الميزة التنافسية للمؤسسات الخيرية
الميزة
التنافسية هي القيمة المضافة التي تبني عليها المنظمات إستراتيجيتها، فتُميزها عن
غيرها، وهي الفرقُ الذي يُحدِثُ الفرقَ، بل تُعرَّف الإستراتيجية بأنها: (الميزة
التنافسية)[1]؛
لأن الغاية من وضع إستراتيجية ما، هي: تحقيق التقدُّم على المنافسين في مجال
معيَّن، في وقت محدَّد، وأيما مؤسسة اختارت التخطيط الإستراتيجي طريقةً من طرق
التخطيط[2]،
فعليها أن تفكِّر بجدٍّ في موضوع التنافس.
في عالم المنظمات الربحية يتضح مفهوم الميزة التنافسية بجلاء، وتدرك الشركات أن
الزبائن لا يُقْدمون على شراء سلعهم مع وجود سلع شبيهة؛ إلا لوجود ميزة: إما في
السعر، أو الوفرة، أو الجودة، أو خدمات ما بعد البيع، أو في العلامة التجارية، أو
غير ذلك. فيظل شغلها الشاغل هو التفكير في المواقف الإستراتيجية التي تضمن لها
تفوقاً مستمراً على المنافسين، على المدى القريب والبعيد. وتصبر على ذلك، وتنفق
كثيراً لأجله؛ لعلمها أنَّ الفشل في هذا يلزم منه التأخُّر، أو الخروج من لعبة
التنافس بالكلية.
وتدقُّ مفاهيم صناعة الميزة التنافسية عند مؤسساتنا الخيرية، فتكاد ترى أغلبها
نسخاً متطابقةً، على مستوى ما تقدمه من برامج ومشروعات، ومستوى جودة تقديم هذه
البرامج، وطريقة التعامل مع المستفيدين، والمستوى المهني لعامليها. وإذا ذُكر
التنافس، تظهر أدبيات مثبطة، منها - على سبيل المثال -:
1 - القول بأن المؤسسات الخيرية تقدم خدمات مجانيةً:
وأن القطاع المجاني لا داعي فيه لإظهار ميزة تنافسية! فأيّاً ما كان فسيجد من ينتفع
به، وهذا مزعم تنقصه الدقة؛ فالقطاع الخيري لا يقدِّم خدمات مجانية، بل يأخذ مقابل
الخدمة التي يؤديها قيمةً معنويةً تربو في كثير من الأحيان على القيمة المادية التي
يأخذها القطاع الربحي مقابل السلعة: من بهجةٍ في الروح وهناءةٍ في البال، وطمأنينةٍ
في النفس، وإيواءٍ إلى عون الله - تعالى - الذي يعين من يعين عباده، وإن القيمة
النهائية المنتظرة من تلقِّي المستفيد خدمات المؤسسات الخيرية - في تقديري - أوفر
في احتياجها إلى قيمة مميزة، من تلك التي تقدِّمها المنظمات الربحية. ومع هذا كله
فإن كثيراً من العاملين في المؤسسات الخيرية يتقاضَوْن على أعمالهم أجوراً ورواتب.
إن خطورة هذا الاعتقاد بعضه يكمن في أنه لن تراعي المؤسسات التي يسود فيها مثله
جودةَ الخدمة، وربما تتعامل مع المستفيدين المباشرين على أنهم يتسوَّلون خدماتها،
لا أنهم (زبائن) حقيقون بخدمةٍ أنيقةٍ تستبقيهم، وأنهم يستحقون الشكر إذ خصُّوا
المؤسسة بحاجتهم، كما قد يظهر تشويه لمن يحرص على بناء ميزةٍ تنافسيةٍ، وصفاً
بالتكلف أو (اللعب) بأموال المانحين! ومن ثَمَّ يكون مستوى عام من تدني الكفاءة،
بداعي التقشُّف والورع، وهو وازعٌ مطلوب ولا شك؛ إلا أن يتجاوزَ حدَّه، ويدخل في
التقتير حتى على الموارد الضرورية التي لا يتم الواجب إلا بتحسينها.
