الجيش الصهيوني... العقيدة القتالية وتحديات المستقبل
أصدر
مركز الزيتونة للدراسات تقريرَ معلومات حول الجيش الصهيوني تناول فيه تفاصيل مثيرة
حول نشأته وكتائبه وأسلحته ومصادر تمويله، وكذلك مصانع السلاح التي أنشأها الكيان
لإمداد هذا الجيش. وفي حال قراءة التقرير تتبادر إلى ذهن القارئ فروقات كبيرة بين
تركيبة الجيش الصهيوني والجيوش العربية التي لا تزال منذ نشأتها تستورد أسلحتها من
أعدائها وأعداء أمتها.
يطلق
الجيش الصهيوني على نفسه اسم "جيش دولة إسرائيل"، ويخضع لحكم مدني
ديمقراطي يستلهم من قوانين الدولة، وتلخص الغاية من وجوده في حماية الكيان
الصهيوني وحماية استقلاله وإحباط جهود الأعداء في إحباط الحياة الطبيعية فيه.
تبيِّن
استطلاعات الرأي الصهيونية أن 85.2% من مواطني الكيان الصهيوني راضون عن أداء جيش
بلادهم، باعتباره المؤسسة الأولى في الدولة التي تتمتع بهذه الثقة. وبالرجوع إلى
التاريخ قليلاً فإننا نجد أن الجيش الصهيوني تم تأسيسه بتاريخ 26/مايو/1948م، أي
بعد إعلان استقلال الكيان الصهيوني بـ 12 يوماً، وبذلك تنتهي مرحلة العمل السري
التي قامت بها منظمات يهودية مختلفة، أبرزها "الهاغانا"، للسيطرة على
أراضي الشعب الفلسطيني وممتلكاته. كانت نواة الجيش تتكون من سبعة ألوية نظامية،
وثلاثة ألوية من "البالماخ"، وهي قوة خاصة تتبع عصابات
"الهاغانا"، وتم تزويده في البداية بأسلحة تشيكية وفرنسية.. وجاء في
المرسوم التأسيسي للجيش الذي أعلنته الحكومة برئاسة ديفيد بن جوريون في 31/مايو/1948م،
أنه ينشأ بناءً على هذا المرسوم "جيش الدفاع الإسرائيلي"، ويكون من
الأسلحة البرية وسلاح الطيران وسلاح البحرية، وفي حالة الطوارئ يطبَّق التجنيد
الإجباري لجيش الدفاع بكل أذرعه، مع تحديد سن المكلفين بالخدمة وفقاً لقرار من
الحكومة، وكل من يخدم في الجيش ملزم بأداء قسم الولاء لـ "دولة إسرائيل"
ودستورها وسلطاتها المتعددة، وبموجب المرسوم الحكومي تم حظر إنشاء أي قوة عسكرية
خارج نطاق وزارة الجيش الإسرائيلي.
ويقول
تقرير "الزيتونة" إن فكرة تأسيس الجيش الصهيوني كانت في البداية ضمن
مساعي منظمة "بارجيورا"، وهي منظمة صهيونية سرية تم تأسيسها في فلسطين
عام 1907م لحماية المستوطنات اليهودية في الجليل، حتى توسعت وأصبح اسمها منظمة
"هاشومير"، وتعني بالعربية الحارس. وملخص تاريخ تأسيس الجيش الصهيوني
أنه تأسس من عصابات، منها: "الأرجون، واشتيرن، والهاغنا"، وبعض الكتائب
التي جاءت من بريطانيا والولايات المتحدة دعماً للوجود اليهودي، إضافة إلى اليهود
العرب الذين زحفوا باتجاه فلسطين.
في
الوقت الحالي يبلغ عدد عناصر الجيش الصهيوني 621.500، منقسمين بين جميع الوحدات،
ويتكوّن الجيش من خمسة أقسام، هي: قيادة المنطقة الشمالية، وقيادة المنطقة الجنوبية،
وقيادة الجبهة الداخلية، والقيادة الوسطى، إضافة إلى هيئة الأركان والتي تتألف من
عدة أجنحة، وهي: (النقل والإمداد، العمليات، الاستخبارات العسكرية، التخطيط،
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والموارد البشرية).
من
أبرز القواعد التي يبني عليها الجيش الصهيوني استراتيجيته العسكرية، عسكرة
التجمعات الاستيطانية ورفع كفاءة المقاتل ونوعية السلاح، إضافة إلى الحرب الوقائية
وقوة الردع ونقل المعارك إلى أرض العدو وبناء الأحزمة الأمنية والمرونة وسهولة
اتخاذ القرارات الميدانية والتحكم في تسلح الأطراف المعادية. كما يتبنّى الجيش
نظرية أمنية على أساس الحرب في أي لحظة، وكذلك سرعة الهجوم والدفاع والمفاجأة
والضربة الاستباقية.
