• - الموافق2024/12/04م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
العوامل التي أثَّرت في شخصية  السمح بن مالك الخولاني

لقد كان الإسلام -كعقيدة وشريعة ونظام للحياة- هو العامل الأول، والمؤثر الحاسم، في تكوين وتشكيل شخصية السمح بن مالك، وصياغتها، وتحديد ملامحها، وتركيب خصائصها، وفي إبراز الصفات والسجايا،

 

لم يكن السمح بن مالك الخولاني، أمير الأندلس -في الفترة ما بين شهر رمضان عام 100هـ، وحتى شهر ذي الحجة 102هـ- يختلف في تكوينه الشخصي عن بقية أبناء جيله، من القادة الفاتحين العظام، الذين زخرت بهم أُمة الإسلام في القرن الأول الهجري؛ تلك الفترة المشرقة من التاريخ الإسلامي، الغنية بالرجال الذين برزوا في مختلف المجالات.

فقد كان الجميع ينشؤون منذ نعومة أظفارهم على اعتناق فكره كلية واحدة عن الكون والحياة والإنسان، ويباشرون شؤونهم في معترك الحياة على أساسها؛ ألا وهي «العقيدة الإسلامية» التي تتَّخذ من وحدانية الله منطلقًا لها، كما قال الله تعالى: {قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 162 لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْـمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].

مع التسليم بأنه لكل فرد، على المستوى الشخصي، صفات وخصائص، تُميّزه عن غيره، وتجعله عالَمًا لوحده.

وبناءً على ذلك، فنحن نرى أن أهم العوامل التي شكَّلت شخصية السمح بن مالك، بجانب العوامل الوراثية، هي الإسلام، ونشأته في ولاية إفريقية، وتأثره بالتابعين. وسنتناول هذه العوامل الثلاثة على النحو التالي:

أولاً: أثر الإسلام في تكوين شخصية السمح بن مالك

لقد كان الإسلام -كعقيدة وشريعة ونظام للحياة- هو العامل الأول، والمؤثر الحاسم، في تكوين وتشكيل شخصية السمح بن مالك، وصياغتها، وتحديد ملامحها، وتركيب خصائصها، وفي إبراز الصفات والسجايا، التي طبعت سيرته، قائدًا وواليًا وإداريًّا وفاتحًا. وهذا أمرٌ لا شك فيه، فهو مسلم عربي، حتى الأعماق: لحمًا ودمًا، لسانًا وقلبًا، جسدًا وروحًا، عقلاً وفكرًا، شعورًا وعاطفة، خصالاً وصفات، ثقافة وسلوكًا.

فهو مسلم عربي، نشأ على مائدة القرآن والسُّنة، ومغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، التي كان الصحابة يُعلِّمونها لأبنائهم كما يُعلِّمونهم السورة من القرآن؛ لأن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم  كانت التطبيق العَملي للإسلام ونظام حُكمه.

 وتربَّى على التوحيد الخالص، وهو الأصل الذي تقوم عليه الشرائع، والصدق وطهارة النفس، التي هي مجمّع الفضائل كلها. والتربية على التوحيد، الذي يعني فيما يعني، أنَّ الإنسان ليس عبدًا إلا لله، هي العلاج الناجع لكل أدواء القهر والطغيان والفردية، وما يورثه ذلك من آفات النفاق والرياء، وما إليهما.

وهو، أي السمح، ينتمي إلى جيل خير القرون، وهو القرن الأول الهجري، والذي يُمثِّل أبهى مرحلة من مراحل التاريخ الإسلامي، وإلى المرحلة الثانية، من الفتوحات الإسلامية، التي لم يكن يعلو فيها صوت على صوت (الله أكبر)، ولا راية تعلو على راية التوحيد (لا إله إلا الله).

