العبور الأمريكي عبر " الزاوية الصوفية"
«الوهابية والسلفية هم أشد أعداء الصوفية والتقليدية في العالم الإسلامي. ونتيجة
لهذا العداء فالصوفية والتقليدية هم حلفاء طبيعيون للغرب في حربهم ضد الراديكالية».
من كتاب: «العالم الإسلامي بعد أحداث
9/11»
مدخل:
“لا تخافوا سائر الإسلاميين، خافوا السلفيين”.. بهذه العبارة الموجزة لخص الكاتب
“روبن رايت” هواجس أمريكا حول “التطرف الإسلامي”، زاعماً ظهور ما يسميه (هلال سلفي
جديد يتشعب من مشيخات الخليج الفارسي إلى بلاد الشام وشمال إفريقيا، هو أحد
المنتجات الجانبية الأكثر تجاهلاً والمثيرة للقلق من الثورات العربية. وبدرجات
متفاوتة يتحرك هؤلاء المتشدّدون الشعوبيون في الفضاء السياسي الذي كان يحتله
المسلحون الجهاديون، والذين هم أقل رواجاً الآن. وكلاهما أصوليون يفضلون نظاماً
جديداً مشكلاً على غرار الإسلام الأول. وليس بالضرورة أن يكون السلفيون مقاتلين،
فأغلبهم ينبذ العنف)[1].
وهكذا قويت مع الزمن هذه الهواجس في نفوسهم، لدرجة وضع فيها الغرب جميع السلفيين في
خانة التشدد، وانطلقوا يهرفون بمواجهتهم بما يصفونه بتيارات “الإسلام المعتدل”.
ولقد كان من إحدى العلامات البارزة في مجال صناعة وصفة “الإسلام المعتدل”، توظيف
الغرب مراكزه وبحوثه ودراساته المتخصصة في المجالات الإسلامية لبناء مصادر
معلوماتية زاخرة لصنّاع القرار والسياسات، واضعاً بين أيديهم خلاصات رصد الصحوة
الدينية وسط المسلمين، والتي يجرى دفعها في نهاية المطاف إلى “المطابخ
الاستراتيجية” من أجل تحويل مخرجاتها النهائية لأغراض الإنذار المبكر حول الإسلام
والجماعات الإسلامية والصحوة الإسلامية، هذا إلى جانب الاستفادة منها في بناء
الاستراتيجيات والسياسات الميدانية لمواجهة التطور الحاصل في العمل الإسلامي على
مستوى الدول والمجموعات الإسلامية.
وقديماً كانت تضطلع بهذا الدور المعلوماتي المهم حركة “الاستشراق والمستشرقين” التي
أسدت خدمات جليلة في ذات الاتجاه؛ من خلال الغوص في أعماق التاريخ والإرث الإسلامي
العميق، والعمل على استكشاف كل ما يمكن الاستفادة منه في خدمة الغرب في سجاله
ومواجهته الإسلام عبر العالم؛ فكان عملها خير عون ومساعد للجيوش الاستعمارية
الغربية في غزو واختراق الدول والمجتمعات الإسلامية.
وتمثل الأسطر التالية جانباً أولياً من الرصد والمتابعة والقراءة في مسيرة تطبيق
استراتيجية الولايات المتحدة في “بناء شبكات إسلامية معتدلة” لمواجهة “السلفية” في
العالم. وهذا الجهد في مجمله تلخيص لمعلومات وردت عبر مختلف الوسائط الإعلامية.
أولاً: أبعاد الاستراتيجية الأمريكية في استغلال الصوفية لترويض العالم الإسلامي:
كما هو معلوم انشغل عديد من مراكز البحوث الاستراتيجية الأمريكية فيما بعد (2001م)،
وطبقاً لموجّهات استراتيجية عليا؛ بهندسة استراتيجيات عملية لتحجيم “السلفيين”
ومحاصرة ما يصفونه بـ “الإسلام السياسي”، عبر إنشاء شبكات من مجموعات إسلامية أخرى
- تحديداً ممن يطلقون عليهم الجماعات الدينية التقليدية، ممثلة في (الصوفية)
و(جماعة البلاغ) والعلمانيين (الليبراليين) في جانب، والشيعة في الجانب الآخر.
وكما هو معلوم أيضاً يتلخّص الدور المناط بهذه الشبكات في تحقيق القبول لأمريكا وسط
المسلمين، وتحسين صورتها ومساعدتها على خلق بيئة هادئة لعمل استراتيجياتها التي
تنشط داخل أرجاء العالم الإسلامي. ولم يعد سراً اعتماد الاستراتيجية الأمريكية
“الإسلامية الجديدة” على تدشين عملية بعث الفكر الصوفي والطقوس الصوفية بَدءاً
بتوثيق الصلات الأمريكية مع المشيخات والطرق الصوفية التي اختيرت بعناية فائقة للعب
الدور المنتظر منها، وظهر بجلاء انخراط البعثات الدبلوماسية الأمريكية في مهام
جديدة عبر صندوق سفرائها لإعادة إحياء المقامات والأضرحة من أجل إعلاء المؤثرات
الروحية الصوفية التي يرون فيها سبيلاً للقضاء على تأثيرات التيارات “المتشددة”.
وبالطبع، تنتظر أمريكا مردوداً سريعاً لذلك العمل المشترك - سياسياً ودبلوماسياً
واقتصادياً.
الدراسات
الأمريكية التي تناولت الإشارة للصوفية كبُعد استراتيجي للولايات
المتحدة |
الجهة |
الفعالية |
مؤسسة راند |
عام 2003م - دراسة بعنوان:
(الإسلام المدني الديمقراطي) |
مركز نكسون للدراسات |
عام 2004م - مؤتمر بعنوان:
(فهم الصوفية ودورها المحتمل في سياسة الولايات المتحدة) |
معهد الولايات المتحدة للسلام |
عام 2005 - دراسة بعنوان:
(الإسلام السياسي في إفريقيا جنوب الصحراء) |
مؤسسة راند |
عام 2007م - دراسة بعنوان:
(بناء شبكات إسلامية معتدلة) |
مؤسسة كارنجي للأبحاث |
عام 2007م - دراسة موسعة:
(الصوفية في آسيا الوسطى) |
مؤسسة راند |
عام 2009 - دراسة بعنوان:
(الإسلام الراديكالي في شرق إفريقيا) |
1.
منبع اهتمام أمريكا بالصوفية:
على امتداد سنوات العقد الماضي تركز اهتمام الإدارات الأمريكية المتعاقبة على
الجماعات الصوفية في باكستان والصومال والسودان ومصر والأردن، وبعض دول المغرب
العربي، ودول أوروبا وأمريكا.
