منتدى القراء
بُنيتي!
قبل سِنِّ العامين كانت تداعبني وتصحبني في فِراشي، وفي خلواتي... أُحضِّر دروسي فتأخذ القلم مني كلما تركته؛ وكأنها ترى أنها تساعدني وتخفف عني.
أراقب إشارات كتاباتها المعكوسة والمنحرفة والمتعرجة على أوراقي، فأغضب منها فترفض غضبي بابتعادها قليلاً عني والدموع تترقرق في عينيها، فأضمُّها إلى صدري وأُدرك حالها، فتهدأ فجأة وكأن شيئاً لم يكن. لا تَنْشد إلا اللعب معي والعبث في أوراقي.
أريد أن أنام ليلاً فتصيح: لا. فأحكي لها قصة فيشتد انتباهها وأحاول أن أختصر القصة فأراها ناقدة ثاقبة النظر تقول: لا. أكمل القصة.
عندما أُصلِّي أجدها تلامس يداها يدي وأنا ساجد لله رب العالمين وتكلمني ولا رادَّ لجوابها، وتضاحكني فيشقُّ عليَّ ذلك.
أذكر - يا بنيتي - عندما كنت أُحفِّظك القرآن الكريم آيةً آية، حتى وصلتُ بك إلى نصف الجزء خلال أيام وأيام، فإذا ما أراد الله للسانك أن ينطلق سمعته يتلو: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: ١]. فلا تسألي عن الفرحة التي داخلتني وداخلت أمك بعد ما أنكرت عليَّ ما أفعله من استظهار القرآن في مثل سنِّك. وتحقق أملي بعد لأيٍ ومشقة. وعلمت أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
وها أنت يا بنيتي تبلغين مبلغ النساء وحصلت على التعليم العالي بفضل الله، تعالى.
ولكن ما بلغتِ إليه جاء على جسر من التعب؛ فبكل تجعيدة في وجهي رفع الله لك بها درجةً في العلم ومنزلة في الخلق، وبكل شعرة اشتعلت شيبةً في رأسي توقُّدٌ في ذهنكِ وقوةٌ ونشاط في بدنك، وبكلِّ تقطيبةٍ في جبهتي فرحةٌ في وجهك، وبكل انتكاسةٍ في بدني تقدُّم في صحتك. وها أنذا سعيدٌ بذلك لا أمنُّ عليك بشيءٍ؛ لأنها سُنة الحياة الدنيا: {الْـمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: ٦٤].
وفقك الله وأعانك على الطريق
يس عبد الوهاب نبيه مسعد
مدرس لغة عربية
الإعلام المعاصر بين البناء والهدم في جرائدنا اليومية
الإعلام الإسلامي البنَّاء: هو الذي يقوم على بناء الأمة وبثِّ روح التمسك بالدين وترسيخ العقيدة السليمة في النفوس ونَبْذ ما يضاد ذلك من أفكار ضالة ومفاهيم تضليلية ودسائس شيطانية، وغير ذلك من تضليل وإلحاد وزندقة.
لقد ظهرت في صحفنا اليوم - مع الأسف الشديد - صور ووسائل شتى لمحاربة هذا الدين القويم ومبادئه؛ سواءٌ بطريق مباشرة أو غير مباشرة لأناس من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. وهذه بعض من تلك الصور الهادمة والمسمومة:
أولاً: ظهور صور النساء الكاشفات السافرات وما يسببه ذلك من فِتَن ومنكرات وقَتْل للحياء والحشمة التي هي زينة النساء وحفظها من الدنس وانتهاك العرض. وهذا مخالف للإعلام الإسلامي الذي يرفض كل تلك التصرفات؛ فأين نحن من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «العينان تزنيان وزناهما النظر...»[1] الحديث.
ثانياً: ما يكتبه بعض الكتاب، في سعي حثيث للقضاء على ديننا الحنيف السمح، استهزاءً به وبقيمه السامية وإبعاداً لكل طريق فيه تمسُّك بالسُّنة المطهَّرة، وإلقاءً للتهم على الأجهزة الشرعية وحِلَق الذِّكر والعاملين عليها، بل ظهر تواطؤ بعض الصحف في نَشْر صور من يعفي لحيته ويُكتب أمام صورته دَور المتطرف.
ثالثاً: ما ينشره بعضهم بمسمى: قضايا المرأة والدعوة للديمقراطية المزعومة والحرية المشروعة والانحلال ووقوع المرأة في سجن وزنزانة مظلمة، والدعوة والاختلاط والسفور.