تلك المرحلة الفريدة التي حقَّق المسلمون خلالها -حين أسَّسوا بُنيانهم على تقوًى من الله ورضوان، وصدقوا الله في إيمانهم، وحققوا أقوالهم بأفعالهم، وأخلصوا مقاصدهم لله، واجتهدوا وأخذوا بالأسباب- أعظم الانتصارات، واكتسحوا أعظم إمبراطوريتين في العالم، في ذلك الوقت، وهما إمبراطوريتا: فارس والروم، وواصلوا سيرهم إلى وادي النيل، ومنها إلى شمال إفريقية، ووصلت جيوشهم إلى سور الصين العظيم، وإلى أواسط الهند شرقًا، وإلى المحيط الأطلسي، وعتبات جبال البرينيه في شمال إسبانيا غربًا.

وحوَّلت حركة الفتوح الإسلامية البحر المتوسط -الذي كان الرومان يسمّونه (بحرنا)- إلى بحيرة عربية إسلامية، عندما فتحوا الشواطئ الشرقية والجنوبية لهذا البحر، وفرضوا سيادتهم على جُزُره. وما زالوا يجوسون خلال البلاد إلى أن بلغوا فرنسا، وصارت جميع قارة أوروبا كلها تحت خطر استيلائهم.

كما وصلت جيوش المسلمين في هذه الفترة، إلى المحيط الهندي والسودان جنوبًا، وإلى بلاد الترك والخزر والروم (البيزنطيين) شمالاً.

وكانت هذه الفتوحات بداية عصر جديد، عصفت فيه ريح الإسلام بأُمم الكفر من كل جهة، وساد المسلمون على كثير من الأمم والشعوب من دون تجبُّر أو تكبُّر، بل كانوا للشعوب، التي اتصلوا بها، معلمين ودعاة وأصحاب رسالة من الله ورسوله، وعرفت أمم المشرق وأمم المغرب -التي كانت مغلوبة على أمرها تحت سيادة الروم أو الفرس، والراغبة في التحرر والانعتاق من الاضطهاد الديني والاستبداد السياسي والفساد الإداري والانحلال الأخلاقي-؛ عرفت هذا الإسلام من سيرة هؤلاء الفاتحين، وعدلهم ورفقهم، وحزمهم واستقامتهم، على طريق الحق الذي قامت به السماوات والأرض.

ولا خلاف على أن الإسلام مصدر مقوّمات الأمة العربية ووجودها كأمة نشأت وسادت واتخذت مكانًا مهمًّا تحت الشمس. والإسلام هو الذي أوجَد للعرب كيانًا ووحَّدهم في مجتمع واحد. ولولاه لكانت الذاتية العربية تلاشت وذابت كما تلاشت بعض الأمم وطواها الزمن تحت قدميه. والمعجزة التي صنعها الإسلام في إحيائه للعرب، وتحريكه للعالم الهامد، وتطويره للنشاط الإنساني كله، هي من السطوع في آفاق التاريخ بحيث لا يُنكرها إلا مَن ينكر وهج الظهيرة وأشعتها حادة البريق. ثم هي معجزة ممكنة التكرار ما بقي الليل والنهار؛ لأنها تقوم على كتاب ينطق بالحق، ونبوة تُعلي قَدْر البشر.  

ثانيًا: أثر نشأة السمح بن مالك في ولاية إفريقية على شخصيته

ظهر الإسلام في مجتمع عربي قبَلي، ولكنه اتخذ وجهة حضرية منذ البداية؛ فقد تميَّزت حضارته باعتمادها على تشريع إسلامي مفصَّل لمختلف مناحي الحياة، ودستور سارت عليه حركة المجتمع.

وقد شجَّع الخلفاء الأولون القبائل العربية على الاستقرار في الولايات المفتوحة؛ لتعميرها، وللجهاد فيما يليها، وجعلوا ذلك شرطًا للعطاء. ولذلك اقترن انتشار الإسلام خارج الجزيرة العربية بإنشاء «مدن الأمصار» كالبصرة (14هـ/635م)، والكوفة (17هـ/638م)، والفسطاط (21هـ/641م)، والقيروان (45هـ/665م)، والتي كانت تسمى أيضًا «دُور هجرة» و«منازل جهاد»، وللاسم دلالته؛ لتكون قواعد عسكرية متقدمة تُغذِّي جبهات القتال بالمؤن والرجال، وتكفل استمرار قوة الجيوش الإسلامية الفاتحة، ومراكز إدارية لإدارة الأقاليم المفتوحة، ومعالم راسخة لنشر الدين الإسلامي.

