مصادرة أوقاف أهل السنة.. قراءة قانونية
إن أمتنا الإسلامية لتفخر بإرثها الديني والتاريخي الذي أسهم في بناء الحضارة ورفع
من قيمة الإنسان وراعى كل حاجاته حتى الكمالية منها؛ وليس أدل على ذلك من نظام
الوقف الذي شرعه رسولنا نبي الإنسانية، والذي يقضي بأن يتصدق الإنسان بعين لها ريع؛
أي لها ناتج سواء كان هذا الناتج مطعومًا أو مالًا مُقَوَّمًا. وقد تعددت صور هذه
الوقفيات، حتى شملت الحيوانات: كالوقف على الكلاب السائبة، والوقف على الدواب
المعطوبة، والخيل العرجاء والدواب المريضة والطيور، والوقف على الموالي حيث وقف على
من أراد العتق من الرقيق، وغيرها الكثير، وذلك في بغداد ودمشق وغيرها من بلاد
المسلمين.
وهذه الوقفيات تبقى أعيانها بعد وفاة أصحابها بحكم الوصايا الموثقة في دواوين
القضاء.
ومع احتلال العراق عام2003 م بدأت ظاهرة الاستيلاء على الأوقاف السنية بشتى الصور
من قبل جماعات شيعية، وقد تصاعدت وتيرة هذه التصرفات منذ عام 2006م من ناحيتين:
الأولى:
إضافة إلى المساجد فقد بدأ وضع اليد على الأملاك والعقارات الموقوفة لأهل السنة، من
محال تجارية وأسواق وأراضٍ زراعية، والعديد منها موقوف منذ مئات السنين.
وقد طالت هذه التجاوزات أوقاف السنة في كل المحافظات مثل كركوك والأنبار وسامراء
ونينوى وديالى وبابل وبغداد، فضلًا عن المحافظات الجنوبية.
الثانية:
بعد مرحلة وضع اليد على الأملاك بدأت مرحلة جديدة وهي تحويل عائدية تلك الأوقاف في
السجلات العقارية إلى ملك الوقف الشيعي بتحويل سندات ملكيتها كما حدث في وقفيات
الآصفية والسوق الملحقة بها، ووقف نجيب باشا في السوق بمحافظة النجف، وجامع الحيدري
في النجف، وفندق البراق في النجف أيضًا الذي اشتراه الوقف السني بعد الاحتلال
بأمواله، ووقفيات القاضي أبي يوسف في الكاظمية من محلات وغيرها، ووقف شعبان بيك في
الديوانية، مستخدمين قوات الجيش والشرطة لتغيير سجلات العقارات بالقوة وغير ذلك من
الأساليب الملتوية.
إن المشكلة التي نحن بصدد الحديث عنها تكمن في أن بعض القوانين شرعت على حين غفلة
من أهل الاختصاص وفي أوقات عصيبة لم يكن في بال أحد أن يفكر في مثل تلك الأمور
والجزئيات أمام ما كان يعانيه العراق من فتنة الاحتلال وآثاره، ومن تلك القوانين
قانون 19 لسنة 2005م لإدارة العتبات المقدسة الشيعية، ونشر في الجريدة الرسمية
بعددها رقم 4013 في 28/5/2005م، والذي قضى بعائدية إدارة العتبات المقدسة العائدة
لآل البيت رضي الله عنهم للوقف الشيعي، ونصت المادة الثانية منه على ما يأتي:
«وغيرهم من أولاد الأئمة وأصحابهم الأولياء الكرام من المنتسبين إلى مدرسة أهل
البيت عليهم السلام».
إن هذا القانون كان المتكأ لكل خطوة عرجاء سعت للاستحواذ على أموال المسلمين حيث
استغلتها جهات حكومية داخل ديوان الوقف الشيعي وخارجه.
