منتدى القرّاء
الدعوة على بصيرة
قال - تعالى -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْـمُشْرِكِينَ} [يوسف: ٨٠١] معنى البصيرة يُفهم من خلال السورة الكريمة وأحداثها؛ فقد تجلت معاني البصيرة في أعلى درجاتها في يعقوب - عليه السلام - الذي فَقَد بصره ولم يفقد بصيرته، فقال: {وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [يوسف: ٦٨]، وقال: {إنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَن تُفَنِّدُونِ} [يوسف: ٤٩]، ومنها أن يوسف - عليه السلام - كان بصيراً بالله وبأسمائه وصفاته؛ لذا كان التوجيه هنا إلى التأسي بيعقوب ويوسف - عليهما السلام - في السيرة، وفي حُسْن الظن بالله، وفي النظر إلى عواقب الأمور، وفي الدعوة إلى الله، وعلى الداعي أن يكون ذا بصيرة، وتسبق بصيرته دعوته؛ فإن لم يكن ذا بصيرة، فكيف يكون داعيةً على طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
ويستلزم تحقيق البصيرة ما يلي:
1 - أن يكون الداعية بصيراً بمن يدعوا إليه، وهــو الله، سبحــانه. يقول ابن القيم - رحمه الله -: (البصيرة على ثلاث درجات، من استكملها، فقد استكمل البصيرة: بصيرة في الأسماء والصفات، وبصيرة في الأمر والنهي، وبصيرة في الوعد والوعيد)[1].
2 - أن يكون بصيراً بمن يدعوه؛ من حيث حالُه وسِنُّه وعِلمه أو جهله وثقافته، ومسلم أم غير مسلم؛ لأن الداعي كالطبيب، لا بد قبل أن يصف الدواء أن يُشخِّص الداء ويراعي التدرج في العلاج، والبدء بما يكون صالحاً مفيداً متقبَّلاً مستساغاً.
3 - أن يكون بصيراً، محدِّداً لأهداف دعوته (الكلية والجزئية ،القريبة والبعيدة).
4 - أن يكون بصيراً بالأساليب والوسائل المشروعة الموصلة إلى الأهداف المرسومة؛ ذلك أن الدعوة إلى الله عبادة.
5 - أن يكون ذا بصيرة ببيئة الدعوة وطبيعة المرحلة
أمين بن يوسف الدميري
دكتوراه في الدعوة والثقافة الإسلامية
مشروع العمر
الحديث عن المشروعات حديث من نوع خاص.
إن بإمكان الواحد منا أن يكون مشروعاً في ذاته وأسرته ومجتمعه وأمته. يقول د. عبد الكريم بكار وهو يتحدث عن مشروع العمر للإنسان: يستطيع كثير من أفراد هذه الأمة أن يتخيَّل أن حياته عبارة عن مشروع أنشأته أمة الإسلام، واستثمرت فيه، ثم أوكلته إليه ليديرَه ويتابعَه.
ولعلك تود أن تتعرَّف على مشروع العمر ما هو ؟ إن مشروع العمر هو مشروع تتضح في ذهن صاحبه أهدافه، وتستولي فكرته على فكره وعقله، ويبذل له جميع طاقاته. هذا هو مشروع العمر، مشروع يتناسب - أولاً - مع قدراتك وإمكاناتك، ثم تعيش هَمَّه في كل لحظة من حياتك، ثم تبذل له جميع ما تملك: من فكر وعمل ومتابعة.
أودُّ أن أقرِّب لك - أخي القارئ - الصورة أكثر، في السنَّة النبوية ورد ذِكر امرأة كان لها مشروعها الخاص، أتدري ما هو مشروعها؟ (كانت تَقُمُّ المسجد) هذا هو مشروعها. كانت تحرص على أن يكون مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نظيفاً، وهي بهذا تشارك في خدمة هذا الدين.
