كلمة حق في مسألة التقريب
التقريب الحق بين الطوائف هو جمع
شملها على الحق والهدى استجابة لأمر الله سبحانه في قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وهو من أعظم فرائض الإسلام ومقاصده.
والفيصل في كل نزاع هو كتاب الله تعالى
وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما قال جل شأنه {فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]، ولو لم يكن فيهما سبيل رفع كل نزاع
بين المسلمين لم يأمر الله سبحانه بالرد إليهما.
لكن لا يستفيد من هذا المنهج إلا من
يهتدي بهما ويسلّم لقضائهما: {وَمَا كَانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْـخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً} [الأحزاب: 36].
ولا يجوز - بدعوى التقريب - التسوية
بين الحق والباطل، كما لا يجوز أن يُجعل المصلحون كالمفسدين: {لَّا يَسْتَوِي الْـخَبِيثُ
وَالطَّيِّبُ}
[المائدة: 100]، {وَمَا
يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِـحَاتِ
وَلا الْـمُسِيءُ قَلِيلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ} [غافر: 58].
ومحاولة التوفيق بين الحق والباطل
كما أنه متعذر، فهو مضر بالحق وأهله؛ لأنه يقتضي أن الباطل مساوٍ للحق.
ومحاولة التعامي أو التغافل عن
الحقائق الثابتة والمفارقات القائمة، لا تحقق نتيجة، فهو كإيهام المريض نفسه
بالشفاء، وتغافله عن الداء وهو يسري في الخفاء.
ويخطئ من يتحدث في قضايا التقريب
قبل أن يعود إلى موارد التلقي أو المصادر الأساسية التي تتلقى عنها الطائفة
اعتقادها وعملها، ذلك أن الحكم على الشيء فرع عن تصوّره.
كما يتجاوز الصواب من يساوي بين
المذاهب الفقهية ذات الاعتقاد الواحد والمورد الواحد، كالمذاهب الأربعة[1]، وبين الطوائف الخارجة عن السنة والجماعة، بل وعن فرق الأمة، كالروافض
والجهمية.
ولا يعرف الحقيقة من يساوي أيضاً
بين البدعة الصغرى، كالتشيع أو الغلو في التشيع بحسب مفهوم السلف، وبين البدعة
الكبرى، كالرفض والطعن في أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - كما بيّن ذلك الإمام
الذهبي[2] والحافظ ابن حجر[3] وغيرهما.
وقد شاع في عصرنا تلبيس خطير وطغى
وهم كبير، وهو إطلاق اسم «الشيعة» على «الروافض»، والحق تسميتهم أدعياء التشيع أو
الرافضة كما سماهم الإمام زيد بن علي بن الحسين - رحمه الله - [4]، وقد انحسر التشيّع وتقلص وجود الشيعة اليوم، ولم يبقَ في وقتنا الحاضر
سوى الروافض الذين ينتسبون للشيعة ويزعمون التشيّع لآل البيت، ويلقّبون بالإمامية
والجعفرية والاثني عشرية، وإذا أطلق لقب الشيعة اليوم لا ينصرف إلا إليهم، وما
سواهم زيدية أو إسماعيلية.
وهناك خدعة كبرى مرّت على بعض الناس
فوقع من حيث لا يعلم في فخ الكيد الرافضي، فصدَّق الروافض حينما قالوا: لا فرق
بيننا وبين السنة. ولم يكلف نفسه الوقوف على مرادهم من هذه الدعوى بالرجوع إلى
المصادر الأساسية للطائفة لمعرفة الحقيقة، ولم يتنبّه إلى أن هذه الدعوى مبنية على
«كذبة كبرى» أتقن الروافض صنعها، وهي دعواهم الشائعة على ألسنتهم والمنتشرة في
كتبهم، والتي تنسب كل ضلالة شذوا بها عن المسلمين إلى مصادر السنة، ومن هنا قالوا:
لا فرق بيننا وبين السنة، ويستدلون على ذلك بأحاديث موضوعة مكذوبة، أو محرفة
مبدلة، أو بعيدة عن تأويلاتهم الفاسدة[5].
ولهذا؛ فلا ينصح لأمته من يطلق
القول بأنه لا فرق بين السنة والرافضة (التي تسمى الشيعة)، أو أن الخلاف بين
الطائفتين في الأمور الفرعية أو في المسائل الكلامية، وهو يعلم - أو لا يعلم - أن
هذه الطائفة قد انفصلت عن المسلمين بمصادر لهم في التلقي يسمونها «صحاح الإمامية»،
ويسميها الدستور الإيراني «سنة المعصومين»، والتي قد جمعت من الكفر والضلال ما لا
يخطر على البال، حتى إنك تجد في مصادرهم مئات الأساطير التي تقول بنقص القرآن
وتحريفه، وتكذب قول الله سبحانه {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَـحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]، وقد فضحهم أحد كبار
شيوخهم المتأخرين بجمع هذه الأساطير في كتاب سماه «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب
رب الأرباب»، وطُبع في إيران، وخُتم عليه بطابع الدولة الرسمي.
كما فضحهم آخرون من شيوخهم الذين
أحصوا هذه «الكفريات» فقالوا: إنها بلغت أكثر من ألفي حديث[6]، وعدّها شيخهم المجلسي «متواترة معنى[7] لا تقصر عن أخبار الإمامة»[8] التي هي عمدة دينهم، فتأمل قيام هذه الديانة ومصادرها على محاربة كتاب
الله عزّ وجل!!
وترى في هذه المصادر مئات الروايات
التي تجعل الشرك بالله سبحانه توحيداً، والوثنية ديناً، وقد بلغ بهم الأمر أن
جعلوا بعض قبور أئمتهم أوثاناً تعبد من دون الله، بل ويفضلونها على بيت الله،
ويجعلون الحج إليها أفضل من الحج إلى بيت الله الحرام، فيفضلون الشرك على التوحيد،
وهذا من أعظم الإيمان بالطاغوت والكفر بالله، ومما قالوا في مروياتهم في هذا
الباب: «إن الله أوحى إلى الكعبة: لولا تربة كربلاء ما فضلتكِ، ولولا ما تضمه أرض
كربلاء ما خلقتكِ، ولا خلقت البيت الذي به افتخرتِ، فقرِّي واستقري، وكوني ذنباً
متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلا سُختُ بكِ وهويتُ
بكِ في نار جهنم...»[9]، فتأمل كيف جعلوا بيت الله الحرام مجرد ذنَب ذليل مهين لبعض أصنامهم.
