إذ الحالة هي مفاوضات ومساومات على العراق شعباً وأرضاً وسلطة حكم وثروات وجغرافيا، بين محتلَّيْن، بما يحقق مصالح المتفاوضين على حساب الطرف الغائب.
يتهيأ العراق الآن لولوج مرحلة جديدة من ترتيب وإدارة الصراعات السياسية الداخلية،
تحت تأثير التغييرات المتوقعة في العلاقات بين دولتي الاحتلال (إيران، والولايات
المتحدة الأمريكية)، بعدما أُعلن في الولايات المتحدة أن الرئيس الجديد (جوزيف
بايدن) يعتزم تغيير المسار والعودة للالتزام بالاتفاق النووي مع إيران، وَفْقَ صيغة
للتفاوض تشمل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني والدور الإيراني الخبيث في
الإقليم. هذا التغيير والاختلاف عن سياسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب،
سيعيد ترتيب نفوذ دولتَي الاحتلال وأنصبة التمثيل في سلطة الاحتلال، وأدوار القوى
السياسية والميليشيات الإيرانية، على نحو مختلف عمَّا جرى خلال الحالة الصدامية
التي شهدها العراق طوال السنوات الأربعة التي أمضاها ترامب في البيت الأبيض.
كانت إدارة ترامب قد اختـارت العراق ليكون نقطة الصدام المباشر مع إيران، ولذلك
أسباب متعددة، ورأت إيران خطر هذا الصدام عليها وعلى مصالحها وفهمت دلالاته،
للأسباب الأمريكية ذاتها تقريباً. وهو ما أحدث تغييرات وصراعات في العراق، وجعل
الأوضاع مختلفة على نحو كبير عمَّا كان جارياً خلال مرحلتي جورج بوش الابن وباراك
أوباما.
واليوم يأتي بايدن إلى الحكم في ظل إعلانات بتغيير نمط الحالة الصدامية التي
أحدثتها سياسة ترامب مع إيران، والتحول إلى حالة التفاوض، فالعراق يعيش وضعية توتر
وقلق باعتباره - باختيار الطرفين الإيراني والأمريكي - أهم الملفات الإقليمية التي
يمكن تبادل الضغوط وإجراء المساومات بشأن قضاياها؛ خاصة فيما يتعلق بترتيبات الوضع
الداخلي وعلاقات العراق بالإقليم سواء إيران أم الدول العربية، ويمكن القول بأن
إيران تصعِّد في قضايا الملف النووي حالياً لكي تحقق مكاسب أعلى في الإقليم عموماً
والعراق خصوصاً.
سيكون العراق هو الحاضر الغائب على مائدة التفاوض، وسيكون الحاضر في حالة الصراع
وتبادل الضغوط بين الطرفين الأمريكي والإيراني، وصولاً إلى ترتيب الأوضاع
المستقبلية. وهو المرشح لدفع الثمن سواء اتفق الطرفان بسرعة حول البرنامج النووي
والعقوبات والبرنامج الصاروخي الإيراني، أم تمهلا في الوصول لاتفاق؛ إذ هو ساحة
الضغوط الأكثر فعالية خارج طاولة المفاوضات، وهو الملف المفتوح لتبادل المصالح على
الطاولة، بحكم الوجود المباشر لكلا الطرفين على أرضه.
وأول المؤشرات على الوضع القلق وحالة التوتر والانتظار، هو ما حدث من تأجيل
للانتخابات البرلمانية (المنوط بها تحديد أنصبة إيران والولايات المتحدة في السلطه
القائمة)، وتمديد مدة بقاء حكومة الكاظمي من يونيو إلى أكتوبر القادم، (والأغلب أنه
سيتم تأجيلها أكثر) بحكم ارتباط تشكيل الحكومة القادمة، بما ستنتجه المفاوضات
الأمريكية الإيرانية. وهو تأخيرٌ يبدو طبيعياً على الصعيد الأمريكي بسبب حالة
الاضطراب الداخلي وأولوية ملفات أخرى مثل كورونا والعلاقات مع أوروبا وروسيا
والصين، بينما تسعى إيران لاغتنام التأخير لاستعادة دور ونفوذ ميليشياتها في العراق
(وهو ما سيجعل العراق يعيش أياماً دموية)، لتدخل المفاوضاتِ في وضعٍ أفضل، وما
التفجير المزدوج الأخير في بغداد إلا أحد أوجه العمل الإيراني لإعادة القول بضرورة
بقاء الحشد مسلحاً ومسيطراً لمواجهة خطر داعش، بعد فشل القوات الحكومية في منع
التفجير الذي أسقط عشرات من الضحايا.
