• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
 العنف المسكوت عنه!

العنف المسكوت عنه!


تدعو الاتفاقيات والمؤتمرات الإقليمية والدولية التابعة للأمم المتحدة، لنبذ ومحاربة أنواع من العنف ضد المرأة، وفق رؤية فلسفية غربية، دون اعتبار للخصوصيات الدينية والأخلاقية والتنوع الثقافي والحضاري لشعوب العالم.. ولأجل هذا جيَّشت فئاماً متنوع المهام من كافة دول العالم، ورصدت الميزانيات، ومارست ضد الدول ضغطاً سياسياً واقتصادياً أرغمها في نهاية المطاف على الالتزام الكلي أو الجزئي المرحلي بما أملته عليها.

تقول د. خديجة حسان: «من المعروف علمياً أن لكل مجتمع ثقافته الخاصة به التي تنطلق منها عاداته وتقاليده وأعرافه ومعتقداته، ومن غير المعقول ولا المقبول أن تأتي أي منظمة وإن خلعت على نفسها مسمى دولية لتلغي ثقافات الشعوب وتضغط بعنف لإحلال نموذج أحادي من الثقافة تعمّمه على الجميع، فالكيان الثقافي المستقل هو إحدى صور الخصائص العلمية المميزة للبناء المجتمعي الإنساني».

في هذه الاتفاقيات أُبرزت جوانب معينة من حقوق المرأة، وسُكت أو حورب كثير من حقوقها الحقيقية التي يثبتها الدين القويم، والعقل، والفطر السليمة.. وسأتناول في هذا المقال جوانب من العنف المسكوت عنه وما يتعلق به من مسائل.

ما هو العنف المسكوت عنه؟

هو الإيذاء الذي يمارس على المرأة أو الفتاة بأنواعه المختلفة، ولا ذكر له في اتفاقيات الأمم المتحدة بكونه عنفاً على المرأة، بل قد يمارس بصورة نظامية حقوقية.

ما أنواع العنف المسكوت عنه؟

إن أنواع العنف المسكوت عنه أكثر من أن تحصر، لكنما سأذكر أهم الأنواع وأبرزها، وهي كالتالي:

1. العنف الديني والثقافي:

وأقصد به التضيق على الحرية الاعتقادية والفكرية للإجبار على الانسلاخ من الثقافة والحضارة المتوارثة حتى غدا ذلك خطراً على الهويات الحضارية، كالحضارة الإسلامية، والهندية، والصينية... وغيرها.

من أمثلة التعدي على الخصوصيات الحضارية التي دعا لاحترامها ميثاق الأمم المتحدة: مادة منمقة تشير إلى أهمية احترام العقيدة والفكر مكونة من سبعة أسطر ختمت بما نقضها كلها بقولهم: «بيد أن من المسلم أن أي شكل من أشكال التطرف سيؤثر سلباً على المرأة ويؤدي إلى العنف والتمييز»[1]!

لكن من ذا الذي يضع عند القائمين على إعلان بكين حدود التطرف؟ أم أن كل ما يعارض أحكامهم وقوانينهم تطرف يقود للعنف والتمييز؟

2. العنف الجسدي:

هو الضرر الذي يمارس على جسد المرأة ويؤدي إلى إرهاقها جراء تكليفها بأعمال تتعارض مع فطرتها وطبيعة جسدهــا.. من أوضح أمثلته:

الدعوة للقضاء على الأدوار النمطية[2]، ويقصد به اختصاص كل من الرجل والمرأة بأعمال معينة تناسب خلقتهما وطبيعتهما النفسية، وينتج عن هذا تكليف المرأة بالأعمال التي لا تناسب قدراتها الجسدية، وذلك من حيث: طبيعة العمل، ومكان العمل، وطبيعة المواصلات، وأوقات العمل.. وأولاء يسوغون هذا النوع من العنف على المرأة بقولهم: «الفروق بين منجزات وأنشطة الرجال والنساء هي نتيجة لأدوار للجنسين مبنية على اعتبارات اجتماعية وليس على فروق بيولوجية ثابتة»[3]! والله تعالى يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} [آل عمران: 36].