2 - العمل الخيري عمل تكاملي ولا يجب أن يكون فيه تنافس:
لعل هذا الطرحَ ينظرُ فيه قائلُه إلى ما يُتوَقع من جراء المنافسة دون تفريق بين
(آثار التنافس) و (الميزة التنافسية)، أمَا غير ذلك فلا يُظنُّ أن من شروط التكامل
أو الشراكات الفاعلة أن لا تحوز الأطراف المتشاركة ميزات تنافسية. إن من أهم
الدواعي التي تحمل الأطراف القوية على التحالف هو ظهور ميزات تنافسية تميز شركاءهم
عنهم؛ وإلا فلا يرغب أحدٌ في شريك ضعيف يقعد به عن التقدم، بل يرجو غالب من يعمل في
إطار يتطلب شراكة حقيقية أن يعقدها مع شريك قويٍّ يفيد من ميزاته. وعلى هذا فمحرِّض
التميُّز في إطار الشراكة والتكامل أقوى منه في الأطر التي لا تتطلب ذلك؛ إذ
الشراكةُ لا تعني الذوبان في كيان واحد، بل تعني وجود كيانين مميزين. ومن جانب آخر،
ما من مؤسسة خيرية إلا وترغب - حقاً - في دعم سخي يصلها من المتبرعين، وتبذل من أجل
ذلك أعمالاً، وتقدم تقاريرَ، وتضع موازناتٍ مناسبةً لمشروعاتها خشية أن يرفضها
المانح، وترى أنها تقدِّم خدمةً للمستفيدين تجعلها جديرة بتلقي الدعم كغيرها،
ولربما أجدر من غيرها. فهي إذن تمارس بشكل أو بآخر طرائق تُظهر بها ميزة تنافسية عن
غيرها من المؤسسات، ومع ذلك، يدخل بعضها في شراكات قوية وفاعلة؛ فأين معيقات
التكامل إذن؟
3 - يواجه المسلمون تحديات كبيرة، وسنحتاج لأي مؤسسة - مهما كانت - لسد الحاجة:
وهذا كالأول يستند على حاجة المستفيد، فيشجع على نشوء أجسام - وإن ضعفت - لتغطية
الفراغ الكبير في ديار المسلمين، ويُنسى أن كياناتٍ كثيرةً ضعيفةً، لا تنهض
بميزاتٍ؛ إنما هي في الختامِ عبءٌ على مجموع العمل الخيريِّ؛ إذ ستتحول في الغالب
أمثال هذه المجموعات - التي تنشأ بأي شكل كان وتعمل كيفما اتفق - إلى عيال على
المؤسسات الخيرية الكبيرة، وستجهد هذه الكيانات الضعيفة لإثبات وجودها، وسيتحول
الجهد الذي ينبغي صرفه إلى القيام (بالخدمة) وتحقيق الرسالة، إلى جهد يبذل من أجل
البقاء فحسب، والرهق لتحصيل الموازنات التسييرية.
4 - قد يورث تحري الميزة التنافسية شقاقاً بين المؤسسات الخيرية في وقت هي أحوج ما
تكون فيه إلى الوحدة:
وهذا كالثاني، يستند إلى احتمال نشوء أثارٍ سلبيةٍ من الميزة التنافسية كالتحاسد
والتنافر، وهي احتمالاتٌ واردةٌ كاحتمال ورودها في سائر أحوال الناس التي تتفاوت
قرباً وبعداً من النِّعَم، غير أنَّ خوف أثر الحسد لم يكن في يوم داعياً إلى ترك
العمل الحسن، أو دافعاً إلى البقاء على وضع يسوء، بل سائر مواقف سادات البشر من
الأنبياء والأصحاب - وهم خير من عمل لهذا الدين خدمة وفداءً - إنما هي تمثُّلٌ
للمسارعة والمسابقة في الخيرات، وعندما نقرأ المعوذتين نستحضر أن هذه النوازع التي
ترتبط بجنس البشر لا سبيل إلى دفعها إلا بحسن اللجوء إلى رب الفلق والناس سبحانه،
فإن ظهرت معالم التباغض والحسد بدافع الطبع، فلا مناص من مدافعتها بوازع الشرع
كسائر الآفات التي تعتري الناس، فتقعد بهم عن سواء الصراط؛ وذلك فضل الله يؤتيه من
يشاء والله واسع عليم.
