الهزائم توالت على «حميدتي» بوتيرة متسارعة، ما حفَّز حلفاءه العلمانيين في «تقدّم» على العمل على تشكيل حكومة موازية، بغرض توفير غطاء دولي للتمرُّد ترعاه بعض الدُّول، إحداها عربية
أكثر مِن معركةٍ تُخاض في السودان على وَقْع القتال الدائر في مركزها وأطرافها،
تَشِي بسودان ذي لون آخر بخلاف ما عُرِفَ به خلال العقود الماضية، سواء خلال حكم
الرئيس السابق عمر البشير أو ما تلا ما سُمِّي بـ«الثورة
السودانية»،
بكلّ مراحلها المؤلمة.
مرَّت مرحلة ما بعد البشير، التي كان يستند فيها إلى جيش وحكومة وحزب ذوي خلفية
محافظة، بمحطات رئيسية، كانت أولها فوضوية، قفز فيها اليسار، وفي قلبه الشيوعيون،
لسُدَّة الحكم، في شَطْره المدني، وتماهَى معه القادة العسكريون أول الأمر،
مُلبِّين معظم مطالب المدنيين، مُتحمِّلين قدرًا كبيرًا من تجاوزاتهم، والتي أزعجت
الشعب السوداني، كونها أشعلت النار في أقدس ما لدى السودانيين؛ ألا وهي هويتهم.
فُوجِئ السودانيون بالحكومة المدنية التي تشكَّلت من
«قوى
التغيير»
التي يهيمن اليسار عليها، ومجلس السيادة الذي كان للمدنيين اليساريين نفوذ كبير
فيه، يضعون -دونما مشورة من أحد- وثيقة دستورية في العام 2019م، أدارت ظهرها لكل
مُقدَّس لدى السودانيين؛ الإسلام، اللغة العربية، والجغرافيا...
ومع تعاظم دور حكومة
«حمدوك»
اليسارية على حساب العسكريين، وفشلها الذريع في ملفَّي الاقتصاد والمصالحة الوطنية،
وانصراف جُلّ اهتمامها إلى مسألة تغريب الشعب السودانيين وسَحْق هُويّته، أتت
الفرصة ثانيًا للعسكريين لإزاحتهم تحت طائلة الإخفاق المتكرر، والعجز عن إصلاح
الأوضاع؛ فوضعت
«حمدوك»
قيد الإقامة الجبرية في أكتوبر 2021م، ثم أعادته مجددًا للسلطة في العام نفسه؛
ليستمر في منصبه حتى استقالته 2022م.
مرَّ السودان، ثالثًا، بفترة من السيولة، تضاعفت فيه قوة الدعم السريع بزعامة
«حميدتي»،
خمسة أضعاف حجمها، ليتجاوز عددها 100 ألف مقاتل ومرتزق، على الأقل، وسمح رئيس مجلس
السيادة لها بالتمركز في جميع المواقع الإستراتيجية في العاصمة وغيرها، في حين
نظّمت القوى العلمانية المسماة بـ«قوى
إعلان الحرية والتغيير»
المعروفة اختصارًا بـ«قحت»،
صفوفها، ليأتي دورها فيما بعد في دعم تحرُّك عسكري يقوده
«حميدتي»،
حليف القوى العلمانية، لإزاحة قادة الجيش السوداني، ومِن ثَم العمل على تفكيك الجيش
الذي يتَّهمونه بالوقوع تحت تأثير
«الحركة
الإسلامية»
التي يقودها أحد أبرز رجال
«البشير»؛
وهو الدكتور علي كرتي.