وعند تدقيق النظر في هذا القانون وظروف تشريعه نخلص إلى نتائج مهمة منها:
أن
هذا القانون جاء مخالفًا لمبادئ قانون إدارة الدولة الانتقالية ومن هذه المبادئ:
«إزالة آثار العنصرية والطائفية»، بالمقابل نجد أن هذا القانون قد كرس الفعل ورد
الفعل الطائفي؛ فقد حصر إدارة العتبات المقدسة بالوقف الشيعي، الممثل عن الطائفة
الشيعية، وكأن أهل السنة لا يمتون إلى أهل البيت من قريب ولا من بعيد، ويتناسى الذي
كتب هذا القانون أن العديد من العشائر السنية يتصل نسبها بآل البيت رضي الله عنهم،
وتقوم عقيدتهم على محبة أهل البيت رضي الله عنهم، ولا ينكر هذا أحد، ومثال ذلك أهل
مدينة سامراء الذين ينتمون إلى السبطين الشهيدين الحسن والحسين، ومنهم عشيرتان
تنتسبان إلى الإمام علي الهادي رضي الله عنه، والمدينة كلها تتمذهب بالمذاهب
السنية، فكيف يكون هذا القانون منصفًا لهم وكيف يقبلون أن يتولى أحد غيرهم سدانة
جدهم الذي احتضنوا مقامه قرونًا عديدة؟
نصت
المادة (36/ج) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية على أن «يتخذ مجلس الرئاسة
قرارته بالإجماع ولا يجوز لأعضائه إنابة آخرين عنهم»، وقد أكدت على ذلك المادة 138)/خامسًا)
من الدستور التي نصت على أن «ترسل القوانين والقرارات التي يسنها مجلس النواب إلى
مجلس الرئاسة لغرض الموافقة عليها بالإجماع»، وبما أن قانون إدارة العتبات المقدسة
أعلاه يتم توقيعه من السيد رئيس الجمهورية وأحد نوابه دون النائب الثاني فيكون هذا
الإجراء باطلًا لمخالفته للقانون وللمادتين أعلاه فيكون هذا القانون باطلًا كما
نعتقد، ولأن المادة (3/ب) من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية والتي تنص على
أن «أي نص قانوني يخالف هذ القانون يعد باطلًا».
إن
مجلس الوزراء نفسه تنبه لمخالفة هذا القانون للمواد القانونية المنظمة لإصدار
القوانين. فقد تم توجيه تعميم من مجلس الوزراء (الأمانة العامة) بعدد (ق/2/1/27/(16436
في 29/11/2005م موجه إلى المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز والوزارات كافة
ومجلس القضاء الأعلى والجهات غير المرتبطة بوزارة والسادة وزراء الدولة كافة، وكان
موضوعه «تدقيق مشروعات القوانين»، ونص على ما يلي: استنادًا لنص المادة 5))
من قانون مجلس شورى الدولة رقم 65 لسنة 1979م تقرر رفع مشروعات القوانين المعدة من
قبلكم إلى مجلس شورى الدولة لتدقيقها قبل رفعها إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
الذي حصل أن قانون 19 لسنة 2005م لم يتم عرضه على المجلس أعلاه وإنما تم عرضه على
الجمعية الوطنية العراقية، ومن ثم المصادقة عليه من رئاسة الجمهورية، وهذه المصادقة
غير الدستورية نتيجة توقيع أحد الأعضاء نيابة عن الآخر مخالفًا بذلك المادة (36/ج)
من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية قد نصت على أن «يتخذ مجلس الرئاسة
قراراته بالإجماع ولا يجوز لأعضائه إنابة آخرين عنهم»، وعليه فهذا القانون لا يملك
الشرعية من هذا الوجه القانوني أيضًا.
إن
هذا القانون شُرع بعد إنهاء العمل بقانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية وبعد
انتهاء عمل الجمعية الوطنية وبعد انتهاء الانتخابات وبعد صدور الدستور وتشكيل حكومة
وقد نصت المادة 143 من الدستور على إلغاء قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية،
وعلى هذا يعد قانون إدارة العتبات المقدسة الشيعية رقم 19 لسنة 2005م باطلًا لكون
تشريعه جاء بعد إلغاء قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية وقد نص فيه على تبعيته
لقانون ديوان الوقف الشيعي.
ومن المعلوم عند العقلاء وأهل القانون أن قانون المتبوع يصدر قبل قانون التابع،
بينما نجد العكس قد حدث: فقد صدر قانون إدارة العتبات المقدسة آنف الذكر وقضى
بتبعية العتبات المقدسة لديوان الوقف الشيعي الذي لا يزال قانونه مشروعًا قيد
المناقشة وإلى وقت قريب، والهدف من هذا واضح وهو تمرير هذا القانون دون التنسيق مع
الديوان الذي لا يزال مشروع قانونه قيد المناقشة.
