المسلمون في الهند: معاناة من الكراهية والظلم والرفض
شهدت الهند انقسامات اجتماعية ودينية عميقة منذ عام 2014، حيث تولي حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي القومي للحكم، بقيادة رئيس الوزراء الحالي "ناريندرا مودي"، وقد أسهمت الخطابات الطائفية التي يرددها قادة هذا الحزب وتروج لها وسائل الإعلام المحسوبة عليه، في مبالغة القوميين الهندوس في التعبير عن مظاهر هيمنتهم في أقاليم الهند المختلفة، وهو ما ساعد في نشوب مواجهات عنيفة وتوترات دينية غير مسبوقة. فخلال الأسابيع القليلة الماضية شهدت الهند تطورين خطيرين؛ أولهما هو حكم المحكمة العليا في الهند بحسم ملكية أرض مسجد بابري في شمال البلاد والتي يتنازع عليها المسلمون والهندوس منذ عقود، لمصلحة الهندوس الذين يريدون بناء معبد هندوسي على نفس الأرض بديلًا للمسجد، وثانيهما هو تشريع جديد متعلق بمنح الجنسية الهندية لغير المسلمين في حال تمكنوا من إثبات هويتهم وإظهار أنهم عاشوا في الهند لست سنوات، لكن المسلمين الذي هم في الوضع نفسه سيواجهون الترحيل أو السجن. لكن المؤسف حقيقةً هو أن ما ينتظره المسلمون في الهند خلال السنوات القليلة القادمة سيكون أشد ضراوة وأكثر طائفية، فثمة حملة غير مسبوقة لتجريد ملايين المسلمين في ولاية آسام من جنسيتهم، وقد صرح وزير الداخلية "عميت شاه"، هذا الشهر بشكل قاطع بأن خطط حكومته تجعل هذه الحملة وطنية قبل انتخابات 2024.
يومًا بعد آخر وفي غياب أي مقاومة تقريبا، تمضي الهند في تثبيت نظام عرقي طائفي يهدف إلى منح التفوق للهندوس، وإقصاء المسلمين وكافة الأقليات الأخرى، وقضية موقع مسجد بابري في مدينة أيوديا بولاية أوتار براديش، ليست سوى قطرة صغيرة في بحر من التمييز الذي يعاني منه المسلمون في الهند، فالمسجد يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر، حيث أمر ببناءه السلطان المسلم الذي حكم الهند "ظهير الدين محمد بابر"، وقد ظل المسلمون يصلون فيه لقرون متواصلة، لكن في عام 1949 تسلل بعض المتطرفين الهندوس وقاموا بوضع تمثال "راما" في المسجد وبدأوا في أداء طقوس عبادتهم له، وفي عام 1992هجمت حشود من الهندوس على المسجد وقاموا بهدم أجزاءً منه، وهو ما أثار أعمال شغب أسفرت عن مقتل ما يقرب من ألفي شخص، ويدّعي الهندوس بأن أرض المسجد هو موقع مقدس لديهم قبل الإسلام، حيث يروجون بأنه مسقط رأس ما يسمونه بـ"الإله راما"، وهو ما أدى إلى زيادة حدة التوتر بين المسلمين والهندوس، وقامت الشرطة بوضع الموقع تحت الحراسة وإغلاقه لحين حل النزاع بين الطرفين في المحكمة العليا، وقالت المحكمة كلمتها أخيرًا بعد أعوام من التقاضي، حيث قررت أن الأرض المتنازع عليها يجب أن تُمنح للهندوس من أجل معبد "الإله راما" المزعوم، على أن يتم منح المسلمين قطعة أرض أخرى في مكان آخر لبناء مسجد عليها، كما حضت على إنشاء هيئة خاصة للإشراف على بناء المعبد.
وبالرغم من التباين في ردود الأفعال بين الطرفين، إلا أن رئيس الوزراء "ناريندرا مودي" حاول أن يتقمص دورًا محايدًا في إطار تعليقه على الحكم، إذ غرّد على تويتر قائلًا: "لا ينبغي اعتباره فوزًا أو خسارة لأي شخص"، لكن هذه الحيادية المزعومة لم تنجح في إخفاء أفكاره الطائفية المقيتة، فمنذ إعادة انتخابه في مايو الماضي، أطلق مودي يديه ليطبق مذهبه الإيديولوجي القاضي بتعميم الهندوسية، والتي تنص على أن الهند هي ملك للهندوس، فقد بدأ مودي ولايته الجديدة بسياسة فرض القوة في إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان، فحرم هذه المنطقة ذات الأغلبية المسلمة من الحكم الذاتي، والذي كانت تتمتع به منذ الاستقلال، كما تبنى مودي قرارًا يهدف إلى تعديل قانون الجنسية الصادر عام 1955، حيث سَتُمنح الجنسية للمهاجرين، بشرط ألا يكون هؤلاء من المسلمين، بمعنى أخر فإن الهند سترحب بأصحاب الديانات: الهندوس والسيخ والجاينية والزردشتيين (بارس) والمسيحيين والبوذيين، وخاصة القادمين من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان، وقد تمنحهم جنسيتها إذا أقاموا فيها 6 سنوات على الأقل، في حين أن المسلمين حتى وإن تمكنوا من إثبات هويتهم وإظهار أنهم عاشوا في الهند لـ6 سنوات، فهم محرومون من الجنسية والإقامة، وقد يواجهون الترحيل أو السجن.
