وقاحة الأدب.. الطابور الخامس وأبو هريرة "
"ممَّا يُسْتخرَج به الضَّحِك أن يحدّثك المحدّث أو الكاتب بشئٍ سخيفٍ لا يُعْقَل، وهو يُبْدى لكَ الجدّ كل الجدّ فيما يحدِّثُ أو يكتب. ولكنه عندئذٍ لايريدُ إلّا إضحاكك. فإذا جاءَ امرؤ يفعَل ذَلك وهو لا يريدُ إلا الجدّ، لأنّه قدبَنَى حديثَه عليه عند نفسه وعند سامعه أو قارئه، فهذا هو المضحك المحزنُ معًا. ولكن من العجيب أن يَكون هذا السَّمْتُ الأخيرُ"[1] هو سمْت أكثر الذين يدعون بالحداثيين العرب ... فإلى هؤلاء البالين ـ فهم لم يأتوا بجديد شبهات ـ وبالخصوص النسخة الجزائرية من هؤلاء الأبواق .. ويحكم .. ألم يسعفكم فكركم الوقاد ـ الوصي على هذه الأمة ونهضتها حسب أمانيكم ـ ألم يسعفكم لصياغة شبهات أكثر حداثة ـ قياسا على مذهبكم الذي بات باليا مثلكم ـ أم أنكم مجرد نسخ عربية ركيكة لكتاب أغراب عن هاته الحضارة ولو أن المتأمل ـ وليس من باب الثناء ـ يتفهم تعصب هؤلاء المستشرقين فهم وإن كان عملهم "كله مبني على رسم صورة محدَّدَةٍ قائمةٍ في أنفسهم، منصوبةٍ لأعينهم، يرسمُونها لهدف معين مقصود لذاته"[2]ــــ وهذا في حد ذاته ضرب لمصداقيتهم المزعومة ــــ "إلا أنهم حَبسُوا أنفسهن الجدْران المختفية وراءَ أكدْاس من الكتُب، مكتوبةٍ بلسانٍ غيرِ لسان أمَمهم التي ينتمون إليها، وفي قلوبهم كُلّ اللَّهيب المُمِضّ الذى في قلب أوربَّة، والذى أحدثته فجيعة سقوط القسطنطينية في حوزة الإسلام.." كما قال أحد أعمدة الأدب العربي الأستاذ محمود شاكر ـ رحمه الله ـ فأين الجديد الذي تفتقت به قريحة هؤلاء، فحضارة الإسلام عتيقة ودينها أعتق و قد صمدت في أوجه أعتى التيارات الفكرية التي حاولت النيل منها، بعد هذا يخرج علينا أحد المعروفين بتخصصهم في الأدب(الهابط)ـ وعذرا أن قد سميته أدبا ـ وهو من الأدب ما يطلبه المستمعون، يخرج علينا بخلف قاله بعد أن سكت دهرا.. وتغافل عن جميع ما يمر بالعالم أجمع من مخاض... حال نظرائه من هواة ركوب أمواج التفاهة أو الصفاقة من''المتقفين'' عبر أسلوب'' الصدمة'' و''خالف تعرف'' و بما أن السوق الرائجة الان للثالوث الذهبي لهؤلاء وهي'' ضرب العقائد، والحيوانية الأخلاقية، والهرف بما لا يُعرف من السياسية "كان من اللازم علينا توقع هذا من هؤلاء، وصدق محمود شاكر ـ رحمه اللهـ إذ سمى هذا الطابور من "الأدباء" بأدباء الطابور الخامس" الذين اتخذوا لأنفسه مشعارًا من حرية الفن وحرية الأدب، وحرية التعبير عن ثورة النفس المشتهية المستكلبة، هم أعدى أعداء هذا الشعب المسكين، وهم البلاء الماحق، وهم الذل الحاضر والقيد الربوض.. "فها هو أحد "المتنورين"ـ في مقابل معشر الظلاميين من كل جزائري محافظ مسكين ـ يتكلم ـ دون أن يحفظ ماء وجهه ـ في الصحابي الجليل أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ معيدا نفس الأسطوانة المشروخة حول مدى صحة مروياته ومصداقيته وأمانته، وهي تصب في نفس المنحى الذي تكلم فيها أسلافه في هاته القضية أمثال: (جولدتسيهر)، (شبرنجر)، وتلامذتهم ـ من الحداثيين الذين ينتسبون للإسلام ويا للعجب[3] ولن نطيل في الرد على ما جاء به من شبهات لم يستطع هو في نفسه إثباتها، ويكفي أبو هريرةرضي الله عنهـ فخراً ـ شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له، حيث جاء في مسند الإمام أحمد قوله صلى الله عليه وسلم: ( ..والذي نفس محمد بيده، لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي، لما رأيت منحرصك على العلم).
أما من الصحابة فمن الشهادات التي قيلت في حق أبي هريرة رضي الله عنه، ما قاله عبد الله ابن عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ حيث جاء في سنن الترمذي أنه قال له: يا أبا هريرة أنت كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه"، بل ويدل على مكانته العلمية ـ رضي الله عنه ـ القائمة الطويلة لمن أخذ عنه العلم وعلى رأسهم العديد من مشهوري الصحابة ـ رضوان الله علنهم أجمعين ـ، وبنظرة سريعة لبعض كتب السنة ـ وعلى سبيل المثال لا الحصرـ نجد ممن حدث عنه: زيد بن ثابت، وأبو أيوب الأنصاري، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وأبي بن كعب، وجابر بن عبد الله، وعائشة، وأبو موسى الأشعري، وأنس بن مالك[4] وغيرهم من الصحابة الكرام، بل ها هو الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يدعو أبو هريرة رضي الله عنه ليوليه الإمارة مرة أخرى بعد أن استعفاه من إمارة البحرين ـ وقد كان لعمر رضي الله عنه سياسة متميزة في الحكم وهي متابعة الولاة والعمال ومساءلتهم، مهما علت مراتبهم، وسمت منازلهم في السبق إلى الإسلام والفضل فيه ـ حيث قال عمر بن الخطاب لأبي هريرةرضي الله عنهبعد أن دعاه ليوليه، ورفض ذلك: "تكره العمل، وقد طلب العمل من كان خيرا منك يوسف - عليه السلام -. فقال: يوسف نبي ابن نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة بن أميمة .." وتعتبر هاته الشهادة ـ من الخليفة الثاني الذي كان حريصا في من يوليه أمر المسلمين ـ تزكية لأبي هريرةy، هذا ولا زلنا لانشك أن الطعن بعلمائنا ونقلة هذا الذين بدأ من الصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ عبارة عن سلسلة حلقات لازالت متواصلة تهدف للطعن في الإسلام وهدمه ".. ذلك أن الرسول صلى لله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى...."كما قال أبو زرعة الرازي ـ رحمه الله ـ ولكن الله تكفل بحفظ كتابه وقيض من يخدم ويحفظ السنة من علماء نذروا حياتهم وفكرهم لذلك حتى قال"مرجليوث" أحد أشهر المستشرقين تعصبا: "ليفتخر المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم".
[1] من مقدمة لمقال لمحمود شاكر ـ رحمه الله ـ بعنوان، ألسنة المفترين .
[2] محمود شاكر، بتصرف في اللفظ دون المعنى .
[3] للاستزادة انظر: كتاب أبو هريرة راوية الإسلام، لمحمد عجاج خطيب، مكتبة وهبة، 1982
[4] للاستزادة انظر: أبو هريرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه دراسة حديثة تاريخية هادفة تأليف: الدكتور حارث سليمان الضاري، عمر سليمان الأشقر .