لماذا العراق؟
لقد اختارت إدارة ترامب العراق نقطةً لتغيير المعادلة القائمة وتقسيم الأدوار
(المعتمد) لنحو 16 عاماً بين النفوذين الإيراني والأمريكي، والذهاب لحالة الصدام
المباشر، حين اغتالت قاسم سليماني القائد في الحرس الثوري الإيراني، والمسؤول عن
نشاط الميليشيات الإيرانية في العراق والإقليم، باعتبار أن العراق هو البلد الذي
شهد تعاوناً وتشاركاً إيرانياً - أمريكياً، منذ بداية الاحتلال. قالت إدارة ترامب
بهذا الاغتيال: إن لترامب سياسة مختلفة جذرياً عن كل مَن سبقه من الرؤساء
الأمريكيين؛ إذ بدأ احتلال العراق خلال حكم جورج بوش (8 سنوات)، وتواصل خلال حكم
أوباما (8 سنوات)، دون تغييرٍ لمعادلة الحكم وَفْقَ أنصبة متفق عليها بطريقة أو
بأخرى، بين إيران والولايات المتحدة.
لقد حققت هذه الضربة للولايات المتحـدة تغييراً مباشراً وتبديلاً فورياً للمـوقف
والتوازنات مع إيران على أرض العراق. اختارت الولايات المتحدة أن يجري الاغتيال على
أرض العراق (لا سوريا ولا لبنان)؛ إذ العراق هو الدولة الوحيدة التي احتلتها
الولايات المتحدة بجيشها وَفْقَ قرارٍ إستراتيجي للبقاء في احتلالها لتحقيق أهدافها
هي، واغتيال سليماني، ومعه قائد ميليشيات الحشد الموالي لإيران في العراق أبو مهدي
المهندس، كان بمثابة إعلان حرب على محاولة إيرانية جارية لتغليب مصالحها
الاستعمارية على حساب المصالح الاستعمارية الأمريكية في هذا البلد المنكوب
باحتلالين في وقت واحد.
اختارت العراق، لتبرز موقفاً رافضاً ومواجهاً للخطة الإيرانية التي حولت العراق إلى
محور الارتكاز والحركة الإيرانية إلى سوريا ولبنان، وبعد أن تم تشكيل الميليشيات
وتهيئتُها لتكون محور الانطلاق المحتمل نحو دول عربية أخرى حليفة للولايات المتحدة.
وتلك الأسباب هي نفسها التي جعلت إيران تحسب حساباتها، حين ردَّت على هذا التصعيد
الأمريكي؛ إذ ترى إيران أن العراق هو قلب حركة تشكيل الإمبراطورية الفارسية، وهو
ساحة الحركة الكبرى لإنجاز هذا المشروع بحكم القدرة البشرية والنفط المنهوب
المسخَّر لخدمة خططهـا، ولذلك حرصت على أن لا يتحول العراق إلى ساحة صِدام أمريكي
إيراني شامل، وخاصة أن قطاعاً من الشعب العراقي سيدعم الولايات المتحدة ضد إيران،
فضلاً عن أن الصِّدام سيفتح المجال لنقل الصراع إلى داخل إيران بحكم التمـاس الشامل
بين العراق وإيران.
وتريثت إيران في الرد، باعتبار العراق هو المساحة الجغرافية التي إن تحققت السيطرة
لإيران عليها، فذلك يمنع تشكيل سياج بري يعزلها عن التواصل المباشر مع مناطق نفوذها
في سوريا ولبنان...إلخ. وقد ثبتت أهمية العراق لإيران بعد الحصار الأمريكي؛ إذ كان
العراق نقطة الارتكاز الأهم في إضعاف الحصار، اقتصادياً على الأقل.