ومبعث هذا الاهتمام الكبير بالصوفية، والفئات الأخرى؛ هو بحث أمريكا عن شريك داخل
جسد الأمة المسلمة يمكن أن تنفذ من خلاله استراتيجياً إلى تحجيم وإبعاد التيارات
السلفية التي تقف حجر عثرة أمام هيمنتها على المسلمين ومسعاها لإقصاء الإسلام من
حياتهم.
وقد وجد الباحثون الأمريكان هذه الضآلة المنشودة في الصوفية بصورة مركزية، من خلال
وجهات نظر عديدة:
• فكرياً:
يرى الأمريكان أن
“فرق
المتصوفة”
و“النخب
الليبرالية”
على امتداد العالم الإسلامي، هم أكثر المجموعات التي يسهل استيعابها وانخراطها في
المشروع الأمريكي لمواجهة
“المد
السلفي”
و”الإسلام
السياسي”
في العالم؛ لما يتمتعون به من رغبة قوية واستعداد ذاتي للالتقاء والعمل مع الآخرين
من أجل إقصاء
“السلفية”
من واجهة التأثير في العالم الإسلامي.
• دينياً:
يتصور الغرب، وأمريكا على وجه الخصوص، أن الصوفية أكثر الفئات المسلمة تساهلاً في
اتباع السنة وأعلاها احتفاء بالمبتدعات وأقلها في جانب تطبيق النصوص المنادية
بالعمل بفهم السلف الصالح؛ ولذا يعتبرونهم غير متشددين في التطبيق والممارسة، بينما
يشيدون بما يتميز به الفكر الصوفي من تقديس الأضرحة والمشايخ وحب الإنشاد والميل
للطقوس الاحتفالية والموالد، فهي أمور يرتضونها ويعتبرونها ممثلاً للإسلام
“الوسطي!”،
وهم على استعداد لدعم انتشارها وترويجها في المجتمعات الإسلامية..
وهذا بالطبع مردّه إلى أن النصرانية واليهودية لا ترغبان في وجود أمة إسلامية قوية
في عقيدتها وارتباطها بربها ونبيها حتى تسهل مهمتهما بين المسلمين.
• سياسياً:
يتصوّرون أن الفرق الصوفية أكثر المسلمين اعتدالاً، وأكثرها ابتعاداً عن العمل
السياسي ونهج العنف.
وطبقاً لذلك هم يتصوّرون أن المتصوفة أكثر عداء
“للإسلام
السياسي”،
وأقل إلحاحاً في المطالبة بتطبيق الشريعة، ولا يعملون بصورة منظمة من أجل انتقال
بلدانهم للحكم بالإسلام..
ولهذه الخصائص السياسية التي يتوقعونها من الصوفية فقد جعلوهم في تلاقٍ كبير مع
الليبراليين لتشكيل جبهة للوقوف ضد خصومهم هؤلاء لمحاربة
“التطرف
والغلو”!
بحد زعمهم.
خلاصة الدراسات الأمريكية التي بُنيت عليها استراتيجية استغلال التصوف |
- الصوفية تمثل: “البديل الثقافي والاجتماعي والدين الأساسي لمواجهة
الأشكال الأيديولوجية للإسلام المهيمنة حالياً في العالم الإسلامي”.
- الصوفية هي: “الإسلام الذي يمكن أن تتعامل معه أمريكا والغرب، حيث
يمكن أن تقدم مساعدة عظيمة للعالم، وذلك عبر مواقفهم من الاستقلال
والتعددية واحترام الأديان والعقائد الأخرى”.
- الصوفية تعتبر: أوضح خيار للمسلمين للمصالحة بين “العالم اليهودي -
المسيحي” و“العالم الإسلامي”. |
2.
السفارات الأمريكية تسابق الزمن في تنزيل استراتيجية استغلال الصوفية:
ليس صدفة أن ينهمك الدبلوماسيون الأمريكيون في الدول الإسلامية بإبداء رعاية خاصة
للطرق الصوفية، فالمعلومات التي تتناقلها الوسائط الإعلامية المختلفة تشير إلى شروع
الدبلوماسية الأمريكية، من خلال السفارات الأمريكية المنتشرة عبر دول العالم
الإسلامي؛ في فتح قنوات تواصل وتنسيق مع الفرق الصوفية المنتشرة في هذه الدول في
إطار تنزيل استراتيجية أمريكا في استخدام التصوف في محاربة
“المد
السلفي”
في العالم الإسلامي.
وتتسابق السفارات الأمريكية ودبلوماسيّوها في العواصم الإسلامية على خلق علاقات
قوية مع مشايخ الطرق الصوفية
(الذين
يدين لهم جميع مريديهم بالولاء والطاعة الكاملة)
عبر الزيارات واللقاءات التي تتم معهم في دورهم ومشيخاتهم، وذلك كأسلوب عملي مؤثر
للنفاذ إلى قلب الطريقة الصوفية ومحبّيها، ومن ثم البناء على تلك العلاقة لخلق
أرضية للعمل المشترك مع الصوفية.
وسنعرض نماذج من دبلوماسية التقرب من الصوفية في الفقرات الآتية.
ثانياً: المجهودات العالمية لبعث التصوف:
الغريب أن جميع المجهودات الدولية التي تستهدف إعادة بعث التراث الصوفي وإعادة
ترميم وصيانة الأضرحة والمقامات الصوفية؛ تأتي في إطار الاستراتيجية الأمريكية في
نشر المنهج الصوفي وتسويقه كبديل مقبول لتطبيق الإسلام في العالم لإحلال الإسلام
القائم على المنهج السلفي.
1. مؤتمرات التصوف ذات الصبغة الدولية:
شهدت السنوات الماضية العديد من المؤتمرات والندوات التي عُقدت بغرض إحياء وبعث
التراث الصوفي داخل وخارج العالم الإسلامي، وكان من أبرزها:
•
ألمانيا
(2001م)
-
المؤتمر
28
للمستشرقين الألمان، بحوث بعنوان:
(الأخوّة
الصوفية كحركات اجتماعية)،
و(الحركة
النقشبندية في داغستان)،
و(التيجانية
في غرب إفريقيا)،
و(صورة
الموالد الشعبية في مصر)[2].
•
ألمانيا
(2001م)
-
المؤتمر العالمي الأول لدراسات الشرق الأوسط، بحث بعنوان:
(الإسلام
الحديث والطريقة النقشبندية المجددية الصوفية)،
و(الأولياء
الصوفيون وغير الصوفيين)[3].
