نتنياهو بين الضم والقضم!
لا يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يطبق قرار (الضم) الذي لوَّح به ووعد بتنفيذه في بداية شهر يوليو؛ إلا بعد حصوله على موافقة ثلاثة أشخاص، هم: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، وكذلك رئيس الموساد يوسي كوهين.
مشروع نتنياهو، الذي وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بأنه فقاعة هدفه إرضاء اليمين اليهودي، لا يوجد حدود ملموسة له على أرض الواقع؛ فقادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لا يعرفون شيئاً عن مشروع نتنياهو، سواء كان ينوي ضمَّ غور الأردن أم الكتل الاستيطانية الكبيرة، أم الضفة الغربية بأكملها؟
تداعيات القرار الإسرائيلي ستكون وخيمة بحسب ما قالت صحيفة «هآرتـس»، التي أشارت إلى إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن وقف التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية ونظيرتها الإسرائيلية. يقول العقيد احتياطي مايكل ميلشتين، الرئيس السابق للدائرة الفلسطينية في المخابرات العسكرية الإسرائيلية: «إن القصة الكبرى هي التنسيق المدني، لأنه يؤثر على كل سكان الضفة بعكس التنسيق الأمني الذي يمس 95.000 من عناصر الأمن».
تتوقع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن يكون هناك هجمات فلسطينية في حال طُبِّق قرار الضم، وحتى لو اتخذ الرئيس عباس قرارات تتعلق بالتصدي لتلك الهجمـات فإن الأجيال الجـديدة لا يمكـن أن تلتزم بقراراته، فتنظيم فتح يعمل في المخيمات وهي مستودعات للأسلحة لا يمكن السيطرة عليها. أما بالنسبة للأردن فإن التعـاون الاستخباري وثيـق مع (إسرائيل) بحسب الجنرال ميلشتين، وهناك تعاون إستراتيجي بين الجانبين لذلك هناك مصالح مشتركة تربط الجانبين وسيكون لها تأثيرها في تهدئة الأوضاع.
بالنسبة للنصارى واليهود هناك أسباب دينية تتعلق بالسيطرة على وادي الأردن، لكن على الجانب السياسي فإن المنظمات الدولية تعتبر الضفة الغربية أراضي محتلة لا يمكن الاعتراف بشرعية الاستيطان اليهودي فيها بموجب اتفاقية جنيف، لكن نتنياهو يحتمي بالموقف المتطرف للولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب. ففي نوفمبر الماضي أعلنت الإدارة الأمريكية صراحة أن المستوطنات «لا تتعارض مع القانون الدولي». إن أكثر سيناريو يخيف دولة الاحتلال من خطة «الضم» يتعلق بانهيار السلطة الفلسطينية، لأن ذلك سيجبرها على تحمُّل المسؤولية تجاه قرابة خمسة ملايين فلسطيني في الضفة وقطاع غزة، بما في ذلك الأعبـاء اليومية مثل الكهـرباء والماء والبنية التحتية. نتنياهو الذي يعد الشخص الذي حصل على أطول فترة في الحكم بدولة (إسرائيل)، يعتقد أن توسيع الدولة اليهودية في الأراضي المحتلة سيسجله في كتب التاريخ اليهودي، وسيجعله يضع خطاً أساسيّاً للمفاوضات المستقبلية مع الفلسطينيين، لا سيما في ظل وجود موافقة أمريكية على ممارساته.
على المستوى السياسي تضمن هذه الخطوة الحصول على الدعم اليميني باعتبار نتنياهو بطلاً يهـودياً عندما يحضر أمام المحكمة لمواجهة اتهامات بالفساد. العامل الذي قد يكون دفعه لتسريع هذه الخطوة التي تستهدف بالدرجة الأولى منطقة غور الأردن هو عدم اليقين بإمكانية عدم فوز دونالد ترامب بولاية رئاسية ثانية في الانتخـابات المقرر في نوفمبر وبذلك تسقط ورقة الدعم الإنجيلي له.
احتلت سلطات الاحتلال الضفة الغربية منذ أكثر من خمسة عقود في حرب عرفت بــ (النكسة) عام 1967م، ومن ذلك الحين تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلة كاملة باستثناء بعض الجيوب التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو الذي أخمد الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1993م.
يسعى نتنياهو لضم ما يصل إلى 30% من الضفة الغربية بما في ذلك وادي الأردن الذي يعـد جزءاً من هوية الأمن القومي الإسرائيلي، ويعقب على ذلك اللواء المتقاعد عاموس يادلين، رئيس معهد دراسات الأمن القومي، بقوله: «الضم لن يغير أي شيء، هناك مصلحة أيديولوجية فقط، مع سلبيات اقتصادية ودبلوماسية».