إن
هذا القانون نشر بتاريخ 28/12/2005م أي بعد الانتخابات بـ13 يومًا فقط حيث جرت
الانتخابات يوم 15/11/2005م ومن المعلوم أن الحكومة آنذاك كانت حكومة تصريف أعمال
ولا يحق لها تشريع مثل هذه القوانين. ومما لا يخفى أن هذا القانون نشر في اليوم
نفسه الذي صدر فيه الدستور ونشر بالوقائع العراقية بالعدد (4012) في 28/11/2005م،
بينما تسلسل قانون العتبات كان (4013)في 28/11/2005م.
إن
القانون السابق المنظم للعتبات المقدسة رقم 25 لسنة 1966م لم ينص على عائدية
العتبات المقدسة إلى أي جهة أو طائفة مجسدًا بذلك الوحدة الوطنية والتي تعني انتماء
كل العراقيين لهؤلاء الأئمة ومقررًا لمبدأ التوازن في خدمة العتبات المقدسة أبًا عن
جد>
فقد نصت المادة رقم
(2)
لسنة 1969م على ما يلي:
«يعين السادن بقرار من الوزير بشرط أن يكون عراقي الجنسية ومن الذين توارثوا الخدمة
في العتبة أبًا عن جد»، وهذا ما تؤكده القاعدة في القانون المدني (م163/1):
(المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا والتعيين بالعرف كالتعيين بالنص)، وقد أخذ بهذا
القضاء العراقي، فالسدانة في الحضرة العسكرية قد توارثها أبناء المدينة أبًا عن جد
منذ قرون عديدة.
إن
هذا القانون وبالتحديد المادة الثانية منه تفتح الباب على مصراعيه للاستيلاء على كل
ما يمت إلى أهل البيت بصلة قريبة أو بعيدة، فيمكن بعد ذلك أن نفاجأ بأن جامع الإمام
الأعظم أبي حنيفة النعمان ببغداد يعود لديوان الوقف الشيعي؛ لأن بعض الروايات تدعي
أن أبا حنيفة قد لقي الإمام جعفر الصادق رضي الله عنهما.
إن
القانون 19 لسنة 2005م تضمن أن يؤسس في ديوان الوقف الشيعي بموجب هذا القانون
«دائرة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة» لتتولى إدارة وتسيير شؤون
العتبات والمزارات والعناية بها، ولم يتطرق إلى نقل ملكية تلك العتبات والمزارات
باسم ديوان الوقف الشيعي، ثم من المهم بمكان أنه حتى هذا القانون على عوجه وعدم
قانونيته فهو لا ينص على التملك وإنما ينص على إدارة هذه الأوقاف وليس ملكيتها،
لكننا نجد أن الوقف الشيعي بالتواطؤ مع وزير العدل قد صير هذا القانون قانون
استملاك! ولا أدري من أين لهم هذا الفهم الذي لا نص فيه؟! إذ إن القانون تم تشريعه
استنادًا إلى أحكام المادتين (33/أ.ب) و(37) من قانون إدارة الدولة للمرحلة
الانتقالية بعنوان: «قانون إدارة العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة»،
بينما كان عنوان القانون السابق هو: «قانون إدارة العتبات المقدسة رقم 25 لسنة
1966م» حيث لم يحدد طائفة معينة، فلكل طائفة مقدساتها وقد يشتركون في نفس الولاء
والتبعية للإمام. فنلاحظ بوضوح أن هذا القانون مع كونه طائفيًّا إلا أنه لم يتحدث
عن استملاك تلك المراقد والأوقاف، بينما يدعي الوقف الشيعي ووزارة العدل وهيئة
دعاوى الملكية أن من حق الوقف الشيعي تحويل ملكية هذه الأوقاف إلى الوقف الشيعي!!
المسألة
الأخرى، إن المادة 115 من الدستور العراقي تضمنت تمتع المحافظات بجميع الاختصاصات
غير الحصرية للسلطة الاتحادية والاختصاصات المشتركة، ولما كانت إدارة عتبة مرقد
الإمام علي الهادي والكثير من المراقد والأضرحة والمقابر والمساجد تدخل ضمن
اختصاصات المحافظات في صلاح الدين ونينوى والأنبار وكركوك وديالى، بالتالي يعتبر
هذا القانون قد تجاوز اختصاصات المحافظة، فيعد غير قانوني ولا دستوري.
