• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مستقبل الشراكة الصينية الروسية في آسيا الوسطى

يسعى الرئيس الورسي فلاديمير بوتين إلى مطاردة الماضي عبر محاولة استعادة نفوذ بلاده في الكتلة المحيطة بها سواء شرق أوروبا أو في وسط آسيا

 

تعاني روسيا في آسيا الوسطى من مجموعة من الإشكاليات الحاسمة في طبيعة تدخلها في محيطها وأهم هذه الإشكاليات هي الديمغرافيا الإسلامية التي تنتشر في جمهوريات آسيا الوسطى وتهدد الهوية المسيحية لروسيا الأرثوذكسية، وكذلك فإن روسيا تعاني من ملف ثروات الطاقة الضخمة التي تتمتع بها تلك المنطقة من العالم، فالامتياز الذي منح الكرملين السيطرة الأمنية والإقتصادية والسياسية على تلك المنطقة في عهد الإتحاد السوفيتي أصبح من الماضي بعد أن حصلت تلك الجمهوريات على إستقلالها وأصبحت تتحكم في ثرواتها الاقتصادية لكن لا يزال بعضها يعاني بسبب احتكار موسكو لممرات عبور والطاقة إلى أوروبا والتحكم في أسعارها، والمهدد الآخر الذي يقلق روسيا اليوم هو محاولات الكتلة الغربية تشكيل بنية أمنية هشة في محيطها عبر محاولة قلب أنظمة الحكم الموالية لموسكو في أوكرانيا وبلاروسيا واعتبارها مناطق عسكرية خاضعة لتسليح حلف شمال الأطلسي، وما جرى في الأشهر القليلة الماضية مع ألكسندر لوكاشينكو في بيلاروسيا كان أحد الزلازل السياسية التي كادت أن تضرب النفوذ الروسي هناك.

 يسعى الرئيس الورسي فلاديمير بوتين إلى مطاردة الماضي عبر محاولة استعادة نفوذ بلاده في الكتلة المحيطة بها سواء شرق أوروبا أو في وسط آسيا، فبالتزامن مع حشده لقواته على الحدود الأوكرانية يدعم بشدة التدخلات الصربية في البوسنة وكان سخياً مع أرمينياً في حربها الأخيرة مع أذربيجان. لكن على عكس العقود السابقة التي كانت تنفرد موسكو بسياساتها في مايتعلق بتوسيع نفوذها فإنها اليوم تواجه تحديات أخرى في محيطها أهما الشراكة الصينية، فالدولتان لديهما مصالح مشتركة في مصادمة النفوذ الأمريكي، لذلك يعتقد أن الصين ستكون لاعب حيوي في حال قررت الولايات المتحدة دعم أوكرانيا عبر التحكم بمضيق تايون وبحار الصين الشرقية والجنوبية، لذلك أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية توجيهات جديدة لقيادتها بشأن إحداث تجول في منطقتي المحيط الهندي والهادئ لمنع الهيمنة الصينية . في أكتوبر الماضي تم رصد 10سفن حربية روسية وصينية تعبر مضيق تسوغارو أوسومي، فسرتها اليابان على أنها خطوة استفزازية. وفي يوليو 2017  نضم البلدين مناورات مشتركة في بحر البلطيق قامت برعايتها روسيا،وتفسر الصداقة التي بدأت تتعمق بين البلدين ليس على أساس  الثقة وحسن الجوار بل يعززها العداء المشترك للولايات المتحدة. يقول ألكسندر جابوف، رئيس برنامج روسيا في معهد كارنيجي، في عام 2021 نما حجم التجارة بين البلدين إلى 140 مليار دولار، ويعكس هذا الرقم زيادة شحنات الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب “Power of Siberia” ونمو حجم صادرات الفحم الروسي إلى الصين.  ويعتقد جابوف أن العقوبات التي تفرضها الكتلة الغربية على البلدين تزيد من فرص التقارب بينهما. لكن هذا لايعني عدم وجود قلق روسي من تفوق الصين الاقتصادي، فبقدر ما تحتفظ موسكو بتأثير أمني وسياسي كبير في آسيا الوسطى عبر منظمة معاهدة الأمن الجماعي إلا أن الصين لديها تأثير إقتصادي هائل جداً، فيبلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين حوالي 10 أضعاف الناتج المحلي الروسي، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، ورغم أن روسيا تمتلك قدرة نووية أكبر بكثير من مثيلتها الصينية إلا أن الإنفاق الدفاعي الصيني يبلغ أربعة أضعاف نظيره الروسي، وإذا لم يتغير الوضع الروسي فإن الأفضلية ستكون لبكين مع مرور الوقت. وبقدر ما توحد المواجهة مع واشنطن الطرفين إلا ان روسيا لايمكنها الإنجرار في الصراع على مضيق تايوان مثلما ترفض الصين الإنخراط في الأزمة الأوكرانية.