ويجدر التنبيه على أنه ثمة فروق جلية بين مفهوم التنافس عند المؤسسات الخيرية وتلك
التي تتعامل بالربح المادي، نأمل أن تظل عاصمات مما يحذرُه المشفقون على العمل
الخيري أن يصيبَه مثل ما يصيب المنظمات الربحية، منها:
1 -
أن المؤسسات الخيرية حينما تتنافس، يستحضر عاملوها - وهو الظنُّ بهم والله حسيبهم -
الأجرَ المترتبَ على عبادة خدمة الناس، وأن «أحب الناس إلى الله أنفعهم»[3]،
و (أنفع) هذه: صيغة تفضيل كما لا يخفى، تدعو إلى التفكير في التميُّز في الخدمة
المقدَّمة.
2 -
أن تنافسها في ما بينها بعيد كل البعد عما قد يذهب إليه بعض المتجهين ربحياً، من
عمل لإفناء المنافس وإخراجه من نطاق المنافسة، وبذل مجهودات كبيرة تجسساً لتقصي
أحوالهم وكشف أسرارهم، وغيرها من أمراض، بل تنافُسها هو تنافس تربح فيه كل الأطراف،
كلٌ على قدر توفيق الله - تعالى - له، ثم جده واجتهاده في تحصيل عوامل استدامة
التفوق.
3 -
معرفة العاملين في المؤسسات الخيرية أن الناس في الآخرة - على قدر أعمالهم - درجات،
وأنَّ الجنة درجات وجنان، وأن الترقي في درجاتها - بعد رحمة الله وفضله - رهين
إحسان العمل:
{هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَانُ}
[الرحمن: 60]، وأن التنافس بينهم ليس في حطام ولُعاعات؛ إنما في (معالي الأمور
وأشرافها)[4]:
{خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْـمُتَنَافِسُونَ}
[المطففين: 26].
4 -
استحضارهم لأحوال خير البشر بعد الأنبياء: أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد، وهم
يصطفون جسماً واحداً للقاء عدوِّهم، ومع ذلك يظهر بينهم من التفاوت في الشجاعة
والرغبة في الشهادة والشوق إلى الجنة، ما يحمل على النظر في تنافسهم على الخير
بتأمل، رغم مقابلتهم لعدو واحد، وهذه الحال أراها شبيهة بحال المؤسسات الخيرية وهي
تقابل فئاماً من المنصِّرين والمفسدين، أو تواجه عدوّاً غير منظور كالكفر أو الفقر
أو الجهل أو المرض.
كيف تَنْتُج الميزة التنافسية:
يذكر المتخصصون في الإستراتيجية أنَّ الميزة التنافسية للمنظمات الربحية - خدمية
كانت أو انتاجية - تتأتى عن حالتين:
الأولى: التميز في التكلفة.
الثانية: التميز في اختلاف المنتج عن غيره.
وتنتج عن هاتين الحالتين ثلاث إستراتيجيات كبرى للتنافس، هي:
1 -
إستراتيجية التكلفة المنخفضة: وتُتَخذ هذه الإستراتيجية عندما تكون هناك فرص مساعدة
على تقليل التكلفة، مع وجود زبائن واعين للسوق.
2 -
إستراتيجية تميز المنتج أو الخدمة: تقديم سلعة متميزة، وخدمات ما بعد التقديم،
وغيرها من ميزات يصعب على المنافسين محاكاتها.
3 -
إستراتيجية التركيز: استهداف شريحة محددة، أو التركيز على مجال محدد تتميز فيه
المؤسسة، أو نطاق جغرافي معين وغيرها[5].