وهذا رجل آخر كان له مشروعه الخاص به؛ إذ فتح الله - تعالى - عليه ورزقه مالاً، فأراد أن يكون شيئاً، فصار يداين الناس وييسر عليهم في القضاء؛ فيرسل رسوله ليأخذ دينه، لكنه كان يرسله ويذكِّره بقوله: (خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله - تعالى - أن يتجاوز عنا)، ثم مرت الأيام ومات الرجل، فلقي الله - تعالى - وسأله الله - سبحانه - وهو أعلم به: هل عملت خيراً قط؟ قال: لا؛ إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس؛ فإذا بعثته يتقاضـى، قلـــت لــه: (خذ ما تيســر واترك ما عسر، وتجـاوز لعل اللـــه - تعالى - يتجاوز عنا)، فقال الله - تعالى -: «قد تجاوزت عنك». وخذ سيرة أبي هريرة - رضي الله، تعالى عنه - لقد كان مشروعه حِفْظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
لم تكن المشروعات حصراً على أفراد في ذاكرة التاريخ، وإنما هي ممتدة إلى تاريخنا الحاضر. خذ - على سبيل المثال - الشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله، تعالى - فإن مشروعه لا يغيب عن ذاكرة أي إنسان في عصرنا الحاضر، فقد كان مشروعه تحقيق الحديث النبوي، وخذ مثالاً آخر، هو: د. عبد الرحمن السميط الذي كان طبيباً كويتياً، وأراد أن يكون له مشروعه الخاص في الدعوة إلى الله.
لعلك تسأل: ما هي المشروعات التي يمكن أن يبدأ بها الإنسان ويحقق بها أمثال هذه الأحلام ؟ ولعل من نافلة القول أن أذكِّرك بمشروع تربية الأبناء في البيت وجَعْلِهم مشروع الإنسان الشخصي (تعليماً وتربية) وما يدريك أن يكون منهم عَلَم الأمة ومجدِّدها في الأيام القادمة، وكذلك خدمة الناس وتفريج كربهم. وأيضاً تعليم الناس كتاب الله، تعالى.
أرجوك أن تبدأ من هذه اللحظة بالتفكير في مشروعك الخاص، مشروع العمر... المشروع الذي يمكن أن تكون من خلاله شيئاً كبيراً في تاريخ نفسك، وأرجوك ثانية ألا تقزِّم نفسك وترى أنك لست أهلاً لذلك، فقط أدعوك للتفكير بصدق، والتأمُّل حقيقة، ثم ابدأ الخطوة الأولى مهما كانت ظروفك... وقريباً ستعانق الأفراح بإذن الله، تعالى.
مشعل عبد العزيز الفلاحي
دعوة للمراجعة
إنها دعوة لأولئك الذين سبحوا في بحر من الأمنيات، حتى إذا ما وصلوا إلى الشاطئ تغيرت تلك الأمنيات ولم يبقَ منها إلا أطلالها، ومنهم:
- ذلك الشاب الذي يمنِّي نفسه إن تزوج وصار رب أسرة وله ذرية، أن يهتم بهم ويربيهم تربية إسلامية شاملة، أو ذلك المربي الذي كان يرجو أن يصبح مسؤولاً عن مجموعة من المتربين... ثم يتخلى كلٌ منهم عن تلك الآمال، محتجاً بأن الزمان تغيَّر والانفتاح الحضاري يستلزم إعادة النظر في البرامج التربوية مسايرة للواقع.
- وذلك الموظف الذي ما إن تحين له الفرصة ليصبح مديراً حتى نجده قد تخلى عن جميع تلك البرامج والخطط الطموحة، ولم يذكر منها إلا حلم تَقلُّد المنصب ونشوة بريقه الخادع. فأصبح شؤماً على موظفيه بعد أن كانوا يتفاءلون به ويؤمِّلون عليه.
- وذلك الرجل الثري نراه بعد ما أعطي حظه من الدنيا مُعْرِضاً عن أوجه الخير، بحجة أن هذا المال لم يأتِ بيسر، وإنما أتى بعد مشقة وعناء.
