• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha

"بلاط الشهداء والانطلاقة الاوربية"


تعتبر موقعة "بلاط الشهداء"، من أهم معارك الفتوحات الإسلامية، في الجناح الغربي للدولة الإسلامية، وكانت بين جيش المسلمين بقيادة عبدالرحمن الغافقي، أمير الأندلس (صفر112– رمضان 114هـ)، وجيش الفرنجة، بقيادة شارل، وكانت أكثرية الفرنجة، وقتذاك، لا يزالون همجا، نصف عراة، ومسدلين شعورهم، على أكتافهم، وظهورهم، وجرت المعركة في ضواحي مدينة تور، على بعد 100 كم، جنوب باريس، في رمضان 114هـ/ تشرين الأول 732، واستمرت عدة أيام، أبلى المسلمون خلالها، أحسن البلاء، رغم قلتهم، وكثرة عدوهم، وكونهم كانوا يقاتلون في ظروف استثنائية، لم يألفوها من قبل، فالأجواء كانت باردة مطيرة، والأرض موحلة، ضيقة، وقد انتهت المعركة، باستشهاد عبدالرحمن الغافقي، وعدد كبير من المسلمين، ولذلك أطلق عليها المسلمون اسم وقعة "بلاط الشهداء".      

ومهما كان من أمر، فإن معركة "بلاط الشهداء"، لم تكن أول هزيمة للمسلمين، ولم تكن من نوع تلك الهزائم القاصمة للظهر، كوقعة العقاب بالأندلس مثلا، بل كانت هزيمة عادية، لدرجة أن المسلمين في المشرق، لم يكونوا يعرفون عنها شيئا، في القرون الثلاثة الأولى، بدليل أن أقدم مؤرخي المشرق، وهم الطبري، والبلاذري، والواقدي، والمسعودي، لم يذكروها. ثم إن المسلمين لم يخرجوا من فرنسا، لأنهم هزموا في هذه المعركة، ولكن لاندلاع الفتن فيما بينهم في المغرب والأندلس والمشرق، وسقوط الدولة الأموية، دولة الفتوحات.

أما الأوروبيون، فقد وظفوا هذا الانتصار، على مدى القرون الماضية إعلاميا، لتعبئة المجتمعات الغربية ضد الإسلام، وتحصينها منه فكريا، وإقامة جدار نفسي عالٍ وسميك يحجزه عنها، ويحجزها عنه، حتى لا تحاول فهمه ودراسته، بموضوعية وعقلية منفتحة، بمعنى أنهم صنعوا منها كما صنع دهاقنة الشيعة من حادثة استشهاد الحسين رضي الله عنه، ولهذا السبب لا تزال المعركة تشغل أعظم موقع في أذهان الأوروبيين، فقد جعلوا منها معجزة، وحولوا شارل مارتل، إلى قديس، ونسجوا حولها، ترسانة من الأساطير، وصوروها معركة أنقذت أوروبا، والعالم المسيحي، من الإسلام، والقرآن، وأنها حفظت جلال رومة، وبقايا الحضارة القديمة، وبذور الحضارة الحديثة. وقد رد على هؤلاء المؤرخين الغربيين المتحاملين، جماعة من المؤرخين من بني جلدتهم، وسنستعرض فيما يلي آراء الفريقين.

آراء المؤرخين الغربيين المتحاملين:

قال جيبون (1737-1794) في كتابه (The Decline and Fall of the Roman Empire): "إن خطّ النصر، قد امتدّ لألف ميل، من صخرة جبل طارق، إلى شاطئ اللوار، وإن قطع مسافة مساوية، كان سيحمل المسلمين، إلى حدود بولندا، ومرتفعات اسكتلندا. إن الراين ليس أكثر صعوبة، من النيل، أو الفرات، والأسطول العربي لربّما كان أبحر بدون معركة بحرية، إلى مصب التايمز. ولربما كان تفسير القرآن الآن، يعلّم في أكسفورد، وتلاميذها يتظاهرون لتلقين الناس قداسة، وحقيقة، الوحي المحمديّ".