قام
«حميدتي»
قائد الدعم السريع، شريك اليسار في
«الثورة»
على
«البشير»،
بمحاولة انقلاب في العاصمة والمراكز الإستراتيجية في البلاد في أبريل 2023م، ووفَّر
له اليسار غطاءً سياسيًّا دوليًّا، سعى للتوسُّع، تحت اسم جديد، هو
«تنسيقية
القوى الديمقراطية المدنية»،
وتُعرَف اختصارًا باسم
«تقدُّم»،
ليشمل جملةً من القوى العلمانية الأخرى، وقد قام بجهودٍ حثيثةٍ من أجل تدويل القضية
السودانية، وإدانة الجيش السوداني، ووضع ميليشيات
«حميدتي»
على قدم المساواة مع الجيش والحكومة والمؤسسات المُعتَرف بها دوليًّا، معتمدًا على
دعمٍ قويّ من قوى إقليمية ودولية، كادت مساندتها لـ«حميدتي»
أن تُحقِّق له نصرًا على الجيش السوداني، سواء في اليوم الأول للحرب، أو بعد أقل من
عام من اندلاعها.
ورغم أن قوى دولية وإقليمية، وجميع جيران السودان، باستثناء مصر وإريتريا، سعت إلى
دعم وتقوية كفة
«حميدتي»
وحلفائه؛ إلا أنه قد تعرَّض لهزائم متلاحقة، أضعفت تأثيره كثيرًا. ومع ذلك؛ فإن
الجهود الدولية المناوئة لاستقرار السودان، وبقاء الجيش السوداني متماسكًا، لم تزل
مُؤثِّرة، ويعمل أصحابها بجدّ من أجل نزع الشرعية عن مجلس السيادة السوداني وإدانته
بارتكاب جرائم، وتوقيع عقوبات عليه، من أجل جرّه عنوة للتفاوض مع
«حميدتي»
على تقاسم السلطة. ومِن ثَمَّ إبعاد
«الحركة
الإسلامية»،
بجناحها السياسي
«المؤتمر
الوطني»
بزعامة أحمد هارون (والذي حلّه
«حمدوك»
من خلال
«قانون
تفكيك نظام الإنقاذ»،
والذي انبثق عنها
«لجنة
إزالة التمكين وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989م»،
ثم عاد بشكل شبه رسمي بعد حلّ اللجنة نفسها بتاريخ 25 أكتوبر 2021م؛ حيث قامت محكمة
الاستئناف السودانية بإلغاء قرارتها تباعًا)، وذراعها العسكري
«كتائب
البراء بن مالك»
بقيادة المصباح أبو زيد، والتي تقاتل مع الجيش، ويتردد أن لها وجودًا في سلاحَي
المشاة والمدرعات به.
الهزائم توالت على
«حميدتي»
بوتيرة متسارعة، ما حفَّز حلفاءه العلمانيين في
«تقدّم»
على العمل على تشكيل حكومة موازية، بغرض توفير غطاء دولي للتمرُّد ترعاه بعض
الدُّول، إحداها عربية، وعدت بتقديم دعم بمئات الملايين من الدولارات للتمرُّد تحت
غطاء إنساني، بعد أن قامت مِن قبل بتسليح ميليشيات
«حميدتي»،
المتهمة دوليًّا بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
فريق
«البرهان»
ظل يدعمه في الخارج دولٌ حبَّذت التعامل مع جيش نظامي عن التعامل مع ميليشيات
ومرتزقة، مهما كانت استعداداتهم لتقديم تنازلات، لكنّ هذه الدول منحت
«البرهان»
دَعْمها مشروطًا بعدم عودة قوى
«الحركة
الإسلامية»،
إلى حكم السودان، عبر حكومة قادمة مزمعة.
وفريق
«حميدتي»،
يخسر الحرب تدريجيًّا، وغطاؤه السياسي منقسم ما بين مؤيد ومعارض لتشكيل حكومة
موازية تحكم في مناطق سيطرة الدعم السريع، ومع هذا؛ فإن الدول الداعمة لم تزل تبذل
قصارى جهدها من أجل وضع
«حميدتي»
وحلفائه السياسيين في قلب الخارطة السياسية من جديد، أو العمل على تقسيم السودان
طبقًا للنموذج الليبي.
