إياك ثم إياك أن تهتم بتحسين خطوتك الأولى؛ لأن هذه حيلة نفسية ستقطعك عن الاستمرار في العمل، فهي حيلة من النفس للهروب من إنجاز العمل، لتجعل التجويد لاحقًا، ليكن شعارك: ابدأ الآن، وَجَوِّد عملك لاحقًا
لا توجد خطوة في إنجاز الأعمال أهمّ ولا أصعب من خطوة البداية؛ فالبداية في عمل جديد تنقل المرء من البطالة للإنجاز والفاعلية، والنفس تستثقل أيّ عملٍ، كبيرًا كان أو صغيرًا، وكثير من الناس شرعوا في أعمال كثيرة، ولكن سرعان ما ينكصون على أعقابهم، ويَدَعون تلك الأعمال ويعودون للبطالة، وهناك كثير من الناس يتحدثون عن أعمال يريدونها من سنين وما زالوا لا يستطيعون سلوك الخطوة الأولى؛ لذلك احتاجت البدايات لفقه وعِلْم.
وفي هذا المقال نذكر منارات يهتدي بها السالك لتلك البدايات.
أولاً: ابدأ الآن
إن الذي يُصعِّب البداية هو التسويف والتأجيل، ولكنْ إذا بدأتَ الآن سترى أن صعوبة البداية مجرد وَهْم في ذهنك، فإذا بدأتَ الآن استبشرتَ وزال همّك، وزاد نشاطك في العمل. وكثير من الناس منذ سنوات يريد طلب العلم، ولكنه يأبى أن يبدأ بالخطوة الأولى، ويظل هكذا حتى ييأس من طلب العلم. إن التسويف يُضيِّع الفرص الكثيرة، ويُهدر جهودًا كثيرة، ولو بدأتَ الآن لحققت الكثير بفضل الله.
ثانيًا: قلِّل حجم هذه الخطوة بعد أسبوع من بدايتك
عندما تبدأ بالخطوة الأولى تعتمد في استمرارك على حماسة البداية، لكن بعد عدة أيام تفقد هذا الحماس، وتجد نفسك تتهرَّب من هذا العمل وتستثقله، فنصيحتي لك قلِّل هذه الخطوة بعد أسبوع، فإن كنت تحفظ ثلاث آيات اجعلهم آيتين أو واحدة، وإن كنت بدأت بقراءة عشر دقائق من كتاب اجعلها خمسًا، حتى تداوم على هذا العمل. فبعض الناس يغترّ بحماس البداية، ويُكثر حجم ما يريد إنجازه حتى يعجز عن المداومة على العمل، ثم ييأس من القيام بهذا العمل. فكم قطع حماس البداية مئات الناس عن الاستمرار في العمل! لأنهم لم يُقلِّلوا من خطوة البداية.
ثالثًا: ابدأ بأيّ طريقة حتى لو كانت غير مكتملة
لا تظل تبحث عن الطريقة المُثلى لهذا العمل، وتظل تنتقل للبحث بين طرائق البداية، فتجد البعض يتنقل بين طرائق طلب العلم، وينظر هنا وهناك، ويستفتي هذا وذاك ليصبح في النهاية خبيرًا بجميع الطرائق دون أن يُنْجِز أيّ شيء مما يبحث عن طرائقه.
رابعًا: لا تُجوِّد خطوتك الآن
إياك ثم إياك أن تهتم بتحسين خطوتك الأولى؛ لأن هذه حيلة نفسية ستقطعك عن الاستمرار في العمل، فهي حيلة من النفس للهروب من إنجاز العمل، لتجعل التجويد لاحقًا، ليكن شعارك: ابدأ الآن، وَجَوِّد عملك لاحقًا.
خامسًا: تَخلَّص من المثالية الزائدة
لا تبحث عن الكمال في عملك، وتظل تتطلع لأحسن عمل، وأنت لم تبدأ بأيّ شيء. إن الحرص على إنجاز أيّ شيء ولو كان قليلاً أفضل مائة مرة من التطلع للكمال دون البداية به. وإن حِرْصنا على المثالية الزائدة يجعلنا نكون كما يقول الدكتور عبد الكريم بكار «ما نريده غير ممكن، وما هو ممكن لا نريده، والنتيجة إجازة مفتوحة».
سادسًا: ابدأ بأهم الأعمال
مراعاة الأولويات مما يساعد على إنجاز أهم الأعمال؛ وعليه فإن الذي يُصلحك ويُقرّبك من الله هو الفرائض؛ ففي الحديث القدسي: «وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتّى أُحِبَّهُ»؛ فإذا كنتَ طالبًا للعلم فابدأ بفروض الأعيان، ثم بحفظ القرآن، وإن كنت تريد إصلاح نفسك فابدأ بفعل الفرائض وترك المناهي، وهكذا.
سابعًا: لتكن بدايتك بداية شرعية
احرص على الاهتداء بالكتاب والسُّنة فيما تَشرع فيه من أعمال، فلقد كان هذا هو هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، ففي سعيه بين الصفا والمروة بدأ بالصفا، وقال: «أبدأ بما بدأ الله به»، فلا تجعل في بدايتك مخالفات شرعية؛ حتى يبارك الله لك في هذه الخطوة.
ثامنًا: لتكن نيتك حاضرة
فأخْلِص نيتك لله، فالعمل من غير نية هباء؛ فقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ [البينة: 5]، وفي الحديث المتفق عليه: «إنما الأعمال بالنيات»؛ فاستحضِر النية الصالحة في جميع أعمالك، وأبشر بذلك، واعلم أن من أعظم محاسن الإسلام: أن الإنسان إذا عجز عن العمل نال بسبب نيته الصالحة أجرًا عند الله تعالى.
هذه رسالة لكل مَن له سنوات وهو يريد حفظ كتاب الله، أو طلب العلم، أو تطوير نفسه وإصلاحها، ولا يعرف من أين يبدأ، أو يبدأ ثم ينكص على عقبيه، فإليك أبرز معالم طريق البداية.
تلك كانت منارات يهتدي بها السالك للبداية الجديدة، واعلم أن الراحة لا تُدْرَك بالراحة، والنعيم لا يُنال بالنعيم؛ فجاهِد نفسك واحْرص على ما ينفعك. وفَّقنا الله وإياكم لما يُرضيه.