البيان/القدس: نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" تقريرا تقول فيه أن بعد 6 أشهر من الحرب التي تشنها الدولة العبرية على غزة، "انقلب العالم رأسا على عقب" بالنسبة لإسرائيل التي تغير كل شيء فيها بعد هجمات السابع من تشرين الأول 2023، ما جعل البلاد "معزولة أكثر من أي وقت مضى".
وتنوه الصحيفة إلى أنه في السادس من اكتوبر (2023) ، ظهرت تل ابيب على أعتاب حقبة جديدة من الاعتراف من العالم الإسلامي، وعلى مقربة من اتفاق سلام محتمل مع المملكة العربية السعودية من شأنه أن ينقلها إلى مركز الشرق الأوسط المعاد تنظيمه بعد سنوات من التواجد على هامشها. ويبدو أن الصراع التاريخي مع الفلسطينيين الذي ميز وجودها طوال معظم تاريخها الممتد لـ 75 عامًا، قد تراجع أخيرًا إلى الخلف
ولكن ، تغير كل شيء يوم 7 اكتوبر وفق التقرير، "واليوم، وبعد الهجوم الذي ربما جلب لها تعاطف العالم، أصبحت إسرائيل أقرب إلى المنبوذة عالمياً من أي وقت مضى. واتفاق السلام السعودي الخاص بها بعيد المنال أو معلق، وعادت القضية الفلسطينية لتثير قلق جيرانها العرب من جديد . كما تجد (إسرائيل) نفسها في جدال مفتوح مع حليفتها الرئيسية، الولايات المتحدة. وقد تقلصت مساحة معيشتها المادية بسبب المخاطر على حدودها الشمالية والجنوبية" بحسب التقرير.
في السابع من اكتوبر – (أو السبت الأسود، كما يطلق عليه الإسرائيليون الآن وفق الصحيفة) - شهدت الدولة العبرية صدمة جوهرية قلبت إحساسها بالأمن وإيمانها بقوة جيشها. لقد ردت بحرب شديدة الوطأة على قطاع غزة المحاصر، الأمر الذي أظهرها في نظر الكثير من دول العالم هي المعتدي وأظهر الفلسطينيين كالضحايا ، "وقد تشكل العزلة الناتجة تهديدا لمستقبلها أكبر من الهجوم الذي شنته حماس وأدى إلى مقتل 1200 شخص " بحسب الصحيفة.
وتنسب الصحيفة إلى المؤرخ الصهيوني المعروف ، بيني موريس، قوله : "إن طول عمر إسرائيل أصبح موضع شك للمرة الأولى منذ ولادتها، وإن المرة الوحيدة التي واجهت فيها إسرائيل تهديدا وجوديا مماثلا كانت في حربها من أجل الاستقلال عام 1948، عندما اشتبكت مع خمس دول عربية ومجموعات فلسطينية محلية".
وبحسب التقرير، تضاءل تدفق التعاطف العالمي الذي ظهر في الأيام الأولى بعد هجوم مقاتلي حركة حماس يوم 7 اكتوبر، وبعد أن بدأت تظهر صور الفلسطينيين الجائعين والضحايا في غزة ، وتظهر الصور التي تم عرضها في جميع أنحاء العالم مساحات واسعة من قطاع غزة وقد تحولت إلى أنقاض. وقُتل أكثر من 33 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال ، بحسب السلطات الصحية الفلسطينية.
هذا الأسبوع، أثار مقتل سبعة من عمال الإغاثة الأجانب التابعين لمؤسسة "المطبخ المركزي العالمي" الذي يتخذ من واشنطن مركزا له، والذين كانوا يحاولون إطعام سكان غزة اليائسين ، وحطم فكرة أن الجيش الصهيوني لا يقصف ويضرب بشكل عشوائي ومفرط قطاع غزة ومواطنيه المدنيين كما كانت تدعي الدولة العبرية، ما دفع الولايات المتحدة إلى إعادة التفكير في دعمها لتل أبيب.
وبحسب معظم الخبراء، فقد أصبح التطبيع الذي كانت تسوقه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مع السعودية معلق، في حين توترت العلاقات مع العرب من ذوي العلاقات الدبلوماسية مثل مصر والأردن. واحتشد المتظاهرون المؤيدون للفلسطينيين في شوارع العواصم الغربية، مطالبين في بعض الأحيان بزوال الدولة العبرية..
وينسب التقرير إلى ميكا جودمان، الكاتب والفيلسوف الإسرائيلي، قوله "إن إسرائيل تواجه معضلة حيث تريد أن يحبها الغرب، لكن في الوقت ذاته ، تريد أن يهابها أعداؤها في الشرق الأوسط لضمان وجودها على المدى الطويل، وهذا هو المأزق الذي نحن فيه".
ويشير تقرير "وول ستريت جورنال" إلى مساحة الأراضي الصالحة للعيش في الدولة العبرية ، التي تعادل مساحتها ولاية نيوجيرسي تقريبًا، قد تقلصت ، حيث تم إجلاء مئات الآلاف من النازحين الصهاينة من محيط غزة والحدود الشمالية بالقرب من لبنان من منازلهم. وقد عاد العديد منهم إلى المجتمعات المحلية في الجنوب، ولكن لم يتمكن أي منهم من العودة إلى المجتمعات المحلية في الشمال. ولا يزال الكثيرون يعيشون في الفنادق."مع استمرار الحرب في غزة، لا يزال الإسرائيليون لا يعرفون ما إذا كان الأسوأ لم يأت بعد" بحسب التقرير.
