مؤسسات التفكير وحوكمة السياسات العامة

مؤسسات التفكير وحوكمة السياسات العامة

المقدمه:

تمثل مراكز التفكير ظاهره من الظواهر المؤثرة – بنسب مختلفة – في السياسة وةدارة الدولة الحديثة، ولعل الظاهرة ظهرت في دول قبل عشرات السنين وكان لها دور واضح وملموس، ولكن في دول اخرى لازالت مراكز التفكير حديثه عليها ولازالت تراوح مكانها من حيث التأثير في الحياة السياسية للدولة.

وفي هذه المقال سنتناول مراكز التفكير ودورها في إدارة الدولة في ظل الحديث عن الحوكمة:

الموضوع:

أولاً: الدولة والحوكمة

لابد أن يقوم الأداء المؤسسي على منهجيه منتظمة ومتكاملة، ولعل الحوكمة من أهم المتطلبات والضروريات التي باتت اساساً لضمان العمل المؤسساتي سواء في القطاع العام أو حتى القطاع الخاص، والحوكمة تعني نظام وأسلوب ادارة يحكم العلاقة بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء داخل أي مؤسسة، وتسهم الحوكمة في أن تؤدي المؤسسة دورها بشكل أكثر فاعليه، وضمان تحقيق أفضل النتائج المطلوبة، وتبني أساليب جديده في الإدارة والتطوير، وإيجاد نظم وتعليمات تضمن وتؤدي إلى توثيق الإجراءات والأنظمة وتحديد المسؤوليات.

ثانياً: مراكز التفكير

وقد ظَهر أوّل مركز أبحاث، بشكله الحديث، في الولايات المتّحدة، وذلك من خلال تأسيس معهد  "كارنيغي" للسلام في عام 1910. وتلا ذلك إنشاء معهد "بروكينغز" في عام 1910، ثمّ معهد "هوفر" في عام 1918، ومؤسّسة "القرن" في عام 1919.[1]

تترجم عبارة    Think Tank  إلى اللغة العربية بصور مختلفة، فهناك من يترجمها إلى (مراكز التفكير) وهناك من يترجمها إلى(بنوك الفكر – أو – بنوك التفكير)، ولكن في الغالب يستخدم تعبير (مراكز الأبحاث والدراسات)،

وحتى في اللغة الانكليزية، حتى الأربعينيات من القرن العشرين فإن أغلبية  Think Tank عرفوا باسم المؤسسات أو مراكز الدراسات والأبحاث، ولكن أثناء الحرب العالمية الثانية استخدم عبارة »براين بوكس » أو (صناديق الدماغ أو المخ) في اللغة العامية في الولايات المتحدة للإشارة إلى Think Tank

ويرجع أول استخدام مدون لعبارة  Think Tank  إلى الخمسينيات والسبعينيات إذا تم استخدم هذه العبارة بشكل عام للإشارة إلى مؤسسة راند والى المجموعات الأخرى التي ساعدت القوات المسلحة.

في الوقت الراهن تستخدم العبارة بدرجة كبيرة للإشارة إلى مؤسسات إعطاء النصح، وبذلك فإن عبارات (مراكز الأبحاث والدراسات أو صناديق الفكر أو مراكز التفكير) يشير إلى شيء واحد معروف في اللغة الانكليزية بـ  Think Tank. [2]

يمكن انضمام الفاعلين السياسيين أو المسؤولين السابقين إلى مراكز التفكير، وقيام بعضهم بتأسيس مراكز تفكير بغرض استمرار التأثير في السياسات.[3]

ثالثاً: دور مراكز التفكير في إدارة الدولة

في بداية انشاء مراكز التفكير كان الهدف منها اغراض الأمن والعسكرة بالإضافة الى الارتقاء بقدرات البلاد الحربية، وبعد الحرب العالمية الاولى بدأ العمل على إنشاء مراكز التفكير السياسية والتكنولوجية، ولعل ثورة المعلومات والاتصال والتكنولوجيا مع بداية الالفية الثالثة زادت من أهمية وعدد مراكز التفكير في العالم.

مع اتجاه الدول إلى الحوكمة والعمل على البناء المؤسسي للدولة وبنيتها، بات من الضروري اللجوء الى مراكز التفكير التي تقدم النصيحة والمشورة بالإضافة الى الخبرات لرجالات الدولة، فليس من الشرط التخصص لصانع القرار وبالتالي باتت مراكز التفكير معينا لصانع القرار في الكثير من القرارات، كذلك لمراكز التفكير الدور في توفير الوقت والجهد لصانع القرار  او مؤسسات الدولة.

مراكز التفكير قادرة على تحويل العلم والمعرفة والخبرات ونقلها الى حيز السياسة، كذلك توفير البدائل لصانع القرار والدفاع عن البدائل القوية، وقد تعمد تعتمد الدولة او صانع القرار فيها على بعض المراكز، أو على بعض الخبراء والباحثين العاملين فيها لإجراء المقابلات الاعلامية، وذلك للتعبير عن رسائل فورية، أو إشارات سياسية غير مباشرة، أو للتعبير عن مواقف إلى بعض الأطراف حول قضايا او اشكالات سياسية.