ولذلك لم يكن الرد الإيراني الأهم هو ذاك القصف الصاروخي الإيراني على إحدى القواعد
الأمريكية (المتوافَق على محدوديته)؛ بل كان التسريع بخطة تعميق نفوذ ودور
الميليشيات الإيرانية في العراق وزيادة تسليحها وتشكيل ميليشيات بأسماء جديدة تمارس
ضغطاً عسكرياً على القوات الأمريكية في العراق، عبر زرع عبوات ناسفة لتفجير قوافل
إمداد وتموين تلك القوات، أو القصف المتكرر على مبنى السفارة الأمريكية وإن كان
القاسم الأعظم في فعالياته تلك، أنها مجرد عمليات ليس لها تأثير عسكري؛ إذ سقطت كل
القذائف تقريباً على المحيـط السكاني والمدنيين العراقيين، لا على السفارة
الأمريكية.
وتلك هي المعضلة الكبرى التي تواجه بايدن في العراق الآن.
العراق... مِن تقاسم المصالح إلى الصدام:
مرت العلاقات الإيرانية الأمريكية في العراق بمراحل متعددة، وهي تتهيأ الآن لدخول
مرحلة جديدة بعد وصول بايدن إلى الحكم.
عند بداية التحضير للحرب الأمريكية على العراق لاحتلاله، عُقدَت تفاهمات واسعة بين
الطرفين الأمريكي والإيراني، تمكنت الولايات المتحدة من خلالها توظيف المجموعات
الإيرانية في العراق كسند سياسي للحرب والاحتلال من خلال مشاركتها في مؤتمر
المعارضة العراقية في لندن، الذي شكَّل غطاءً سياسياً وإعلامياً لعملية الغزو،
وقاعدةَ أساس لتشكيل التحالف المنوط به تشكيل النظام السياسي البديل بعد الاحتلال.
وامتدت التفاهمات لتشمل العمليات الحربية؛ إذ كانت تلك الميليشيات الإيرانية سنداً
على الأرض سواء لجمع المعلومات الاستخبارية أم الهجوم على القوات العراقية من الخلف
والقيام بأعمال التخريب وقطع الجسور... وهو ما أقرَّ به نائب الرئيس الإيراني
الأسبق محمد خاتمي، حين تحدث محمد علي أبطحي في مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل في
أبو ظبي في 13 يناير عام 2004م، إذ قال إن بلاده
«قدمـت
الكثيـر من العون للأمريكييــن في حروبهـم ضـد أفغانســتان والعراق»،
وأنه
«لولا
التعـاون الإيراني»
لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة.
وقد ضمنت الولايات المتحدة من خلال تلك التفاهمات في تلك الفترة إلزام المجموعات
السياسية والسكانية المرتبطة بإيران بإعلان الموافقة على دخول قوات الاحتلال
الأمريكي للاراضي العراقية، وتقديم الدعم لها.
وفي مرحلة تالية وبعد اندلاع المقاومة العراقية واشتداد ساعدها ومع فشل القوات
الأمريكية في هزيمتها، تعمَّق الدور الإيراني في العراق، بفعل حاجة الولايات
المتحدة لظهير محلي موالٍ للاحتلال في مواجهة المقاومة. وفي المقابل منحت الولايات
المتحدة المجموعات والميليشيات الإيرانية دوراً أساسيّاً في تشكيل العملية السياسية
للحكم (الجديد) تحت الاحتلال، ودوراً أكبر وأخطر في تشكيل مؤسسات الدولة الجديدة
الأمنية والعسكرية لضمان تعاونها العسكري والاستخباري والخططي في مواجهة المقاومة.
لقد جرى تثبيت كل التابعين لإيران في تلك المرحلة - وللولايات المتحدة بطبيعة الحال
- في قيادة سلطة الاحتلال، وهو ما استمر بشكل متصاعد بعد انسحاب الجـانب الأكبر مـن
قوات الاحتلال الأمريكي عام 2011م بعد توقيع اتفاقية لبقاء الاحتلال الأمريكي،
وَفْقَ تفاهمات أمريكية - إيرانية.
ومع اشتعال الحرب على داعش، أصبح لإيران وميليشياتها دور حاسم في إدارة العراق على
كافة الصعد. لقد استفادت إيران من المعركة مع داعش، من زوايا عديدة: أولها تشكيل
ميليشيات الحشد التي كان غالب عناصرها موالين لإيران بشكل حاسم. ودخول القادة
العسكريين الإيرانيين وعلى رأسهم قاسم سليماني إلى ساحة العمليات العسكرية في ظل
غطاء من الطيران الأمريكي. وتوسيع حركة تسليحها للميليشيات تحت ضغط المعارك... كل
ذلك فتح الأبواب لتطوير إيران نفوذها ودورها على الأرض إلى مدى أبعد مما كان.
