يضم فريق بايدن أيضاً رونالد آلن كلاين، رئيس موظفي البيت الأبيض وهو من أصول يهودية وشغل منصب رئيس موظفي نائبَي الرئيس، آل جور وبايدن سابقاً
قال الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن
قبيل إنهاء تسلُّمه لمنصبه في ديسمبر الماضي:
«ستكون
هذه الحكومة الأكثرَ تمثيلاً للشعب الأمريكي من أي حكومة أخرى في التاريخ».
هذا التصريح كان حافزاً لطرح كثير من المادة الصحفية حول تعيينـات فريق بايدن،
وكانت المعايير دائماً تتركز في عدة مسارات؛ مثل المحافظة على سطوة ونفوذ القوة
الأمريكية البيضاء، والاستعانة بخبرات لها تاريخ طويل في ملفات الأمن والسياسية
والمصالح الخارجية والاقتصاد، واستقطاب الناخبين الملونين بمجموعة مناصب في إطار لا
يتجاوز الإستراتيجية الدائمة للحفاظ على القيم العليا التي تحددها المصالح
الأمريكية.
تقول إليزابيث سوندرز (خبيرة السياسية الخارجية في جامعة جورج تاون)، بالنسبة
لطبيعة المعايير التي حددت اختيار فريق العمل لدى الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن:
«أعتقد
أن الموضوع هو الخبرة والانسجام بين الفريق».
وهذا الأمر قد يكون مدفوعاً بعدة عوامل أبرزها أن بايدن يتمتع بسيرة ذاتية عميقة في
السياسة الخارجية؛ فقد شغل منصب رئيس اللجنة الخارجية في مجلس الشيوخ وكان نائباً
للرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، وركَّز في حملته الانتخابية على مجموعة
ملفات أبرزها المواجهة مع الصين وإعادة بناء جدار التحالفات الذي هدمه الرئيس
الأمريكي السابق، دونالد ترامب، ورغم أن بعض المراقبين يصف التنوع العرقي في فريق
بايدن في سياق تبني الحزب الديمقراطي لهوية أممية ليبرالية يرى فيها ميزة لخدمة
السياسية الخارجية الأمريكية، إلا أن التعمق في تفاصيل فريق الإدارة الجديدة، يؤكد
أن الرئيس الأمريكي لم يكن عشوائياً في خياراته؛ بل حرص على تناغمٍ كبيرٍ بين أعضاء
فريقه سواء في نوعية الخبرات والأدوار على صعيد الحزب وأجهزة الدولة أم على صعيد
مواقفهم من الملفات الكبرى التي يريد إحداث تغيير فيها. فحينما كشف بايدن عن فريق
الأمن القومي الذي سيعمل معه قال:
«هذا
الفريق حقق أهم الإنجازات الأمنية والدبلوماسية في الذاكرة الحديثة، تلك التي أصبحت
ممكنة بفضل عقود من الخبرة في العمل مع شركائنا».
أحد العوامل المؤثرة أيضـاً في خيارات الحزب الديمقراطي لفريق بايدن هي الاعتبارات
العرقية؛ فبعض المصادر الأمريكية أشارت إلى أن الحاضنة الانتخابية الملونة تمثل
حوالي 40% من الكتلة الديمقراطية، لذلك أصبحت قوة ضاغطة ومؤثرة تبحث عن حصتها في
(كعكة) بايدن. القوة الديموغرافية للملونين فرضت تاثيـراً كبيـراً في الملفات
الداخلية للولايات المتحدة الأمريكيـة، وهذا الأمر ليس فقط بسبب النيوليبرالية التي
يتبناها الحزب الديمقراطي؛ بل أيضاً لتبني الحزب الديمقراطي إستراتيجية تضمن تجنيب
المجتمع الأمريكي حالة الصدام التي صنعها الرئيس السابق، دونالد ترامب، بتبنِّيه
خطابات شعبوية تستهدف الملونين وتحرِّض على شرعية وجودهم في الولايات المتحدة؛
فالمهدد الحقيقي لمستقبل العنصر الأنجلوساكسوني الأبيض الذي يحكم الولايات المتحدة