تواطؤ الجهاز القضائي:
لقد صار واضحًا للقاصي والداني أن القضاء العراقي في عمومه صار تابعًا للسلطة
التنفيذية ولا يمكن الوثوق بحياديته مطلقًا؛ ففي هذه القضية مثلًا يعطي القضاء
لديوان الوقف الشيعي سلطة لا يمتلكها هذا الديوان، حيث يوجه السيد رئيس هيئة دعاوى
الملكية كتابًا يعطيهم الحق بتسجيل العقارات مباشرة من دوائر التسجيل العقاري
وكأنهم سلطة تنفيذية، والكتاب بالعدد (خ/1/122
في
3/4/2012م)
جاء فيه:
«إلى ديوان الوقف الشيعي مكتب رئيس الديوان
/م/
تسجيل مرقد:
نؤكد كتابنا ذي العدد (3/2/239)
المؤرخ
2/4/2012م،
المتضمن أن موضوع العتبات المقدسة والمزارات الشيعية الشريفة محكومة بنص قانون
19
لسنة
2005م
وهو قانون نافذ لا مجال لإيقافه أو بحث توزيع الأوقاف المشمولة بأحكامه ما بين
وقفكم وديوان الوقف السني، وعليه فإنه بإمكان ديوانكم مراجعة دوائر التسجيل العقاري
مباشرة وتسجيل إدارة جميع الأوقاف موضوع بحث كتابكم أعلاه باسم ديوان الوقف الشيعي...»
انتهى.
فهل يمكن لهيئة قضائية تحترم القانون الإيعاز بمثل هذا الأمر؟!
علمًا أن لجنة الفك والعزل وحدها هي المختصة بتحديد عائدية العقارات الوقفية
المتنازع عليها، وليس ذلك من اختصاص هيئة دعاوى الملكية إطلاقًا، فهذا إجراء غير
قانوني.
لجنة الفك والعزل:
قد شُكلت لجنة للبت بعائدية العقارات الوقفية التي كانت مسجلة باسم وزارة الأوقاف
الملغاة لأي من الديوانين، وهي لجنة الفك والعزل المشكلة بموجب القرارين
82
و98
لسنة
2003م،
ولا يحق لأية جهة أخرى تحديد عائدية أي عقار إلى أحد الوقفين وفقًا للضوابط
المعتمدة لها والتي صادق عليها دولة رئيس الوزراء والمعممة بموجب تعميم الأمانة
العامة لمجلس الوزراء بالتعميم المرقم (ش ل
/أ/6/7/16274
في
7/7/2008م)
والمعممة أيضًا بتعميم مجلس القضاء الأعلى إلى كافة المحاكم بموجب التعميم المرقم (1766/ع
ق/2009)
في
22/3/2009م.
ونص هذا القانون على الآتي:
تحديد عائدية الوقف من خلال الاطلاع على الحجة الوقفية وشرط الواقف، وفي حالة عدم
وجود حجة وقفية يتم الاعتماد على ما يلي:
أ - مذهب الوقف.
ب - شرط الواقف.
ت - القسام الشرعي للواقف.
ث - حسب الأولوية ويمكن إضافة قرائن أخرى.
المناصفة بين الديوانين للأوقاف المشتراة أو المبنية من قبل وزارة الأوقاف الملغاة
أو ديوان الأوقاف السابق على أن تستثنى من ذلك الأوقاف المشتراة والمبنية من قبل
هيئة إدارة واستثمار أموال الوقف إذا أمكن إرجاعها إلى أصولها الأولية وإن لم يمكن
ذلك يتم اقتسامها مناصفة.
أوقاف الحكام والسلاطين السابقين تكون مناصفة بين الوقفين إلا إذا تم إثبات أن
الحاكم قد تملك العقار من ماله الخاص ثم أوقفه وبما يعرف بـ«الأوقاف الصحيحة».
عند استنفاذ القرائن كافة وفي حالة بقاء بعض أوقاف الله بدون الاتفاق عليها تحال
إلى القضاء للنظر فيها.
المقابر المندرسة الخالية من الاستغلال والأبنية
(تسمية
السند العقاري مقبرة)
تكون بحسب أكثرية مذهب المدفونين بالاستناد إلى السجلات المعتمدة لذلك إن وجدت وفي
حالة عدم وجود سجلات تثبت ذلك يرجع إلى أكثرية الساكنين في المنطقة التي تقع فيها
المقبرة وفي حالة عدم الوصول إلى نتيجة تكون مناصفة بين الوقفين.
المقابر المندرسة المستغلة تخضع للضوابط المختصة بالمقابر المندرسة أعلاه، أما
بالنسبة للأبنية فتعود إلى الوقف صاحب الأرض وفي حالة عدم إثبات عائدية الأرض تكون
الأرض والمشيدات مناصفة بين الوقفين.
