ويظهر البُعْد الإيماني في الأثر من خلال المنحنى الموضوعي في الأثر؛ فنقرأ فيه بُعْدًا عقديًّا في تصحيح أوهام الناس عن النجوم، وما ذلك إلا لعِظَم وأهمية تصحيح عقائد الناس في كلّ شيءٍ، وحمايتهم من الشرك الأرضي والشرك السماوي الذي هو في النجوم والكواكب ونحوهم
أسند الإمام الطبري في تفسيره إلى قتادة -رحمه الله تعالى- في قوله تعالى:
{وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون} [النحل: ١٦]؛ قال: «وَالْعَلَامَاتُ:
النُّجُومُ. وَإِنَّ اللَّهَ -تباركَ وتعالى- إِنَّمَا خَلَقَ هَذِهِ النُّجُومَ
لِثَلَاثِ خَصْلَاتٍ: جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءٍ، وَجَعَلَهَا يُهْتَدَى بِهَا،
وَجَعَلَهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، فَمَنْ تَعَاطَى فِيهَا غَيْرَ ذَلِكَ؛
فَقَدَ رَأْيَهُ، وَأَخْطَأَ حَظَّهُ، وَأَضَاعَ نَصِيبَهُ، وَتَكَلَّفَ مَا لَا
عِلْمَ لَهُ بِهِ»[1].
وقد ذكره أيضًا الثعلبي والماوردي والسمعاني والبغوي، وغيرهم[2].
ويُستدلّ له بقول الله -تبارك وتعالى-: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ
لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الأنعام: ٩٧]، ويُستدل
للشطر الثاني منه بحديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: «مَن اقتبَس علمًا من النجوم؛
اقتبَس شُعْبَة مِن السِّحر، زاد ما زاد»[3].
ويظهر البُعْد الإيماني في الأثر من خلال المنحنى الموضوعي في الأثر؛ فنقرأ فيه
بُعْدًا عقديًّا في تصحيح أوهام الناس عن النجوم، وما ذلك إلا لعِظَم وأهمية تصحيح
عقائد الناس في كلّ شيءٍ، وحمايتهم من الشرك الأرضي والشرك السماوي الذي هو في
النجوم والكواكب ونحوهما؛ كما نصَّ عليه شيخ الإسلام ابن تيمية.
إنَّه أثر تلمس فيه عنايتهم -رحمهم الله تعالى- بكلّ ما يقدح في العقيدة، وعدم
ركونهم لإيمان العادة والعامة، كما يتضح من هذا الأثر قيام أهل العِلْم بواجبهم في
تصحيح المفاهيم وبثّ العلم النافع الصحيح للناس.
وقد ذكر ابن كثير -رحمه الله تعالى- هذا الأثر عند قوله تعالى:{قُل لاَّ يَعْلَمُ
مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} [النمل: ٦٥][4]،
فالمغَيَّبَات لا يَعلمها إلا الله -عز وجل-، فوجب الإيمان بها، وتسليم أمرها لعالم
الغيب والشهادة -سبحانه وتعالى-.
وفي هذه الهداية أيضًا نجد توظيفًا بديعًا للسَّبر والتَّقسيم؛ فقد سبَر خصال
النجوم وقسَّمها، وذلك من خلال تأمُّل الآيات التي تحدَّثت عن النجوم، وهذا مَلْمح
مُهِمّ، للمتدبر أن يراعيه في استنباطاته وتدبُّره في الآيات، وهو ضمّ النظائر إلى
بعضها، واستخراج معانيها وهداياتها مجتمعة ومضمومة إلى بعضها؛ بحيث تتكامل ولا
تتعارض، وتظهر المعاني واضحةً بلا التباس.
[1] تفسير الطبري (14/193).
[2] يُنظَر: تفسير الثعلبي (16/33)، وتفسير الماوردي (3/182)، وتفسير السمعاني
(3/164)، وتفسير البغوي (3/75)، وعزاه السيوطي في الدر المنثور (3/328) إلى عبد
الرزاق وعبد بن حُميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ.
[3] أخرجه أبو داود، كتاب الطب، باب في النجوم، رقم الحديث (3905)، وأخرجه ابن
ماجه، كتاب الأدب، باب تعلم النجوم، رقم الحديث (3726)، وأخرجه الإمام أحمد، مسند
بني هاشم، مسند عبد الله بن العباس، رقم الحديث (2000)، وصححه الألباني في صحيح
الترغيب والترهيب (3/173).
[4] يُنظَر: تفسير ابن كثير (6/207).