•
مصر
(2001م)
-
مؤتمر
“التصوف
منهج أصيل للإصلاح”،
وقد نظمته
“أكاديمية
الإمام الرائد لدراسات التصوف وعلوم التراث بالعشيرة المحمدية”[4].
•
مصر
(2003م)
-
المؤتمر العالمي للطريقة الشاذلية بمدينة الإسكندرية، وقد انعقدت جلساته في مكتبة
الإسكندرية بالتعاون مع
(وزارة
السياحة المصرية)،
و(منظمة
اليونسكو)،
و(من
دولة فرنسا كل من:
وزارة الخارجية، ووزارة البحث العلمي، والمركز الوطني الفرنسي للبحوث والدراسات
العلمية، والمعهد الفرنسي للآثار الشرقية، ودار العلوم الإنسانية)[5].
•
بلغاريا
(2003م)
-
ندوة حول
(أدب
التصوف في الإسلام)[6].
•
الدانمارك (2004م) - سلسلة محاضرات عن (الحلاج وابن عربي وابن الفارض).
•
المغرب (2004م) - المؤتمر العالمي للطرق الصوفية: (لقاءات سيدي شيكر العالمية
للمنتسبين إلى التصوف) تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس[7].
•
مالي (2004م) - المؤتمر العالمي الأول للطرق الصوفية بغرب إفريقيا تحت شعار:
(التصوف أصالة وتجدد)[8].
•
ليبيا (2005م) - مؤتمر دولي بعنوان: (الطرق الصوفية في إفريقيا.. حاضرها ومستقبلها)
تحت شعار (معاً من أجل تفعيل دور الطرق والزوايا الصوفية في إفريقيا)[9].
•
الأردن (2005) - مؤتمر: (حقيقة الإسلام ودوره في المجتمع المعاصر) برعاية الملك عبد
الله الثاني.
•
الأردن (2007م) - مؤتمر: (النزعة الصوفية في الأدب العربي) - عُقد ضمن فعاليات
“إربد مدينة للثقافة الأردنية لعام 2007”[10].
2. جهود منظمة اليونسكو والولايات المتحدة لإعلاء الشِّعر الصوفي:
خصصت منظمة اليونسكو العام 2007 عاماً دولياً للاحتفال بالمئوية الثامنة للشاعر
الصوفي “جلال الدين الرومي” (1207 - 1273م.. بآسيا الوسطى)، حيث دشَّنت اليونسكو
هذه المناسبة بإقامة ندوة دامت يوماً كاملاً في مقرها بباريس، إلى جانب إقامة معرض
للكتب والمخطوطات واللوحات التي تتناول حياة جلال الدين الرومي وأعماله[11].
وفي المقابل، تشهد الولايات المتحدة ترجمات غير مسبوقة للشعر الصوفي لجلال الدين
الرومي، حيث تتربع مبيعات كتبه الشعرية المترجمة على رأس مبيعات الكتب في الولايات
المتحدة. كما نظم مركز الدراسات الفارسية في جامعة ميريلاند الأمريكية مؤتمراً
لاستكشاف شعر الرومي إضافة إلى صلته المستمرة بالعالم قديمه وحديثه.
وهناك سيل متواصل للترجمات الجديدة لمؤلفات جلال الدين الرومي الضخمة، بينما تجرى
الدراسات العلمية عن حياته وأعماله بصورة مستمرة، كما تم تحويل قصائده إلى موسيقى
تم عزفها على المسارح ووضعها على أقراص مدمجة ونشرها على شبكة الإنترنت في الولايات
المتحدة وحول العالم.
3. ترميم الأضرحة الصوفية بواسطة “صندوق السفراء الأمريكيين”:
في بيان صحفي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية (في 8 يونيو 2009)[12]
جاء فيه أن: (“صندوق السفراء الأمريكيين” لصيانة الثقافة سيقدم منحاً لمشاريع مهمة
هذه السنة لترميم عدد من المعالم التاريخية والثقافية، بينها مساجد قديمة وأضرحة
ومقامات لشخصيات من الفترة الصوفية المبكرة).
وقد أشار التقرير إلى ترميم “ضريح حافظ محمد حياة” الذي يعود للقرن الثاني عشر في
غوجارات، و“مقام حضرة شاه شمس تبريز” الذي يعود إلى القرن الثالث عشر في مولتان،
وهما معلمان متميّزان مهمان من معالم أضرحة أئمة الصوفية المبكرة في باكستان. وقد
سبق لصندوق السفراء لصون الثقافة أن دعم مشاريع أخرى في باكستان لترميم أضرحة
ومقامات.
يُذكر أن هناك آليات لتمويل أنشطة الشبكات المذكورة - منها مبادرات وصناديق وأوقاف
مشهورة.. فهناك ثلاثة صناديق رئيسة تعمل على توفير التمويل الذي يستهدف اختراق
المجتمعات الدينية والمدنية في بلاد الشرق الأوسط المسلمة تحت عنوان (نشر
الديمقراطية)، وهي صناديق تعمل على تحفيز مجموعات معينة للانخراط في تنفيذ المشروع
الأمريكي في المنطقة.
التمويل جاهز لمن ينخرط؟ |
1. مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (MEPI)،
وهي عبارة عن برنامج لوزارة الخارجية الأمريكية يهدف إلى (تشجيع
الإصلاح في البلدان العربية من خلال تعزيز المجتمع المدني العربي،
وتشجيع المشاريع الصغيرة، وتوسيع المشاركة السياسية، وتعزيز حقوق
المرأة).
2. صندوق وزارة الخارجية لحقوق الإنسان الديمقراطية (صندوق تنمية
الموارد البشرية)، وهو عبارة عن (حساب لأموال تعزيز حقوق الإنسان في
الدول ذات الأغلبية المسلمة).
3. الوقف الوطني للديمقراطية في (NED)
– برنامج “ديمقراطية المسلمين”.
4. صندوق السفراء الأمريكيين (وزارة الخارجية الأمريكية). |
ومعلوم أن هذه المشاريع تحت تصرف صانع القرار الأمريكي وسياسته
المتّبعة في دعم المجموعات المختارة داخل كل دولة، وهي المجموعات
المستعدة للانخراط في المشروع الأمريكي تحت لافتته العريضة (نشر
الديمقراطية)؛ حيث يبيّن تقرير الكونغرس الأمريكي المعنون بـ (سياسة
الولايات المتحدة لتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط: معضلة
الإسلاميين)؛ أن الكونغرس يخصص أيضاً أموالاً لبرامج الديمقراطية
الإقليمية ولمشاريع المساعدات الخارجية، و”قد يحدد استخدام هذه الأموال
لمشاريع معينة، أو توجيهها لمجموعات معينة”(*). |
4.
