كانوا
هنا حيث كان الخِصْبُ والمطرُ
ثم انثنَوا،
وشذى الأشواقِ ينتشرُ
كانوا
هنا نبضَ قلبٍ ضمَّ عاشقَهُ
ثم انتحى يشرح
النجوى ويختصرُ
كانوا
إلى سدرةِ الجوزاء ألويةً
يحدِّثُ الدهرَ
عنها الشمسُ والقمرُ
وطـوَّفوا
في بلادِ الله قاطبةً
(وألحفوا الأرض
من أطرافِ ما ائتزروا)
وساوروا
الليل في مسرى عزائمهم
فأشرقوا والضحى
يندى وينهمرُ
خاضوا
البحارَ بحاراً في تموُّجها
وطاولوا قمماً ما
نالها البشرُ
وقفوا
على شاطئ (الأطلنط) في لَهَفٍ
والموجُ يستشرفُ
الآتي ويعتذرُ
(لو
خلف هذا) ودوَّى الصوتُ منهمراً
في ساحةِ المجدِ
يستعلي ويزدهرُ
وأشرف
الفجرُ من علياءِ غُـرَّته:
يا أُفْقُ ماذا هنا؟
يا نجمُ ما الخبرُ؟
هنا
تماهوا كأزهارِ الربيع هُمُوا
كالغيثِ يستنهض
الغبرا ويعتصرُ
وجوهروا
الرملَ أمجاداً وأزمنةً
واستسهلوا الصعبَ حتى
أورق الحجرُ
كانوا
هنا وذوى صوتي وحاصرني
في غصة البوح
هذا الجرحُ والسهرُ
والقوم
حولي خمولٌ لا حدودَ لهُ
أغواهم اللهو
والتسمين والخدرُ
نظرتُ
حولي وقد خارت عزائمهم
وزادني ما أعاني
العجزُ والضجرُ
نظرتُ
حولي وغاب الوعي منشطراً
وليس فكرٌ ولا
سمعٌ ولا بصرُ
لكنه
القلبُ في الحالين يخبرني
أن ليس في ساحتي
(سعدٌ) ولا (عُمَرُ)
والبحرُ
خلفي هديرٌ ليس يحجزُهُ
إلا الرمالُ يُناغيها
وينحسرُ
هتفتُ
يا قوم هُبُّوا دونما كَسَلٍ
من يرهبِ الموتَ لا
يُقضى له وَطَرُ
خوضوا
المنايا كما قد خاضها نفرٌ
للهِ ما جـاهدوا، للهِ
ما نـذروا
صَبْوا
الدماءَ على أعدائهم حمماً
وسَورةُ الموتِ تسترعي
وتدخرُ
ويبذرون
بقلبِ الأرضِ سنبلةً
تباغت الفجرَ في ميعادها
النُّذرُ
هُبُوا،
وذابَ الهوى المبحوح في شفتي
ووقدةُ الحزنِ في
الأضلاعِ تستعرُ
إلى
غدٍ، وهَمَى دمعي إلى أملٍ
ورهبةُ الصمتِ في
الأجواءِ تنفجرُ