وفيما تبدو الضفة الغربية المحتلة على حافة الانفجار، مع تفاقم الاستيطان وعنف المستوطنين ’ ويبدو أن حرباً شاملة مع جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة، (والتي هي أقوى بكثير من حماس والتي تقاتل إسرائيل منذ الثامن من تشرين الأول) ، تبدو أكثر احتمالاً مع مرور كل يوم. "وتستعد إسرائيل أيضًا لانتقام إيران أو إحدى الميليشيات المتحالفة معها بسبب غارة جوية إسرائيلية مشتبه بها يوم الاثنين على مبنى دبلوماسي إيراني في سوريا" وفق الصحيفة.
كما أن الدولة العبرية بدأت تشعر للتو بالتأثير الاقتصادي للحرب، حيث اضطر مئات الآلاف من جنود الاحتياط إلى ترك وظائفهم للقتال في الحرب.تقول الصحيفة : "بالنسبة للقيادة السياسية الإسرائيلية، بدد هجوم يوم 7 تشرين الأول فكرة إمكانية احتواء الصراع مع الفلسطينيين من خلال مزيج من التدابير الأمنية والحوافز الاقتصادية، وليس من خلال اتفاق سلام. واتسمت ولاية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بالاعتقاد بأنه قادر على الاستمرار في تقسيم القيادة الفلسطينية بين السلطة الفلسطينية، التي تسيطر على الضفة الغربية، وحماس في غزة، وبالتالي تجنب الحاجة إلى التفاوض على حل الدولتين. واعتقدت إسرائيل أنها تستطيع أن تزدهر اقتصاديا وسياسيا وعسكريا على الرغم من استمرار الاحتلال في الضفة الغربية والجهات الفاعلة المعادية على حدودها الجنوبية والشمالية. لقد كانت الحياة الطبيعية بمثابة الوعد الذي بدا أنه قد تم تحقيقه، لكنه تحطم بعد ذلك".
وتنسب الصحيفة إلى يوهانان بليسنر، رئيس معهد الديمقراطية الصهيوني ومقره القدس، قوله بشأن هذه النقطة "اصطدم هذا النهج بجدار من الطوب وأثبت فشله التام في 7 تشرين الأول".ويحدث كل هذا في الوقت الذي لا يزال فيه الصهاينة منقسمين حول قيادة البلاد وأسلوب تعامل حكومة نتنياهو في إدارة الحرب. ويتعرض ائتلاف نتنياهو اليميني والقومي المتطرف والمحافظ دينياً مرة أخرى للهجوم من قبل المتظاهرين المناهضين للحكومة الذين يطالبون بإجراء انتخابات جديدة. لقد امتدت الانقسامات بين أعضاء حكومة نتنياهو الحربية حول كيفية إعطاء الأولوية لأهداف الحرب المتنافسة المتمثلة في إنقاذ الرهائن وتدمير حماس إلى الرأي العام، مما أدى إلى تعميق الشعور بأن القيادة تحارب نفسها بينما تخوض حرباً أيضاً.
وبحسب الصحيفة : "طوال الوقت، قام نتنياهو بتأخير أي خطة بشأن من سيحكم غزة بعد الحرب، قائلاً إن الدولة الفلسطينية غير مطروحة على الطاولة ويرفض العمل مع السلطة الفلسطينية.وتدعي الصحيفة "في ستة أشهر، حقق الجيش الصهيوني العديد من الإنجازات التكتيكية. فقد تم تدمير حوالي 40% من شبكة أنفاق حماس، وتم تفكيك 18 كتيبة من أصل 24 كتيبة، وتدمير غالبية الصواريخ، ومقتل العديد من قادة حماس. وتتمتع الدولة العبرية الآن بحرية العمل في معظم أنحاء غزة، لكن النصر الاستراتيجي يبدو بعيد المنال". وفي حين أن نتنياهو يدعي إن النصر قريب، تظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الصهاينة غير مقتنعين بذلك.
وبحسب تقرير "وول ستريت جورنال" ، فإن "حماس لا تظهر أي علامة على الاستسلام. ويستطيع نشطاء حماس التسلل إلى المناطق بمجرد انسحاب القوات الصهيونية، وهي علامة على أن التمرد آخذ في التصاعد، كما أنه التوترات المتصاعدة مع إدارة بايدن، تحد من خيارات الدولة العبرية بشأن المعركة النهائية للسيطرة على رفح، مدينة غزة المتاخمة لمصر والتي تقول تل أبيب إن لحماس أربع كتائب متبقية فيها. ويعيش هناك أكثر من مليون (ونصف المليون) فلسطيني".
يشار إلى أن الولايات المتحدة حذرت الدولة العبرية من أنها ستتجاوز الخط الأحمر إذا عملت في رفح دون خطة موثوقة للحفاظ على سلامة السكان المدنيين، وهو ما يقول المسؤولون الأمريكيون إن الدولة العبرية لم تقدمه.وفيما قال نتنياهو إنه إذا لزم الأمر، فإن الحكومة الصهيونية ستعمل في رفح دون موافقة أميركية، يقول جودمان: "إذا استولينا على رفح وخسرنا أمريكا، فقد خسرنا الحرب" بحسب الصحيفة.