جهود بعث التصوف في باكستان:
لتحسين صورتها بين المسلمين في باكستان، تهتم الولايات المتحدة بالصوفية لقطع
الطريق على
“الإرهابيين
والمتشددين من جهة أخرى”
–
حسب زعمها؛ ولذا خططت لإقامة مؤتمر دولي للصوفية في مواجهة
“أفكار
التشدد”
في العالم الإسلامي
(فبراير
2010م)،
بجانب قيام السفيرة الأمريكية بباكستان في
21
أبريل
2010م
بالتوقيع على معاهدة بينها وبين اتحاد الصوفية في باكستان، قدمت لرئيسه مليوناً
ونصف المليون دولار، لتزيين
“الأماكن
المقدسة”
للصوفية في باكستان، وترميم المزارات التاريخية وصيانتها، إلى جانب بناء قُبب جديدة
على المزارات المختلفة[13].
وقد بدأت الحكومة الباكستانية منذ عهد الرئيس
“برويز
مشرّف”
بالاهتمام بالصوفية كقوة كامنة في مواجهة الخصوم
-
خاصة الإسلاميين، فقد كان
“مشرّف”
أول من اهتم بهم، ونظّم مؤتمراً للصوفية في باكستان شارك فيه ما لا يقل عن ألفي شخص
يمثلون
200
فرقة وجماعة من مختلف المشارب والأطياف الروحية الموجودة في باكستان.
وانطلقت الحكومة الباكستانية في تنظيم الصوفية بهيئة عليا للصوفية من جهة ومجلس
أعلى لمشايخ الصوفية أيضاً، ومهمتهما تنظيم الصوفية الباكستانيين، وتقديم الدعم
المادي لهم، وتسهيل أعمالهم، وفتح مزيد من المراكز الدينية لجعلهم يمارسون نشاطهم
دون عقبات.
وكان أول أعمال المجلس العالمي للصوفية إصداره فتوى تحرّم
“العمليات
الانتحارية”
في باكستان، واعتبارها غير جائزة، كما أصدر فتاوى أخرى اعتبر فيها طالبان خارجة عن
الدين وجماعة باغية يجب التعامل معها بما ينص عليه الدين الإسلامي!
كما يجري في باكستان ترويج الموسيقا الصوفية، خاصة فرقة القوالي الباكستانية
(فريد
أياز قوال وإخوانه)
التي تغني القصائد الصوفية باللغة العربية والفارسية والهندية والأوردية
والبنغالية، بمصاحبة موسيقى
“القوالي”
الصوفية الباكستانية والإيرانية[14].
5. حركة التأصيل الشرعي للتصوف التي تنتظم العالم اليوم:
أما حركة التأصيل الشرعي للفكر الصوفي من حيث المعتقدات والممارسة والتطبيق، فيمكن
تلخيصها في عدة نقاط، أبرزها ما يلي:
•
الإفتاء بجواز تعدّد الطرق والاختلاف والتفرق.
•
محاربة التوحيد الحق واعتبار الدعوة له بدعة وخروجاً عن الملة.
•
نشر العقيدة الأشعرية واعتبار عقيدة السلف تجسيماً.
•
إجازة جميع أبواب الشرك التي حرّمتها الشريعة.
•
الافتاء بجواز التعبّد بالأذكار والأوراد التي يؤلفها المشايخ.
•
إباحة البدع وإيجاد المسوغ الشرعي لها.
•
إباحة الاحتفال بالموالد والحضرات
(الذكر
على أنغام الموسيقى وآلات الطرب).
ثالثاً: إطلاق موجات حرق وهدم للأضرحة الصوفية للإيقاع بالسلفيين:
لقد هدف هذا المخطط البغيض إلى إحداث فتن ومواجهات دموية بين الصوفية والسلفيين عبر
استهداف هدم أضرحة بعض مشايخ الطرق الصوفية في عديد من الدول الإسلامية.
•
ففي السودان جرت عدة محاولات لتخريب وحرق بعض الأضرحة، منها:
تخريب ضريحي الشيخ إدريس ود الأرباب والشيخ المقابلي
(بالعيلفون)،
والاعتداء على ضريح الشيخ حسوبة
(بسوبا
شرق
-
الخرطوم)،
وتخريب ضريح الشيخ حمد ود أم مريوم
(ببحري)،
وتخريب مقابر العيدج والبنداري
(ببحري)،
والاعتداء على ضريح الأمين البطحاني
(بشرق
النيل)،
والاعتداء على ضريح الفكي هاشم
(بشمال
بحري)،
وضريح الشيخ بابكر محمد سعيد
(بالكريعات
شرق تمبول)،
وضريح الشيخ السنوسي
(بنيالا
-
دارفور).
وقد تمت معظم هذه المحاولات بين
2011
و2012.
•
وفي مصر
-
بعد الثورة
-
تم الاعتداء على ضريح الشيخ عز الدين
(بالمنوفية)،
وأضرحة للشاذلية وبعض الطرق الصوفية الأخرى.
•
وفي تونس
-
بعد الثورة
-
دُمّر ضريح الشيخ بوسعيد الباجي، وتعرض مقام الشيخ أحمد الورفلي للتخريب
(باكودة)،
إضافة إلى أضرحة أخرى.
•
وفي ليبيا
-
بعد الثورة
-
تم الاعتداء على عدد من الأضرحة، منها:
ضريح الشيخ أحمد الزروق
(بمصراتة)،
والشيخ الشعاب الدهماني
(بالقرب
من طرابلس)،
والشيخ عبد السلام الأسمر
(بزليتين
–
أغسطس
2012).
•
وفي الصومال جرت محاولة هدم ضريح الشيخ محيي الدين العلي، والشيخ أحمد الحاج (مارس
2010).
•
وفي مالي دُمّرت بعض مقامات وأضرحة مدينة تمبكتو (يوليو 2012).
ويبدو أن هناك جهة واحدة أو عدة جهات مشتركة لها هدف مركزي واحد، هو الإيقاع
والمصادمة بين السلفيين والطرق الصوفية على امتداد العالم الإسلامي، ومن ثم تأزيم
العلاقة بين الطرفين، وربما الانتقال بعد ذلك إلى مرحلة المواجهات وتصفية الحسابات.
والغريب حقاً أن الأحداث التي تكررت في السودان – على وجه الخصوص - لم تستطع الجهات
الأمنية القبض على أي جناة أو توجيه أي اتهام رسمي لأي جهة إسلامية بعينها، وظلت
القضايا مسجلة ضد مجهول!