- وذلك العالِم الذي كان يوماً من الأيام طالب علم؛ إذا به بعد أن يبلغ مناه يكتفي بذلك اللقب والوسام الرفيع، ويكون عاراً على أهل العلم وحَمَلة الشريعة، فيدلِّس على الناس ويلبِّس عليهم الحق بالباطل، ويكون عوناً لهدم الدين ومحو روح الشريعة بفتاويه وبياناته، محتجاً بأن المصلحة الشرعية تقتضي ذلك والفتوى قد تتغير ولكل عصر علماؤه واجتهاده ومصطلحاته.
إنها في الحقيقة قضية تستدعي منا المراجعة والتفكير ملياً، كي نصحح مسار طريقنا نحو الاستخلاف، لنخرج بنتائج طيبة مثمرة تؤتي أُكُلها علينا في أنفسنا ومجتمعاتنا، ومن ثَمَّ على غيرنا.
بَيْد أن أمة التوحيد وأمة خاتم المرسلين هـي الأمـة التي تستحق - حقاً - الاستخــلاف في الأرض، وعودة الخــلافة إليها قــادمة - بــإذن الله، تعالى - ولكن يبقى أن تعي الأمة أن طريق الخلافة يبدأ بتلك الخطوات الجادة الصادقة الثابتة، التي لا تتغير ولا تتراجع إلى الوراء، بل تمضي قُدُماً بثبات وجِد واجتهاد، متمسكةً ببرامجها وخُطَطِها الفعالة في التغيير والإصلاح، مستنيرةً بكتاب ربها وسُنة نبيها - صلى الله عليه وسلم - من أجل أن تقطع ذلك المشوار بيسر واطمئنان. وحينئذٍ تنال الأمة استخلافاً أكبر ونصراً وتمكيناً أكثر؛ لأنها قد أرت الله من نفسها أنها أهلاً لنيل ذلك، ببرامجها الإسلامية العملية الذي تحمل للناس جميعاً سعادة الدنيا والآخرة.وسوف تعود إليها دفة القيادة، وسنكون في الصدارة والريادة، إن شاء الله.
تميم بن محمد بن عبد الله الأصنج
بين الرقي والانحطاط
كثير مما يحدث في حياتنا يأخذ نظاماً قريباً من المتوالية الحسابية؛ فإذا حدث عطل في السيارة - مثلاً - وأُهمِل، تطور إلى عطل أكبر، فإذا استمر إهماله، تطور إلى أكبر منه، وكلما تأخَّر العلاج كلما زادت المشكلة.
يلاحظ الناس عمل المتوالية في الماديات، لكنهم لا ينتبهون له في غيرها. في السلوك - مثلاً - يجرُّ الانحراف البسيط إلى أكبر منه، ويتطور تدريجياً إلى ما يشبه كرة الثلج التي تبدأ صغيرة لتصبح ضخمة في ما بعد.
وفي مقابل هذا التقدم المتدرج في طريق الخطأ يكون هناك انسحاب متدرج من طريق الصواب؛ فلا يُتوقع من شخص - مثلاً - أن يزداد انغماساً في الفكر الإلحادي ويبقى على درجة إيمانه بالله، تعالى.
أي مؤثِّر نواجهه في حياتنا لا يخرج - غالباً - عن أحد تيارين: إما تيارٌ راقٍ يشد للأعلى وإما منحط يدفع للقاع.
والمشكلة أن النوع الثاني أسرع وأكثر تأثيراً من النوع الأول؛ لذلك يستغل العاقل فرصة تعرُّضه للأول ليرقى، ويتجنب الآخر قَدْر استطاعته ليسلم؛ فإن ابتلي به كان حتماً عليه مقاومته؛ لأن بقاءه ساكناً تجاهه يعني انجرافه دون أن يشعر.
عبد اللطيف بن بريك الثبيتي
[1] مدارج السالكين: 1/ 118.