وتحت وقع هذه المتناقضات تبرز عدة معارك تُخاض في السودان:
معركة
«البرهان»
و«الإسلاميين»:
وجد رئيس مجلس السيادة
«عبد
الفتاح
«البرهان»
نفسه عالقًا بين ضغوط الخارج، سواء من الدول المساندة والداعمة، أو من القوى
الدولية الضاغطة عليه من أجل إشراك
«المدنيين»
(وهو مصطلح يُراد به العلمانيون، وهم مقابل
«الإسلاميين»،
وليسوا مقابل العسكريين) في حكم السودان. وبين القوى العسكرية المؤثرة في الداخل،
والتي تضغط من أجل مشاركة
«الحركة
الإسلامية»
عبر
«المؤتمر
الوطني»
في الحكم، ومنح قوى
«الدفاع
الشعبي»
-وفي قلبها كتائب البراء بن مالك- التي كوَّنها
«البشير»
من متطوعين متدينين، صاروا بالفعل مقاتلين محترفين، رجَّحوا كفة
«البرهان»
في الحرب، لا سيما في العاصمة المثلثة (الخرطوم - أم درمان - بحري)، وولاية الجزيرة
مؤخرًا، وولاية سنار والقضارف من قبل، وهو ما أنقَذ القوات العسكرية (غير المؤدلجة)
من هزائم كانت تُلحقها بها ميليشيات الدعم السريع، قبل فتح أبواب التطوع وإنشاء
قوات المستنفرين التي يتشكل معظمها من قوات قريبة من
«الحركة
الإسلامية».
كلا الفريقين يضغط في اتجاهٍ معاكسٍ، فمقاتلو
«الحركة
الإسلامية»
يريدون مكافأة لهم على مساندتهم للجيش، ممثلة في إعادة الاعتبار للمؤتمر الوطني،
ومشاركة الحركة في جناحَي الحكم: العسكري والمدني. والقوى الداعمة لا ترغب بهذه
المشاركة.
و«البرهان»
نفسه، كان يرغب بوجود قوى علمانية في الحكم لا جذور شعبية لها؛ بحيث يمكنه التحكم
بها من جهة، وإرضاء القوى الدولية، لا سيما الولايات المتحدة وأوروبا والاتحاد
الإفريقي، من جهة أخرى. ولا يريد أن يقع أسيرًا لنفوذ
«قوات
الدفاع الشعبي»،
وبعض ضباط الجيش المتعاطفين مع
«الحركة
الإسلامية»،
ولهذا؛ فقد أرسل رسالتين مؤخرًا يهدف من ورائهما إلى إحداث نوع من الموازنة
السياسية:
الرسالة الأولى: للقوى العلمانية، لا سيما تنسيقية
«تقدّم»؛
إذ فتح لأعضائها
«باب
التوبة»
من التحالف مع
«الدعم
السريع»،
وصفح عن انخراطها في التمرد؛ إن هي فكَّت ارتباطها بالدعم السريع، وعادت إلى الحياة
السياسية (الشرعية)، وهذه الرسالة قد آتت أكلها، بعد أيام قليلة بانقسام
«تقدّم»،
وتزعّم دكتور عبد الله
«حمدوك»
(رئيس الوزراء السابق) لفريق رافض لتشكيل حكومة موازية، بما يعني تركه الباب مشرعًا
للعودة للحياة السياسية تحت مظلة
«البرهان».
الرسالة الأخرى: للمؤتمر الوطني، وكتائب البراء؛ حيث حذّر
«البرهان»
بصرامة في خطاب بين عسكريين (الحركة الإسلامية من دون أن يسميها)
«الذين
يريدون العودة للحكم فوق أشلاء السودانيين»،
ودعا المقاتلين المتطوعين إلى تسليم سلاحهم يوم أن تضع الحرب أوزارها.
غير أن هذه الرسالة قُوبِلَت برفضٍ شديدٍ من المؤتمر الوطني، الذي حمَّل
«البرهان»
-في بيان صدر مؤخرًا-، مسؤولية اندلاع الحرب، وواعدًا بأن المؤتمر سيصل للحكم
بإرادة الجماهير في انتخابات حرة. كما رد المصباح أبو زيد قائد لواء
«البراء
بن مالك»
على تحذير
«البرهان»
بأنّ
«أيّ
شخص يقاتل تحت راية سياسية يجب عليه أن يتخلى عن السلاح»،
مشيرًا إلى
«البرهان».