ويضيف يادلين: «إن سيناريوهات ارتفاع المخاطر التي توقَّعها بعضهم مثل قطعِ معاهدة السلام مع الأردن وتجددِ الانتفاضة الفلسطينية، وإحالةِ الملف للمحكمة الدولية ليسـت سـيناريوهات حتميـة، لكـن هذا الأمر لا ينفي كون الخطوة سيئة وستنهي خيار حل الدولتين». يقول نشطاء من اليسار الإسرائيلي: إن خطة نتنياهو تستهدف ضم 48 قرية فلسطينية في وادي الأردن تضم 9.000 فلسطيني ولا يُعرَف ما مصير هؤلاء في حال نفَّذ نتنياهو خطته، فالخطة التي وصفت بــ (الدراماتيكية) من قِبَل اليسار الإسرائيلي أعلن عنها نتنياهو لأول مرة عام 1995م في كتابه «مكان بين الأمـم»، وكانت تدور حول منح «أربع مقاطعات عربية إدارة ذاتية».
وفي عام 1997 قدم نتنياهو نسخة من الخطة للرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون، وقدم فرع التخطيط في الجيش الإسرائيلي عرضاً تفصيلياً بالخريطة السرية التي رسمها الجيش لمصالح دولة الاحتلال الأمنية في الضفة، وردَّ كيلنتون في حينه بكلمة واحدة «مثير للاهتمام»!
بعض الإعلاميين الإسرائيليين أشاروا إلى أن نتنياهو قد بنى خطته على فكرة لضم غور الأردن ومنح حكم ذاتي للفلسطينيين في جيوب الضفة المحتلة، وَفْقاً لمخططٍ سابقٍ وضعه إيغال آلون، عضو مجلس الوزراء الإسرائيلي عام 1967م، بعد أسابيع من احتلال الضفة، وأشارت صحيفة (هآرتس) إلى أن خطة آلون كانت تهـدف إلى دمج قطاع بعرض 10 إلى 14 ميلاً على طول الضفة الغربية لنهر الأردن.
وَفْقاً لمعطيات مجلس المستوطنات اليهودية في غور الأردن، فإن تلك المنطقة يوجد فيها 25 مستوطنة يهودية قائمة (ولا يشمل ذلك مستوطنات منطقة شمالي البحر الميت) يقطنها قرابة 6.000 مستوطن، بينما يقدَّر عدد الفلسطينيين القاطنين في المنطقة ذاتها بنحو 15 ألف نسمة، وتبلـغ مساحة تلك المنطقة 840 ألف دونم، وتقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بإجراء عمليات هدم لبنايات فلسطينية بهدف عدم تمكين الفلسطينيين من الاستقرار في تلك المنطقة؛ فبين عامَي 2010 - 2012م، نفَّذت قوات الاحتلال أوامر هدم لــ 662 بناية. ويتراوح عرض وادي الأردن ما بين 6.7 و 14.5 كم، ويعد حاجزاً دفاعياً يبلغ ارتفاعه 900 إلى 1400 متر، ولا يمكن اجتيازه إلا عبر خمس ممرات جبلية أساسية، لذلك يعتبره الجيش الإسرائيلي جزءاً من الخريطة الدفاعية الإسرائيلية، ولذلك في دراسة لمعهد (بيغن - السادات) توصف المنطقة بأنها «خط دفاع حيوي لأمن إسرائيل».
الوادي نفسه هو حوض جيولوجي من بحر الجليل في شماله إلى البحر الميت في نهايته الجنوبية، ويتعرج نهر الأردن أسفل الوادي ويصب في البحر الميت. ويضم الوادي منطقتين خاضعتين للسيادة الإسرائيلية، وتصنفان ضمن المنطقة (ج) التي تخضع لسيطرة عسكرية إسرائيلية، أما أكبر منطقة في الوادي تخضع للسيطرة الفلسطينية فهي مدينة أريحا ويبلغ عدد سكانها حوالي عشرين ألف نسمة، ويضم الوادي بأكمله حوالي 58.000 فلسطيني و 50.000 مستوطن يهودي. في عام 2011م وصف نتنياهو خلال زيارة له منطقة الأغوار بأنها «بوليصة التأمين لدولة إسرائيل»، وفي مطلع العام 2015م أوعز نتنياهو بهدم جميع المباني التي شيدها الفلسطينيون في مناطق (ج)، ومن ضمن ذلك في منطقة غور الأردن أيضاً.
تكمن أهمية الوادي بالنسبة للأمن القومي الإسرائيلي بسبب ما تصفه بـ «عدم اليقين الإقليمي»، ولكونها من الناحية الجغرافية صغيرة وتنحصر في شريط ساحلي ضيق بين البحر الأبيض المتوسط والضفة الغربية؛ فإن ذلك يزيد من الأعباء الأمنية عليها ويجعل منطقة وادي الأردن مهمة جداً لحماية الجبهة الشرقية، ومن المهم الإشارة هنا إلى أن دولة الاحتلال يبلغ عرضها 40 ميلاً فقط من البحر الأبيض المتوسط وإلى نهر الأردن، وهذا الأمر هو العمق الإستراتيجي والمجال الجوي الذي يمكن أن تدافع عن نفسها فيه.