رابعاً: مجهودات الدول العربية في بعث التصوف:
1) صور من إحياء الصوفية في دولة المغرب:
تعمل السياسة الدينية التي انتهجتها الدولة المغربية على إحياء وتنشيط التراث
والثقافة الصوفية ممثلة في المواسم الدينية، والمهرجانات واللقاءات العالمية
للمنتسبين للتصوف، وإحياء وتشجيع الزوايا والطرق الصوفية، وتقديم كافة أشكال الدعم
لها، خاصة الطرق: «التيجانية» و«البودشيشية» و«الكتانية». ولقد استطاعت «الطريقة
القادرية البودشيشية» أن تنال سلطة معنوية يحسب لها ألف حساب، وأن تكون لها علاقات
وطيدة مع هيئات دبلوماسية لبلدان عظمى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وأن تستقطب
أتباعاً بالملايين داخل المغرب وخارجه[15].
كما تعكس المهرجانات الصوفية في المغرب محاولات الحكومة المغربية توظيف التصوف في
لعبة التوازنات السياسية، بتعزيز الصوفية في البلد كحل لمواجهة صعود “الحركات
الأصولية غير المعتدلة والمتطرفة”، سيراً على درب الموجّهات الأمريكية[16]..
ومن هذه المهرجانات:
- مهرجان بمدينة مراكش باسم الدورة الدولية الأولى للقاءات والموسيقى الصوفية، تحت
شعار: “سماع مراكش”، أقامته جمعية (منية مراكش لصيانة وإحياء تراث المملكة
المغربية).
- ومهرجان بمدينة فاس حول الثقافة الصوفية، تحت شعار: “مهرجان فاس للثقافة الصوفية:
التصوف والتنمية الإنسانية”، أقامه (مجمع المسالك والتصورات).
وقد أفادت الشاعرة والكاتبة “ثريا إقبال”، مؤسِّسة جمعية (منية مراكش)، بأن اختيار
أماكن أنشطة المهرجان مدروس جداً، حيث اختيرت الزوايا والقصور والأضرحة والحدائق
بعناية فائقة.
وأضافت مؤسِّسة الجمعية أن الهدف من المهرجان هو تسليط الضوء وإعادة الاعتبار إلى
الغنى الروحي والثقافي للمغرب، معتبرة أن: (الصوفية حقيقة أساسية في الدين والتي
يصعب تناسيها والتي يجب إعادة اكتشافها وتذوّقها والسهر على المحافظة عليها لإيصال
رسالة العرفان والحب التي تحتويها إلى العالم الذي بات يفتقد أكثر ما يفتقد إلى
القيم الروحية والدينية).
وتشمل مواضيع “مجالس التصوف” التي نوقشت في فعاليات المهرجان:
•
“المحبة الخالصة: نموذج السيدة رابعة العدوية”.
•
“خزائن الجود: نموذج أبو العباس السبتي”.
•
“خمرة المحبة في ترجمان الأشواق للشيخ محيي الدين بن عربي”.
•
وتركز الندوات على موضوع “التصوف شجرة المعرفة والمحبة”.
2) صور من بعث الصوفية في دولة الأردن:
كما في غيرها من الدول العربية، يجري الترويج للتراث الصوفي في الأردن عبر آليات
عديدة تحاول التأطير الفكري للتصوف كبديل يمكن تسويقه لممارسة الإسلام في الأردن،
كما حاول تصويره الدكتور عبدالله الناصر حلمي في مقالة بعنوان: “إسلام الصوفية هو
الحل لا إسلام الخوارج (التصوف جهاد ضد هوى النفس وضد الطغيان والجبروت)”، حيث سوّق
للأردنيين ضرورة العمل بالتصوف قائلاً: “فلنتجه إلى رسالة التصوف نستمد منها القوة
الخلقية، والعزة الإيمانية، والفضائل الروحية، فنتخذها درعاً وحصناً يقي أمتنا
ويحميها، ومعراجــاً تصعد عليه إلى أهدافها وأمانيها. يجب أن يشع الروح الصوفي،
الطاهر المؤمن القوي، في حياتنا ووجودنا، وأن نجعله مادة في معاهدنا ومدارسنا،
ونوراً في صحفنا وكتبنا وإذاعاتنا، وحياة ملهمة في كل مرفق من مرافق نهضتنا. حينئذ
نظفر برضوان الله، وبسيادة الحياة، وتمتلئ أيدينا بعزة الصوفيين، وبأس المؤمنين..)[17].
وفي ذات الخط كان مؤتمر (النزعة الصوفية في الأدب العربي) بمدينة إربد قد سار
مروّجاً للتصوف وأدبياته الشعرية، حيث تناولت أوراقه عناوين عديدة، من بينها:
(التصوف بين الدين والفلسفة: محاولة في تحديد المفهوم)، (التأمل الصوفي في الخلق
والفيزياء الحديثة)، (بين التجربتين: الجمالية والصوفية)، (قراءة في ديوان ابن عربي
- ترجمان الأشواق)، (فلسفة العلامة وتأويلها بين بيرس وابن عربي)، (الجسم في
تأويلات ابن عربي – سر مبهم وكشف أعجمي لنشأة ليليه)، (الصوفية في شعر صلاح عبد
الصبور)، (النزعة الصوفية عند محمد أبو دومة)، (النزعة الصوفية في الشعر العربي
القديم نقداً)، (الوجه الأدبي عند النفري قدمها الدكتور نصر الدين بيبرس)، (النزعة
الصوفية في شعر محمد الفيتوري)، (النزعة الصوفية في الأدب العربي الحديث – عمر
اليافي نموذجاً)، و(تمثلات صوفية في شعر أدونيس)[18].
خامساً: الدبلوماسية الأمريكية ومشروع التحالف “الصوفي - الأمريكي”:
عربياً، تهدف أمريكا إلى دعم الطرق الصوفية عبر إعادة إعمار المزارات والأضرحة،
ونشر المؤلفات الصوفية، والمشاركة الدبلوماسية في بعض أنشطة الصوفية، إضافة إلى
تمتين العلاقات الحميمية مع طرقها وشيوخها ورموزها، وبالطبع يطول ذلك تبادل
الزيارات وحضور الموالد الصوفية وعقد الاتفاقيات والمؤتمرات المشتركة مع الصوفية.
وفي هذا الإطار يمكن استعراض نموذجين للدبلوماسية الأمريكية في تنفيذ برنامجها
الميداني للتقارب مع صوفية مصر والسودان:
1) السفارة الأمريكية في دولة مصر .. والتقارب مع الصوفية:
يمكن ذكر النماذج الموجزة التالية حول التقارب الصوفي الأمريكي:
• لقاء السفير الأمريكي بمصر (فرنسيس ريتشارد دوني) الشيخ حسن الشناوي، شيخ مشايخ
الطرق الصوفية.