وقد افتخر بعض مراجعهم[10] في هذا العصر بهذه الأسطورة، فرفع بها عقيرته منشداً:
ومن حديث كربلا والكعبة
لكربلا بان علو الرتبة
أما نصوصهم التي تفضّل الحج إلى
مشاهدهم على الحج إلى بيت الله الحرام، فتربو على الحصر[11]، فمما جاء في مصادرهم المعتمدة من تقرير هذه الشرعة الوثنية قول إمامهم:
«والله لو أني حدثتكم بفضل زيارته[12] وبفضل قبره لتركتم الحج رأساً وما حج منكم أحد... وأن الله اتخذ كربلاء
حرماً آمناً مباركاً قبل أن يتخذ مكة حرماً»، ولما سمع الراوي هذه المقالة سأل
إمامه مستنكراً فقال: قد فرض الله على الناس حج البيت، ولم يذكر زيارة قبر الحسين!
فلم يجد إمامهم ما يجيب به سوى قوله: «وإن كان كذلك، فإن هذا شيء جعله الله هكذا»[13]، يعني ليس عليك سوى الإعراض عن قول الله والأخذ بقولي.
وقالوا: «من زار قبر الحسين يوم
عرفة كتب له ألف ألف حجة مع القائم، وألف ألف عمرة مع رسول الله صلى الله عليه
وآله، وعتق ألف ألف نسمة، وحملان ألف ألف فرس في سبيل الله، وسماه الله عز وجل
(عبدي الصديق آمن بوعدي)، وقالت الملائكة: فلان صديق زكاه الله من فوق عرشه»[14]، و«أن الله يبدأ بالنظر إلى زوار قبر الحسين بن علي عشية عرفة قبل نظره
إلى أهل الموقف»[15]، و«الصلاة في حرم الحسين: لك بكل
ركعة تركعها عنده كثواب من حج ألف حجة، واعتمر ألف عمرة، وأعتق ألف رقبة، وكأنما
وقف في سبيل الله ألف ألف مرة مع نبي مرسل»[16].
وبلغت افتراءاتهم في هذا الباب إلى
أن قالوا: «إن الله يزور قبر الحسين في كل ليلة جمعة يهبط مع الملائكة إليه
والأنبياء والأوصياء»[17]، وقالوا مثل ذلك في قبر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه[18]، حيث قال إمامهم لأحد أتباعه: «ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره
الأنبياء ويزوره المؤمنون؟»[19].
ولم يكتفِ مؤسسو هذه النحلة بإحياء
ملة المشركين، وتفضيل الحج إلى مشاهدهم وأصنامهم على الحج إلى بيت الله الحرام، بل
قالت مصادرهم بأنه إذا قامت دولتهم وخرج مهديهم[20] سيقوم «بهدم المسجد الحرام حتى يرده إلى أساسه... ويرد البيت إلى موضعه
وإقامته على أساسه»[21].. ويقوم أيضاً بقتل الطائفين من الحجاج والمعتمرين بين الصفا والمروة،
وجاء في نصوصهم «كأني بحمران بن أعين وميسر بن عبد العزيز يخبطان الناس بأسيافهما
بين الصفا والمروة»[22].
وهذا ما فعلوه في سنة 317هـ من
قتلهم حجاج بيت الله داخل الحرم[23]، وما حاولوا القيام به في عامي 1407هـ و1409هـ من حوادث التفجيرات التي
ذهب ضحيتها بعض الحجاج الآمنين، وكشف الله سبحانه الجناة وتبيّن أن جميعهم من
الرافضة[24].
ثم يأتي التآمر الرافضي بعد الحرم
المكي إلى الحرم المدني، فيقوم القائم (مهديهم أو نائبه) - كما تقول أساطيرهم -
«بهدم مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ورده إلى أساسه»[25]، بل قالوا: إن «أول ما يبدأ به القائم[26]... يكسر المسجد»[27].
ويقوم مهديهم - كما يحلمون أو
يخططون - بهدم الحجرة النبوية - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - ونبش قبري أبي
بكر وعمر - رضي الله عنهما –، حيث تقول مصادرهم على لسان مهديهم: «وأجيء إلى يثرب،
فأهدم الحجرة، وأخرج من بها وهما طريان، فآمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين
يصلبان عليهما، فتورقان من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشد من الأولى»[28].
كما ستجد في مصادرهم الكثير من
أحاديثهم أو قل أكاذيبهم التي تكفّر خيار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
عقد شيخهم المجلسي باباً بعنوان «باب كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم»[29] (يعني بالثلاثة خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبّاءه وأصهاره
وأفضل هذه الأمة وهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم)[30].
كما ستجد مئات من رواياتهم وأقوال
شيوخهم التي ترفع أئمتهم إلى رتبة الأنبياء والمرسلين، بل وتفضلهم عليهم، فمن
عناوين أبواب مصادرهم المعتمدة: «باب أنهم أعلم من الأنبياء...»[31]، و«باب تفضيلهم على الأنبياء وعلى جميع الخلق... وأن أولي العزم إنما
صاروا أولي العزم بحبهم صلوات الله عليهم»[32]، وباب «أن دعاء الأنبياء استجيب بالتوسل والاستشفاع بهم»[33]، ولذلك قال بعض آياتهم في هذا العصر: «إن من ضرورات مذهبنا أن لأئمتنا
مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل»[34].
ولم يكتفوا بذلك، بل بلغوا بهم مقام
الألوهية، فوصفوهم بصفات الله جل وعلا، فعقد شيخهم الكليني في «الكافي» باباً
بعنوان: «باب أن الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون، وأنه لا يخفى عليهم شيء صلوات
الله عليهم»[35]، وباب «أن الأئمة إذا شاءوا أن
يعلموا علموا»[36]، وباب «أنهم يعلمون ما في الضمائر
وعلم المنايا والبلايا»[37]، وبعض هذه الأبواب تحوي العشرات من أحاديثهم، ولذا جاهر بعض مراجعهم
المعاصرين[38] بهذه العقيدة وهي تأليه الأئمة
(عقيدة السبئية الأولى)، فقال - يمدح أمير المؤمنين عليّاً - رضي الله عنه:
أبا حسن أنت عين الإله
وعنـــوان قدرتــه السامية
وأنت المحيط بعلم الغيوب
فهل يعزب عنك من خافية؟
وأنت مدير رحى الكائنات
وعلـــة إيجـــادهـا الباقيـة
لك الأمر إن شئت تنجي غداً
وإن شئت تسفع بالناصية[39]
وفي الجملة فقد جمعت هذه الطائفة في
مصادرها وعقائدها أسوأ ما لدى الأديان والفرق، فهم وثنيون في توحيد العبادة،
ومشركون في باب الربوبية، ومجسّمة ثم جهمية معطّلة في باب الأسماء والصفات، ومرجئة
غلاة في باب الإيمان، وخوارج وعيدية في باب الأسماء والأحكام، وسبئية رافضة غلاة
في باب الإمامة والصحابة، بل السبئية الاسم الأقدم والاثنا عشرية الاسم الأحدث
لحقيقة واحدة، كما يدرك ذلك من تأمل في مصادرهم وعقائدهم، وهم أيضاً إرهابيون
عدوانيون في علاقاتهم مع مخالفيهم، وخرافيون في معتقداتهم، حتى قالوا: «إن ديننا
صعب مستصعب»[40]، و«أن أحاديثنا تشمئز منها القلوب»[41]، وهم خوارج لا يرون لولي أمر بيعة مهما كان صلاحه وعدله، إلا أن يكون
«الولي الفقيه»؛ وتكفيريون يكفرون المسلمين أحياء وأمواتاً، ومزدكية إباحية في
العلاقات الاجتماعية باسم المتعة، ولصوص أموال - كما هم لصوص أعراض - في الاستيلاء
على أموال أتباعهم باسم الخُمس[42].