في الأزمة الأخيرة في كازخستان تدخلت موسكو سريعاً لإنقاذ الرئيس قاسم توكاييف من إنقلاب كاد أن يطيح به، لكن بكين وقفت موقف المتفرج من الحدث دون تدخل، وهذا الأمر أظهر أن روسيا عززت سمعتها بصفتها راعية للحالة الأمنية في المنطقة وهو أمر مهم بالنسبة للإقتصاد الصيني، وهذا يعني أن الصين وروسيا يجب أن ترضي بعضهما البعض، لكن هذا الأمر يمكن أن يسلط الضوء على النفس الصيني طويل الأمد الذي يستند إلى قناعة بأن الوجودالإقتصادي القوي سيؤدي تلقائياً إلى صوت سياسي مرتفع في الشؤون المحلية لأي بلد، وهذا الأمر يفسر تعاطي الصين مع دور سياسي محدود في آسيا الوسطى، فالتركيز الصيني ينصب على مناطق الإحتكاك والصدام مع النفوذ الأمريكي في هذه الفترة.

لكن هذا لا يعني أن بكين لاتحاول التصدي للنفوذ الأمريكي والتركي في نطاق مصالحها في آسيا الوسطى لاسيما وأن تركيا تعتبر لاعب عنيد في ملف الأيغور، لذلك مع وجود جبهة أعداء مشتركة للطرفين فإن التقسيم الروسي الصيني للعمل في آسيا الوسطى يوضح صورة عامة لمستقبل المنطقة ويفرض متطلبات جديدة للتفاعل بين الطرفين مع تضخم حجم التحديات بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، لذلك بدأت الصين في إنشاء قواعد عسكرية في طاجيكستان بعد سيطرة حركة طالبان على كابول، وفسر ذلك في سياق تصريح شهير للرئيس الصيني الأسبق، جيانغ زيمين، الذي شدد فيه على أن تكون آسيا الوسطى قاعدة للتصدي لما وصفه بــ»الشرور الثلاثة»:الإرهاب والتطرف والإنفصالية. لذلك جعلت بكين من أولوياتها البقاء على علاقات ودية مع أنظمة آسيا الوسطى لمنعها من دعم إنفصال تركستان الشرقية، ودعمت تلك الأنظمة بتقنيات عسكرية ومالية.

لذلك لايمكن تجاهل أنشطة الصين الأمنية في آسيا الوسطى، لكن لايمكن مقارنة حجمها بالنشاط الروسي، بصفتها عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، تخضع طاجيكستان للمظلة الأمنية الروسية وتتمتع قواتها بعلاقات وثيقة بالقيادة العسكرية الروسية وتمتلك موسكو قاعدة عسكرية تضم 7000 جندي روسي في طاجيكستان، ويعتمد الاقتصاد الطاجيكي بصورة كبيرة على العمالة المهاجرة إلى روسيا، لذلك تفسر موسكو الوجود الصيني في آسيا الوسطى في سياق محاولاتها للدفاع عن مصالحها الخاصة وليس المنافسة على النفوذ مع الروس. وهذا الأمر يدعمه المناورات التي جرت بين الصينيين والروس وركزت على مكافحة الإرهاب ومراقبة أي تحركات خارج الحدود الأفغانية.

لكن لحفاظها على الكثير من التوازن الأمني في المنطقة وتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية ذهبت موسكو إلى تعزيز علاقتها بالهند، وفي زيارة قام بها فلاديمير بوتين في ديسمبر الماضي إل دلهي شدد على تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين وتدشين ممر الطاقة فلاديفوستوك - تشيناي الذي يعد بوابة روسيا إلى المحيطين الهندي والهادئ وطوق نجاة لسوق الطاقة الهندي. وقد استفادت الهند من المعاهدة الهندية السوفيتية الموقعة عام 1971 التي ضمنت الحماية العسكرية السوفيتية للهند، في انضاج مبكر للعلاقات بين البلدين، وتلقت دلهي مساعدة فنية من موسكو في برامجها العسكرية والنووية، ويمكن تفسير هذا الأمر في سياق التوازنات التي تخدم كلا الطرفين في مشروع إبطاء التحالف الصيني والباكستاني في المنطقة، كما أنه يساهم في توفير بديل للهند عن التحالف مع واشنطن لاسيما بعد ان أثارت الولايات المتحدة اعتراضها على شراء الهند لبطاريات الدفاع الصاروخي S-400 من روسيا، لذلك ورغم تناغم مواقف الصين وروسيا في المواجهة مع الولايات المتحدة إلا أن النمو الصيني المتسارع قد يجعل موسكو رهينة لحدود إمكاناتها الاقتصادية، لذلك تتجه بخط متوازي لتنمية علاقتها مع الهند لسبب مهم وهو أنها تعلم أن مركز الثروة لديها في القطب الشمالي وليس أوروبا الشرقية لذلك هي بحاجة لرأس المال الهندي لتنمية عجلة الاستثمار هناك بعيداً عن الضغوط الصينية.

 


أعلى