ومن الأدوار المهمة التي يمكن أن تلعبها مراكز الأبحاث في التدخل في صنع السياسات العامة إلا وهو أن تكون قناة اتصال غير مباشرة أو غير رسمية بين الشخصيات السياسية أو كبار المسؤولين، خاصة الأطراف أو الشخصيات الخارجية أو الدولية، وذلك للتعرف على أطروحاتهم أو آرائهم السياسية وطبيعة اهتمامهم، وذلك بهدف معرفة اتجاهاتهم السائدة في مجال قضايا اقتصادية أو سياسية أو غيرها، أو دعوة مثل تلك الشخصيات للمشاركة في المؤتمرات أو الندوات التي تعقدها هذه المراكز البحثية.[4]

رابعاً: مراكز التفكير والحوكمة

قلة المعرفة التخصصية في بعض المجالات، وانعدام توفر الوقت الكافي لدى صانع القرار او كبار المسؤولين في الدولة، مراكز التفكير Think Tank عادةً ما تتوفر لها مجموعة أو شبكة من الخبراء أو الباحثين الذين يملكون القدرة على توفير البيانات البحثية اللازمة لصناع القرار أو المسؤولين عند الحاجة.

الإطار يشير هوارد إلى ان مراكز التفكير تلعب دوراً مهماً في تقديم الأفكار الجديدة والرؤى الإبداعية بالاعتماد على أبحاثهم في ترشيد السياسات العامة، أو تميل إلى أن تلعب دور الدمج أو التوفيق عند اختلاف أو تنازع البيروقراطية الحكومية حول إعداد سياسة معينة، وتكون تلك الأطراف غير موحدة أو متوافقة في سياساتها مواقفها ورؤاها، فتقوم عادة مراكز الأبحاث بدور توفيقي بين تباين هذه المواقف وسياساتها أو أراءها. [5]

خامساً: مخرجات (منتجات) مراكز التفكير

-       تقدم مراكز التفكير تقديرات وخطط سياسية لطالبها وقد تكون ليست للنشر او التعميم.

-       إقتراح اجندات للسياسات العامة.

-       تقديم استشارات لفواعل السياسة وطالبيها.

-       إقتراح البدائل للسياسات.

-       الأبحاث والدراسات، وأوراق السياسات.

-       مقالات الرأي والكتب والمشروعات البحثية.

-       المحاضرات واللقاءات التلفزيونية.

-       ندوات وورشات عمل وحلقات النقاش.

-       تحليل الخطاب أو النصوص.

-       إعداد السيناريوهات.

سادساً: التحديات أمام مراكز التفكير

1-   التمويل المالي للمراكز، إذ أن المال غالباً ما يتحكم بعمل المركز وقد يؤثر في حياديته ومنهجية عمله.

2-   ثقافة صانع القرار ومدى قبوله وثقته بمركز التفكير.

3-   محاولة جهات مؤثرة في النظام السياسي الهيمنة على مراكز التفكير أو الحد من فعاليتها.

4-   القوانين المطبقة في الدولة.

5-   حرية الوصول إلى المعلومات.

الخاتمة:

كدارس يعيش في فلسطين المحتلة أجد من الصعوبة الحكم على مراكز التفكير او اعطاء تصور حقيقي عنها، لكن من خلال القراءات والمتابعة لمراكز التفكير، أجد ان لها دور واهمية في الدولة وادارتها، وليس من الضروري تحديد طبيعة أو مدى تأثير مراكز التفكير في قرار صانع القرار، خاصة اأن بعض التوصيات او الأوراق المقدمة من مراكز التفكير لصانع القرار هي أوراق سرية ليست منشورة وبالتالي لا يمكن الحكم على مدى قدرة المراكز على التأثير.

أظن أننا في العالم العربي ككل وفي فلسطين خصوصاً نحتاج إلى مراكز التفكير التي تعمل على تقديم التوصيات والنصح لصناع القرار والسياسيين بخصوص ما يتعلق بقضايانا المتنوعة، خاصة أمام ما نعانيه من تراجع وضعف سياسي عربي أمام العالم أجمع. 

 


[1] شمس، نسيب، أدوار مراكز التفكير ومهامها.

[2] أمين، هزار، مراكز التفكير ودورها في التأثير على صنع السياسة

[3]  محفوض، عقيل، مراكز التفكير، مركز مداد، دمشق، 2017

[4]   عليوي، معاذ، دور مراكز التفكير في صنع السياسة العامة في فلسطين، مركز الزيتونة

[5] عليوي، معاذ، دور مراكز التفكير في صنع السياسة العامة في فلسطين، مركز الزيتونة

أعلى