وبسط ذلك لا مجال له هنا، وارجع إن
شئت للتفصيل إلى «أصول مذهب الشيعة» أو «مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة».
ومن هنا، فقد ذهب الشيخ الكوثري إلى
أنه لا يمكن الحديث في موضوع التقريب مع أحد شيوخ الشيعة إلا إذا كان حائزاً
التفويض من الطائفة في الاعتراف بسقوط تلك الكتب الأربعة (يعني مصادرهم في التلقي)
من مقام الاعتداد، وذلك لما حوته من الروايات الباطلة الماسة بكتاب الله وبالسنة
الواردة بطريق رجال الصدر الأول مما لا يتصور مصادقة أهل السنة عليه لاستحالة
تخليهم عن الكتاب والسنة[43].
أما الشيخ موسى جار الله، آخر شيخ
للإسلام في روسيا، فقد ذهب في التقريب مذهباً بعيداً، فكتب كتاباً يدعو فيه العالم
الإسلامي إلى اعتبار مذهب الشيعة مذهباً خامساً، لكنه حينما رجع إلى أمهات كتبهم
المعتمدة، وعاش بينهم في إيران والعراق؛ رجع عن ذلك، وأعلن بكل صراحة أنه لن يجدي
أي كلام في التقريب أو أي مؤتمرات لتحقيق التآلف ما لم يقم مجتهدو الشيعة بنزع تلك
العقائد التي تطعن في القرآن والسنة والصحابة والأمة من مصادر التلقي لديهم[44].
ولذا؛ فإن الشيخ محمد بهجة البيطار،
علامة الشام، لما رأى إصرار الروافض على ضلالهم قال لهم: «لنتفق جميعاً على أن
لكلٍّ دينه ومعتقده ولنتعاون فيما بيننا كما تتعاون الدول المختلفة الأديان
والعقائد»[45].
والعلامة مصطفى السباعي انخدع بهم
وصدق تقيتهم ونفاقهم، ثم فوجئ بأن من يتظاهر أمامه بالاعتدال ويتفق معه على أصول
التقارب، يصدر كتاباً عن أبي هريرة يجعل فيه أبا هريرة منافقاً وكافراً[46].
ومن آخر من سار خلف دعوى «التقريب»
العلامة القرضاوي الذي اكتشف حقيقتهم بعد سنوات من حُسن الظن بهم، فقال[47]: كنت من دعاة التقريب، وظللت لسنوات أحضر مؤتمرات التقريب، وقمت بزيارة
إيران وعدد من المراجع الشيعية. ثم ذكر أنه توقف عن التقريب، وقال: يكفي أن الشيعة
يخالفوننا في القرآن وأمهات المؤمنين والصحابة، والشيعة لديهم مليارات وعلى استعداد
لإفساد مذهب أهل السنة في جميع الدول، ويجب أن يقوم العلماء بدورهم في توعية الناس
بحقائق المذهب الشيعي[48].
وبعد ذلك كله قد يقال: لندعهم في
شأنهم، ولنسعَ جاهدين في الدعوة إلى التعايش معهم، والسعي في نشر ثقافة الحب،
ومصادرة عوامل الكراهية، ونزع بذور البغضاء، ولهم دينهم ولنا ديننا.
وأقول - بعد قراءة طويلة في مصادرهم
-: إن مؤسسي المذهب من شيوخهم ورؤسائهم قضوا على شيء اسمه التعايش فضلاً عن
التعاون، فقد عملوا جاهدين على غرس جذور العداء في نفوس أتباعهم تجاه عموم
المسلمين، حيث عدّوهم أكفر من اليهود والنصارى والمجوس[49]، ووضعوا نصوصاً كثيرة نسبوها زوراً لبعض آل البيت، لا سيما أبو عبد الله
جعفر الصادق - رحمه الله -.
تقول مصادرهم: عن داود بن فرقد قال:
قلت لأبي عبد الله: ما تقول في قتل الناصب[50]، فقال: «حلال الدم، ولكني أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه
في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل»[51].
قال شيخهم البحراني الملقب عندهم بـ
«المحقق»: «لو أمكن لأحد اغتيال شيء من نفوس هؤلاء وأموالهم من غير استلزامه لضرر
عليه أو على إخوانه، جاز له فيما بينه وبين الله تعالى»[52].
وامتدت يد القتل واستحلال الدماء
إلى بقية فرق الشيعة من غير الرافضة، كالزيدية، تقول مصادرهم: عن عمر بن يزيد قال:
سألت أبا عبد الله عن الصدقة على الناصب وعلى الزيدية؟ قال: «لا تتصدّق عليهم
بشيء، ولا تسقهم من الماء إن استطعت»، وقال لي: «الزيدية هم النُّصَّاب»[53].
وهم يتربّصون بالعرب ويتوعّدونهم
بمقتلة عظيمة على يد مهديهم المزعوم (أو نائبه)، جاء في مصادرهم: «أن المنتظر يسير
في العرب بما في الجفر الأحمر وهو قتلهم»، «إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب
وقريش إلا السيف»، وكان إمامهم يقول: «ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح.. وأومأ
بيده إلى حلقه»، وقال: «يذبحهم - والذي نفسي بيده - كما يذبح القصَّاب شاته..
وأومأ بيده إلى حلقه»[54].
