• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
التشيع الصفوي

التشيع الصفوي


شاع في الإعلام وعلى ألسنة المثقفين المهتمين بشأن الفرق والمذاهب، مصطلح «التشيع الصفوي»، وكثير من الناس يجهلون حقيقة «التشيع الصفوي» الذي ترجع أصوله إلى السبئية الأولى، فقد خرج من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه طائفتان غاليتان، الأولى: الخوارج الذين كفّروا عليّاً رضي الله عنه، بل أجمعوا بكافة فرقهم على كفره، كما يقول الإمام الأشعري في «مقالاته»[1]، وقد حاربهم علي رضي الله عنه لما اعتدوا وقتلوا؛ والأخرى: الغلاة الذين غلَوا في علي رضي الله عنه، فمنهم من جعله إلهاً، وهؤلاء بيَّن علي رضي الله عنه لهم الحق واستتابهم، ومن أصر منهم على غلوه أحرقه بالنار، ومنهم من فضَّله على الخليفتين أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما -، وهؤلاء توعّدهم علي رضي الله عنه بقوله: «لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري»[2]، وقد تواتر عنه أنه كان يقول على منبر الكوفة: «خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر»، وروي هذا عنه من ثمانين وجهاً[3]، ثم إن هؤلاء الغلاة بعد الضربة العلوية استتروا ولاذوا في سراديب العمل الطائفي السري.

غير أن هؤلاء بعد مقتل الحسين رضي الله عنه، وتأثّر عموم المسلمين بمقتله؛ اندسوا في عموم المناصرين للحسين والمتشيعين له والمنتسبين إليه، ولذلك ذهب بعض الباحثين إلى أن مقتل الحسين هو البذرة والبداية التاريخية لنشأة التشيع كعقيدة، ثم إنه في سنة 121-122هـ ظهرت حقيقتهم، وانكشفت طويتهم، وذلك بعد رفضهم وتركهم زيد بن علي بعد ترضيه على أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما –، ولذا سماهم زيد «الرافضة»، وكانوا يسمون «السبئية»، ثم لقبوا بـ «الصفوية»، ولقبوا أنفسهم في عصرنا بـ «الشيعة»، وكفَّروا جميع المسلمين حتى المعتدلين منهم؛ كالزيدية، وبدأوا يظهرون في كل بلد من بلدان المسلمين باسم لهم لإخفاء حقيقتهم، ولذا قال الشهرستاني بـ «أن لهم دعوة في كل زمان، ومقالة جديدة بكل لسان»[4]، والعلماء يفرقون بينهم وبين عموم الشيعة، ولذلك قال الإمام الذهبي: «فالشيعي الغالي في زمان السلف وعرفهم هو من تكلم في عثمان، والزبير، وطلحة، ومعاوية، وطائفة ممن حارب عليّاً رضي الله عنه وتعرض لسبهم، والغالي في زمننا وعُرفنا هو الذي يكفر هؤلاء السادة، ويتبرأ من الشيخين، فهذا ضال مفتر»[5].

ثم إن هؤلاء الغلاة اعتمدوا على مصادر لهم في التلقي انعزلوا بها عن أمة الإسلام، وكانت هذه المصادر سرية التداول بينهم، ولعل أول ظهور لها أو وقوف عليها كان في القرن العاشر، فقد رأيت أن أول إشارة لها جاءت من أحد الباحثين الإيرانيين في القرن العاشر، وهو مخدوم الشيرازي[6]، حيث ذكر أن من هفوات الروافض إنكارهم كتب الأحاديث الصحاح التي تلقتها الأمة بالقبول، وإيمانهم بمقابل ذلك بأربعة كتب، جمع فيها كثير من الأكاذيب مع بعض الأحاديث وأقوال الأئمة[7].

أما انتسابهم أو نسبتهم لـ «التشيع الصفوي»، فهو نسبة إلى الدولة الصفوية في إيران التي كانت من بلاد السنة حتى بليت بالحكم الصفوي الذي استمر من سنة 1905إلى سنة 1148هـ[8]، والتي أسسها الشاه إسماعيل الصفوي وفرض التشيع «الاثنا عشري» على الإيرانيين قسراً، وجعله المذهب الرسمي لإيران، وكان إسماعيل قاسياً متعطشاً للدماء إلى حد لا يكاد يصدق[9]، ويشيع عن نفسه أنه معصوم وليس بينه وبين المهدي فاصل، وأنه لا يتحرك إلا بمقتضى أوامر الأئمة الاثني عشر[10].