وفي المقابل، يدرجون عمل الفتاة دون الثامنة عشرة في منزل أهلها ضمن أسوأ أشكال عمالة الأطفال![4] رغم مناسبته لطبيعة الفتاة وطاقتها واحتياجاتها؛ لأنه يربيها على تبني أدوار نمطية معينة!

3. العنف الجنسي:

وهو إلحاق الضرر بالمرأة بأفعال وسلوكيات ذات إيحاءات جنسية محرمة شرعاً، أو منعها من الحصول على حقوقها الجنسية التي كفلتها لها الشريعة بالزواج.. مثال ذلك: محاربة الأمم المتحدة بمنظماتها ولجانها الزواج المبكر، وتحديد سن أدنى للزواج، بصرف النظر عن رغبة الفتاة فيه، أو حاجتها إليه، أو رضاها عن الزوج[5]. ودس الأنف في أدق تفاصيل حياة الناس، بحجة رفع الظلم عنهم رغماً عنهم، إفك مبين لم تسبق إليه هذه المنظمة:

مهلاً دع الإفك فض الله فاك لقد

بالغت في الفتك حتى فاتك الأرب

4. العنف النفسي:

أعني به إلحاق الضرر بالمرأة من خلال سلوكيات، أو سن قوانين، أو إلغاء أخرى تؤدي إلى إيذائها نفسياً وزعزعة الاطمئنان الذي تحتاج إليه في تحقيق الاستقرار النفسي.. ومن أمثلته:

- سن الاختلاط بالرجال في العمل والتعليم، فقد أثبتت النتائج المتكررة المتطابقة للدراسات الطبية والنفسية، أن الاختلاط في التعليم بين البنين والبنات عائق عن التحصيل العلمي؛ لعدم اعتبار الخصائص والفروق الفردية بين البنات والبنين في التعليم والتدريب[6]. ومع هذا تنص «سيداو» على ضرورة توفير التعليم المختلط[7]!

كذلك يشهد الواقع بأن الاختلاط في مواقع الدراسة والعمل أحد أهم أسباب التحرش الجنسي والاغتصاب، وما يلحق بهما من تبعات نفسية وصحية. كتبت إحدى المجلات الأمريكية تقول: «عوامل شيطانية ثلاثة يحيط ثالوثها بدنيانا اليوم، وهي جميعها في تسعير سعير لأهل الأرض...»، وذكرت منها: «انحطاط المستوى الخلقي في عامة النساء، الذي يظهر في ملابسهن، بل في عريهن، واختلاطهن بالرجال بلا قيد ولا التزام»[8]، «ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال: أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام، والطواعين المتصلة. ولما اختلط البغايا بعسكر موسى، وفشت فيهم الفاحشة؛ أرسل الله إليهم الطاعون، فمات في يوم واحد سبعون ألفاً، والقصة مشهورة في كتب التفاسير. فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا، بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات، ولو علم أولياء الأمر ما في ذلك من فساد الدنيا والرعية - قبل الدين - لكانوا أشد شيء منعاً لذلك»[9].

- إلغاء خصوصية الولاية والقوامة بولي المرأة[10] ومساواتها بالرجل في الحقوق والفرص والوصول إلى الموارد[11]، وإقحامها قسراً في شراك التنافس مع الرجل بدعوى المساواة يرهقها بدنياً ونفسياً، ويحطم إمكاناتها وقدراتها في المجالات الخاصة بها والتي تبرز تفوقها فيها.