وقال: لو انتصر العرب في ذلك اليوم لكنت ترى المساجد، لا الكنائس، في باريس، ولندن، ولسمعت تفسير القرآن، لا الكتاب المقدس، في أكسفورد، وغيرها من معاهد العلم، في الغرب".

وقال: "أنقذت آباءنا البريطانيين، وجيراننا الغاليين (الفرنسيين)، من نير القرآن المدني، والديني، وحفظت جلال رومة، وأخرت استعباد القسطنطينية، وشدت بأزر النصرانية، وأوقعت بأعدائها، بذور التفرق والفشل".

ويعتبر توماس أرنولد (1864-1930) في History of the Later Roman Commonwealth)) الموقعة " إحدى تلك المواقف الرهيبة، لنجاة الإنسانية، وضمان سعادتها، مدى قرون".

وقال أدوارد كريزي 1851 في كتابه (The Fifteen Decisive Battles of The World): " إن النصر العظيم، الذي ناله كارل مارتل، على العرب، سنة 732، وضع حدا حاسما، لفتوح العرب في غرب أوروبا، وأنقذ النصرانية، من الإسلام، وحفظ بقايا الحضارة القديمة، وبذور الحضارة الحديثة، ورد التفوق القديم للأمم الهندية والأوروبية، على الأمم السامية".

وأشار فريدرش شليجل (1772-1829) في كتابه (Philosophie der Geschichte) إلى أن النصر الساحق الذي حققه كارل مارتل " أنقذ أمم الغرب النصرانية، من قبضة الإسلام، الفتاكة، الهدامة، إلى الذروة".

وقال رانكة (1795-1886) في كتابه (History of the Reformation The): "إن فاتحة القرن الثامن من أهم عصور التاريخ، ففيها كان دين محمد، ينذر بامتلاك ايطاليا، وغاليا (فرنسا)، وقد وثبت الوثنية كرة أخرى، إلى ما وراء الراين، فنهض إزاء ذلك الخطر، فتى من عشيرة جرمانية، هو كارل مارتل، وأيد هيبة النظم النصرانية المشرفة، على الفناء، بكل ما تقتضيه غريزة البقاء، من عزم، ودفعها إلى بلاد جديدة".  

وكتب (كيزو دي ويت) في 1869 في كتابه (A History of France): " كان كفاحاً بين الشرق والغرب، الجنوب والشمال، آسيا وأوروبا، الإنجيل والقرآن؛ ونحن نقول الآن، وفق نظرة عامّة وشاملة  للأحداث، وللشعوب، والعصور، إن حضارة العالم تتوقّف على نتيجته". 

وقال هنري مرتين (1782-1829) في كتابه (Histoire de France) : لقد تقرر مصير العالم في تلك المعركة، ولو غُلب الفرنج فيها، لكانت الأرض قبضة محمد، ولخسرت أوروبة والدنيا مستقبلهما، فليس النشاط الذي يحفز الناس إلى التقدم مما تجده في عبقرية المسلمين، التي تتلخص في فكرتهم عن الله، واله المسلمين، قد جنح إلى العزلة، والسكون، بعد أن خلق العالم، وهو لا يحث الناس على العمل، في سبيل الرقي".

آراء المؤرخين الغربيين المنصفين

نبدأ بأناتول فرانس (1844-1924)، والذي كان لا يخفي أسفه على نتيجة المعركة، بقوله: "إنها كانت تراجع الحضارة الإسلامية، أمام البربرية الأوربية".