ولقد تقلد سيفه وأعمله في أهل السنة، وكان يتخذ سب الخلفاء الثلاثة وسيلة لامتحان الإيرانيين، فمن يسمع السب منهم يجب عليه أن يهتف قائلاً: «بيش باد كم باد»، هذه العبارة تعني في اللغة الأذربيجانية أن السامع يوافق على السب ويطلب المزيد منه، أما إذا امتنع السامع عن النطق بهذه العبارة قطعت رقبته حالاً، وقد أمر الشاه أن يُعلن السب في الشوارع والأسواق وعلى المنابر، منذراً المعاندين بقطع رقابهم[11]، وكان إذا فتح مدينة أرغم أهلها على اعتناق الرفض فوراً بقوة السلاح.

ويروى عنه أنه عندما فتح تبريز في بداية أمره وأراد فرض التشيع على أهلها بالقوة، أشار عليه بعض شيوخهم بأن يتريث؛ لأن ثلثي سكان المدينة من أهل السنة، وأنهم لا يصبرون على سب الخلفاء الثلاثة على المنابر، لكنه أجابهم: «إذا وجدت من الناس كلمة اعتراض شهرت سيفي بعون الله فلا أبقي منهم أحداً حياً»[12].

ومن ناحية أخرى، اتخذ مسألة قتل الحسين وسيلة للتأثير النفسي، إضافة إلى أسلوب التهديد والإرهاب، فأمر بتنظيم الاحتفال بذكر مقتل الحسين على النحو الذي يتّبع الآن عندهم[13]، وأضاف إليه فيما يقال مجالس التعزية، وهي التي يسمونها الآن «الشبيه»، ويجرى فيها تمثيل مقتل الحسين، فكان لهذا أثره على أولئك الأعاجم حتى رأى بعضهم أنه من أهل العوامل في نشر التشيع في إيران؛ لأن ما فيه من مظاهر الحزن والبكاء وما يصاحبه من كثرة الأعلام ودق الطبول وغيرهما؛ يؤدي إلى تغلغل العقيدة في أعماق النفس والضرب على أوتارها الكامنة[14].

ولقد آزر شيوخ الروافض سلاطين الصفويين في الأخذ بالتشيع إلى مراحل من الغلو وفرض ذلك على مسلمي إيران بقوة الحديد والنار.

وكان من أبرز هؤلاء الشيوخ شيخهم علي الكركي[15]، الذي يلقبه الشيعة بالمحقق الثاني، والذي قربه الشاه طهماسب، ابن الشاه إسماعيل، وجعله الآمر المطاع في الدولة، فاستحدث هذا الكركي بدعاً جديدة في التشيع، فكان منها: التربة التي يسجد عليها الشيعة الآن في صلواتهم، وقد ألف فيها رسالة سنة (933هـ)[16]، كما ألف رسالة في تجويز السجود للعبد[17]، وذلك مسايرة للسلطان إسماعيل الصفوي الذي كان يغلو فيه أصحابه حتى إنهم يعبدونه ويسجدون له، ولذا قال الحيدري بأن إسماعيل خرج عن جادة الرفض، وادَّعى الربوبية، وكان يسجد له عسكره[18].

وكانت بدعه الكثيرة في المذهب الشيعي داعية للمصنفين من غير الشيعة إلى تلقيبه بمخترع الشيعة[19]، وقد ألف رسالة في لعن الشيخين - رضي الله عنهما - سماها «نفحات اللاهوت في لعن الجبت والطاغوت»[20]، ويقال: إنه هو الذي شرع السب في المساجد أيام الجمع[21].

كذلك كان من شيوخ الدولة الصفوية المجلسي، والذي شارك السلطة في التأثير على المسلمين في إيران حتى يقال بأن كتابه «حق اليقين» كان سبباً في تشيع سبعين ألف سني من الإيرانيين[22]، والأقرب أن هذا من مبالغات الشيعة، فإن الرفض في إيران لم يجد مكانه إلا بالقوة والإرهاب، لا بالفكر والإقناع.