هذا القانون التمييزي الجديد ليس سوى جزء من الأجندة التقسيمية التي يتبناها حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، والذي قد نشر الشهر الماضي سجلًا وطنيًا للمواطنين في ولاية آسام الواقعة في شمال شرق الهند، وهو ما أسفر عن 1.9 مليون شخص أصبحوا بدون جنسية بين ليلة وضحاها، وفي وقتِ إدعى الحزب أن الهدف من هذا السجل الوطني هو استبعاد المهاجرين غير الشرعيين، فإن الهدف الحقيقي منه كان تجريد المسلمين في هذه الولاية من جنسيتهم الهندية، وهناك تقارير صحفية تقول بأن الحكومة تقوم حاليًا ببناء معسكرات اعتقال ضخمة لاحتجاز من سيتم ترحيلهم، وقد تكون هذه مقدمة لتجريد ملايين المسلمين في الهند من حق التصويت والجنسية، وهذه صورة جديدة من صور الاضطهاد الممنهج والمضايقات التي يتعرض لها المسلمون في الهند، بالرغم من كونهم يشكلون حوالي 14% من إجمالي عدد السكان، ومعدل تواجدهم في المتوسط نحو 10% بأغلب الولايات، كما أنهم لا يُظهرون مطامع في الحكم أو في التنظيمات السياسية، وأغلب أدوارهم تكون دعوية ووعظية وتعليمية، لكن بالرغم من ذلك فإنهم لا يسلمون من شتى أنواع الاضطهاد والقمع والكراهية، لدرجة أنه عندما أظهر أخر تعداد رسمي للسكان في الهند زيادة طفيفة في عدد المسلمين، تبارى رجال دين هندوس إلى دعوة الهندوس إلى كثرة الإنجاب، ووصل الأمر ببعضهم إلى القول بأنه على المرأة الهندوسية أن تنجب أربعة أطفال حتى تضمن الحفاظ على دينها، وللمحافظة على هندوسية الدولة.
وهذه الدعوة لا تختلف كثيرًا عن فكر رئيس الوزراء "نارنيدرا مودي" وحكومته، التي لا تدع وسيلة للتضييق على المسلمين إلا واتبعتها، من بينها فرض القيود على بيع وذبح الأبقار، باعتبارها مخلوقات مقدسة لدى الهندوس، وهو ما أدى إلى وقوع عمليات قتل مروعة بحق عدد من المسلمين الذين كانوا ينقلون الماشية، وهذا جزء من جرائم الكراهية التي ترتكب ضد المسلمين والتي زادت بشكل كبير منذ وصول مودي إلى الحكم، حيث يتبنى هو والتيار المناهض للمسلمين أساليب اضطهاد عديدة مثل هدم المساجد وتهيئة الفرصة لأعمال الشغب حتى يتسنى تدمير منازل المسلمين وحرق متاجرهم، وارتكاب المذابح الجماعية وذلك لإضعاف المسلمين اقتصاديًا ودفعهم للعنف المضاد، كما أعيدت تسمية مدن عديدة كانت أسماؤها مستوحاة من التراث الإسلامي المغولي، وعدّلت مناهج كتب مدرسية من أجل تقليص إسهامات المسلمين في تاريخ الهند، بحيث يقدّم المسلمون على أنهم جاؤوا للهند غزاة محتلين مالبثوا حتى طردهم الهندوس الشجعان!، وبالرغم من أن الهند الجديدة تسوق لنفسها عالميًا بأنها دولة ديموقراطية تقوم على أساس التعددية، فإن الكتل السياسية الرئيسية لا تسمح للمسلمين بالارتقاء في صفوفها، وذلك لإبقاء المسلمين كأقلية ضعيفة ومهمشة في المشهد السياسي. فالنظام الحاكم حاليًا يرفع لواء ديانة لا تقبل الآخر، بل وتكره الآخر، خصوصًا إذا كان هذا الآخر مسلمًا، والمؤسف أن هذا النهج لا يؤسس لدولة مستقرة بقدر ما يؤسس لدولة على فوهة بركان على وشك الإنفجار في أية لحظة.