• زيارة السفير الأمريكي الطريقة الجازولية ومشاركته أبناء الطريقة وهم ينشدون
المدائح النبوية والأناشيد الدينية[19].
• زيارة السفير الأمريكي مولد “السيد البدوي” بمدينة طنطا للعام الثالث على
التوالي، ولقاؤه مشايخ الطرق الصوفية[20].
• زيارة جواند كاردنو القنصل الأمريكي في الإسكندرية ضريح الشيخ مرسي أبي العباس.
• اختيار المجلس الأعلى للطرق الصوفية وفداً صوفياً من ١٥ شيخاً من الطرق الصوفية
للمشاركة في مؤتمر “رجل السلام العالمي” بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو مؤتمر
يعقد بهدف توضيح الصورة السمحة للإسلام[21].
• قيام 16 شيخاً من شيوخ الطرق الصوفية، على رأسهم الشيخ علاء أبو العزايم (شيخ
الطريقة العزمية)؛ بعقد اجتماع مع سكرتير السفارة الأمريكية ممثلاً للإدارة
الأمريكية في مقر الطريقة العزمية بمنطقة “السيدة زينب”، بحضور ممثل لجهاز مباحث
أمن الدولة[22]..
وخلص اللقاء إلى أن تستضيف الإدارة الأمريكية مشايخ الصوفية على نفقتها الخاصة
لتنظيم عديد من الفعاليات والأنشطة، والقيام بزيارات إلى الولايات المتحدة لنشر
الصوفية بين المسلمين الأمريكيين.
ومن جهة ربط التصوف المصري بالتصوف العالمي، تمَّ تأسيس فرع للمجلس الصوفي العالمي
المسجل في بريطانيا، ليكون أول منظمة مصرية عالمية (تحت اسم “المجلس الصوفي
العالمي”) لنشر الفكر الصوفي، وهو برئاسة شيخ الطريقة الشهاوية البرهامية (محمد
الشهاوي)[23].
وقد أنشئ هذا المجلس الصوفي بدعم من الحكومة البريطانية وحزب العمال في مواجهة
المجلس الإسلامي البريطاني[24].
2) السفارة الأمريكية في دولة السودان.. والتقارب مع الصوفية:
من خلال القائم بالأعمال الأمريكي في السودان (جوزيف ستافورد)، تنهمك الدبلوماسية
الأمريكية في مهمة استقطاب الطرق الصوفية السودانية بمشاربها المختلفة للانخرط في
المشروع الأمريكي. وكان من الطبيعي استخدام الدبلوماسية الشعبية والزيارات الودية
وتبادل الهدايا ومشاركة الصوفية في حلقات ذكرهم ضمن الوسائل الأساسية في بناء شبكة
العلاقات الأمريكية مع صوفية السودان.
وقد اختار القائم بالأعمال الأمريكية - ابتداء - المجموعات الصوفية المنتمية إلى
“الطريقة القادرية الجيلانية” (نسبة لمؤسسها الأول عبد القادر الجيلاني)، ذات
الانتشار الأوسع في السودان مقارنة بالطرق الصوفية السودانية الأخرى. فقد كان من
بين رئاسات الطرق القادرية التي زارها الدبلوماسي الأمريكي ما يلي:
• الطريقة البدرية بمنطقة “أم ضوا بان” (ولاية الخرطوم).
• الطريقة العركية بمنطقة “أبو حراز” (ولاية الجزيرة).
• الطريقة الكباشية بمنطقة الكباشي (ولاية الخرطوم).
• مشيخة الصايم ديمة بمنطقة أم درمان (ولاية الخرطوم).
• مقام/ ضريح حمد النيل، التابع للطريقة العركية بمنطقة أم درمان (ولاية الخرطوم).
ومن قبل كان الدبلوماسي الأمريكي قد زار الطريقة البرهانية بالخرطوم أيضاً.
وفي كل المناطق التي زارها “القطب” الدبلوماسي الأمريكي بالسودان، كانت البداية
مبشِّرة لمشروعه؛ فقد وجد الترحيب الحار من زعماء الطرق الصوفية التي زارها، ونحرت
الذباح على شرفه، وأُلبس الحلل الصوفية الخضراء، وزُيّن بالمسبحة الصوفية، ولم ينسَ
مضيفه إشراكه في حلقات ذكرهم في بعض المناطق التي زارها.
ويشهد التصوف في السودان حركة بعث وتجديد وعرض في ثوب جديد؛ فقد أنشئ مجلس أعلى
للتصوف، وكُوّنت عديد من روابط الطلاب المتصوفة في الجامعات، وأنشئ مجلس أعلى للذكر
والذاكرين بقانون صادر من المجلس التشريعي السوداني، وأطلقت قناة تلفزيونية وإذاعة
لنشر المنهج الصوفي، وأنشئ تجمع لعلماء التصوف، وانتشرت عدة فرق موسيقية للإنشاد
الصوفي تتغنى بأشعار مشايخ الصوفية.
سادساً: تحديات تطبيق المشروع الأمريكي لاستغلال التصوف:
في بحث تحت عنوان: (الصوفية.. بين الهوية والاعتدال والإنسانية)، طرح الباحث
الأمريكي “أبو بكر كروليا”[25]
سؤالاً منطقياً حول استعداد الصوفية وقابليتها للانخراط في المشروع الأمريكي، عندما
تساءل: “هل تقوم المجتمعات الصوفية في الغرب والأماكن الأخرى بإعداد نفسها
أيديولوجياً لبناء وجهة نظر عالمية والانخراط بصدق مع الغرب لوضع إطار أخلاقي
ومعنوي لإقامة العدل والمساواة..؟”.. إلا أن الباحث اكتفى بعرض السؤال وأعرض عن
الغوص في أعماق الإجابة، تاركاً ذلك للصوفية أنفسهم؟
وانتقل الباحث إلى القضية الأهم في الجانب الآخر، ليتناول طبيعة الشريك الأمريكي
وفرص نجاح مثل هذه الشراكات مع المتصوفة، فيقول مبيّناً عن حكومة الولايات المتحدة:
“يجب أن تكون واعية لحقيقة أنها شريك في العالم، وأنه لا يمكن حتى للصوفية التفاوض
أو الحوار مع شريك تقتصر مصلحته على “بناء عالم من المصلحة الذاتية” على أساس
الهيمنة والسلطة”!