وتجبر
القوانين في الكيان الصهيوني جميع المواطنين على أداء الخدمة العسكرية من سن 18-55
عاماً للرجال، ومن 18-38 عاماً للإناث، وتصل مدة الخدمة إلى ثلاثة أعوام للرجال،
وسنتين للنساء. أما بالنسبة لأبناء الأقليات، فإن الخدمة تكون تطوعية باستثناء
الدروز والشركس، كما يُعفى أبناء المدارس الدينية اليهود من الخدمة طالما هم
متفرغون للدين.
ومع
انتهاء فترة الخدمة فإن الاحتياط في الجيش مجبر على التدريب يوماً كل شهر أو ثلاثة
أيام كل ثلاثة أشهر، ويخوَّل وزير الدفاع باستدعاء الاحتياط بشرط عرض أسباب مقنعة
أمام لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست.
تخدم
المرأة في الجيش الصهيوني في مجالات عدة، منها: التمريض وصيانة الأسلحة والمراسلات
السرية للجيش، ووفقاً لإحصاءات عام 2010، فقد شكلت المرأة 34% من جنود الجيش
الصهيوني، كما أن نحو 88% من أقسام الجيش متاحة للنساء، وفي عام 2011 تم تعيين أول
امرأة برتبة لواء في الجيش الصهيوني وهي أورنا باربيباري.
الدين في الجيش
يقول
تقرير مركز الزيتونة إن المؤسسة العسكرية الصهيونية تنقسم من حيث ولائها بين
الجنرالات والمؤسسة الدينية التي يقودها الحاخامات، ففي عام 2009 ظهرت أزمة في
الجيش على خلفية رفض جنود متدينين أوامر بإخلاء مستعمرات يهودية في الضفة المحتلة،
وعلى أثر ذلك طلب الجيش من الحاخامات إرسال طلبتهم إلى الجيش والتنديد علناً
بعصيان الجنود للأوامر، وبحسب الجنرال توفي زامير، مدير الموارد البشرية في الجيش
الصهيوني، فإن بعض الحاخامات يحضون أتباعهم الشباب على عصيان الأوامر المخالفة
لمعتقداتهم.
وبحسب
صحيفة معاريف، فإن ثلثي قادة الأطقم والسرايا ونوابهم بمن فيهم قائد وحدة شيدلاغ،
وهي أكثر الوحدات في سلاح الجو نخبوية؛ هم من التيار الديني الصهيوني.
العرب في الجيش
في
عام 1949م أنشأ الكيان الصهيوني وحدة ضمن صفوف الجيش أطلق عليها وحدة الأقليات،
كانت تتكوّن من 850 عنصراً من الدروز والبدو والشراكسة ويهود من جنسيات مختلفة،
جرى تجميعهم نظراً لدورهم في التعاون مع العصابات الصهيونية قبل تأسيس الكيان.
في
عام 1954م قررت وزارة الجيش فرض التجنيد الإلزامي على الشبان العرب، لكن تم تعديل
القوانين الخاصة بذلك لتشمل فقط الدروز، بعد اتفاق مع قيادة الطائفة الدرزية، لكن
الموقف الدرزي انقسم بعد ذلك، حيث أعلن أبرز شيوخ الطائفة الشيخ فرهود فرهود رفضه
التجنيد باعتباره انعزالاً عن أبناء المجتمع.
وتقدر
إحصائية نشرتها الصحفية منى أبو شحادة، عدد العرب العاملين في الجيش الصهيوني بـ 5
آلاف مجند، بينما يقدر عدد الدروز بـ 17 ألف جندي.
انقسم
الدروز في الموقف من إجبار أبنائهم على التجنيد؛ فبعض القيادات الدينية تطالب بهذا
القانون، وكانت ذريعتها أن التجنيد مدخل للحصول على مكاسب وامتيازات على أنه إعلان
الولاء لـ "دولة إسرائيل"، لكن البعض الآخر رفضه مثلما ذكرنا سابقاً
باعتباره سبباً في ابتعادهم عن شعبهم.
وبحسب
التقرير، فإن الدعوة إلى تعديل قانون "طال" شكلت مدخلاً لمطالبة أحزاب
صهيونية بتطبيق الخدمة الإلزامية على الحريديم وفلسطينيي عام 1948م، وأثارت هذه
الدعوات جدلاً واسعاً داخل المجتمع العربي، حيث رفضها ممثلوهم في الكنيست وفي
الأحزاب السياسية، معتمدين على أنه لا يمكن تنفيذ هذه الدعوة بالتزامن مع انتقاص
الحكومة الصهيونية لحقوق هؤلاء.