وفي هذه المدن تفرّق العرب، الذين خرجوا من أوطانهم، في الأراضي المفتوحة حاملين لواء الجهاد، لنشر الإسلام شرقًا وغربًا. وكانت هذه المدن مراكز رجال الفتح العسكري والإداري والثقافي، وهي ميدان التدريب والتكوين لكثير من أبناء الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، الذين كانوا يرافقون ذويهم في غزواتهم، ويساعدونهم في أعمالهم المدنية، إلى جانب مخالطتهم للقادة والإداريين، فكان أولئك الأبناء يقتبسون من ميادين القتال ثقافة العصر، وهي الجهاد والفتوح، ومعرفة نظام الحرب وفنونها، وإتقان أدواتها وأسلحتها، وممارسة الحكم والإدارة، واستنباط الأحكام من القرآن والسُّنة، ويتعلمون كيف يرسمون الخُطَط، وكيف يُنفِّذونها، وكيف يُبرمون الاتفاقيات والمعاهدات، وكيف يواجهون المعضلات.

ناهيك عن المكانة المحورية، التي كان يمثلها المسجد الجامع، في هذه الأمصار، وما كان يلعبه من دور خطير، في حياتهم، وهو الدور الذي تطور بعد ذلك، ليشمل حياة المسلمين جميعًا، في كل زمان ومكان.

وبناءً على ذلك؛ يمكن القول: إن هذه الأمصار الجديدة كانت هي الجامعات -إن جازت هذه التسمية- التي تخرَّج فيها العديد من كبار قادة الفتح الإسلامي؛ أمثال: عقبة بن نافع، وطارق بن زياد، وقتيبة بن مسلم، ومحمد بن القاسم، وغيرهم كثير، إلى جانب مَن تخرّج فيها من الخبراء الإداريين، والذين يجمعون بين الخبرة الإدارية والعسكرية.

ومن إحدى هذه الجامعات تخرج السمح بن مالك؛ فقد كان منشئوه، على التحقيق، في ولاية إفريقية، في بيئة إسلامية عربية شبه عسكرية، كان الإسلام والتقاليد العربية يلعبان الدور المركزي في تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية فيها، ولم يكن يعلو فيها صوت على صوت الفتوحات والجهاد، وعلى صوت الدعوة والإرشاد، وعلى صوت الإدارة والتنظيم.

ونحن وإن كنا لا نستطيع أن نجزم بأنه قد وُلِدَ بها؛ إلا أنه يمكننا القول -وبحكم كونه من أبناء عرب إفريقيا-: إنه قد استكمل نشأته فيها، وقضى زهرة شبابه تحت سمائها، مشاركًا في فتوحاتها، وفي نشر الإسلام في ربوعها، ثم في عملية تنظيمها، وإدارة شؤونها، بعد استكمال الفتح.

ولا شك أنه كان لنشأته في أجواء هذه البيئة (الولاية) الغنية بالأحداث، دور مُهمّ في اكتمال تكوينه الجسدي والعقلي والروحي، وفي تنمية مواهبه وصقل ملكاته، واكتساب ما اكتسب من خبرة عسكرية، وذخيرة إدارية.

وحسبك برجل شارك في فتوحات إفريقيا والمغرب! والتي كانت هي الأطول والأصعب، على الإطلاق، في تاريخ الفتوحات الإسلامية كلها.

ومن هنا؛ فإن «المُقاتل العربي، صهرته الحروب في هذه الجبهة، واكتسب خبرة بطبيعة البلاد الجبلية، مما يعني استحداث فنون قتالية جديدة في ضوء خبرات البربر في هذا المجال».