ولا ذنب لهؤلاء سوى أنهم لم يأخذوا
بنحلتهم، بل بلغ بهم العدوان إلى أنهم يحلمون بقتل من لا ذنب له، فيقولون: «إنه
يبعث إلى رجل لا يعلم الناس له ذنباً فيقتله»[55]، وقالوا: «إنه يقتل ذراري قتلة الحسين بفعل آبائهم»[56]، فالقتل والعدوان أصبح من بنية مذهبهم، وسجية من سجاياهم، يجددون روحه عبر
مآتمهم، وأدعية زياراتهم، وحكايات الصراع المفتراة بين الآل والأصحاب، وكلمات
اللعن على الصحابة والأمة، والدعاء للثأر الذي يتردد على ألسنتهم في كل مناسباتهم،
ليتحوّل المتلقي لها والذي يعيش في أجوائها إلى سادي متوحش ينتظر الثأر والانتقام
من مخالفه، ولذلك فإنهم يمنّون أنفسهم بما سيتحقق على يد مهديهم.
فتقول نصوصهم عن مهديهم: «ليس شأنه
إلا القتل، ولا يستبقي أحداً ولا يستتيب أحداً»، وأنه يتم على يديه - أو على يد
نوابه - تصفية البشرية إلا القليل؛ حتى قالوا: «لا يكون هذا الأمر حتى يذهب تسعة
أعشار الناس»[57]، وروى المجلسي أيضاً: «لو يعلم
الناس ما يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم ألا يروه مما يقتل من الناس»[58].
يقول مرجعهم المعاصر محمد الصدر[59]: «وهذا القتل الشامل للبشرية كلها يتعين حصوله بحرب عالمية شاملة قوية
التأثير»[60]، وربما كان اهتمام الآيات بالمشروع
النووي للتحضير لهذا العدوان.
وتقول مصادرهم عن المخالفين: «ما
لمن خالفنا في دولتنا نصيب، إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا»[61]، وتسميهم النواصب، وتقول: «فإذا قام قائمنا عرضوا كل ناصب عليه، فإن أقر
بالإسلام وهي الولاية، وإلا ضربت عنقه، أو أقر بالجزية، فأداها كما يؤدي أهل
الذمة»[62].
وتنهى عن رحمتهم وإطعامهم وسقيهم
وإغاثتهم، وتتوعد من يخالف ذلك بالعقاب الأليم، تروي مصادرهم عن أبي عبد الله أنه
قال: «فأما الناصب فلا يرِقنَّ قلبك عليه، لا تطعمه، ولا تسقه وإن مات جوعاً أو
عطشاً، ولا تغثه، وإن كان غرقاً فاستغاث فغَطسْه ولا تغثه، فإن أبي - نِعْمَ
المحمدي - كان يقول: من أشبع ناصباً ملأ الله جوفه ناراً يوم القيامة، معذباً كان
أو مغفوراً له»[63].
وينصح إمامهم بعض أتباعه بقتل
الغيلة، أي القتل الخفي، فيقول: «أشفق إن قتلته ظاهراً أن تسأل لم قتلتَه؟ ولا تجد
السبيل إلى تثبيت حجة، ولا يمكنك إدلاء الحجة، فتدفع ذلك عن نفسك، فيسفك دم مؤمن
من أوليائنا بدم كافر، عليكم بالاغتيال»[64].
وجاء في نصوصهم: «من جحد إماماً من
الله فهو كافر، ودمه مباح في تلك الحال، إلا أن يرجع ويتوب إلى الله مما قال»[65].
وفي «رجال الكشي» يرفع أحد الروافض
بياناً سريّاً للمسؤول عن منظمته السرية يتضمن ذكر المجموعة المسلمة التي تمكَّن
بطرق خفية من القضاء عليها، ويشرح بعض هذه الوسائل، فيقول: «منهم من كنت أصعد سطحه
بسلم حتى أقتله، ومنهم من دعوته بالليل على بابه فإذا خرج عليَّ قتلته»[66]، وذكر أنه قتل بهذه الطرق وأمثالها ثلاثة عشر مسلماً، لا ذنب لهم إلا أنهم
لم يأخذوا بمذهبه.
والقتل وشهوة الانتقام يتجاوز عندهم
الأحياء إلى الأموات، حيث يتجه مهديهم (أو نائبه) إلى قبر رسول الله صلى الله عليه
وسلم وصاحبيه ويبدأ – كما تقول أخبارهم – «بكسر الحائط الذي على القبر... ثم
يخرجهما (يعني صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم) غضين رطبين، فيلعنهما ويتبرأ
منهما ويصلبهما، ثم ينزلهما ويحرقهما، ثم يذريهما في الريح»[67].
والشواهد في ذلك كثيرة، ولذلك قال
الإمام الشوكاني - رحمه الله - وقد عاش بينهم وعرفهم من كثب: «لا أمانة لرافضي قط
على من يخالفه في مذهبه ويدين بغير الرفض، بل يستحل ماله ودمه عند أدنى فرصة تلوح
له؛ لأنه عنده مباح الدم والمال، وكل ما يظهره من المودة فهو تقية يذهب أثره بمجرد
إمكان الفرصة»[68].
ثم أقول لمن يلهثون خلف سراب اسمه
«التقريب»: هل تبتغون عندهم العزة والمعونة والنصرة؟ إنكم بذلك واهمون؛ لأن دينهم
يقوم على حُرمة الاصطفاف تحت أي راية إلا راية «الإمام» أو نائبه «الولي الفقيه»
مهما كانت هذه الراية صالحة وعادلة وتقية، ولذلك قالوا: «كل راية ترفع قبل قيام
القائم فصاحبها طاغوت، وإن كان يدعو إلى الحق»[69]، وقالوا في نصوصهم بأن «الله يعذب كل رعية في الإسلام دانت بولاية إمام
جائر ليس من الله عز وجل، وإن كانت الرعية في أعمالها برة تقية، ويعفو عن كل رعية
دانت بولاية إمام عادل من الله تعالى، وإن كانت الرعية في أعمالها طالحة سيئة»[70].
ولذا؛ فقد حرموا على أتباعهم الجهاد
مع المسلمين، وقالوا: لا جهاد حتى يخرج المنتظر. ويقولون عن أبطال الجهاد من
المسلمين: «الويل يتعجلون قتله في الدنيا وقتله في الآخرة والله ما الشهيد إلا
شيعتنا ولو ماتوا على فرشهم»[71].