منذ تأسيسها هو حالة التغير الديموغرافي التي تمر بها البلاد، ووَفْقاً لدراسة
نشرها معهد بيو، فإن الأغلبية السكانية ستكون في عام 2050م لصالح الأعراق الملونة
في الولايات المتحدة، لذلك يندفع الحزب الديمقراطي لاستيعاب الملونين بصفتهم أغلبية
سكانية مستقبلية، حتى لا يندفع نحو تكرار النموذج الفرنسي الذي شرع قوانين مثل
(الانعزالية الإسلامية) للتصادم مع الجالية الإسلامية، وهذه الخطوة سيكون لها
انعكاس إيجابي كبير على الحزب الديمقراطي وكذلك ستكون صمام أمان يمكن من خلاله
استثمار الأقليات الملونة باعتبارها أحد أركان المجتمع الأمريكي بدلاً من اعتبارهم
أقليات يمكن اضطهادها وتحويلها إلى مجتمعات داخلية مصادمة للمصالح والقيم
الأمريكية، وقد يكون ما جرى هو إحدى ثمرات الدرس القاسي الذي دفعت ثمنه أمريكا بعد
مقتل الأمريكي من أصل إفريقي، جورج فلويد، على يد شرطي أبيض في ولاية منيسوتا في
مايو 2020م، الذي أشعل أحداث عنف تسببت بخسائر بشرية ومادية فادحة وانقسام سياسي
كبير بين مجتمع الملونيين الأمريكي والأمريكيين البيض.
كذلك سربت الصحافة الأمريكية تفاصيل ندوة غير معلنة عقدها الرئيس بايدن مع مجموعة
من الباحثين أشار فيها إلى مشروع يتعلق بـ (إعادة هندسة أمريكا)، وكان الحديث يدور
حول طلب حزمة تمويلية تقدر بـ (5) تريليون دولار لاستغلالها في تحسين الأوضاع
الاقتصادية وإجراء تغييرات واسعة على ملفات داخلية مثل الصحة والتعليم والصحة
والبنية التحتية، إلا أن الصين هي أكبر الملفات التي تواجه فريق الرئيس بايدن.
وبالنظر إلى المسار الذي وضع الحزب الديمقراطي الصين فيه بصفتها قوة صاعدة تسعى
لتكون أكثر ازدهاراً لكنها تصطدم بترددها، وعدم وجود بنية دستورية تضمن استقرار
نظام الحكم فيها على المدى البعيد مع ما تمثله من عنجهية الحزب الشيوعي الحاكم، فإن
الحزب الديمقراطي يراهن على فريق بايدن لحشد الحلفاء والمنافسين الإقليميين للصين
للضغط عليها، وهذا الأمر إلى حدٍّ غير بعيد يذكِّر بالنموذج الياباني عام 1941م
والنموذج الألماني عام 1914م.
لذلك حينما نقلِّب السيرة ذاتية لأعضاء فريق بايدن سنجد أنهم تربَّوا في مدرسة
الحزب الديمقراطي في عهد باراك أوباما أو حتى عهد بيل كلينتون، وأبرز اهتماماتهم
وخبراتهم تتعلق بالملفات السياسية والأمنية. من أبرز هذه الشخصيات نائب الرئيس،
كامالا هاس، ولعل أبرز الأسباب التي دفعت بايدن لضم المدعي العام السابق لمقاطعة
كاليفورنيا، لفريقه هو تبنِّيها مجموعة قضايا جعلت لها كثيراً من الشعبية
الجماهيرية لدى الناخبين الملونين، مثل الهجرة والعدالة الجنائية، لتصبح في عام
2017م أول أمريكية من أصل هندي عضواً في مجلس الشيوخ. وبدأت العمـل في لجنة
الاستخبارات واللجنة القضائية، ثم أصبحت أبرز المتنافسين في الانتخابات الرئاسية عن
الحزب الديمقراطي، وفي ديسمبر 2020م انسحبت من السباق لتتحول لأكبر الداعمين لبايدن
في حملته الرئاسية. وتتبنى هارس وجهة نظر مؤيدة لوجود حل سياسي في أفغانستان وكذلك
وجود اتفاق طويل الأمد مع إيران، وتعتبر (إسرائيل) حليفاً إستراتيجياً بالنسبة
لواشنطن.