وهذا بالإضافة إلى الجهود الضخمة التي بذلها الفاتحون العرب في تنظيم الأمور الإدارية لهذه الولاية، لا سيما أنهم قاموا بذلك بدون الاستئناس بأيّ نظام إداريّ سابق، كما حدث في الولايات الأخرى، كالشام ومصر والعراق؛ لأن هذه البلاد كانت للبربر منذ أقدم العصور، وكان عمرانها كله بدويًّا، ولم يكن بها قبل الإسلام مُلك ضخم، ولم تستمر فيها الحضارة، حتى تستكمل أحوالها، وبالتالي، لم يسبق تنظيمها إداريًّا وماليًّا إلا على الساحل.

ونتيجةً لذلك؛ فقد كان على العرب الفاتحين أن يتولوا القيام بهذه المهمة التنظيمية الصعبة، بجهودهم الذاتية، في ضوء المفاهيم الإسلامية، وما وصلت إليه خبراتهم وتجاربهم العملية في هذا المجال. فكانت هذه الجهود الضخمة والتجارب العملية، مصدرًا لتطور خبرة الكثير من العرب، وتعميق معرفتهم بأساليب الإصلاح والتنظيم، وكانت عونًا لهم على اكتساب العديد من المهارات الإدارية، فضلاً عن العسكرية.

ثالثًا: تأثُّر السمح بن مالك بالتابعين

لقد نشأ السمح بن مالك، كأبناء جيله في عصره، بين ثلةٍ من التابعين الفضلاء، الذين عاشوا قريبًا من عصر النبوة، وتتلمذوا على أيدي رجال المدرسة المحمدية الأولى، أي الصحابة الكرام، الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وحملوا عنهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  وسُنته، وكانوا أوعية العلم ومصدره بَعدهم، وفي قمته تعليم القرآن والحديث، ثم الفقه والتفسير.

كما كانوا صورةً لهم في رسوخ الإيمان، والتعالي على غرض الحياة الدنيا، والتفاني في مرضاة الله، وحبّهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنَهَل السمح من أخلاقهم، وعِلْمهم، ما شاء الله له أن ينهل، وتربَّى على أيديهم، حتى صار عَلمًا من الأعلام، متشبّعًا بروح التربية الإسلامية السمحة التي تحميه من الزلل، وتهديه إلى صراط مستقيم.

ومما لا شك فيه أن السمح قد تأثَّر ببعض التابعين، الذين قُدِّر له الاختلاط بهم، والسماع منهم، وصُحبتهم في مسيرة حياته، ومما لا شك فيه أيضًا، أن شخصياتهم قد انطبعت في ذهنه، وتركت بصمات واضحة في فكره وسلوكه؛ وذلك بحسب العلاقة مع كلٍّ منهم، ومدتها، وطبيعتها؛ نظرًا لما امتلكه التابعون من وسائل التأثير الروحي والسلوكي والعلمي والفكري واللغوي من جهة، ولاقتناعه بفضلهم وعلوّ كعبهم في العلم والعمل من جهة أخرى. وقد ظلت هذه القناعة ملازمةً للسمح طوال حياته. ومن ذلك:

1- تأثره بالتابعين الذين نزلوا القيروان

ومن التابعين الذين لعبوا دورًا مهمًّا ومؤثرًا في الحياة الفكرية والأخلاقية والروحية في إفريقية والقيروان، في الفترة التي نشأ فيها السمح بن مالك -بَعْد الدور الذي لعبه الصحابة الكرام-: حنش بن عبدالله الصنعاني، ومحمد بن أوس الأنصاري، وعلي بن رباح اللخمي، وسليمان بن يسار المدني أو الإفريقي، وعكرمة مولى ابن عباس. وغيرهم من التابعين الذين دخلوا القيروان، وأقاموا فيها مددًا مختلفة، وعلّموا أهل القيروان كتاب الله وسُنة رسوله، وما يَعلمونه من فِقْه في الدين أو تفسيرٍ لكتاب الله الكريم.