- تصوير علاقتها بالرجل على أنها علاقة صراع وعداء تاريخي، والسعي لفرض نظم اجتماعية وقيمية ضاغطة تدفعها للتمرد على الأب والزوج والابن، وذلك من خلال اعتبار مؤسسة الزوجية صيغة تطبيع لاضطهاد المرأة.. قالت روبين مورجان: لا يمكننا تدمير الفروقات بين الرجال والنساء دون أن ندمر مؤسسة الزوجية. وورد في إعلان العنف ضد المرأة الصادر سنة 1993: «العنف متجذر ضد النساء والفتيات في عدم المساواة التاريخية والهيكلية في علاقات القوة بين المرأة والرجل، واستمرت في كل بلد في العالم، ما يشكل انتهاكاً فادحاً للتمتع بحقوق الإنسان».

- حرمانها من الأمومة الكاملة، وذلك من خلال تحقير دورها العاطفي والتربوي تجاه أبنائها، وحرمانها من الاستمتاع بغريزة الأمومة، والتعدي على حقوقها في الأمومة والإنجاب بفرض تحديد النسل واضطرارها للخروج للعمل.

5. العنف المالي:

ومنه الدعوة لمنعها من حق النفقة الذي أوجبه الإسلام على أوليائها الذكور، أو من مخصصات الدولة المالية[12].. ومن الأمثلة العجيبة أنهم يجعلون اختصاص الرجل بالنفقة على مولياته تمييزاً! والتمييز عندهم يفضي بالضرورة للعنف! ثم ينادون برفع العنف عنها بتخليها عن حقها الذي فرضته لها الشريعة من مال وليها، أو مال بيت المسلمين، وخروجها للضرب في الأرض كما يفعل الرجال سواء بسواء كي تنفق على نفسها! كذلك مطالبتهم بإلغاء المهر لأنه تمييز! فأي ظلم للمرأة أظهر؟ وبأي عقل يفكر هؤلاء؟

لا تعذليه فإن العذل يولعه

قد قلت حقاً ولكن ليس يسمعه

6. العنف الصحي:

وهو إلحاق الضرر بصحة المرأة من خلال سن القوانين ودعم الممارسات المحرمة شرعاً.. من أمثلته:

- الدعوة لتوفير الإجهاض الآمن، فليس ثمة إجهاض آمن في الواقع، فهم وإن سموه آمناً فذا منكر من القول وزور، إذ له انعكاسات قوية ومؤثرة على الصحة الجسدية والنفسية المستدامة؛ كالإصابة بسرطان الثدي، والاكتئاب الذي قد يقود للانتحار[13].

- الدعوة لنشر ثقافة الجنس الآمن[14]، كذلك ليس ثمة زنا آمن، والواقع يشهد بتفشي الأمراض الجنسية والنفسية في الدول التي يشيع فيها الزنا رغم تطورها وعنايتها بالجوانب الصحية [15]، ومع ذلك جاء في تقرير شعبة الارتقاء بالمرأة التابعة للأمم المتحدة: «من حق الفتاة تحديد متى وكيف تصبح ناشطة جنسياً»[16]، وفي هذا دعوة للزنا والشذوذ معاً. في مقابل هذا يجرم الزواج والإنجاب المبكر! وفي ذات التقرير جاء: «يعد التركيز الشديد على عذرية الفتاة وخصوبتها كبتاً جنسياً، ويعدّ شكلاً من أشكال التمييز ضد الطفلة الأنثى»[17]!

- تجويز ودعم المثلية في الزيجات[18]، وعدّ محاربة الشذوذ عنفاً مبنياً على الجندر! رغم المشكلات الصحية والنفسية التي تترتب على مثل هذا السلوك المرذول.

- سكوتهم عن إباحة الخمور التي تعد السبب الأول في حالات العنف الأسري، وحوادث الطرقات، وحالات الاغتصاب، والقتل العمد!

تَناقُضٌ ما لنا إِلّا السُكوتُ لَهُ

وَأَن نَعوذَ بِمَولانا مِنَ النارِ

ما تبعات السكوت؟

- جعل الحاكمية لاتفاقيات الأمم المتحدة:

بدلاً من أن تكون للشرع الحاكمية والسيادة في مسائل المرأة، وتحديد الجائز من المحرم، والعنف من غيره؛ تحول الأمر ليكون ألعوبة تحت تصرف الأمم المتحدة، وأضحت الدول الإسلامية تنافس غيرها في التوقيع والانضواء تحت ركاب المنفذين لها، ضاربين بشرع الله تعالى عرض الحائط.