وقال غوتساف لوبون (1841-1931) في كتابه (of the Arabs Civilization) ردا على هنري مارتين: "لنفترض جدلا، أن النصارى عجزوا عن دحر العرب، وان العرب وجدوا جو شمال فرنسا، غير بارد، ولا ماطر، كجو أسبانيا، فطابت لهم الإقامة الدائمة به، فماذا كان يصيب أوربا؟ كان يصيب أوربا النصرانية المتبربرة، مثل ما أصاب أسبانيا من الحضارة الزاهرة، تحت راية النبي العربي، وكان لا يحدث في أوربا التي تكون قد هُذٍّبَت، ما حدث فيها من الكبائر، كالحروب الدينية، وملحمة سان بارتلمي، ومظالم محاكم التفتيش، وكل ما لم يعرفه المسلمون من الوقائع، التي ضرجَّت أوربا بالدماء عدة قرون، ويجب أن يكون المرء جاهلا تاريخ حضارة العرب، جهلا مطبقا، ليوافق على ما زعمه ذلك المؤرخ العالم... فمزاعم مثل هذه، ليست مما يقف أمام سلطان النقد، عندما يُعلم أن التمدن اللامع، حل البلاد، التي خضعت لأتباع محمد، محل الهمجية، وأن النشاط، الذي يحفز الإنسان، إلى التقدم، لم يكن قويا، في أمة، مثل قوته، في العرب".

ويخلص لوبون إلى القول: إن كل بلد، خفقت فوقه راية النبي العربي، تحول بسرعة، فازدهرت فيه العلوم، والفنون، والأدب، والصناعة، والزراعة، أيما ازدهار".

وقال جوزيف ماكايب (1867-1955) في كتابه (Civilization of Muslims in Spain): " إن العرب أقاموا مدنية من أعظم مدنيات العالم، وأن شارل مارتل وجنده، كانوا لصوصًا، خرابا، متوحشين برابرة، وان العرب، لو نجحوا في فتح أوربا، وبقوا فيها قرنين، وأقاموا فيها مدنيتهم، كما فعلوا في أسبانيا، لكنا ألآن متقدمين خمسة قرون، أكثر مما نحن عليه اليوم، ولا يستطيع عاد أن يعد مقدار الدماء والدموع والفاقة والعدوان التي سببها ذلك الظفر المبين، الذي ناله شارل مارتل في السهول التي بين تور وبواتيه".

وقال كلود فارير(1876-1957)، مدرس اللغات الشرقية بباريس، في مقدمة الترجمة الفرنسية لرواية (العباسة أخت الرشيد)، لجورجي زيدان : "أصيبت الإنسانية، والعالم الغربي، عام 732م، بكارثة عظمى، لم تصب بمثلها في القرون الوسطى، وبقي أثرها ظاهرا في العالم، مدة سبعة قرون أو ثمانية.. لأن روح التجدد كانت يومئذ قد بدت للعيان، حتى وقعت الكارثة، فكان من نتائجها تأخر سير الحضارة، ورجوع العالم إلى الوراء.. هذه الكارثة، هي الانتصار البغيض الذي ناله أولئك البرابرة المحاربون، من الأفرنج، بقيادة شارل مارتل، على المسلمين، بقيادة الغافقي، ففي ذلك اليوم المشئوم، تراجعت المدنية، ثمانية قرون،  إلى الوراء"".

وقال المسيو شامبون، مدير مجلة (ريفيو بارلنتيرا) الفرنسية: لولا انتصار جيش شارل مارتل الهمجي، على العرب، لما وقعت فرنسا في ظلمات العصور الوسطى وأصيبت بفظائعها، ولا كابدت المذابح الأهلية الناشئة عن التعصب الديني والمذهبي. ولولا ذلك الانتصار البربري على العرب لنجت اسبانيا من وصمة محاكم التفتيش ولما تأخر سير المدنية ثمانية قرون".     

واعتبر الكاتب السويسري بوجن ألسومر في كتابه (أسلافنا العرب) قول النصارى من أن شارل مارتل، قد قتل 400 ألف مسلم، في تلك المعركة، منقذا بذلك الحضارة، أكبر أكذوبة في التاريخ.

***

 

أعلى