ثم نشأ الجيل اللاحق في جو المآتم الحسينية السنوية التي طورها الصفويون ليمتلئ الناشئ بتأثيرها حقداً وغيظاً حتى لا يكاد يستمع بسبب ذلك إلى حجة أو برهان، وكان لكتاب المجلسي «بحار الأنوار» أثره في إشاعة الغلو بين الشيعة، حيث جاء قراء التعزية وخطباء المنابر فصاروا يأخذون منه ما يروق لهم، ويملؤون أذهان العامة بالغلو والخرافة.

وقد كان هذا الكتاب من أوائل المؤلفات التي طبعت على نطاق واسع في العهد القاجاري، وقد وردت منه إلى العراق نسخ كثيرة، ما أدى إلى انتشار معلوماته الغثة في أوساط الشعب العراقي على منوال ما حدث في إيران[23].

كذلك لا ينسى الجانب الآخر من آثار الدولة الصفوية، وذلك في حروبها لدولة الخلافة الإسلامية، وتعاونها مع الأعداء من البرتغال ثم الإنجليز ضد المسلمين، وتشجيعها بناء الكنائس ودخول المبشرين والقسس، مع محاربتهم السنة وأهلها[24].

ومن كلمات شيخ الإسلام ابن تيمية (الخالدة) والمهمة في هذا الموضوع، والتي إذا طبقتها على الواقع واستقرأت من خلالها وقائع التاريخ؛ رأيت صدقها كالشمس، حيث قال - رحمه الله -: «فلينظر كل عاقل فيما يحدث في زمانه، وما يقرب من زمانه من الفتن والشرور والفساد في الإسلام، فإنه يجد معظم ذلك من قبل الرافضة، وتجدهم من أعظم الناس فتناً وشرّاً، وأنهم لا يقعدون عما يمكنهم من الفتن والشرور وإيقاع الفساد بين الأمة»[25].

ونحن قد علمنا بالمعاينة والتواتر أن الفتن والشرور العظيمة التي لا تشابهها فتن، إنما تخرج عنهم[26].


 

:: مجلة البيان العدد  317 محرم 1435هـ، نوفمبر  2013م.


[1] «مقالات الإسلاميين» (1/86).

[2] «منهاج السنة» (1/219-220).

[3] وانظر من الروايات في هذا المعنى: «صحيح البخاري» (مع فتح الباري) (7/20)، مسند الإمام أحمد (بتحقيق أحمد شاكر) رقم 833، 834، 835، 836، 837، 871، 878، 879، 880، 1054 (2/ 148، 149، 161، 164، 233).

[4] «الملل والنحل» (1/192).

[5] «ميزان الاعتدال» (1/5-6).

[6] وقد عاش في وسط الرافضة، واضطر أن يتلقى تعليمه بينهم، فعرف من أمورهم - كما يقول - ما يخفى على الكثير، ولزمته مخالطتهم ومطالعة كتبهم، وقد اطلع بسبب ذلك على كثير من ضلالاتهم وأباطيلهم. (انظر: «النواقض» الورقة 87، 151 مخطوط).

[7] «النواقض» (ص 109، 110) مخطوط.

[8] «الشيعة في الميزان» مغنية (ص 182).

[9] «لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث» علي الوردي (ص 56).

[10] «الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن الثاني عشر الهجري» كامل مصطفى الشيبي (ص 413).

[11] «المصدر السابق» (ص 58).

[12] «الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن الثاني عشر الهجري» (ص 58)، وانظر: «تاريخ الصفويين» (ص 55).

[13] «الفكر الشيعي» (ص 415).

[14] «لمحات اجتماعية» (ص 59).

[15] علي بن هلال الكركي، هلك سنة (948هـ).

[16] «الفكر الشيعي» (ص 416) عن ترجمته في «روضات الجنات» (ص 404).

[17] «لمحات اجتماعية» (ص 63).

[18] «عنوان المجد» (ص 116-117).

[19] «النواقض» الورقة 98ب.

[20] «الفكر الشيعي» (ص 416).

[21] «الفكر الشيعي» (ص 416).

[22] «عقيدة الشيعة» دونلد سن (ص 302).

[23] «لمحات اجتماعية» (ص 77-78).

[24] انظر تفاصيل ذلك في: «تاريخ الصفويين» (ص 93) وما بعدها، وانظر: «حاضر العالم الإسلامي» للدكتور جميل المصري (ص 117).

[25] «منهاج السنة» (3/243).

[26] «منهاج السنة» (3/245).

 

 

أعلى