- انتهاك السيادة:

أصبح مصطلح العنف وسيلة للتدخل السافر في شؤون الدول وقوانينها، حتى بلغ الأمر في ذلك لسن إجراء ضمن البروتوكول الملحق بـ «سيداو» يمنح المرأة الحق في الشكوى إلى لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة حول انتهاكات أحكام اتفاقية «سيداو» من قبل حكومتها، وآخر يمكن اللجنة من توجيه الأسئلة حول الانتهاكات الخطرة أو المستمرة لحقوق المرأة الإنسانية في الدول[19].

ما دور المسلمين تجاه العنف المسكوت عنه؟

ومما سبق تظهر ضرورة التصدي له، ووقاية مجتمعات المسلمين منه، ومن الأساليب المتاحة:

• المساهمة في رفع الظلم عن المرأة عن طريق العلاقات العائلية لقطع الطريق أمام من يتخذون نصرة النساء سبيلاً لتبديل دين الله.

• استنهاض النخب الأكاديمية والدعوية لا سيما أصحاب الأقلام المميزة على الشبكات الاجتماعية، لتسليط الضوء على أنواع العنف المسكوت عنه.

• إقامة محاضن علمية للشابات من أجل توعيتهن بحقوقهن وواجباتهن وأشكال العنف الذي يمارس ضدهن.

• تبني هيئات كبار العلماء والجمعيات والهيئات الإسلامية الحكومية وغير الحكومية، تعريفاً محدداً لمصطلح العنف ضد المرأة موافقاً للدين الإسلامي وثقافات البلدان الإسلامية، ووضع معايير ثابتة واضحة للحكم على حالات العنف ضد المرأة ومقاضاتها.

كَذا فَليَسرِ مَن طَلَبَ الأَعادي

وَمِثلَ سُراكَ فَليَكُنِ الطِلابُ

 

** ملف خاص ( عنف الأمم المتحدة ضد المرأة )

:: مجلة البيان العدد 310 جمادى الآخرة 1434هـ، إبريل - مايو 2013م.


[1] المادة الرابعة والعشرون في الفصل الثاني من إعلان بكين.

[2] منهاج عمل بكين، المادة الثالثة والثلاثون في الفصل الثاني.

[3] المادة السابعة والعشرون من الفصل الثاني في إعلان بكين.

[4] تقرير لجنة خبراء «القضاء على كافة أشكال العنف والتمييز ضد الطفلة الأنثى» (2007).

[5] المادة السادسة عشرة (2) في اتفاقية سيداو.

[6] يرجع إلى: كتاب الاختلاط في التعليم، للباحث إبراهيم الأزرق، بتصرف.

[7] الجزء الثالث، المادة العاشرة (ج).

[8] في ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب، 2/ 636.

[9] الطرق الحكمية للإمام ابن القيم، ص 239.

[10] المادة السادسة عشرة (1/و) في اتفاقية سيداو.

[11] نصت على هذا المادة الخامسة عشرة في إعلان بكين، والمادة الثانية (أ) في اتفاقية سيداو.

[12] قال ابن قدامة: مال بيت المال مملوك للمسلمين [المغني (6/204)]، وقال الشوكاني: بيت المال هو بيت مال المسلمين، وهم المستحقون له [السيل الجرار (3/333)].

[13] خطايا تحرير المرأة، ص 154.

[14] نصت على هذا المادة السابعة عشرة في إعلان بكين.

[15] خطايا تحرير المرأة، كاري لوكاس، ص 65.

[16] تقرير قسم الارتقاء بالمرأة 2007م.

[17] تقرير قسم الارتقاء بالمرأة 2007.

[18] أشارت إلى ذلك المادة التاسعة والعشرون في الفصل الثاني من منهاج عمل بكين.

[19] البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية سيداو (1999).

أعلى