" ماذا لو .. ؟ " استراتيجية ردع جديدة
اعتدى الكيان الصهيوني على قافلة الحرية وقتل عدداً ما بين عشرة إلى تسعة عشر شخصاً من أعضائها، وانحصر ردُّ الفعل العربي في إطلاق تصريحات تستخدم ألفاظاً متوسطة الحدَّة؛ بمعنى أنها تنتقد الفعل ولا تنتقد الفاعل، وبمعنى آخر: تقول: هذه قرصنة، ولا تقول: إن هؤلاء قراصنة.
والسؤال هنا هو: ماذا لو كان عدد القتلى 30 شخصاً، هل سيحدث تغيير؟ ماذا لو كان خمسين أو سبعين أو مائة شخص؟
هل كان الكيان الصهيوني في عملية مثل هذه سيحسب لردود الفعل العربية، أو لردود الفعل الغربية حساباً؟
لقد أحدث الصراع العربي الإسرائيلي في جولاته الأخيرة خللاً واضحاً في مفاهيم ونظريات السياسة المتعلقة منها بتوازن القوى؛ فالأصل أنَّ توازن القوى (الدول) يشبه توازن السعر في السوق؛ كل دولة تحجز لنفسها مكاناً في معادلة التوازن بحسب قوَّتها، وفي النهاية تستقر العلاقة على وضعية معيَّنة، هذه الوضعية يجري الوصول إليها من خلال حروب أو مفاوضات أو معاهدات... إلخ، والمهم أن التوازن يتحقق وَفْقَ إمكانات كل دولة؛ فهل هذا ما حدث في الصراع العربي الإسرائيلي؟
لقد أضاف الأداء العربي في مواجهة الكيان الصهيوني عنصراً جديداً للتوازن، وهو: القدرة على استخدام وسائل القوة المملوكة؛ ففي حالاتٍ ومواقفَ كثيرة حدثت فيها تجاوزات من قِبَلِ الكيان تُخِلُّ بمعادلة التوازن، كان يجب - والحال هكذا - أن تبادر القوى العربية باستخدام قوَّتها لإعادة التوازن إلى وضعه السابق. ولكنَّ هذ لم يحدث في عشرات المواقف والحالات.
ونتيجة هذا الوضع المعقَّد استطاع الكيان الصهيوني أن يصوغ معادلات توازن جديدة بصورة مستمرة؛ وفي كل مرة يقابل العربُ التجاوزاتِ بالتصريحات، وبات التساؤل المطروح على كثير من الألسنة هو: ما هو الفعل الإسرائيلي الذي سيترتب عليه ردُّ فعل عربي قوي يتجاوز الأداء الحنجري؟ للأسف لا توجد إجابة من هذه الجهة.
وهنا يمكن أن نستخدم معياراً بسيطاً لمعرفة حدود الفعل العربي (أو بتعبير أدق: رد الفعل العربي) من الجهة الأخرى، ويتلخص هذا المعيار في كلمتين: «ماذا لو...؟».
ماذا لو قصفت الطائرات الإسرائيلية معسكراً قرب دمشق؟
وماذا لو قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 2000 فلسطيني في أقلَّ من شهر؟
وماذا لو هدَّد مسؤول إسرائيلي بقصف السد العالي؟
وماذا لو اغتال الموساد ناشطين فلسطينيين في دول عربية؟
وماذا لو ضربت طائرات الكيان قافلة بضائع في السودان؟
وماذا لو تزايد هدم منازل المسلمين في القدس، والحفريات تحت المسجد الأقصى؟...
إن الأسئلة السابقة تتعلق بما حدث بالفعل، وإجاباتها معروفة، وهذه قائمة أخرى من الأسئلة:
ماذا لو قرر الكيان شنَّ حرب جديدة على غزة وراح ضحيتها 5000 فلسطيني؟
وماذا لو ضرب الجيش الإسرائيلي لبنان في حرب جديدة مدمرة؟
وماذا لو أغارت طائرات العدو على مقرَّات قادة الفصائل الفلسطينية في دمشق فاغتالتهم؟
وماذا لو اغتال الموساد خالد مشعل أثناء زيارته لأي دولة عربية؟
وماذا لو قرر الصهاينة البدء في هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل؟...
إن هذه أسئلة تتعلق بما يمكن أن يحدث، والإجابات مجهولة بالطبع، ولكن قياساً على القائمة الأُولَى يمكن توقع إجابات القائمة الثانية.
إحقاقاً للحق لا بد أن نعترف أن العرب يغضبون غضباً شديداً للاعتداءات الإسرائيلية، لكنه غضب ليس للاعتداء ذاته، بل لأنه يتسبب في مأزق البحث عن ردِّ فعل مناسب يُقنع الرأي العام العربي بأنه قوي، وفي الوقت نفسه يُقنع العالمَ الغربي بأنه ردُّ فعل ضعيفٌ أو (متوازنٌ). والطريف أن قادة الكيان الغاصب يزيدون الطين بِلَّة؛ فيقدموا اعتراضاتهم على ردَّ الفعل المتوازن ولا يرقبون في حليف إلاَّ ولا ذمة؛ كما حدث مع وزير عربي كان يزور لبنان ووصف الكيان الصهيوني بأنه دولة معادية؛ كدلالة على التضامن، وعلى الفور قدَّمت سفارة العدو احتجاجاً واستفساراً، فكان الرد العربي باستخدام (النظرية النسبية) ليس في تطوير سلاح نووي بالطبع، ولكن في التعبير عن (حُسْنِ النوايا): إسرائيل دولة معادية بالنسبة إلى لبنان وليس بالنسبة إلينا.