ورغم
أن الإحصاءات تفيد بمقتل 350 من الجنود الدروز في الجيش الصهيوني، إلا أن النظرة
العنصرية الصهيونية إليهم لم تتبدد، وولاؤهم للكيان الصهيوني لا يزال مشكوكاً فيه
لدى دوائر الأمن الصهيونية، ولا تتم ترقيتهم في الرتب العالية.
المناورات والصناعات العسكرية
يُجري
الجيش الصهيوني مناورات عسكرية في الداخل والخارج، منها: "نقطة تحول"،
و"حجارة النار"، و"دمج الأذرع العسكرية"، و"اللهب
البرتقالي"؛ وذلك لمواجهة سيناريوهات نشوب حرب وسقوط صواريخ من إيران ولبنان
وقطاع غزة، وكذلك مواجهة عمليات تفجيرية وحدوث كوارث بيئية. كما يشارك الجيش
بمناورات مشتركة مع دول حليفة، أبرزها مناورات جوية سنوية يقيمها سلاح الجو
الصهيوني مع نظيره الأمريكي، إضافة إلى مناورات مع الجيش الإيطالي، وجرت في يونيو
2009 مناورات فوق شرق البحر المتوسط واليونان شاركت فيها أكثر من مائة طائرة من
طراز إف 16، وقد طارت تلك الطائرات مسافات بلغت 900 ميل، وهي المسافات عينها بين
الكيان الصهيوني والمنشآت النووية الإيرانية، إضافة إلى مناورات كانت تجريها تل
أبيب مع تركيا لكنها ألغيت عام 2009 بسبب التوتر بين البلدين.
أما
بخصوص الصناعات العسكرية والتسليح، فإنها عنصر أساسي داعم للجيش الصهيوني
والاقتصاد الصهيوني، ويرجع ذلك لاهتمام الاستراتيجية الصهيونية به. ومن أبرز
المنشآت العسكرية الصناعية شركة (ImI)، وشركة سولتام. ويتنوع الإنتاج، حيث تنتج
الأسلحة الصغيرة والأسلحة الثقيلة، مثل: دبابات الميركافا والمدافع والعربات
المدرعة والألغام والقنابل الارتجاجية ومواد الحرب الكيمياوية والهاونات بأنواعها.
ويمتلك
الجيش الصهيوني 3.670 دبابة بأنواعها المختلفة، كما تخدم لديه 8.475 ناقلة جند،
إضافة إلى 896 مدفعية، و6.440 مدفع هاون بعيارات مختلفة.
أسلحة متطورة
-
مارس 2005: تطوير قذيفة صاروخية يصل مداها إلى 150 كلم، وأطلق عليها اسم
"إكسترا".
-
أكتوبر 2005: أعلنت صحيفة "هآرتس" تطوير الجيش أعيرة نارية يطلق عليها
"فاصوليا"، وهي عبارة عن أكياس كروية الشكل مصنعة من البلاستيك المقوّى.
-
ديسمبر 2005: طوّر علماء سيارة عسكرية تقاد بالتحكم عن بُعد لاستخدامها في
العمليات العسكرية.
-
11/2006: بدأت الصناعات العسكرية الصهيونية بتطوير أسلحة باستخدام تقنية النانو،
منها: "ذراع ستيف أوستن"، و"لآلئ الحكمة"، و"دبور
الذكاء"، وهو عبارة عن طائرة متناهية الصغر من دون طيار بحجم حشرة الدبور،
تنقل الصور مباشرة إلى قاعدة المراقبة، كما بإمكانها حمل شحنة تفجيرية لتنفيذ
اغتيالات. أما "ذراع ستيف أوستن" فهي قفاز يرتديه الجندي فتتعاظم قوة
يده بشكل كبير للغاية ليتمكّن من اقتحام الأبواب ورفع الأجسام الثقيلة.
-
سبتمبر 2010: أعلن الجيش تطوير منظومة الشبح ووصفت بأنها قادرة على إصابة الأهداف
بفعالية عالية، وهي قاذف قنابل يدوية باستطاعته التعامل مع أهداف مكشوفة أو خفية
بعيدة عن خط رؤية الجنود.
أما
بخصوص الصناعات الجوية، فلها نشاط واسع داخل الكيان الصهيوني، ومن أبرز المنشآت
العاملة في هذا المجال: مؤسسة الصناعات الجوية الصهيونية، وشركة بيت شيم ش
وتاديران، ويشمل تصنيعها طائرات مقاتلة مثل فانتوم ولاقي وطائرات وست وند المروحية
وطائرات دون طيار ومحركات نفاثة خاصة بطائرات نوحاماحستر وكفير ومحرك المروحية
سوبر فريلون.