أما بعد قيام دولتهم وتطبيقهم مبدأ
«ولاية الفقيه العامة»، فإن مفهوم «الجهاد» عندهم هو شن الحرب على الأمة وإسقاط
الحكومات الإسلامية، يقول الخميني: «ونحن لا نملك الوسيلة إلى توحيد الأمة
الإسلامية[72] وتحرير أراضيها من يد المستعمرين
وإسقاط الحكومات العميلة لهم، إلا أن نسعى إلى إقامة حكومتنا الإسلامية، وهذه
بدورها سوف تتكلل أعمالها بالنجاح يوم تتمكن من تحطيم رؤوس الخيانة، وتدمر الأوثان
والأصنام البشرية التي تنشر الظلم والفساد في الأرض»[73].
وليس ذلك فحسب، بل إن مراجع هذه
الطائفة يوجهون أتباعهم الذين يعيشون داخل الدول الإسلامية التي لا تدين بالخضوع لحكومة
الولي الفقيه؛ يوجهونهم إلى ما يسمونه «التمهيد والتوطئة لخروج مهديهم»، وذلك عبر
وسيلتين:
الأولى: نشر معتقداتهم بمختلف
الوسائل.
والثانية: القيام بالثورة المسلحة.
يقول شيخهم ومرجعهم المعاصر عبد
الهادي الفضلي: «إن الذي يفاد من الروايات في هذا المجال هو أن المراد من الانتظار[74] هو وجوب التمهيد والتوطئة لظهور الإمام المنتظر»[75]، ثم يشرح معنى التوطئة بقوله: «إن التوطئة لظهور الإمام المنتظر تكون
بالعمل السياسي عن طريق إثارة الوعي السياسي، والقيام بالثورة المسلحة»[76].
فكيف يرتجى منهم عون أو مساندة
للأمة في ظل هذه المبادئ العدائية؟! بل إن التاريخ يشهد بتآمرهم مع الأعداء ضد
الأمة، سواء على مستوى أفرادهم كما صنع ابن العلقمي، ونصير الدين الطوسي، وابن
يقطين، أو على مستوى دولهم كما صنعت الدولة العبيدية، والدولة الصفوية، والدولة
الخمينية[77].
وإن كان دعاة التقارب ينشدون منهم
موافقة في الأحكام الشرعية، وتوافقاً في الفتاوى والأحكام في نوازل الأمة، أو
يطمعون بموافقتهم ومؤازرتهم في المواقف الدولية؛ فهم واهمون؛ لأن دينهم يقوم على
وجوب وفرضية مخالفة المسلمين، بل إن من أصول دين هذه الطائفة وجوب مخالفة الأمة في
كل شيء، وأن خلافهم هو الرشاد، ففي الكافي: «ما خالف العامة ففيه الرشاد»، وقالوا:
«ينظر إلى ما هم إليه أميل [يعني عموم المسلمين] بحكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ
بالآخر»[78].
وجاء في أحاديثهم قول إمامهم: «إذا
ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما يخالف القوم»[79]، وقال: «ما أنتم والله على شيء مما هم فيه، ولا هم على شيء مما أنتم فيه،
فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء»[80].
ويوصون أتباعهم حين لا يجدون من
يفتيهم من شيوخهم بقولهم: «ائت فقيه البلد [يعني العالم من علماء الأمة]، فاستفته
عن أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه، فإن الحق فيه»[81]، وعلق شيخهم العاملي – صاحب أحد صحاحهم الثمانية – على ذلك بقوله: «من
جملة نعماء الله على هذه الطائفة المحقة أنه خلى بين الشيطان وبين علماء العامة،
فأضلهم في جميع المسائل النظرية حتى يكون الأخذ بخلافهم ضابطة لنا، ونظيره ما ورد
في حق النساء شاوروهن وخالفوهن»[82]، فكيف يدعو قوم هذه عقائدهم إلى التقريب؟! وكيف يزعمون إمكانية اللقاء مع
أهل السنة وهم يقررون في دينهم أن الرشد في خلافهم؟! ويكفي هذا وحده برهاناً على
أن ما يسمى «دعوى التقريب» ليس سوى ستاراً للتبشير بالرفض بين المسلمين.
ولو كان في المجال متسع لصحبتك أيها
القارئ في جولة شاملة وسريعة عبر مصادرهم المعتمدة لترى ولتسمع ما يقولونه في
مصادر الإسلام (القرآن والسنة والإجماع) وما يعتقدونه في التوحيد والإيمان
وأركانه، وعقائدهم الأخرى التي انفردوا بها؛ كالإمامة، والعصمة، والتقية، والرجعة،
والغيبة، والمهدية، والطينة، وغيرها.
إن الاختلاف بين السنة والشيعة هو
في مصادر التلقي وفي أصول الدين وفروعه، وقد شرحت ذلك بالدلائل في كتابي «أصول
مذهب الشيعة».
من هنا أقول: إن المنهج الأقوم
للتقريب هو بيان الحق لهم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وذلك
للاجتماع على الحق الذي نطق به الكتاب وبيَّنته السنة، وأجمع عليه سلف الأمة
وأئمتها، ولا تقل: هذا بعيد ومتعذر، فإنه ميسور، بل وقد تحقق على مستوى الدول
والجماعات والأفراد من العلماء والعوام، وتفصيل القول في ذلك لا مجال له هنا،
ويكفي أن أشير إلى بعض الوقائع التي تبعث الرجاء في النفوس الآيسة، وترسم التجربة
المثلى للعقول الحائرة.
ففي أرض الكنانة (مصر) وبعد حقبة
امتدت ما يقارب ثلاثة قرون من الحكم العبيدي الإسماعيلي الرافضي أو ما يسمى
«الدولة الفاطمية»؛ رجع الناس في هذه الأرض الطيبة إلى كلمة سواء، بجهود الإمام
المجاهد صلاح الدين الأيوبي، وبمؤازرة من العلماء المصلحين، وبعد أن استضاء الناس
بنور العلم الذي شع من الأزهر وغيره من دور العلم.
وقد تم في عهد الملك نادرشاه من
خلال «مؤتمر النجف» الذي عقد في القرن الثاني عشر تحت رعايته، الحوار بين بعض
علماء السنة، وفي مقدمتهم الشيخ عبد الله السويدي، وبين بعض كبار مراجع الشيعة،
وتمكّن أهل السنة من إقامة الحجة عليهم، وانتهى المؤتمر بإقرار الجميع بالحق الذي
جاء في الكتاب والسنة وأجمع عليه سلف الأمة، كما فصله العلامة السويدي[83]، ولكن موت نادرشاه حال دون استثمار نتائج المؤتمر.