ثم بيَّن الباحث أن الاستراتيجية الأمريكية - الصوفية صائرة إلى فشل حتمي على المدى
الطويل بسبب طبيعة الشريك الأمريكي، حيث يقول: “سياسة الحكومة الأمريكية لإدماج
“الصوفية المعتدلة” و“المسلمين التقليديين” أو “الحكومات الصديقة”؛ ستحقق بعض
النجاح، لكن نهجها الأصيل في سياستها “السياسية“ و“الاجتماعية” ليس له استدامة على
المدى الطويل لإقناع المسلمين، وذلك بسبب فرط استخدام القوة الأمريكية التي تضر
أكثر مما تسعى إلى تحقيقه من أهداف ثقافية متعددة وأهداف تعددية للسلام والعدالة”.
إذن؛ فالمصالح الذاتية هي المحرك للمشروع الأمريكي طبقاً لما يراه الباحث، وليس
الحرص على إشاعة العدل والسلام كما هو الادِّعاء؟.. فما سيحدّد فرص نجاح “المشروع
الأمريكي - الصوفي” هو مدى استعداد الشريك الأمريكي للتنازل عن مبدأ استغلال الآخر
وترك الهيمنة والتسلط في مقابل التعامل مع شريكه بمبدأ الندية وعدم الازدواجية
والالتفاف.
وانطلاقاً من ذات السياق، تبرز جملة من التحديات لسياسة تمكين الصوفية من قيادة
العالم الإسلامي، يتلخص أبرزها في التالي:
التحدي الأول: يتمثل في التشكيك بإمكانية نجاح عملية بناء الشبكات (الصوفية -
الليبرالية) بالطريقة التي ترغب فيها الولايات المتحدة، وبالأهداف المرجوة من صياغة
شعوب مسلمة لا تبالي بدينها، وتترك الساحة لأعدائها، وتقصر تديّنها على الروحانيات
والتبرك بالمقامات وتركن إلى العقائد والأذكار الباطلة.
التحدي الثاني: وينطوي على التشكيك بامتلاك الصوفية مقومات قيادة الشعوب المسلمة،
أو امتلاك القدرات الخارقة لمغالبة القيادة الإسلامية الحالية التي تقود صحوة دينية
قوامها التأصيل الشرعي وتظهر مجهوداتها الفذة في طرح الإسلام كمنهج حياة، ولا تكلّ
عن العمل على إعادة تجميع الأمة تحت الكتاب والسنة المطهرة في حدود الممكن.
ويأتي في صلب هذا التحدي التساؤل عن مدى إمكانية دمج جميع الطرق الصوفية في المشروع
الأمريكي - تحديداً الطرق الموجودة في البلدان العربية، خاصة في ظل التقاطعات
والعلاقات التي تحكم وجود الصوفية في بلدانها.
التحدي الثالث: وينطوي على التشكيك بمدى مصداقية الولايات المتحدة في اتخاذ الصوفية
كشريك إسلامي استراتيجي لتمثيل الأمة الإسلامية، وبمدى صبرها على السير في طريق
طويل (يستهدف إعادة صياغة كامل الأمة الإسلامية على الطريقة الأمريكية) في مقابل
تحقيق نجاح مشكوك فيه أصلاً.
يضاف إلى ذلك التشكيك في مدى تحمّل الميزانية الأمريكية “المرهقة” عمليات الصرف إلى
ما لا نهاية على استراتيجية يرتهن تطبيقها “بالوكالة” على أطراف لم تخبرها الإدارة
الأمريكية جيداً – سوى التعويل عليها من خلال فرضيات وتوقعات المراكز البحثية
الأمريكية.
الدور المنتظر من الجماعات السلفية:
لقد انتهت مرحلة رسم الاستراتيجيات من قِبل الأمريكان والغرب عموماً، وانطلق العمل
في بناء شبكة علاقات عمل ومصالح متبادلة بين الطرف الأمريكي وبعض الطرق والكيانات
الصوفية داخل حدود كل بلد، وشبكات شبهية عابرة للحدود، وأخرى على مستوى العالم،
(مثل المجلس الصوفي العالمي ببريطانيا تحت زعامة الطريقة الشهاوية البرهامية،
والمجلس الإسلامي الأعلى في أمريكا تحت زعامة الطريقة النقشبندية).
وإزاء ذلك، هناك دور متعاظم ينتظر “السلفيين”، ويتمثل في كشف استراتيجيات وخطط
خصومهم من جانب، والعمل على تضافر الجهود والإمكانات لمواجهة الخطط والسياسات
العملية التي أفرزتها هذه الاستراتيجيات من جانب آخر. وهذا الدور له صلة وثيقة
بتفعيل الحوار والتواصل داخل البيت السلفي – ما بين العلماء، والخبراء، والقادة،
والدعاة، والباحثين، وأصحاب الثروة، والهيئات الرسمية والمدنية، وكلّ قادر على
العطاء من أهل الإسلام.
وإذا لم يتيسَّر للسلفيين إطلاق برامج التبصير والمواجهة من خلال الأوعية الرسمية،
فيتعيَّن على مؤسسات المجتمع المدني الإسلامية أن تقوم بالمهمة.
ويمكن التوجيه في هذا الخصوص بالتدابير الابتدائية التالية:
• بناء شبكة سلفية دولية لمواجهة هذه الاستراتيجية تعمل على الاتصال والحوار مع
الأطراف التي تسعى أمريكا لاستخدامها في إنزال الخطط الاستراتيجية، وذلك من أجل
تحييدها وتبصيرها بسوء العاقبة من الانخراط في ذلك العمل المعادي للإسلام والمسلمين.
• عقد منتديات عالمية
(ورش
دولية)
يحضرها السلفيون الذين تستهدفهم الاستراتيجية الأمريكية؛ لمناقشة آخر التطورات على
المستوى التطبيقي للاستراتيجية في المنطقة الإسلامية، وتقديم أوراق علمية تعالج
قضية إفشال المشروع الأمريكي.
ولا غنى عن تكليف مجموعة مختارة عبر المؤتمر بمهمة قيادة هذا العمل المشترك وتطوير
آليات عمل مناسبة لذلك؛
(جمع
قاعدة معلومات واسعة من خلال البحث والاستقصاء والرصد والمتابعة والتحليل).
ولعل أكبر تحديات الاستراتيجية المضادة للمشروع الأمريكي، يكمن في مدى نجاح
المجموعات السلفية بإبعاد الصوفية وتحييدها عن المشاركة في الاستراتيجية الأمريكية،
وذلك من خلال التواصل واللقاءات والحوار بين السلفيين والصوفية.