أما وزير الخارجية أنتوي بلينكن، فقد ولد لأبوين يهوديين في باريس، وعمل مع بايدن
في مجلس الشيوخ لسنوات، وشغل منصب نائب وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي، في عهد
الرئيس باراك أوباما، ويتبنى مواقف متشددة تجاه الصين، كما كان داعماً للتدخل
الأمريكي في ليبيا، وانتقد قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، ويعتبر تركيا حليفاً
إستراتيجياً للولايات المتحدة.
وأما الشخصية الأبرز في فريق بايدن فهو وزير الخارجية السابق، جون كيري، الذي أصبح
مبعوثاً رئاسياً خاصاً لملف (المناخ)، وهي مهمة تمنح كيري صلاحيات في مخاطبة قادة
العالم لإقناعهم بهذا الملف، ورغم أن المهمة قد تكون أكثر أهمية من نوعية الملف
الذي يحمله كيري إلا أن خبرات كيري السياسية في ملفات الشرق الأوسط ستجعل منه شخصية
أكثر نفوذاً في إدارة بايدن بالإضافة إلى دوره الاستشاري، فقد دعم الحرب على
العراق، ولعب دوراً مهماً في التواصل بين أفغانستان وباكستان بشأن الحرب على
طالبان، وضغط على الفلسطينيين لمواصلة المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية عام 2014م.
ومن الشخصيات المثيرة للجدل في فريق بايدن، مديرة وكالة المخابرات الوطنية، أفريل
هاينز، وبرز دورها في رفضها معاقبة مسؤولين في وكالة المخابرات المركزية قاموا
بالتجسس على موظفي مجلس الشيوخ أثناء التحقيق في قيام الوكالة بتعذيب الأسرى، كما
دعمت، جينا هاسبل، التي كان لها دور كبير في برنامج تعذيب الأسرى في عهد جورج بوش.
وعملت هاينز عام 2010م في مكتب مستشار البيت الأبيض، ونائب مستشار الرئيس لشؤون
الأمن القومي، ودعمت التخطيط لقلب نظام الحكم في كوريا الشمالية.
أما الشخصية الأمنية الأخرى البارزة في فريق بايدن، فهو مستشار الأمن القومي، جيك
سولفيان، الذي كان مستشاراً كبيراً للسياسة في حملة هيلاري كلينتون للانتخابات
الرئاسية عام 2016م، وكذلك شغل منصب مستشارٍ للحكومة الأمريكية في الملف النووي
الإيراني، كما كان جزءاً من فريق بايدن خلال عمله مع الرئيس الأسبق، باراك أوباما،
وساهم بشكل فعال في تشكيل الموقف الأمريكي في الملف السوري والليبي وميانمار.
وأما وليام بينز، رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، فهو يحمل سيرة ثرية
تجاه قضايا الشرق الأوسط، فقد عمل سفيراً للولايات المتحدة في الأردن، ومساعداًًًًً
لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وكان له دور بارز في فرض وقف إطلاق نار بين
المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي عام 2001م، وساهم في القضاء على برنامج
الأسلحة الليبي، وكان جزءاً من فريق التفاوض السري مع إيران خلال مفاوضات الملف
النووي.
ويضم فريق بايدن أيضاً رونالد آلن كلاين، رئيس موظفي البيت الأبيض وهو من أصول
يهودية وشغل منصب رئيس موظفي نائبَي الرئيس، آل جور وبايدن سابقاً. كذلك تضم
الإدارة الأمريكية الجديدة العديد من الأمريكيين اليهود منهم إيزابيل جوزمان، وتشغل
منصب مديرة إدارة الأعمال الصغيرة وتمتلك سيرة ذاتية اقتصادية اكتسبتها خلال عملها
في مكتب حاكم كاليفورنيا.
أما نيرا تاندين، مديرة مكتب الإدارة والميزانية، فهي مخلصة كبيرة للحزب الديمقراطي
وارتبطت مسيرتها العملية بالرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وزوجته هيلاري
كلينتون، ودعمت التدخل الأمريكي في ليبيا لإسقاط معمر القذافي كما طالبت بالاستفادة
من النفط الليبي والعراقي، وكسائر أعضاء الإدارة الأمريكية فهي تعتقد أن إسرائيل
حليف إستراتيجي للولايات المتحدة.