وهل أتاك نبأ بعض آيات الشيعة الذين
هداهم الله للحق والسنة في هذا العصر، وفي مقدمتهم آية الله العظمى البرقعي، والذي
أعلن عودته للسنة ودعا عموم الروافض لذلك، ورأى – بحق - أنه لا سبيل لعودة هذه
الطائفة إلى الحق وخروجها من هذا النفق المظلم، وخلاصها من طغيان الزنادقة؛ إلا
بكسر أصنامها، وهي مصادر التلقي التي وضعها زنادقة القرون البائدة، وقد بدأ بكسر
أكبر هذه الأصنام وأخطرها وهو «الكافي» في كتاب سماه «كسر الصنم»؟.
ثم هل وقفت على حركة أحمد الكسروي
المدعي العام في طهران، والذي تولى مرات رئاسة بعض المحاكم في المدن الإيرانية صاحب
كتاب «الشيعة والتشيّع»[84] الذي كتبه لشيعة الكويت، وكيف قامت هذه الحركة على محاولة هدم هذه النحلة
من أساسها، إلا أن قتله على يد أحد غلاة الرافضة وهو نواب صفوي حال دون امتداد
حركته؟ وغيرها كثير.
حتى قال بعض كبار العلماء
الإيرانيين للشيخ محمد بن عثيمين، كما حدثني بذلك الشيخ مرتين في منزله: «والله لو
وُجِّهتْ لهم [يعني شيعة إيران] إذاعة بالفارسية تبين الحق للناس لما بقي على
مذهبهم أحد».
ومن آخر المهتدين من مراجعهم المرجع
الشهير حسين المؤيد الذي هداه الله إلى الحق بعد قراءته كتاب «أصول مذهب الشيعة»[85].
وقد أشار خميني في كتابه «كشف
الأسرار» إلى وجود تيار متأثر ببعض أئمة السنة داخل إيران، وبلغ من حنقه عليهم أن
وصفهم بأنهم قد تجردوا من العقل.
هذه بعض مظاهر العودة الكبرى إلى
الحق، وإنني أذهب مذهباً اقتنعت به بعد قراءة ودراسة وتأمل، هو أن من أهم معوقات
تقريب هذه الطائفة إلى الحق دعوة التقريب الجاهلة، وقول بعض المخدوعين من أهل
السنة: لا فرق بيننا وبين الشيعة الرافضة؛ لأن هذا القول يؤيد شيوخ الروافض في
أقوالهم التي يرددونها، ويزعمون فيها أن عقائدهم التي شذوا بها عن المسلمين تشهد
لها كتب أهل السنة، كما أنها تجعل جماهير الشيعة التي لم تقتنع بمذهبها تبحث عن
ضالتها في مذاهب أخرى غير السنة، لأنه قد قيل لهم: لا فرق بينكم وبينهم، كما أنها
تمهد السبيل لزنادقة الرافضة لنشر ضلالهم بين ظهراني المسلمين، ولهم وسائل في
الإضلال لا تدري اليهود بعشرها كما يقول الإمام الدهلوي - وهو من أعلم الناس
بمذهبهم -، أو لا تصل الشياطين إلى خبثها - كما يعبّر الإمام الألوسي - وقد عرفهم
وحاورهم وقرأ مصادرهم وعاش بينهم في العراق.
وإن رابك شيء من ذلك فانظر إلى آثار
فتنتهم في التاريخ والواقع.
ألا وإن سبيل التقريب هو تقريب
الشيعة إلى الحق، فلا بد من قيام جهود كبرى في العالم الإسلامي لدعوة جماهير
الشيعة وفق منهج شرعي، وتحريرها من الأغلال التي أسرتها، ومن الزنادقة الذين
أضلوهم عن سواء السبيل، فالرافضة - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - «بين زنديق
منافق أو جاهل بالإسلام مفرط في الجهل»[86]، ومن الضروري فضح الزنديق وتعليم الجاهل.
وإن أهل السنة على استعداد تام
للتحاكم إلى القرآن، ورد كل قول ومعتقد إلى صريح آياته، فهل يسلم بذلك الشيعة
(الروافض)؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «نقدر
أن الأخبار المتنازع فيها لم توجد، أو لم يُعلم أيها الصحيح، ونترك الاستدلال بها
في الطرفين، ونرجع إلى ما هو معلوم بغير ذلك من التواتر، وما يعلم من العقول
والعادات، وما دلت عليه النصوص المتفق عليها»[87]، وقال أيضاً: «فإن تركوا الرواية رأساً أمكن أن نترك الرواية»[88]، يعني: ونرجع إلى القرآن، ثم بيَّن بطلان أصل مذهبهم بصريح القرآن.
إن مقتضى الإسلام الرضى به
ديناً، ومقتضى العقل التسليم بذلك، فإن عدم التسليم يفيد بأن القرآن ليس فيه بيان
العقيدة والأصول، وهذا كفر به صريح، وما الإسلام إلا موافقة القرآن والأخذ به.
إنها كلمة سواء بيننا
وبينكم، فإن تولوا فقولوا:
اشهدوا
بأنا مسلمون.
:: مجلة البيان العدد
314 شوال 1434هـ، أغسطس - سبتمبر 2013م.
[1] انظر: كتاب «أصول الدين
عند الأئمة الأربعة واحدة» لكاتب هذه السطور.
[2] انظر: «ميزان
الاعتدال» (1/5-6).
[3] انظر: «لسان
الميزان» (1/9-10).
[4] انظر: «منهاج
السنة النبوية» (1/35)، (2/96).
[5] انظر: «مسألة
التقريب» (1/61) وما بعدها.
[6] انظر: «فصل
الخطاب» (ص125) النسخة المخطوطة.
[7] انظر كيف
يتواطؤون على الكذب، وتستفيض في مصادرهم روايات الكفر، ويعدون هذه المصادر مقدسة،
ويعظمون أصحابها، وهم أعداء القرآن، ورواة هذا الكفر والدعاة إليه؟!
[8] «مرآة
العقول» (2/536).
[9] «وسائل
الشيعة» (14/515)، و«بحار الأنوار» (98/107).
[10] هو محمد حسين
آل كاشف الغطاء في كتابه: «الأرض والتربة الحسينية» (ص55–56).
[11] وقد عقدت
أمهات كتبهم كتباً وأبواباً في المزارات والمشاهدات، ضمنتها مئات من الروايات تجسد
الشرك، وترسي قواعده.
ففي «البحار»
للمجلسي (كتاب المزار) وقد استغرق ثلاثة مجلدات من «البحار» هي المجلدات: 100،
101، 102, وفي «وسائل الشيعة» للحر العاملي (أبواب المزار) وبلغت هذه الأبواب
(106) (انظرها في 10/251 وما بعدها)، وفي «الوافي» الجامع لأصولهم الأربعة (أبواب
المزارات والمشاهد) وتضمنت (33) باباً (انظرها في المجلد الثاني ج 8 ص 193 وما
بعدها).
