البيان/متابعات: تترقب منطقة الشرق الأوسط منذ قرابة العامين حيث إندلعت معركة طوفان الأقصى محاولة تذكيرية لنتائج إعادة دورة التاريخ مرة أخرى لإحدى حلقات التآمر التي تستهدف الفلسطينيين برعاية أمريكية وتخطيط وتنفيذ صهيوني وحياد وتآمر إقليمي وعالمي لإغلاق وتصفية آخر ملفات التصدي للغطرسة الصهيونية في المنطقة.
في مقالة كتبها المدون المصري عبده فوده سلط الضوء على الخطابات التي تعج بها وسائل الإعلام العربية المتصهينة والأقلام العربية التي تعيش موجة الإستمتاع بالتنازلات لمظلة إتفاقيات "أبراهام" على حساب حقوق الشعب الفلسطيني والتي تطالب الفلسطينيين بالتوقف عن الدفاع عن أرضهم ومقدساتهم ودماء شهدائهم والرضوخ للمطالب الصهيونية بالتهجير والإستسلام رغم شلال الدم المتواصل منذ عقود.
ففي مطالباتها المتواصلة تركز الدولة العبرية خلال مفاوضات وقف إطلاق النار على إنسحاب حركة حماس على قطاع غزة وفرضت سيطرة عسكرية وأمنية صهيونية على السكان تمهيداً لتهجيرهم،ورغم أن الوسطاء والضامنين العرب فشلوا في إلزام الدولة العبرية بتنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة إلا أنهم يواصلون الضغط على المقاومة في غزة للتماشي مع المقترحات الأمريكية التي هي في جوهرها مطالب صهيونية لتتشكل صورة واضحة ملامحها تظهر أنه يجب على الفلسطينيين دفع ثمن الخذلان العربي مرة أخرى لتحقيق نكبة ثانية تضمن تهجير سكان القطاع والضفة الغربية لاحقا والإستجابة لطموحات التطرف اليهودي أو إجبار الضمانين العرب على خوض المواجهة الدبلوماسية مع واشنطن لآخر نفس.
يقول الكاتب عبده فوده في يوم 6 يونيو 1982 شهدت بعثة القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة على حدود لبنان توغل أكثر من 1200 دبابة صهيونية تمهيداً لمهاجمة قوات منظمة التحرير الفلسطينية عقب عملية إغتيال مشبوهة استهدفت الدبلوماسي الصهيوني شالومو أرجوف في لندن، فقد استخدمت الدولة العبرية الحدث ذريعة لمهاجمة الفصائل الفلسطينية المقاتلة في لبنان وتطهير دول الطوق من أي تواجد فلسطيني مسلح يشكل خطر على الدولة العبرية.
يضيف الكاتب إن مايجري في غزة يحمل نفس تفاصيل سيناريو حصار بيروت، فقد قصفت الطائرات الحربية والمدفعية بيروت قصفاً مروعاً مع حصار خانق منعت خلاله الدولة العبرية دخول الماء والدواء والغذاء لمدة شهرين عن العاصمة اللبنانية لكنه خلف نتائج سياسية كارثية على الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، فقد لاحقت الدولة العبرية جميع قادة منظمة التحرير الفلسطينية مثل صلاح خلف وخليل الوزير وياسر عرفات، وقد ساندت الفصائل اللبنانية الفلسطينيين في هذه المعركة وخصوصاً الحزب الشيوعي وحركة أمل والدروز بقيادة وليد جنبلاط، وانتهى الحصار برعاية أمريكية اسفرت عن خروج ياسر عرفات وقواته من لبنان ليتبعها أسوء هزيمة جوية تعرض لها جيش عربي منذ عام 1967م فقدت أعطت الدولة العبرية الأمان لحافظ الأسد وسمحت بطلب أمريكي لنفوذ عسكري سوري في لبنان عقب حرب 1973م وأكد مناحيم بيجن رئيس الوزراء الصهيوني أمام الكنيست أن سوريا غير مستهدفة في المواجهة الحاصلة في لبنان ليذهب المبعوث الأمريكي فيليب حبيب لحافظ الأسد في دمشق ويخبره بأن الجيش الصهيوني لن يمس القوات السورية في سهل البقاع لكن في 9 يونيو 1982 هاجم الجيش الصهيوني سهل البقاع وتمكن خلال ساعتين من تدمير 90 طائرة مقاتلة سورية وقتل أكثر من ألف جندي سوري في ما عرف بمعركة "سهل البقاع".
يشير فايد إلى أن الفلسطينيين أدركوا بأن الإستسلام بالشروط الأمريكية يعني سحقاً كاملاً لكن بعد صمود اسطوري استمر لأكثر من 70 يوماً بدأ حلفاء الفصائل الفلسطينية من اللبنانيين وخصوصاً حركة أمل بالإنسحاب من المواجهة بينما طلب وليد جنبلاط من عرفات بإيقاف المعركة لتبدأ بعدها مرحلة الضغوط السياسية على الفلسطينيين لإسقاط الخيار المسلح والسير على منهجية التطبيع والسلام الأمريكية بعد أن نجحت الدولة العبرية في تأمين دول الطوق من أي قطعة سلاح تواجهها.
يكمل الكاتب بالقول:" بعد 16 يوماً من خروج ياسر عرفات من بيروت وتحديداً بتاريخ 16 سبتمبر 1982 رافائيل إيتان مع قادة المليشيات المسيحية وبالأخص إيلي حبيقة ومارون مشعلاني على سحق المدنيين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا وأضاءت قوات شارون سماء المخيم بالقنابل الفسفورية بينما قامت المليشيات المسيحية بتنفيذ أكبر مجزرة بحق الفلسطينيين في تلك الفترة قتل خلالها اكثر من 3آلاف فلسطيني بقرت خلالها بطون النساء الحوامل وقتل الأطفال أمام ذويهم.
وفي صباح أكتوبر من عام 1985 م استهدفت سلسلة غارات مدينة حمام الشط التونسية على بعد 50 كليومتر من العاصمة لإغتيال ياسر عرفات الذي وقع على إتفاقية الخروج الآمن ليسقط فيها 50 فلسطينياً و15 تونسياً ، ولم تتوقف الدولة العبرية عن ملاحقة قادة منظمة التحرير الفلسطينية ففي 16 ابريل 1988 ذهبت قوة خاصة صهيونية مكونة من 16 ضابطاً من الشابات والموساد بقيادة إيهود باراك وقتلوا خليل الوزير "أبو جهاد" ثم إنطلقت سلسلة عمليات استهدفت تصفية جميع قادة منظمة التحرير الذين يرفضون نهج التطبيع الذي قبله ياسر عرفات لاحقاً لينتج عنه إتفاقية أوسلو فيما بعد، ورغم ما قدمته السلطة الفلسطينية من تنازلات وتحولها لأداة أمنية في يد الاحتلال الصهيوني إلا أن عرفات نفسه لم ينجو من الإغتيال فبعد حصاره في مقر المقاطعة أعلن في نوفمبر 2004 عن وفاته بعد رحلة علاج في باريس استمرت لعدة أيام متأثراً بجرعة (سم) لتنتهي حقبة سياسية فلسطينية تبقي الفلسطينيين أمام المقاومة بصفتها خياراً شعبياً يتمركز في قطاع غزة ويحاصر لأكثر من 20 عاماً وخيار التطبيع الذي تقوده السلطة ويفضي إلى إلتهام الإستيطان الصهيوني لجميع أراضي الضفة المحتلة تمهيداً لمخطط الضم.