 كما كانت أخلاقهم وسيرتهم وحياتهم أُسوة كريمة، يقتدي بها سكان القيروان، ويغترفون من مَعِينها. فمن أولئك التابعين وغيرهم تلقَّى ناشئة العرب، المولدون وأبناء الأفارقة والبربر الذين شرح الله صدورهم للإسلام؛ القرآن الكريم والسنة النبوية، والتعاليم الدينية، وأهمية التمسك بالحق والجهر به.

وقد يكون السمح أحد أولئك الذين تتلمذوا على أيدي بعض هؤلاء التابعين. صحيح أنه لم يرد في مصادر المؤرخين خبر حول ذلك، ولكننا نعلم أنه كان موجودًا في القيروان أثناء خلافة سليمان بن عبد الملك.

والجدير بالذكر، أنَّ هذا الدور الذي لعبه التابعون المذكورون أعلاه، وغيرهم، كان قبل وصول بعثة الفقهاء العشرة من التابعين، التي أرسلها عمر بن عبد العزيز، في خلافته، إلى إفريقيا؛ لاستكمال مهمة الدعوة والإرشاد، في هذه البلاد.

2- تأثره بالتابعي إسماعيل بن عبيد الله

ومن بين أبرز شخصيات التابعين الذين تأثر بهم السمح بن مالك: التابعي الجليل إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر (61-132هـ). ولا بد أن يكون السمح قد استفاد من علمه وفقهه، واقتدى به في سلوكه وأخلاقه، وتأثر بميزاته وخصائصه.

وبلا شك كان هذا التابعي أهلًا أن يُتَّبع وأن يُقتَدى به؛ فقد كان دَيِّنًا، ذا عقيدة صحيحة راسخة، وكان حَسَن السيرة، وفي غاية الصلاح والتواضع والورع والزهد. وضُرِبَ به المثل في الزهد، وجعله بعضهم صنوًا لعمر بن عبد العزيز في الزهد، ولقد تعلم أهل إفريقية من فقهه وزهده.

كما كان إسماعيل هذا مُعلِّمًا، ذا بلاغة وبيان وإلمام بعلوم العربية، وفقيهًا ثقةً صدوقًا، شديد الحفظ لكتاب الله تعالى، ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتعظيم لهما. وكان يقول: «ينبغي لنا أن نحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  كما يُحْفَظ القرآن؛ لأن الله يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: ٧]».

وقد روى هذا التابعي الجليل عن عدد من الصحابة، منهم أم الدرداء (عن أبي الدرداء) وابن عمرو، وفضالة بن عبيد، والسائب بن يزيد، وأنس بن مالك، وعبد الرحمن بن غنم، وعطية السعدي، وأدرك معاوية، وهو غلام صغير.

وروى عنه خلق، وذكروا اسمه مقرونًا بالثناء، منهم الإمام المجاهد أبو عمرو الأوزاعي (88-157هـ)، وسعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي، وابنه يحيى بن إسماعيل، وغيرهم في المشرق، وعبد الرحمن بن زياد وغيره بالقيروان.

وقد اتخذه الخليفة عبد الملك بن مروان، مُؤدِّبًا ومُعلِّمًا لأولاده من زوجته عاتكة بنت يزيد بن معاوية، وهم يزيد ومعاوية ومروان، ولغيرهم مِن ولده وولد ولده، مثل سعيد ومسلمة ابني عبد الملك، والعباس بن الوليد.

كما أنه استعان به في بعض الأعمال والمهمات المتعلقة بالشأن العام، وكذلك فعل كل من الوليد، وسليمان، ثم عقد له عمر بن عبد العزيز على جند إفريقية، وبها مَن بها مِن قريش وغيرهم، وهو مولى لبني مخزوم.