كما عيَّن بايدن، لويد أوستن الثالث، في منصب وزير الدفاع، لاعتبارات تتعلق بخبراته
الطويلة في الحرب على أفغانستان والعراق، فقد تولى قيادة القوات متعددة الجنسيات
هناك، ويُعرَف بموقفه الدائم بشأن استمرار القوات الأمريكية في البلدين وزيادة
عددها.
كذلك انضم ميريك جارلاند، وهو يهودي من شيكاغو إلى فريق بايدن ليشغل منصب المدعي
العام للولايات المتحدة، ومن أبرز الملفات التي أشرف عليها في سجلِّه العدلي قضايا
(الإرهاب) في (أوكلاهوما سيتي، وتيد كاتشينسكي، وأولمبياد أتلانتا)، ويعتبر أحد
أبرز أعداء الحزب الجمهوري في السلك العدلي الأمريكي. ومن الشخصيات البارزة في
حكومة بايدن أيضاً، وزير النقل بيتر بول بوتيجيج، وهو سياسي أمريكي وضابط مخابرات
سابق عمل في أفغانستان، ودعم الحرب على أفغانستان عام 2001م، لكنه يدعم الآن
الانسحاب منها مع بقاء وجود استخباري هناك، وهو من أبرز الداعمين للاحتلال
الإسرائيلي في فلسطين، ورفض الانسحاب الأمريكي من سوريا لأنه سمح لتركيا بمهاجمة
الميليشيات الكردية فيها. أما العربي الوحيد في فريق بايدن، فهو الأمريكي من أصول
فلسطينية، ماهر بيطار، وهو يشغل منصب مديرٍ أول للمخابرات، في مجلس الأمن القومي
وهو منصب حساس بمثابة حلقة وصل بين البيت الأبيض، والأجهزة الأمنية بصورة يومية،
وشغل بيطار منصب مدير الشؤون الفلسطينية الإسرائيلية في مجلس الأمن القومي
الأمريكي، وعمل مع فريق المساءلة في مجلس النواب خلال محاكمة عزل الرئيس السابق
دونالد ترامب، ويعدُّ بيطار مقرباً جداً من مستشار الأمن القومي، جيك سولفيان.
وتضمنت الإدارة الأمريكية أيضاً اليهودي آليخاندرو مايوركس، وزير الأمن الداخلي،
وقد شغل مايوركس منصب مساعد المدعي العام الأمريكي في وسط كاليفورنيا عام 1989م،
واشتهر بملاحقته للمافيا المكسيكية، وعيَّنه الرئيس الأسبق، باراك أوباما، مديراً
لمكتب التقديم على الهجرة والجنسية، وتم ترشيحه لمنصب نائب وزير الخارجية، وقاد
مفاوضات مع إسرائيل والصين حول الأمن السيبراني.
على عكس التعيينات غير المتجانسة في عهد الرئيس دونالد ترامب، التي خلفت كثيراً من
النزاعات والفضائح السياسية التي أشغلت البيت الأبيض، فإن بايدن حرص على عدة عوامل
في تعيين فريقه، أبرزها التوافق حول منظومة المصالح المشتركة للولايات المتحدة،
وتبنِّيهم لمواقف متجانسة إزاء القضايا الخارجية مثل العلاقة مع الصين وإيران
والموقف من (إسرائيل)، وعلاقة الولايات المتحدة بحلفائها. الأمر الآخر هو أنهم
يمتلكون خبرات في العمل مع الإدارات الديمقراطية السابقة؛ لا سيما في الملفات
الأمنية والسياسية مثل العراق وسوريا وأفغانستان والصدام مع روسيا والعداء لتركيا،
ولديهم هوية ديمقراطية واضحة بشأن القضايا الداخلية فيما يتعلق بالهجرة أو العمل أو
المناخ أو الصحة، لذلك ستكون السنوات الأربع المقبلة من عمر الإدارة الأمريكية هي
محاولة لاستعادة الدور الأمريكي على الصعيد الخارجي وخفض تأثير الشعبوية على الأداء
السياسي للإدارة الأمريكية.