم
الآباء على تأديب أبنائهم؛ لأن للأدب في حياة الرسول
صلى الله عليه وسلم
مكانًا عظيمًا، فهو القائل:
«أدَّبني
ربي فأحسَن تأديبي»[10]،
وهنا أيضًا تجد لفظ
«الحَسَن»
مع الأدب، فهما -الأدب والحسن- في أحاديث رسول الله لا يَفترقان.
[1] الاتجاهات الحديثة في التربية، محمد عطية الإبراشي، صفحة: 96.
[2] أخرجه البخاري (٥٩٩٧) واللفظ له، ومسلم (٢٣١٨).
[3] الطفل في الشريعة الإسلامية، د. محمد بن أحمد الصالح، صفحة: 256.
[4] أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (٦/٢٠٤).
[5] صحيح الترمذي (٢٥١٦).
[6] أخرجه الترمذي (١٩٥٢)، وأحمد (١٥٤٠٣) مطولاً، والبيهقي (٢٣٦٥) واللفظ له.
[7] أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط (٣٦٥٨).
[8] أخرجه ابن ماجه (٣٦٧١).
[9] الأدب الصغير والأدب الكبير، عبد الله بن المقفع، صفحة: 12.
[10] قال شيخ الإسلام ابن تيمية: المعنى صحيح، لكن لا يُعرَف له إسناد ثابت. مجموع
الفتاوى (١٨/٣٧٥).