وعلى الرغم من أن أمر الموقوفات قد شرع وقنن نجد أن الوقف الشيعي وبإسناد من بعض
الأجهزة الحكومية قد تجاهل هذه القوانين والأحكام، فنجد أن الوقف السني يمتلك كل أو
معظم الحجج الوقفية والأدلة على عائدية هذه المراقد والمقابر والعقارات والكثير
منها سندات عثمانية وواقع الحال يشهد بذلك، إلا أن الوقف الشيعي بمساعدة وزارة
العدل سارع إلى تحويل عائديتها وامتلاكها ضاربًا عرض الحائط بكل القوانين المنظمة
لهذا الأمر؛ حيث قانونهم الوحيد التفرد بالسلطة واستخدام القوة، كما حدث في جامع
الآصفية الذي طوقته القوات الأمنية وأخلت الجامع وطردت الإمام وأمرت أصحاب المحال
بتسديد بدل السكن للوقف الشيعي، وكما حدث في مرقد الإمام علي الهادي في سامراء حيث
تحولت المدينة القديمة إلى ثكنة عسكرية وضيق على أهلها وأصبحت المدينة القديمة
وحاراتها محاطة بجدار كونكريتي ولأزقتها أبواب حديدية تغلق وتفح بأمر قائد العمليات
وربما تغلق لأمر طارئ أيامًا عديدة دون أن يستطيع أحد من أهلها الدخول أو الخروج
حتى لأغراض إنسانية.
وهناك العديد من المقابر التي تم وضع اليد عليها تعود ملكيتها والمدفونون فيها لأهل
السنة بحكم الوثائق والوقفيات، إلا أننا نجد الوقف الشيعي وضع اليد عليها، منها في
بغداد وفي صلاح الدين وفي كركوك وفي ديالى وغيرها، ومن المعلوم أن الشيعة يدفنون
موتاهم غالبًا في مدينة النجف، لكننا نجد الوقف الشيعي يستملك العديد من المقابر في
مختلف المحافظات.
وبالنسبة للمساجد والعقارات فهناك العشرات منها تم وضع اليد عليها مع وجود السندات
والوقفيات وما يثبت عائديتها، ولكن تم وضع اليد عليها لا لشيء إلا لأنها أصبحت الآن
في مناطق ذات أغلبية شيعية، علمًا لا يوجد قانون ولا تشريع ولا نص يجيز للأكثرية
الاستيلاء على أموال الأقلية لا في الدولة ولا في المحافظات ولا في الأقضية
والنواحي.
وخلال هذا العام وضع الوقف الشيعي يده على بناية سكنية يملكها الوقف السني بحي
الكرادة ببغداد وتم إخطار سكانها بتسديد بدل الإيجار إلى الوقف الشيعي بحكم قوة
المليشيات وقوة العسكر، وأخرى في منطقة باب المعظم في وسط بغداد، وعلى النحو نفسه.
موقف العلماء:
لقد صادر نظام البعث العديد من الممتلكات وكان آخر ما استحوذ عليه أموال دولة
الكويت إبان الاعتداء عليها، وكان موقف علماء أهل السنة واضحًا صريحًا جريئًا في
حرمة شراء أي من هذه البضائع التي تجلب من الكويت لأن الغالب على الظن أنها مغتصبة
حتى لو ادعى من يحملها أنه اشتراها من مالكها، في الوقت الذي تغتصب أموال المسلمين
وبيوت العبادة والمقابر وتغير الوصايا، ولا نجد من يرفع صوته من أهل العلم
والمرجعيات بتحريم هذه الأعمال أو تجريم أصحابها!
وحتى
لو وجدنا من بعض أعضاء الجهاز القضائي من يقول الحق لا يؤخذ بقوله ويهمل، ومن ذلك
ما أصدره السيد عباس جاسم محمد وكيل وزير العدل في الدعوى رقم (384/ق/2010م)
الذي خاطب فيها رئيس وأعضاء محكمة القضاء الإداري بخصوص موضوع العقار (55)
مقاطعة سلمان باك، والذي طالب بإعادته إلى ديوان الوقف السني.
إن هذه المعالجة القانونية لمسألة خطيرة قد ينتقل شررها إلى كثير من الدول العربية
والإسلامية ليست من باب التحريض ولا رسالة فتنة، بل رسالة سلام نبدأها برد الظلم
وإنصاف أصحاب الحقوق.
:: مجلة البيان العدد 337 رمضان 1436هـ، يونيو - يوليو 2015م.