وتختار المنظمات إستراتيجيتها من الخيارات الثلاثة، أو من مزيج منها؛ وهو ما يُحدث
لها تفوقاً على منافسيها حسب ما لها من إمكانات، ووفق نتائج تحليلها للبيئة التي
تحيط بها، والتي منها: ضغط قوى التنافس.
وغالباً ما تتجه المؤسسات الخيرية إلى الإستراتيجية الأولى: وهي التكلفة المنخفضة.
والواقع أنَّ القيمة التنافسية الحقيقية التي تبنى على مدى طويل لا تقتصر على
التنفيذ بكلفة منخفضة فحسب؛ بل سيهتم أصحاب المصلحة بالاعتبارات الأخرى، إن عاجلاً
أو آجلاً؛ لا سيما مع ظهور تقنيات جديدة تمكِّن من التنفيذ بجودة أكبر وتكلفة أقل،
أو مع وجود سياسات أكثر تحديداً للمؤسسات الخيرية لتنفذ أعمالها على مستوى معيَّنٍ
من الجـودة، أو ظهور فئات تتطلب أعمالاً مخصوصة، وغيرها، كما أن سياسة خفض التكاليف
- إلى جوار أنها مدعاة للتنفيذ منخفض الجودة - هي كذلك مدعاة لتحول التنافس إلى
صراع؛ إذ سيتجه المانحون إلى دعم المؤسسات التي تعطي تكلفة أقل دائماً! وكما سبق،
أيّاً ما اتجهت المؤسسة إلى التركيز على إستراتيجية ما فإنها ستتعرض بشكل أو بآخر
إلى ضغط من القوى المؤثرة على التنافس.
القوى المؤثرة على التنافس في المؤسسات الخيرية:
كما تتنافس المنظمات الربحية على طرفين هما: الموردون والزبائن، وتصمم عملياتها
لجذب أكبر قدر من الزبائن، ولاستبقاء علامتها التجارية حاضرة عند كل زبون، وتستهدف
مورِّدين ثابتين يتعاملون معها بقدر جيد من التسهيلات، كذلك تتنافس المؤسسات
الخيرية على طرفين مهمين:
1 -
المستفيدين المباشرين: وهي المجموعات المستفيدة من خدمة المؤسسة الخيرية، وتتلقى
دعمها المباشر.
2 -
المانحين: وهي المجموعات المانحة التي تستفيد من المنظمة في توصيل دعمها إلى
المستفيدين.
وتعتبر المؤسسات الخيرية وسيطاً فاعلاً بين المانحين والمستفيدين المباشرين؛ حيث
تتلقى الدعم من المانح لتقوم بتوصيله إلى مستفيدين محدَّدين.
وتعمل المؤسسات الخيرية لإيجاد قيمة تجعل المانحين يثقون بها باستمرار، وتجعل
المستفيدين المباشرين يرضون عن خدماتها التي تقدِّمها لهم، ومن ثَمَّ تضمن مزيداً
من الدعم من المانحين،الذين صار بإمكانهم - مع تطور وسائل الاتصال - متابعة أثر
دعمهم مباشرة لدى المستفيدين المباشرين، ويمكن أن نتصوَّر العلاقة بين المانحين
والمؤسسة الخيرية والمستفيدين المباشرين كالتالي:
1 -
يتدفق الدعم إلى المؤسسة الخيرية من المانحين، ويصل إلى المستفيدين المباشرين على
شكل برامج ومشروعات عن طريق المؤسسة من خلال متابعة موظفيها، وتسخير إمكاناتها
لذلك. وهو ما يجعل حجم الدعم القادم من المانح يذهب جزءٌ منه في ما يسمى
«بالمصروفات الإدارية»، ويُعَوَّض هذا النقص في صورة معنوية، تظهر على شكل قيمة
يتلقاها المستفيدون، وهذه النقطة فارقة في تنافس المؤسسات الخيرية على المانحين:
أيُّ المؤسسات تستهلك مصاريف إدارية أقلَّ لتنتج قيمة أعلى للمستفيد؟
2 -
يتلقى المانحون تقارير الأداء من المؤسسات الخيرية عن مسار دعمهم، ولكنهم لا يكتفون
في الغالب بهذه التقارير؛ بل توافر عندهم من الوعي ما يجعلهم يَقْدُمون مباشرة إلى
حيث المستفيدون المباشرون ليقفوا على درجة استفادتهم، الأمر الذي سينعكس على
العلاقة بينهم وبين المؤسسة الخيرية، سلباً أو إيجاباً.