رابعاً: كتابة بعض الكتَّاب المقالات التي فيها تنقيص وتقليل من قَدْر العلماء الربانيين الراسخين في العلم الذين رفع الله منزلتهم ومكانتهم؛ فَلِمَ نوجِّه لهؤلاء الشيوخ العلماء النقد على وجه التقليل من قَدْرهم والسخرية منهم؟ فالناس مراتب ومنازل، ومتفاوتون في ما بينهم؛ فكلُّ أهل منزلة يخاطَبون حسب منزلتهم. ولقد امتدح الله العلماء وكرَّم الأعلام الذين علَّموا وفهَّموا الناس جميعهم، فقال - عز وجل -: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ وَالْـمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْـحَكِيمُ} [آل عمران: ٨١]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «إن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب»[2].
أَبَعد هذا تُلقى التهم وتُرمى القذائف تجاه ورثة الأنبياء ومصلحي الدنيا؟
خامساً: اضطراب ميزان الصدق أو تحري الصدق في بعض الأخبار. قال ربنا - جل وعلا -: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ٨١].
وفي المقابل فإن من الصور الهادفة والبناءة التي تشاد ما يلي:
- نَشْر العقيدة الإسلامية ومقاصد الشرع، وغَرْس الأخلاق الحميدة في نفوس الآخرين.
- تبيين خطر الفتن على المجتمع المسلم.
- القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
- تقديم الاستشارات، وإبداء الآراء، وطرح النقاشات.
- نَشْر كل ما فيه فائدة علمية أو طبية أو ثقافية أو إعلامية أو تقنية في المجالات أياً كانت تلك الفائدة والمعلومة.
أخيراً: يا رجال الصحافة! يا أيها الكتَّاب! يا أخي! ويا أخيتي! لكل كاتب ومحرر ورئيس تحرير: اتقوا الله فيما تكتبون وفيما تنشرون.
فبادروا - يا رعاكم الله - بالإصلاح لتَصلُح وتستقيم المطالـب الدنيويـة والأخرويـة التي نراقـب اللـه فيها لنكـوِّن - إن شاء الله - إعلاماً بنَّاءً شامخاً رفيعاً راقياً.
أنس بن عبد الله الشبانات
سبُّ الصحابة
إن مما شاع وانتشر في هذه الأيام تطاوُلٌ سافِرٌ من أهل الأهواء على الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - وذلك تحت مسمى: «النقد التاريخي»، ومسمى: «البحث العلمي»، وثالثة تحت مسمى «حرية الفكر». وأخطر من ذلك (وهو الأقوى نفاذاً إلى قلوب كثير من المسلمين) عَرْض ذلك في قالب الفن من خلال المسلسلات التاريخية، والتي يهدفون من خلالها إلى إظهار وإبراز مآثر المسلمين التاريخية. وهم في باطن الأمر يريدون إسقاط هيبتهم والعبث بتاريخهم وهو الملموس فعلاً؛ فلو سألت أحد المشاهدين عن شيء من ذلك لرأيت العجب العجاب.
إن القَدْح في الصحابة - رضوان الله عليهم - قَدْح في الرسول - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي، والقدح في النبي - صلى الله عليه وسلم - قَدْح في رب العالمين، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - وقَدْح في دينه (الإسلام) الذي ارتضاه للناس أجمعين.
ولهذا فإن سلفنا الأخيار اشتد نكيرهم وعلت أصواتهم جرَّاء هذا التطاول الآثم؛ فهذا الإمام مالك - رحمه الله - الذي لم يسلم هو من هؤلاء المرتزقة يقول في المتطاولين: «إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يمكنهم ذلك فقدحوا في أصحابه حتى يقال: رجل سوء؛ ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين».
قال تعالى -: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْـمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: ٠٠١].
ومن صريح ما جاء في تحريم سبِّهم والقدح فيهم قول الرســول - صلى الله عليه وسلم -: «لا تسـبوا أحـداً من أصحـابي؛ فـإن أحدكـــم لو أنفـق مثـل أُحُد ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفـه». فكيف بمن يبني في قلوب الناس من خلال المشاهدة إساءة الظن بهم واعتقاد النقيصة فيهم؟
وكان الأَوْلَى بهم: تولِّي الصحابة - رضوان الله عليهم - وحبَّهم والترضي عنهم وإنزالهم المنزلة التي أنزلهم إياها ربهم - تبارك وتعالى - لأن محبتهم واجبة وحبَّهم دين وإيمان وقربى إلى الرحمن. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بُغْض الأنصار».
محمد علي الحكمي
[1] رواه ابن ماجة.
[2] رواه أحمد.