تحركت إيران عبر ميليشـياتها للسيطرة الكاملة على العملية السياسية في العراق (بعد
السيطرة العسكرية على الأرض)، وهو ما جرى خلال الانتخابات البرلمانية التي تلت
الحرب على داعش.
كانت الانتخابات البرلمانية العراقية محطة حاسمة في تطوير النفوذ الإيراني داخل
بنية سلطة الاحتلال على حساب النفوذ الأمريكي؛ إذ جرى تطوير عمل ميليشيات الحشد
لتصبح القوة الأكبر والأشد تأثيراًًً في العملية السياسية، بعد تشكيل أجنحة سياسية
لها وخوض الانتخابات. استفادت الميليشيات وأجنحتها السياسية من أعمال الهدم
والإضعاف والتنكيل التي جرت للسُّنة بكافة مكوناتهم السياسية والمجتمعية منذ بداية
الاحتلال وبعد الحرب على داعش خاصة، كما استفادت من انفراد تلك الميليشيات بامتلاك
السلاح بشكل أكثر قوة من الجيش الحكومي والبشمركة التابعة للمكوِّن الكردي.
واستخدمت الميليشيات قوَّتها للقيام بأعمال التزوير في الانتخابات لتخرج من
الانتخـابات وقد هيمنت سياسياً وعسكرياً على العملية السياسية وسلطة الاحتلال.
وعلى تلك الخلفية، وبعد وصول ترامب للحكم وفرضه عقوبات الحد الأقصى على إيران، كان
طبيعياً أن يجري تحرُّك أمريكي لمواجهة تغوُّل نفوذ الميليشيات الإيرانية على حساب
نصيب الولايات المتحدة في سلطة احتلال العراق، وهو ما ترافق مع حملة شعبية وسط
المناطق الشـيعية التي اشـتعلت غضـباً ضد هيمنة وسيطرة تلك الميليشـيات وضد
ممارسـاتها في داخل المجتمع الشيعي. لقد حملت تلك الهبة الشعبية كامل ملامح رفـض
النفـوذ والـدور الإيراني، ورفعـت شـعارات إنهـاء الطائفية، وهي أخطـر ما فرضته
إيران في العراق، ولذلك تتحرك إيران مجدداً إلى المـربع الطائفي عبر عمليات التفجير
والقتل والدعايات الطائفية.
مخاطر المساومات بين بايدن وإيران:
والآن، ومع دخول إيران و (أمريكا - بايدن) حالة التفاوض مجدداً، يبدو أن العراق
سيكون هو الملف الأساس في المفاوضات القادمة بشأن النفوذ والدور الإيراني في
الإقليم، بعدما برزت رؤى أمريكية رسمية تتبنى الربط بين قضايا الملف النووي
الإيراني وقضايا الصواريخ الباليستية الإيرانية وقضايا التدخل الإيراني
(الاستعماري) في دول الإقليم المجاور، أو المنطقة العربية. وفي مثل تلك المفاوضات،
فإن العراق هو الخاسر.
فحين يجري اتخاذ قرار بالتفاوض بين طرفين، فالأمر المسلَّم به أن الطرفين كليهما
قررا المساومة وتبادل المصالح، وفي الحالة العراقية فإن القضايا التي يجري التفاوض
حولها تصب جميعها في غير مصلحة العراق؛ إذ الحالة هي مفاوضات ومساومات على العراق
شعباً وأرضاً وسلطة حكم وثروات وجغرافيا، بين محتلَّيْن، بما يحقق مصالح المتفاوضين
على حساب الطرف الغائب.
وفي التفاصيل، فإن ما يقلق الولايات المتحـدة - وإسرائيل بطبيعـة الحال - من
البرنامج النــووي الإيرانـي هو الخوف على إسرائيل لا غيرها. وما يقلقها بشأن
الصواريخ الباليستية هو أن تقوم إيران بتمـرير تلك الصواريخ بعيدة المدى للميليشيات
الإيرانية في العراق، وهو ما يظهر جليّاً من الحملة التي يقوم بها الكيان الصهيوني
على سوريا؛ إذ يجري قصف الإمدادات الصاروخية الإيرانية إلى سوريا والعابرة لها إلى
ميليشيا حسن نصر الله.