3 -
يتواصل المستفيدون المباشرون مع المؤسسة الخيرية لكونهم مصدر الدعم المباشر لهم،
ولكن قد يغريهم تواصل المانحين معهم أحياناً بأن يتواصلوا هم كذلك معهم، الأمر الذي
سيسبب (في بعض الحالات) ضغطاً على المؤسسة الخيرية . ولكن المانحين في الغالب لا
يسمحون بتواصل مستمر بينهم وبين المستفيدين المباشرين؛ لكونهم ينفقون على إدارة
التواصل تكاليف معيَّنة للمؤسسات الخيرية، ويرضون باقتطاعها مصروفاتٍ لتكفيهم مؤنة
المتابعة المباشرة، وهو ما يوازن الضغط في هذا الجانب. وعلى هذا فإن القوى التي
تؤثر على مسار التنافس لدى المؤسسات الخيرية، هي:
1 -
ضغط المانحين: وتؤثر عليه عوامل، منها: حجم التكاليف، وجودة المخرجات، وفاعلية
التواصل، وسمعة المؤسسة الخيرية.
2 -
ضغط المستفيدين المباشرين: وتؤثر عليه درجة الرضا عن الخدمة المقدمة.
3 -
ضغط المنافسين المحتملين: وتؤثر عليه درجة مناسَبَة التكاليف التي تنفِّذ بها
المؤسسة برامجها، وسمعة المؤسسة الخيرية وصورتها الذهنية لدى المانحين.
ويمكن تلخيص القوى المؤثرة على مسار التنافس في المؤسسات الخيرية في الشكل التالي:
وعند النظر إلى هذا العلاقات على أنها منظومة ترتبط أجزاؤها ويؤثر بعضها على بعض،
فسنجد ما يلي:
1 - العلاقة بين ضغط المانحين وضغط المستفيدين طردية (+)،
إذا زاد أحدها زاد الآخر، وإن نقص أحدها نقص الآخر، مثلاً: عندما تنفذ المؤسسات
التي تتخذ سياسة الجودة أعمالها بتكلفة أكبر، يزيد ضغط المانح المطالب بتقليل
التكاليف، ويزيد احتمال تحوُّل المانح إلى مؤسسة أخرى منافسة تطرح تكاليف أقل،
والعكس صحيح؛ فعندما يقل ضغط المانح لكون المؤسسة تنفذ بتكاليف مناسبة وجودة
معقولة، فإن ضغط المؤسسات المنافسة يقل، وستحاول المؤسسات المنافسة دائماً طرح عروض
أفضل للمانحين لتجتذب دعمهم.
2 - العلاقة بين ضغط المانحين وضغط المستفيدين عكسية (-)،
إذا زاد أحدها نقص الآخر، وإن نقص أحدها زاد الآخر؛ فعندما تقوم المؤسسة الخيرية
بتنفيذ مشروع بجودة عالية وتكلفة أكبر، فإنها تزيد من ضغط المانحين عليها، ولكنها
تُرضي المستفيدين المباشرين، والعكس صحيح، عندما تنفذ المشروعات بتكلفة أقل وجودة
أقل، فإنها تزيد من ضغط المستفيدين المباشرين وتقلل من ضغط المانحين.
3 - العلاقة بين ضغط المستفيدين المباشرين والمنافسين المحتملين طردية (+) كذلك،
وهنا نقطة فارقة بين العلاقة بين المستفيدين المباشرين والمانحين، وهي نقطة لالتقاء
عوامل متداخلة ولكنها حاسمة، وهي: مناسبة الخدمة وجودتها وتكلفتها، إلى جوار عامل
مهم آخر وهو سمعة المؤسسة.