وأكد أن قواته (لواء البراء)
«تخوض
المعارك دفاعًا عن الدين والوطن والمواطن، مشيرًا إلى أنهم لا يتطلعون إلى أيّ شكر
أو تقييم من أيّ جهة كانت».
ويبدو أن
«البرهان»
قد تراجع قليلًا بعد ذلك، خصوصًا أن كثيرًا من السودانيين قد لامَه على تفجير هذه
المعركة فيما لم يزل الجيش وحلفاؤه يخوضون أشرس معاركهم في العاصمة ودارفور
وكردفان، ومن شأن مثل هذه المُساجَلات أن تُفشل قُوّتهم وتُذْهِب ريحهم. وبالتالي؛
فإن
«البرهان»
عاد، وشدَّد على أن شركاء السلاح هم شركاء في السياسة أيضًا.
معركة
«البرهان»
وتنسيقية
«تقدم»:
تدور هذه المعركة على عدة محاور:
محور كسب
«المجتمع
الدولي»:
حيث يقوم فريق
«حمدوك»
من جهته بنشاط سياسي محموم لحمل
«البرهان»
على الاستجابة للضغوط الدولية بإشراك هذا الفريق في الحكم مجددًا، ومِن ثَم إعادة
تدوير
«الوثيقة
الدستورية»
المعيبة، التي يرفضها معظم الشعب السوداني، وفي مقدمتهم قوى إسلامية غير مُسيَّسة،
كجماعة أنصار السنة، التي أعادت من جديد تأكيدها على رفض الوثيقة (التي كانت
الجماعة قد رفضتها منذ توقيعها في العام 2019م)، محذرةً من تعديلها، بدلًا من
إلغائها، وهو التعديل الذي ترى أنه لا معنى له، خصوصًا أن قوى التغيير التي
وقَّعتها لم تَعُد موجودة، وأن الجناحين السياسي والعسكري (قحت وميليشيات الدعم
السريع)، قد خرجا من مجلس السيادة السوداني الحاكم، وكذلك ترى أن إلغاء الوثيقة
لهوية السودان لا يُحتمل معه ترقيعها، وإنما إلغاؤها بالكلية، والعودة إلى دستور ما
قبل
«الثورة»؛
نظرًا لتعبيره عن هوية السودان، وتحقيقه للقواعد الناظمة لحكم السودان.
محور عرقلة وإجهاض محاولة إضفاء الشرعية على مشروع الحكومة الموازية:
وهو المشروع الذي يقوم عليه شطر
«تقدّم»
الآخر بقيادة إبراهيم الميرغني وآخرين، وأعلنه بشكلٍ شِبْه رسمي في نيروبي، عاصمة
كينيا، الراعية الرئيسة لتلك الحكومة، التي وعدتها قوى إقليمية، بدعمٍ لا يقلّ
بداية عن 200 مليون دولار، كدفعة أولى.
هذا المشروع، الذي بات من المتعيّن على
«البرهان»
مواجهته، رغم صعوبة تحقيقه؛ نظرًا لهزائم الدعم السريع، مُقْلِق كثيرًا للبرهان
وحلفائه، ومُقْلِق أيضًا للتيارات المحافظة، بل وأجسام القوى التقليدية التي دعت
لإجهاضه، محذرةً من خطورة إعلان الحكومة الموازية، الذي من شأنه أن يُحيل السودان
إلى دولة مقسمة فاشلة. ومن تلك القوى التقليدية التي رفضته: حزب الاتحاد (الميرغني)
نفسه، الذي تبرأ من إعلان إبراهيم الميرغني، مُبْدِيًا أسفه عن صدوره من أحد
المنتسبين للحزب التقليدي الصوفي الكبير.
محور إبعاد
«البرهان»
عن حلفائه المفترضين:
جُلّ عمل
«تقدُّم»
بشطريها اليوم يقوم على ضرورة فكّ الارتباط الظرفي بين
«البرهان»
والقوى العسكرية المسلحة الموالية للحركة الإسلامية، وهي تُدرك أن عودة المؤتمر
الوطني لحكم السودان من خلال حكومة يُوافق عليها
«البرهان»،
ويُفوّضها صلاحيات واضحة، من شأنه أن يُعيد القوى العلمانية إلى مربع كانوا يشغلونه
قبل
«الثورة».