وفي «من لا
يحضره الفقه» وهو أحد أصولهم المعتبرة عدة أبواب حول المشاهد وتعظيمها, كبـاب
(تربة الحسين وحريم قبره) و(أبواب في زيارة الأئمة وفضلها) وغيرها (انظر 2/338 وما
بعدها).
وفي «تهذيب
الأحكام» - أحد الأصول الأربعة المعتبرة – طائفة كثيرة من الأبواب تتعلق بتعظيم
المشاهد والقبور، ومناجاة الأئمة بأدعية تتضمن تأليههم، (انظر 6/3 – 116).
ولهذا صنفوا
مصنفات في هذا سموها «مناسك المشاهد»، مثل «مناسك الزيارات للمفيد» ذكره الحر
العاملي في «وسائل الشيعة» (20/49)، ونقل عنه.
وجاء صاحب
كتاب «الذريعة إلى تصانيف الشيعة» (20/316-326) على ذكر أكثر من ستين كتاباً لهم
في هذه الوثنية.
[12] وهم لا
يريدون مجرد الزيارة المأذون بها شرعاً للسلام وللعبرة والاتعاظ والدعاء، إنما
يريدون إقامة طقوسهم الشركية، لأنهم جعلوا هذه القبور كعبات لهم يحج إليها كما يحج
إلى بيت الله الحرام.
[13] «كامل
الزيارات» (ص 449)، و«بحار الأنوار» (98/33).
[14] «وسائل
الشيعة» (14/460-461)، و«بحار الأنوار» (98/88)، و«الوافي» الفيض الكاشاني، المجلد
الثاني (8/222).
[15] «الوافي»
(الموضع السابق).
[16] المصدر
السابق: ص 234.
[17] «كامل
الزيارات» (ص 222)، و«وسائل الشيعة» (14/480)، و«بحار الأنوار» (98/60).
[18] ذكر المحققون
من أهل العلم أن ما يعرف بقبر أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في النجف ليس هو
موضع قبره، وقد أخفى الصحابة موضع قبره لئلا تنبشه الخوارج، قال ابن كثير: «وما
يعتقده كثير من الجهلة من أن قبره بمشهد النجف فلا دليل على ذلك ولا أصل له»
(البداية والنهاية 7/343). قال الإمام إبراهيم الحربي: «قبر علي بن أبي طالب لا
يدرى أين هو» (طبقات الحنابلة 1/88)، وأول من أوهم الناس بأن هذا موضع قبره وبنى
عليه المشهد وأقام شعار الرفض ومأتم عاشوراء هو عضد الدولة بن بويه الرافضي (ينظر:
سير أعلام النبلاء للذهبي 15/249-252 ترجمة ابن بويه رقم 175). وكانت بداية إحداث
هذا المشهد الوثني في الدولة البويهية في المشرق، وذلك في المائة الرابعة. قال
الإمام الذهبي: «فلقد جرى على الإسلام في المائة الرابعة بلاء شديد بالدولة
العبيدية بالمغرب، وبالدولة البويهية بالمشرق، وبالأعراب القرامطة، فالأمر لله
تعالى» (المصدر السابق).
[19] «الكافي»
(4/580)، و«كامل الزيارات» (ص89)، و«وسائل الشيعة» (14/376)، و«بحار الأنوار»
(97/257-258).
[20] وينوب عنه
الولي الفقيه في جميع وظائفه وأعماله بحكم العقيدة الخمينية التي تقول بالولاية
العامة المطلقة للولي الفقيه عن مهديهم.
[21] «الغيبة»
للطوسي (ص282)، و«بحار الأنوار» (52/338).
[22] «بحار الأنوار»
(47/79)، وانظر مزيداً من نصوصهم في ذلك من مصادرهم المعتمدة في: «بروتوكولات آيات
قم» للباحث.
[23] انظر خبر ذلك
في حوادث سنة 317ه في
«المنتظم» لابن الجوزي (6/222) وما بعدها، و«البداية والنهاية» لابن كثير
(11/160)، و«تاريخ ابن خلدون» (العبر) (3/191).
[24] انظر تفاصيل
هذه الحوادث الإجرامية في كتاب «البراءة من المشركين» (ص76) لكاتب المقال.
[25] «الغيبة»
للطوسي (ص282)، و«بحار الأنوار» (52/338).
[26] وهو لقب
مهديهم.
[27] «بحار
الأنوار» (52/386).
[28] «بحار
الأنوار» (53/ 104، 105).
[29] «بحار
الأنوار» (30/145).
[30] وقد أمر شيوخ
الروافض بمنع طبع الجزء المتعلق بهذا الباب وأمثاله من كتابهم «البحار»، وهو ما
يوافق الجزء الثامن من الطبعة الحجرية؛ لئلا يكتشف المسلمون حقيقتهم، ولذلك صدرت
الطبعة الحديثة للبحار عام 1411هـ ناقصة خمسة أجزاء.
[31] «بحار
الأنوار» (26/297-298).
[32] «المصدر
السابق» (26/267-319).
[33] «المصدر
السابق» (26/194-200).
[34] «الحكومة
الإسلامية» للخميني (ص 52).
[35] «أصول
الكافي» (1/260).
[36] «المصدر
السابق» (1/258).
[37] «بحار
الأنوار» (26/137).
[38] هو شيخهم
وآيتهم عبد الحسين العاملي.
[39] «ديوان
الحسين» الجزء الأول من القسم الثاني الخاص بالأدب العربي: ص 48.
[40] «أصول
الكافي» (1/401-402)، و«بحار الأنوار» (2/182) وما بعدها.
[41] «بحار
الأنوار» (2/192).
[42] انظر:
«البدعة المالية عند الشيعة الإمامية» لكاتب المقال.
[43] «المقالات»
للكوثري ص 158.
[44] «الوشيعة» ص
أ، طبعة الخانجي، وقد يسر الله جل وعلا تهذيب «الوشيعة» والتعريف بالعلامة موسى
جار الله، ودراسة أجوبة الشيعة على مسائله في كتاب سيصدر قريباً - إن شاء الله -
عن دار ابن الجوزي في السعودية، ومكتبة الإمام البخاري في مصر.
[45] انظر:
«الإسلام والصحابة الكرام بين السنّة والشيعة»، محمد بهجة البيطار، (ص 116).
[46] وهو مرجعهم
عبد الحسين شرف الدين الموسوي، ينظر: «السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي»،
مصطفى السباعي، (ص 8- 9).
[47] راجع نص
كلامه على هذا الرابط:
https://www.youtube.com/watch?v=MoFwyb4AX30.