إذن لا مناص للمؤسسات الخيرية إن رغبت في تحقيق ميزة تنافسية متكاملة أن تعتبر كل
القضايا آنفة الذكر، وتضيف عليها القيمة الحقيقية التي تميز المؤسسات الخيرية عن
المنظمات الربحية؛ ألا وهي قيمة صحة المقصد والتوجُّه، لتصير المعادلة المتكاملة
المقترحة للميزة التنافسية للمؤسسات الخيرية كالتالي:
الميزة التنافسية المتكاملة = مقصد صحيح + قيمة عالية للخدمة + عمليات كفؤة + قدرة
إنتاجية مستمرة.
حيث يتجه المقصد الصحيح إلى تخليص المؤسسة من مشكلات التنافس آنفة الذكر، وتتجه
القيمة العالية للخدمة إلى الاهتمام برضا المستفيدين من خلال مكونات محددة، وتتجه
العمليات الكفؤة إلى الجودة، وتتجه القدرة الإنتاجية إلى استدامة النجاح.
ولنقف مع مكونات هذه المعادلة:
المكون الأول: تصحيح المقصد الكلي وتحري نية التعبُّد ورجاء ما عند الله - تعالى -
من ثواب:
وهذا فرق جليٌّ بين من يعمل في سبيل الله، وذلك الذي يعمل لغرض وإن أجاده، وعند
استحضار قول الحقِّ - سبحانه
-: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإنَّهُمْ
يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ
اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}
[النساء: 104]، يظهر الفرق المذكور، حيث ينبغي على المؤسسات الخيرية أن تستفرغ
جهدها في الإعداد، وتجد في أمورها الفنية، وتبذل ما يعينها على التفوق،وتنفق على
ذلك، كما يبذل غيرها من الذين لا يرجون لله وقاراً سياحة على الكوارث واستغلالاً
للبسطاء، ولكن يظهر الفرق في المقاصد والغايات، وأيّاً ما كان التنافس بين المؤسسات
الخيرية في ما بينها، فعليها أن تتذكر مقاصدها النهائية، وأنَّ الأعداء الذين يجب
صدهم ودفعهم كثر، فلا يشغلها التنافس على التحسين، عن الواجب في المواجهة. وتقي
صحةُ المقصد العاملينَ في المؤسسات - إن شاء الله - من الوقوع في آفات الفرقة
والتنازع، وتجعل قيامها على التجويد والتحسين قربةً لا رياءَ فيها ولا سمعة.
المكون الثاني: صناعة قيمة عالية للخدمة عند المستفيدين:
وتنتج القيمة العالية من الخدمة لدى المستفيد عند الاهتمام بأجزاء ثلاثة، تستهدف
المانحين والمستفيدين المباشرين، وهذه الأجزاء هي:
1 - سمات الخدمة.
2 - السمعة والصورة الذهنية.
العلاقات.