وفي شأن ملف العراق، سيكون وضع سلطة الاحتلال في العراق، تكوينِها وتقاسمِ النفوذِ
في داخلها، على طاولة التفاوض لأجل تقاسم النفوذ والمصالح بين الطرفين (لا مصلحة
الشعب العراقي وحقه في تقرير مصيره)، وهنا تحديداً سيكون أمر الميليشيات الإيرانية
حاسماً في تحديد التوجهات المستقبلية للسيطرة على العراق، كما أن أمر تمدد
الميليشيات من العراق إلى سوريا، ومحاولة بناء جيش الميليشيات الإيراني للإقليم
سيكون نقطة تفاوض. وبمعنى أو بآخر، فإن المفاوضات تتعلق بمصير العراق وسلطته
السياسية والتوازنات الداخلية وحركة القوى السياسية والنظام السياسي ومعالم القوة
الفعلية على الأرض، أو أن العراق سيتقرر مصيره في تلك المفاوضات.
وفي النظر لما سيجري، فإن المعضلة العراقية هي أنه لا حضور للعراق، أو أن الولايات
المتحدة - وللمرة الثانية - تتعامل مع مصير العراق باعتباره أمراً يخص إيران لا
الشعب العراقي، ويتعلـق بإيران والولايات المتحدة لا بالشعب العراقي.
ويأتي الخطر في الحالة العراقية بالنظر إلى أن المفاوضات ستجري، بينما العراق أصبح
في وضعية الخيارات المصيرية بعد نحو 20 عاماً من أعمال القتل والنهب والسلب التي
قام بها الاحتلالان الأمريكي والإيراني. فالعراق الآن أقرب إلى وضعية الإجماع
الشعبي على إنهاء الحكم الذي أتى به الاحتلال بعدما احتشدت أغلب المكونات العراقية
الشعبية على ضرورة التغيير الشامل للأوضاع، بينما المفاوضات سينتج عنها إعادة تجديد
سلطة الاحتلال.
وخطر المساومات الأمريكية الإيرانية على العراق، ناتج الآن عن أن الساحة العراقية
هي الأقرب للتنازل الأمريكي في المفاوضات لمصلحة الطرف الإيراني؛ وذلك لأسباب
عديدة:
أولها: أن الخطة الإيرانية بالتصعيد حول البرنامج النووي جرت وما تزال لحصد مكاسب
في الإقليم، لأن الملف النووي له الأولوية في خطة بايدن وغيره، لتعلق هذا الملف
الشديد بالرؤية والمصالح الصهيونية من جهة ولأن وصول إيران ببرنامجها النووي إلى
المستوى العسكري سيغيِّر الأوضاع في الإقليم ويشعل حالة السباق النووي، وهو ما
سيأتي على حساب الدور والمصالح الأمريكية والإسرائيلية كليّاً. وفي المقابل فإن
العراق هو الأهم في أولويات جدول التوسع والانتشار الإيراني في الإقليم.
وثانيها: لأن إيران في العراق لا ينازعها في السيطرة عليه قوة إقليمية مساندة للشعب
العراقي؛ إذ الولايات المتحدة فتحت الطريق للوجود الإيراني في العراق منذ بداية
الاحتلال، لخدمة مصالحها هي في مواجهة الشعب العراقي، بينما أغلقت أبواب العراق
أمام الدول العربية وتركيا لاعتمادها على المكوِّن الشيعي في مواجهة المكوِّن
السني، ولذلك فالولايات المتحدة في وضع أضعف في حالة التفاوض.
وثالثها: لأن الولايات المتحدة في ظل حكم بايدن ستكون أقرب إلى فكرة تقوية إيران في
ظل موقفها الإستراتيجي المعادي للدول السنية، وذلك يشمل الجميع في المنطقة، وبايدن
هو واحد من أهم اللاعبين في إستراتيجية تحالف الأقليات، وقد رأيناه وهو عضو في مجلس
الشيوخ عن الديمقراطيين من الداعمين لحرب أشعلها الجمهوري جورج بوش على العراق.
ورابعها: لأن الكيان الصهيوني يرى الخطر الأهم عليه هو الدور الإيراني في لبنان
وسوريا أكثر منه في العراق، لبُعد المسافة، وما تهتم به إسرائيل هنا هو أن لا تحصل
الميليشيات الإيرانية في العراق على صواريخ بعيدة المدى وأن لا تتحرك تجاه الأرضي
السورية لتشكل خطاً ممتداً أقرب إلى الكيان الصهيوني.