وهنا لا بد من التأكيد على أن الصوفية ككيان إسلامي معنيّون
–
قبل غيرهم
-
بمواجهة هذا المشرع الأمريكي الذي يسعى لاختراقهم والعمل من خلال مؤسساتهم على ضرب
الإسلام من الداخل، وأخذهم في مجاهيل صراعات مع السلفيين
“مجهولة
الهوية”
و“غير
محسوبة”
النتائج.
وقبل كل شيء لا بد من التوكل والاستعانة بالله تعالى كما هو شأن المسلم دوماً،
فالله تعالى يعلم بخطط القوم واستراتيجياتهم، وقد فضح أعمالهم في كتابه العزيز؛ قال
تعالى: {إنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ
فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ
وَالَّذِينَ كَفَرُوا إلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ
36
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْـخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْـخَبِيثَ بَعْضَهُ
عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ
الْـخَاسِرُونَ
37}
[الأنفال:
36-37].
:: مجلة البيان العدد 313 رمضان 1434هـ، يوليو – أغسطس 2013م.
[1]
«روبن
رايت»،
باحث بمعهد السلام الأمريكي
–
كلامه حول السلفيين مترجم من مجلة
«نيويورك
تايمز»،
20-8-2012: (http://www.nytimes.com/2012/08/20/opinion/dont-fear-all-islamists-fear-salafis.html?_r=0).
[2]
أقيم المؤتمر في مدينة هامبرج، انظر جريدة الشرق الأوسط الأربعاء
4
محرم
1422
هـ،
28
مارس
2001،
العدد
8156.
[3]
أقيم هذا المؤتمر بجامعة يوهانسن جوتنبرج
(مدينة
ماينز)،
كما أن المبادرة إلى عقده جاءت من رابطة دراسات الشرق الأوسط في أمريكا الشمالية،
وقد حضره ألفا باحث وعالم ومفكر، كما شارك في المؤتمر قرابة الألف من السياسيين
الرسميين وغير الرسميين..
الأهرام
(25
محرم
1423
هـ)
الموافق
(8
أبريل
2002م)
العدد
(42126).
[4]
أقيم برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، في قاعة المؤتمرات الكبرى بالأزهر
-
القاهرة.
[5]
انظر مجلة البحوث والدراسات الصوفية العدد الأول صفحة
(595).
[6]
انظر جريدة الشرق الأوسط
(12
يوليو
2003)
العدد
(8992).
قدم الأوراق بالمركز الثقافي الأوروبي
(بلغاريا)
ألكسندر فسلينوف، والبروفيسور تسفيتان تيوفانوف،
(أشهرا
إسلامهما في أوقات سابقة)،
وهما من قسم الاستشراق بجامعة صوفيا.
[7]
وكالة الأنباء المغربية في
(10/9/2004م).
وقد عقد المؤتمر بمشاركة أمريكية وبزعامة هشام قباني الذي يعتبر المنسق بين الإدارة
الأمريكية وبين الطريقة النقشبندية.
[8]
مدينة باماكو، انظر موقع:
http://www.alelam.net/policy/details.php?id=1760&country=1&type=N
[9]
انظر موقع:
http: //www. libsc. org/LSC/elan1
[10]
انظر تفاصيل المؤتمر المذكور في موقع
«دروب»:
.(http://www.doroob.com/?p=23756)
[11]
انظر موقع الخبر موقع السفراء في وزارة الخارجية الأمريكية
(23
أكتوبر
2007):
http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2009/06/20090610161555bsibhew0.4015619.html#axzz19bVFfvL2WO
[12]
انظر موقع الخبر موقع السفراء في وزارة الخارجية الأمريكية
(23
أكتوبر
2007):
(http://iipdigital.usembassy.gov/st/arabic/texttrans/2009/06/20090610161555bsibhew0.4015619.html#axzz19bVFfvL2WO)
[13](*)
انظر التقرير المشار إليه “U.S.
Democracy
Promotion
Policy
in
the
Middle
East:
The
Islamist
Dilemma”
في الموقع الإلكتروني لمكتبة إدارة البحرية الأمريكية (مؤرخ في 6 يونيو 2006):
((http://www.history.navy.mil/library/online/democ%20in%20middle%20east.htm#combating
هناك
تقرير موسع حول الموضوع في مجلة
«المجتمع»
الكويتية:
(الصوفية..
أداة السلطة في مواجهة خصومها)،
عدد
13
أكتوبر
2012م.
[14]
للمزيد يراجع موقع مجلة
«شتاء
وصيف»
الإلكترونية المغربية المتخصصة في الموسيقى والغناء:
(موسيقى-القوالي-الصوفية-الكلاسيكية-ال
/96921 (http://djodaba.maktoobblog.com/.
[15]
انظر مجلة
«المجتمع»
الكويتية:
(الصوفية..
أداة السلطة في مواجهة خصومها)،
عدد
13
أكتوبر
2012م.
[16]
للمزيد يراجع موقع مجلة
«شتاء
وصيف»
الإلكترونية المغربية المتخصصة في الموسيقى والغناء:
(http://djodaba.maktoobblog.comمراكش-تتصوف-بعد-فاس/319795/).
[17]
انظر موقع
«صوت
الأردن»:
http://www.sawtordon.com/index.php
[18]
عقد هذا المؤتمر ضمن فعاليات
«إربد
مدينة للثقافة الأردنية لعام
2007»،
في يومي
5-6
ديسمبر
2007،
بمشاركة عدد كبير من الأدباء والمثقفين والأكاديميين من الجامعات الأردنية الرسمية
والخاصة والجامعات السورية والفلسطينية والعراق، ومن جامعة السوربون الفرنسية
(انظر
موقع
«دروب»:
.(http://www.doroob.com/?p=23756)
[19]
انظر:
مجلة التصوف الإسلامي، العدد
323،
ذو القعدة
1426.
[20]
انظر:
صحيفة اللواء الأردنية
-
نوفمبر عام
2007.
[21]
المصدر:
صحيفة
«الدستور»
بتاريخ
3
أغسطس
2010.
[22]
المصدر:
.(http://asha3ira.blogspot.com/p/blog-page_3764.html)
[23]
انظر:
القبس الكويتية، عدد
27
فبراير
2012.
[24]
راجع موسوعة ويكيبيديا:
.(http://en.wikipedia.org/wiki/Sufi_Muslim_Council)
[25]
انظر أبو بكر كروليا
“Sufism
– Between Hegemony, Moderation and Humanness”:
(http://www.academia.edu/1354990/_Sufism_-_Between_Hegemony_Moderation_and_Humanness)