ولكل جزء من أجزاء هذه المعادلة مكونات داخلية يمكن تلخيصها في الجدول التالي:
الأجزاء |
المكونات |
التفاصيل |
سمات الخدمة |
المناسبة |
ويعني بها في هذا الإطار تحري مناسبة الخدمة التي تقدمها المؤسسة
الخيرية للقطاع الذي اختارته لتعمل فيه. |
الجودة |
مراعاة مستوى الجودة الذي تقدم به الخدمة للمستفيد المباشر ومستوى جودة
العمليات. |
التكلفة |
مناسبة تكلفة العمليات التي تنتج الخدمات
(كلفة
المشروعات
-
كلفة الخدمات والبرامج...). |
السمعة |
الصورة الذهنية |
حُسْن سمعة المؤسسة لدى كافة أصحاب المصلحة. |
العلاقات |
الاستجابة |
درجة استجابة المؤسسة لحاجيات المستفيدين المباشرين، ودرجة استجابتها
لحاجيات المانحين. |
الوقت |
سرعة تقديم الخدمة للمستفيدين المباشرين، وسرعة تلبية متطلبات المانحين
(الوصول
لمنطقة محددة، التقارير، سرعة تنفيذ البرامج والمشروعات...). |
المكون الثالث: الاهتمام بالعمليات التي تحقق ميزة تنافسية حقيقية:
لا يتأتى لمؤسسة ما أن تحقق ميزة تنافسية عالية ما لم تهتم بالطرُق والأساليب التي
تؤدي بها العمل؛ وهو ما يعرف في أدبيات التخطيط الإستراتيجي بالعمليات الداخلية
Internal
Business
Processes
وهو أحد أهم الأركان التي يتأسس عليها العمل الإستراتيجي المتوازن. وهناك جوانب
مهمة في هذا المنظور يجب مراعاتها وهي:
الجانب |
تعريف مختصر |
الخطوات المطلوبة في الجانب |
جانب العمليات الأساسية |
هي الأعمال الأساسية، التي يقوم العاملون بالمؤسسة الخيرية بادائها من
خلال مواقعهم الوظيفية |
• التصميم: لبرامج ومشروعات يهتم بها المانح، وتفيد المستفيد المباشر،
وتنبع من رؤية المؤسسة.
• التسويق: وضع البرامج والمشروعات في قوالب متميزة تجذب المانحين،
وتعظِّم قيمة الخدمة التي تقدمها المؤسسة الخيرية عند أصحاب المصلحة
(الحكومة، المواطنين، الجهات المساندة، الشركاء...).
• التنفيذ: تنفيذ المشروعات والبرامج من خلال وحدات العمل داخل المؤسسة
بالجودة المطلوبة والتكلفة المناسبة .
• المتابعة: أثناء تقديم الخدمة وبعدها. |
جانب المستفيدين |
هي الأعمال التي تقوم بها المؤسسة الخيرية لتحقيق رضا المستفيدين
بتعميق العلاقة معهم |
• الاختيار:
اختيار الفئة المستهدفة من العمل
(المستفيدون
المباشرون)،
وتحديدهم بدقة، وتحديد الداعمين والمانحين المتوقعين للبدء في إحداث
علاقة مستمرة معهم.
• كسب الفئة المستهدفة:
وذلك من خلال تلبية متطلباتهم، اختيار مستوى الخدمة المقدمة ومناسبتها
لنوعية المستفيدين ومناسبة كلفتها للمانح.
• استبقاء المستفيدين:
وذلك من خلال تمتين العلاقة مع المانحين والمستفيدين المباشرين،
بالتواصل الفاعل، والإشراك في القرارات. |
جانب التطوير والابتكار |
وهي الأعمال التي تمكِّن المؤسسة من ابتكار خدمات ومبادرات جديدة
وتطويرها، أو تطوير عمليات نوعية |
• الاكتشاف المستمر:
البحث عن المستفيدين أو المجالات التي يمكن للمؤسة أن تغطيها.
• الاهتمام بالبحوث والدراسات:
بحيث تجعل المؤسسة وحدة مهتمة بالبحوث والدراسات والإحصاءات التي تساعد
على تطوير الخدمة.
• التطوير:
التفكير في الأنماط التي يمكن أن تجعل المشروع أو الخدمة أو المنتج
الخيري أكثر فائدة للمستفيد المباشر وأقلَّ كلفة على المانح. |
المكون
الرابع:
الاهتمام بالقدرات الإنتاجية للمؤسسة:
وذلك من خلال:
1 -
بناء قدرات العاملين:
وذلك بتدريبهم وتأهيلهم باستمرار لما يمكِّنهم من تحقيق غايات المؤسسة، وتعزيز هذه
المهارات بالتعلم المستمر.
2 -
تأسيس بنية معلوماتية شاملة:
وذلك بتجويد النظم المعلوماتية الداخلية، وإتاحة المعلومات المطلوبة وتيسيرها وقت
الطلب والحاجة واختيار البرامج الحاسوبية التي تقلل من هدر الوقت والمساحات العمياء.