ولهذا؛ فإن تسريب خبر أو شائعة التكليف المتوقع لزعيم
«الحركة
الإسلامية»،
الدكتور علي كرتي، بتشكيل الحكومة، هو محاولة لنَسْف هذا التقارب الذي حُشر فيه
«البرهان»
مضطرًا بعد أن وفَّر له المحافظون انتصارات لم يكن لينالها دونهم.
معركة
«البرهان»
مع الداعمين للدعم السريع:
يخوض
«البرهان»
تلك المعركة، دبلوماسيًّا، عبر تقديم شكاوى للمنظمات الدولية، والسعي نحو الضغط على
بعض الدول العربية الداعمة لعدوّه اللدود؛
«حميدتي»،
كما يخوضها عبر العمل على رفع مستوى التسليح النوعي للجيش السوداني، بغية كَبْح
جماح التفوق العسكري للميليشيات في بعض النواحي.
وهذه المعركة، كثيرًا ما نأى
«البرهان»
بنفسه عنها، وأوعز إلى أحد أقرب مساعديه، وهو اللواء ياسر العطا، برفع سقف الاتهام
والإدانة لبعض الدول العربية التي تَمُدّ ميليشيات
«حميدتي»
بالمُسيَّرات المتطورة، وبعض نُظُم الدفاع الجوي، وتنفق بسخاء على مرتزقة لا ينتهي
تدفقهم من الجوار.
ويخوض
«البرهان»،
تلك المعركة، كذلك سياسيًّا، عبر الإيغاد والاتحاد الإفريقي، ودول الجوار، التي
يصطف معظمها مع أعدائه من ميليشيات التمرد، في محاولةٍ لزحزحة هذا التأييد، وفكّ
هذا الارتباط بين ميليشيات
«حميدتي»،
وبعض دول الجوار، التي لم يزل تأثير
«المستعمر»
قائمًا فيها.
ويخوضها عسكريًّا، بالعمل على نشر قواته على سائر الحدود السائلة والمضطربة
والمفتوحة التي يتسرب من خلالها الدعم البشري والعسكري واللوجيستي إلى داخل
السودان، من خلال محيطٍ واسعٍ من الحدود شبه المفتوحة، والتي تُسهّل كثيرًا عمل
المرتزقة والميليشيات المناوئة له.
* * *
ورغم الانتصارات التي يُحقّقها الجيش وحلفاؤه، إلا أن استحقاقات السياسة مختلفة،
وهي لم يحصل بها اختراقات إيجابية لافتة حتى الآن، ولم يزل أعداء الجيش السوداني
يقتاتون على أخطاء السياسة الداخلية السودانية، وأبرزها التباطؤ في بناء مؤسسات
الحكم التوافقية أو المنتخبة، وهي ثغرات واسعة تنفذ منها القوى العلمانية الوثابة.
فلم يزل الإصلاح السياسي في السودان بطيء الوتيرة جدًّا، ولم يزل سؤال الحكم بغير
إجابة واضحة جلية أمام الشعب السوداني، أهو إسلامي مُحافِظ قائم على قاعدة أهل الحل
والعقد، أم هو ديمقراطي قائم على قاعدة الانتخاب الحُرّ، أم هو مُستبِدّ يعتمر
عمامة دينية تارة، وقبعة غربية تارة، وهو لا إلى هذا ولا إلى ذاك!
تلك استحقاقات قد آنَ كشفُها وتوضيحها للعسكريين والمدنيين على حدّ سواء؛ فالكل قد
عانَى من هذا الشعب الطيب، وهو بحاجة مُلِحَّة إلى وضع خارطة طريق واضحة للحكم،
تتَّسم بالعدالة والإفراز الطبيعي للكفاءات، ووضع القواعد الناظمة لحياة الناس في
مرحلة ما بعد الحرب.