وتصنع
أيضاً طائرات من نوع كفير وشماي هوك وفانتوم وفوجاماجستر وماستيف وسكاوت وبايونير،
وكذلك طائرة "بي بي إل. آي"، وهي مخصصة للقيام بمهام اعتراض الصواريخ
البالستية.
وتنشط
في الجيش الصهيوني كذلك الصناعات البحرية، حيث تقوم شركة أحواض السفن الصهيونية،
وهي حكومية مقرها مدينة حيفا المحتلة، بصناعة السفن بأنواعها، ومنها قوارب ومنصات
إطلاق الصواريخ وسفن إنزال الدبابات والزوارق السريعة وقوارب ساعر وغشيف المزودة
بصواريخ هاربون و"دفورا". ويمتلك سلاح البحرية الصهيونية 5 غواصات و57
زورق دورية، إضافة إلى 15 سفينة قتالية.
ويعدُّ ميناء حيفا مقر أسطول الغواصات والسفن القتالية وسرية الدوريات الوحدة 914، وقاعدة عتليت مقر الوحدة الخاصة "شييطت 13"، أما إيلات فهي مقر لزوارق الدوريات، إضافة إلى قاعدة أسدود التي تعتبر مقراً لدوريات الوحدة 916. ومن أبرز إنجازات سلاح البحرية الصهيوني تطوير زورق حربي سريع من دون طاقم أطلق عليه اسم "حامي"، وهو من تطوير مركز رافائيل للأبحاث، ويبلغ طوله تسعة أمتار، ويستطيع الإبحار بسرعة 70 كلم في الساعة، إضافة إلى قارب يسمى "بروتيكتور"، ويقوم بالخدمة على شواطئ قطاع غزة، وتبلغ تكلفته 300 ألف دولار.
ومن أبرز المؤسسات العسكرية داخل الكيان الصهيوني مؤسسة "رافائيل"، وهي تقوم بتطوير الوسائل القتالية للجيش، وأبرزها الصواريخ ومعدات التصويب والتوجيه وأجهزة قياس المسافات الإلكترونية ونظم الحرب الإلكترونية والقنابل الذكية، ومن أبرز منتجاتها صاروخ "أريحا" و"شافيت" اللذان يصل مداهما إلى 4.500 كلم.
ميزانية
الجيش
نقل تقرير مركز الزيتونة عن إحصائية صادرة عن دائرة الإحصاء المركزية الصهيونية، أن ما يصرفه الكيان الصهيوني على الجيش مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي له يصل إلى ستة أضعاف ما تصرفه الدول الصناعية، حيث بلغت موازنة الأمن في السنوات الأخيرة 16.5 في المائة من الميزانية السنوية، وتعادل 17.5 مليار دولار. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الكيان الصهيوني احتل المركز الرابع في قائمة الدول المصدِّرة للأسلحة في سنة 2010، حيث بلغت قيمة صادراته العسكرية
14 مليار دولار سنوياً، حيث نفذت وزارة الجيش ما أسمته عملية "رأس الرمح" من خلال إرسال عدد من الجنرالات وسماسرة الجيش والمقاولين إلى عدد من دول العالم لتسويق أسلحتها.
وفي ختام التقرير برزت عدة تحديات تواجه الجيش الصهيوني، أهمها: ضعف العمق الاستراتيجي بسبب عوامل الجغرافيا السياسية وقلة المساحة الجغرافية التي يعيش فيها سكان الكيان، وتراجع قوة الردع التي تجلّت في الحروب الأخيرة للكيان الصهيوني، سواء في قطاع غزة أو جنوب لبنان. كما يشير التقرير إلى اختلال استراتيجية نقل المعركة إلى أرض العدو، إضافة إلى الفساد المالي والأخلاقي والسياسي، حيث بيَّن تقرير أصدره برنامج الدفاع والأمن البريطاني للشفافية الدولية في يوليو 2011، أن الكيان الصهيوني يحتل مكانة عالية في مخاطر الفساد العسكري، وإضافة إلى ذلك التهرب من الخدمة العسكرية والتغيّرات المحيطة، سياسياً وعسكرياً أو ما عرف مؤخراً بالربيع العربي، وتغيّر موازين القوى ورحيل حلفاء للكيان الصهيوني ومجيء قوى أخرى معادية.
::
مجلة البيان العدد 315 ذو القعدة 1434هـ، سبتمبر – أكتوبر 2013م.