وقد اهتم السمح بن مالك بصحبة التابعي الجليل إسماعيل بن عبيد الله؛ فقد مُحِبًّا للتابعين، مُعتقِدًا بفضلهم ومكانتهم، وقُربهم من الصحابة. وقد قيَّض الله له أن يُرافقه في بعض مسيرة حياته، وأن يعاشره لسنوات عديدة، وأن يتفقه على يديه، وأن يأخذ عنه من العلم ما شاء الله له أن يأخذ، وأن يتخذ منه قائدًا وهاديًا، وأن يتأثر به فكريًّا وأخلاقيًّا وسلوكيًّا. ولقد قامت المقارنة بين هذين الرجلين الجليلين، فجعلهما أحد المؤرخين المعاصرين نظيرين في الاجتهاد، في ولاية أمور المسلمين. 

3- تأثره بالتابعي والخليفة عمر بن عبدالعزيز

ونضيف إلى ذلك، تأثر السمح بن مالك بشخصية وصفات الولي الصالح عمر بن عبد العزيز، الذي كان له صلة مباشرة به.

وقد قضى السمح إلى جواره في دمشق قبل خلافته وبعدها بعضًا من الوقت، وشهد الكثير من مواقفه المشرفة والمتفانية في خدمة الإسلام والمسلمين. وكانت الأقدار وحدها هي التي جمعت بينهما، وأصبح السمح منذ ذلك الحين موضع ثقة عمر بن عبد العزيز.

ويبدو أن تأثر السمح بن مالك بعمر بن عبدالعزيز كان عميقًا؛ فقد كان يشترك معه في بعض الصفات الخُلقية، لذلك ذكر البعض أن فيه مسحة من عمر بن عبد العزيز. وقد أثَّرت شخصية عمر وسياسته العادلة تأثيرًا بالغًا في حياة العامة وميولهم وأذواقهم ورغباتهم، فما بالك بمَن كانوا على مقربة منه كالسمح بن مالك وغيره.

وقد ظل السمح بن مالك رجلاً مغمورًا، رغم جدارته بالشهرة، إلى أن قيَّض الله له عمر بن عبد العزيز، هذا الأخير الذي كان له الفضل -بعد الله تعالى- في اكتشافه، وإعطائه مكانته الحقيقية الجدير بها. وكان السمح من أولئك الرجال القلائل الذين سعت الشهرة إليهم، ولم يسعوا إليها.

هامش:

تحدثنا مرارًا حول هذه الشخصية في مقالات سابقة، منها:

- يوم عرفة: ذكرى استشهاد السمح بن مالك الخولاني، موقع البيان، رابط:

 https://www.albayan.co.uk/Article2.aspx?id=11195

- مواجهة عسكرية بين المسلمين والفرنجة، موقع البيان، رابط:

https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?id=6758

- السمح بن مالك الخولاني في الذاكرة الإسلامية، موقع البيان، رابط:

https://www.albayan.co.uk/Article2.aspx?id=12212

- السمح بن مالك الخولاني رائد الفتوحات الإسلامية في فرنسا، موقع البيان، رابط:

https://www.albayan.co.uk/Article2.aspx?id=12318

- قصة ظهور السمح بن مالك الخولاني، مجلة البيان العدد 406 جمادى الثاني 1442، ربط:

https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?id=12335

- ذكرى تعيين السمح بن مالك الخولاني واليًا على الأندلس، موقع البيان، رابط:

https://www.albayan.co.uk/Article2.aspx?id=21481

- غزوة الخولاني لمملكة الفرنج الجنوبية وحصار طولوشة، مجلة البيان، العدد 437 محرم 1445 رابط:

https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?id=21474

- رحلة الخولاني من دمشق إلى قرطبة وذكريات فتح إفريقية والأندلس، مجلة البيان، العدد 423 ذو القعدة 1443، رابط:

https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?id=13912

- الأندلس في ولاية السمح بن مالك الخولاني، مجلة البيان العدد 414 صفر 1443، رابط:

https://www.albayan.co.uk/MGZarticle2.aspx?id=13646

أعلى