توفير بيئة عمل منظمة:
بتعزيز قدرة المؤسسة على الاستجابة للمتغيرات بوعي، من خلال نظم داخلية فاعلة،
وهياكل مرنة ومناسبة، وبيئة صحية للعمل.
والعلاقة بين هذه المكونات الأربعة هي علاقة سبب ونتيجة؛ حيث:
يُمكِّنُ الاهتمامُ بالقدرات الإنتاجية الأساسية للمؤسسة عامليها من القيام
بالعمليات بصورة كفؤة، فيتحقق بذلك رضا المستفيدين، من مانحين ومستفيدين مباشرين،
فتتحقق للمؤسسة ميزة تنافسية متكاملة.
ولعلنا نلخص العلاقات بين هذه المكونات الأساسية الأربعة وتحقيق ميزة تنافسية
متكاملة في الشكل التالي[6]:
ختاماً:
يمكن تلخيص القول في أنه إذا أرادت المؤسسة الخيرية تحقيق ميزة تنافسية متكاملة،
فإن عليها تجاوز قصور الميزة الواحدة
(تقليل
التكاليف)،
وصناعة القيمة الحقيقية من خلال تمتين بنيتها الداخلية بتهيئة بيئة منظمة، ومساعدة
على الإنجاز،وإعداد عاملين مؤهلين، قادرين على تنفيذ عمليات داخلية كفؤة، تصنع قيمة
حقيقية للمستفيدين، يستصحب عاملوها في ذلك كله نيّة التقرّب إلى الله العزيز
الرحيم،
{الَّذِي
أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسَانِ مِن طِينٍ}
[السجدة:
7]
.
والله الموفق وعليه التكلان.
[1]
شارلز
هل
وجارديث
جونز،
الإدارة
الإستراتيجية
مدخل
متكامل،
تعريب
محمد
سيد
أحمد
عبد
المتعال،
دار
المريخ
للنشر،
الرياض،
المملكة
العربية
السعودية،
الطبعة
السادسة
2010م،
ص
30.
[2]
من
الاعتبارات
المهمة
التي
يجب
أن
يستحضرها
من
اختار
طريقة
التخطيط
الإستراتيجي:
التنافس
وبيئة
العمل؛
حيثُ
أصل
التخطيط
الإستراتيجي
هو
الحرب،
وجذر
الكلمة
-
أصلاً
-
يعني
علم
الجنرال
أو
فنَّ
الحرب،
فتظهر
في
طريقة
التخطيط
الإستراتيجي
بوضوح
الاعتبارات
نفسها
التي
يعتبرها
القادة
في
الميدان
العسكري
وهم
يتوجهون
نحو
تحقيق
غرض
معيَّن.
وهناك
مناهج
أخرى
في
التخطيط
يرتبط
بعضها
بالتخطيط
الإستراتيجي
كالتخطيط
بالسيناريوهات
أو
المشاهد
المستقبلية
وتحليل
الاتجاهات
والتخطيط
بعيد
المدى،
وبعضها
لا
يرتبط
به
كالتخطيط
بمتابعة
خط
الزمن
وتحليل
التاريخ
والاستقراء؛
إذن
فمناهج
التخطيط
كثيرة،
والتخطيط
الإستراتيجي
هو
أحدها.
[3]
جزء
من
حديث
عن
عبدالله
بن
عمر
رضي
الله
عنهما،
حسنه
الألباني
في
صحيح
الجامع
برقم
176
[4]
جزء
من
حديث
عن
الحسين
بن
عليّ
بن
أبي
طالب
رضي
الله
عنهما
وهو:»
إنّ
الله
يحبُّ
معالي
الأمور
وأشرافها،
ويكره
سفسافها».
صححه
الألباني
في
صحيح
الجامع
برقم
1890
[5]
Michael E.Porter, Competitive Strategy,The free press, New York, first edition
1980, p: 34
[6]
مطوَّر من:
Robert S.Kaplan,Daveid
P. Norton,The
Strategy Maps,Harvard
Business School Publishing
Corporation,2004,p:31