الاستيطان في الضفة:
انتشرت خريطة الاستيطان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية المحتلة مدفوعة بالحروب المتكررة وعمليات التهجير الممنهجة التي يمكن سردها وَفْقَ أربعة مراحل من خلال الجدول التالي:
المرحلة | الفترة الزمنية | أبرز سمات المرحلة |
الأولى | 1840 - 1882م الفترة الواقعة بعد انعقاد مؤتمر لندن وهزيمة محمد علي في الشام واحتلال بريطانيا لمصر. | بداية النشاط الاستيطاني حيث هاجر10.000 يهودي من روسيا إلى فلسطين عقب اضطهادهم إثر اغتيال القيصر. |
الثانية | 1882 - 1920م هذه الفترة استمرت حتى بداية الانتداب البريطاني على فلسطين. | وصل عدد المستوطنين اليهود نحو 85.000 جلُّهم قدِموا من أوروبا وروسيا وتضمنت هذه المرحلة تأسيس الحركة الصهيونية العالمية. |
الثالثة | 1920 - 1948م فترة الانتداب البريطاني على فلسطين. | وصل عدد المستوطنين اليهود نحو 260.000 جلهم من أوروبا ومن اليهود السفارديم من اليمن وتركيا وإيران والمغرب والعراق ومصر. |
الرابعة | 1948 - 1967م الفترة الواقعة بين نكبة فلسطين والنكسة العربية. | تهجَّر خلالها أكثر من 726 ألف فلسطيني واستمرت زيادة النشاط الاستيطاني من أوروبا وأمريكا. |
إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م طرأ العديد من التغييرات على الصعيد الدولي كان هدفها الأبرز محـاولة إسكات جهدٍ فلسطينيٍ جديدٍ رافضٍ للاستيطان اليهودي في فلسطين، وهو ما أدى إلى البدء في الحديث عن اتفاقات عدة للسلام؛ بموجبها يصبح هناك كيان فلسطيني معترَف به دولياً كان الهدف منه تحمُّل المسؤولية عما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأفضى ذلك الجهد إلى ما عُرِف لاحقاً باتفاق أوسلو الذي تم توقيعه عام 1993م، ونجم عنه نقل صلاحيات إدارية وأمنية للسلطة الفلسطينية في بعض المناطق مثل قطاع غزة والضفة الغربية وهي أماكن مكتظة بالمخيمات والكثافة السكانية العالية، وقُسمَت - وفق الاتفاقات الأمنية اللاحقة - الصلاحيات الإدارية والأمنية بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى ثلاثة تصنيفات:
- (أ) وتشمل سيطرة فلسطينية كاملة وتمثل ما نسبته 18% من الضفة المحتلة.
- (ب) وتشمل سيطرة فلسطينية مدنية، إسرائيلية عسكرية، وتضم ما نسبته 22% من الضفة المحتلة.
- (ج) وتتضمن سيطرة إسرائيلية كاملة وتشمل 60% من مساحة الضفة المحتلة[1].
وكان الهدف من هذا التوزيع الأمني استمرار التنسيق الأمني المشترك بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية ونظيرتها الإسرائيلية لحماية المستوطنات الإسرائيلية المنتشرة في الضفة المحتلة، وتضم الضفة الغربية 94 مستوطنة مصنفة على أنها (ريفية) بينما ينتشر فيها 50 مستوطنة (حضرية)، ورغم أن عدد المسـتوطنين في المسـتوطنات الحضرية يصل إلى نصف مليون مستوطن إلا أنهم في المستوطنات الريفية لا يتجاوز عددهم 60 ألف مستوطن. وهذا الأمر يدل على أن المسميات لا تعطي الانطباعات الحقيقية للهدف من العملية الاستيطانية؛ فالمستوطنات الريفية تضم أنشطة زراعية وصناعية وسياحية، بينما الأخرى تعدُّ الأكثر كثافة سكانية، وتعدُّ الأولى حجر الأساس لتدشينها. وهنا يجب التوضيح أن 50% من إجمالي المستوطنين في الضفة المحتلة يتمركزون في القدس المحتلة وضواحيها؛ وهذا يؤكد سعي الدولة العبرية الدائم للسيطرة على القدس المحتلة.
ويتمركز النشاط الاستيطاني في المرتبة الثانية في محيط مدينة رام الله والبيرة بما معدله 19% من الاستيطان في الضفة.
من الملاحظ أن المشروع الاستيطاني في الضفة المحتلة سعى عبر العقود الخمسة الأخيرة إلى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم أو التركيز على تشييد بنية تحتية تصنع مدناً يهودية داخل الضفة المحتلة وتحويل الأخيرة إلى كنتونات سكانية فلسطينية مفصولة بعضها عن بعض بالطرق الالتفافية والقواعد العسكرية لتعطيل أي تسوية سياسية قد تؤدي لإنشاء مشروع دولة فلسطينية، لذلك ينظر للسلطة الفلسطينية على المستوى الشعبي على أنها عبء يحدُّ من الجهود الشعبية لمواجهة الاستيطان أمام التزاماتها الأمنية التي تعهدت بها بموجب اتفاقية أوسلو، لذلك تزيد المخاطر الأمنية الإسرائيلية كلما ضعف دور السلطة الفلسطينية.
[1] https://cutt.us/9vnHF