[48] ولقد التقيته
قبل أكثر من عقدين في إندونيسيا بمنزل محمد ناصر رئيس وزراء إندونيسيا السابق في
أثناء دورة علمية اشتركت فيها مع الشيخين سلمان العودة وعبد الرحمن الأطرم، وصادف
زيارتنا الثلاثة لمنزل محمد ناصر وجود الشيخ القرضاوي، فجرى حديث بيني وبينه عن
خطر الرافضة وضلالهم، لكن الشيخ - عفا الله عنه - لم يتقبل فيما يبدو لي ما أقول
لحسن ظنه بهم أو لغفلته عن ضررهم وخطرهم.
[49] انظر:
«الألفين» (ص3)، «الأنوار النعمانية» (2/308).
[50] والنواصب هم
أهل السنة، والقريب منهم كالشيعة الزيدية، وعدوا مجرد الاعتقاد بإمامة أبي بكر
وعمر من النصب الذي هو أعظم الكفر عندهم.
عن محمد بن
علي بن عيسى، قال: «كتبت إليه [يعني الهادي]: أسأله عن الناصب، هل أحتاج في
امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب: من كان
على هذا فهو ناصب» (وسائل الشيعة 9/491، بحار الأنوار 31/625، 69/135)، ولهذا قال
المجلسي: «قد يطلق الناصب على مطلق المخالف غير المستضعف، كما هو ظاهر من كثير من
الأخبار» (مرآة العقول 4/72)، وقال شيخهم يوسف البحراني الملقب عندهم بالمحقق: «الناصب
حيثما أطلق في الأخبار وكلام القدماء، فإنما يراد به المخالف» (الحدائق النضرة
18/158)، وقال المازندراني شارح الكافي: «المراد بالناصب غير الإمامية من فرق
الإسلام» (شرح أصول الكافي 12/303).
[51] «علل
الشرائع» ابن بابويه (ص 200)، «وسائل الشيعة» (18/ 163)، «بحار الأنوار» (27/231).
[52] «الشهاب
الثاقب» (ص266-267).
[53] «رجال الكشي»
(ص 199)، «بحار الأنوار» (72/179).
[54] تأمل وقارن
هذا النص الصفوي بما يفعله ما يسمى الشبيحة وعملاء النظام من أتباع هذا المذهب
الصفوي من ذبح أهلنا في الشام بالسكاكين.
[55] «بحار الأنوار»
52/390.
[56] «علل
الشرائع» (1/229)، «وسائل الشيعة» (16/139)، «بحار الأنوار» (52/313).
[57] «الغيبة»
للنعماني ص 146.
[58] «الغيبة»
للنعماني ص 154، «بحار الأنوار» 52/354.
[59] محمد محمد
صادق الصدر، أحد مراجع الشيعة المعاصرين، وكان من معارضي النظام العراقي، اغتيل مع
اثنين من أبنائه عام 1999هـ.
[60] «تاريخ ما
بعد الظهور» (ص 483).
[61] «بحار
الأنوار» (52/376).
[62] «تفسير فرات»
(ص100)، «بحار الأنوار» (52/373).
[63] «بحار
الأنوار» (93/71).
[64] «رجال الكشي»
(ص529).
[65] «وسائل
الشيعة» (28/323)، «مستدرك الوسائل» (18/164)، «بحار الأنوار» (23/89).
[66] «رجال الكشي»
ص342-343.
[67] «بحار
الأنوار» 52/386.
[68] «أدب الطلب
ومنتهى الأرب» ص 70-71، دار الأرقم.
[69] انظر:
«الكافي» (8/295)، «الغيبة» للنعماني (ص 7).
[70] «الغيبة»
للنعماني (ص83)، «بحار الأنوار» (27/201).
[71] «وسائل
الشيعة» (11/21)، «الوافي» (9/15).
[72] يعني على
مذهب الروافض.
[73] الحكومة
الإسلامية ص35.
[74] يعني انتظار
خروج مهديهم.
[75] «في انتظار
الإمام» (ص69).
[76] «في انتظار
الإمام» (ص70).
[77] انظر: «أصول
مذهب الشيعة» (فصل أثرهم في العالم الإسلامي) (3/255).
[78] «الكافي»
(1/68)، وراجع في هذا الباب «وسائل الشيعة» (18/75).
[79] «وسائل
الشيعة» (18/85).
[80] «المصدر
السابق» (الموضع السابق).
[81] «علل
الشرائع» (ص 531)، «التهذيب» (6/295)، «وسائل الشيعة» (18/82-83)، «بحار الأنوار»
(2/233).
[82] «الإيقاظ من
الهجعة» (ص70-71).
[83] وقد أفردت
أحداث هذا المؤتمر (من مذكرات السويدي) بكتاب سُمّي: «الحجج القطعية لاتفاق الفرق
الإسلامية», وطبعته مطبعة السعادة بالقاهرة عام 1323هـ, ثم نشره محب الدين الخطيب
باسم «مؤتمر النجف» 1367هـ، وكان قد نشره قبل ذلك على صفحات مجلة «الفتح» بعنوان:
«أعظم مؤتمر في تاريخ المسلمين للتفاهم بين الشيعة وأهل السنة المحمدية»، ثم طبع
بعد ذلك بمطبعة البصرى ببغداد، ثم طبعته المطبعة السلفية بالقاهرة مع «الخطوط
العريضة».
[84] وقد كاد
كتابه أن يندثر، فلا تكاد توجد منه نسخة على وجه الأرض، حتى يسر الله جل وعلا لي
تصويره من المكتبة القادرية في بغداد أثناء رحلتي إلى العراق قبيل الحرب العراقية
الإيرانية ونشره عام 1419 بمشاركة أخي سلمان العودة.
[85] قال الدكتور
محمد السعيدي: كان الشيخ حسين المؤيد أستاذاً في الحوزة في قم، وقدم إليه بعضهم
كتاب «أصول مذهب الشيعة» للشيخ القفاري ليرد عليه، وكانت بداية رحلته نحو الهداية.
قلت: وقد حدثني بمثل ذلك العالم الشيعي المهتدي الدكتور مجيد خليفة، وكذلك أخبرني
بمثل ذلك الشيخ أبو المنتصر البلوشي والشيخ المهندس طارق العيسى رئيس جمعية إحياء
التراث الإسلامي، وقد جاء إليَّ المرجع حسين المؤيد بصحبة الشيخ أبي المنتصر
البلوشي، والتقيته بالحرم المكي في حج العام الماضي 1433هـ.
[86] «منهاج
السنة» (4/134).
[87] «المصدر
السابق» (7/449).
[88] «المصدر
السابق» (1/107).