المواجهة بين تركيا وروسيا تقترب في سوريا
أيام قليلة تفصلنا عن نهاية مهلة الإتفاق بين موسكو وأنقرة حول أنشاء مناطق منزوعة السلاح في سوريا ،ذلك الإتفاق الذي جنب محافظة إدلب مزيداً من حروب الإبادة الجماعية الذي يتطلع نظام بشار لاستئنافها في المدينة التي تشكل آخر معاقل قوى الثورة السورية وغيرها من الجماعات المسلحة التي تحظى بدعم من جهات خارجية مختلفة.
رغم نجاح المساعي التركية ووصولها لاتفاق غير محدد المعالم تحت مبررات إنسانية مع روسيا، إلا أن مفاوضاتها مع الفصائل المسلحة في إدلب لم تنتهي بع ، فتلك القوى لم تعلن موقفها النهائي بشأن الإتفاق الذي يُفترض أن يدخل حيز التنفيذ في منتصف الشهر الجاري ، فما جرى بين الروس والأتراك مجرد أتفاق على خطوط عريضه تحدد مستقبل محافظة إدلب دون التوصل لتفاصيل من شأنها أن تنهي مأساة إنسانية تنتظرها.
وفقاً للمعلومات التي رشحت عن موقف القوى المسلحة والجماعات الجهادية ذات النفوذ العسكري الواسع والذي يصل ل ٧٠% من محافظة إدلب كجبهة تحرير الشام " النصرة سابقاً" فهي لا تعمل تحت إمرة أنقرة وتصنفها ضمن المنظمات الإرهابية وهو ما يصب في مصلحة نظام بشار، عدا عن ذلك فإن مراهنة تركيا على الحاضنة الشعبية لها يبقى محفوف بالمخاطر، لأن ذلك التعاون المنشود القائم على مصلحة الطرفين (تركيا والشعب السوري في إدلب) يبقى محل شك، فنجاح أي مشروع تعاوني يحتاج لقوة مشتركة تمنع هذه الجماعات من أيقاع الضرر بمصلحة الشعب السوري في إدلب.
ولا شك في أن عدم تحديد الجماعات الجهادية موقفها بعد من الإتفاق الذي يُفترض أن يكون على حساب مستقبلها، من شأنه أن يجهض الإتفاق لأن هذه الجماعات لن تقبل بأتفاق يسمح بقيام مناطق منزوعة السلاح في إدلب تحت أشراف موسكو وأنقرة، حتى التوقعات الأكثر تفائلاً في هذا الشأن ترجح قيام هذه الجماعات بالتفاوض مع الحكومة التركية على تفاصيل الإتفاق أملاً في الوصول لأتفاق يحقق لها مكتسبات ولا ينهي نفوذها لمصلحة نظام بشار الذي يتطلع للتخلص من كافة أشكال الثورة، وهذا ما أكد عليه وزير الخارجية لدى نظام بشار الثلاثاء الماضي، متحدثاً بكل وضوح " أن الإتفاق بشأن إدلب يمثل خطوة نحو تحرير المحافظة!.
وفقاً للكثير من المراقبين فإن الإتفاق الذي وُقع قبل أكثر من أسبوعين من الآن لا يزال مجرد حبر على ورق ولم تُشاهد أي تحركات عملية، خاصةً وأن الجماعات المقاتلة في إدلب ترفض وجود أي دوريات روسية في المناطق الذي جرى الإتفاق بشأنها، وهذا ما يضع أنقرة في موقف أكثر حرجاً لأنها مطالبة حسب الإتفاق بأقناع هذه الجماعات والقوى المقاتلة بتنفيذ ما تم التوافق حوله مع موسكو.
إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتن قد أكد الأسبوع الماضي على جدية بلاده في تنفيذ ما تم الإتفاق عليه مع تركيا مشيراً إلى ذلك التعاون مع أنقرة بشأن إدلب فإن ذلك لا يعني نجاح الإتفاق، لأن الخارجية الروسية عادت وأتهمت الجماعات المسلحة في إدلب بالعمل على تقويض الإتفاق، حيث أكدت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا الخميس الماضي أتهامها لتلك الفصائل بالقول "انهم يخشون أن يجدوا أنفسهم معزولين نتيجة الإتفاق الروسي التركي، ويرتكبون كل أنواع الاستفزازات ما يزيد من تفاقم الوضع".
تلك التصريحات الروسية تنذر بأن انهيار الإتفاق بات قاب قوسين أو أدنى، لأن النفوذ التركي في إدلب وغيرها من المناطق السورية التي لا تتبع لنظام بشار لن يصل لدرجة القدرة على أقناع تلك الجماعات المسلحة والفصائل الثورية بتغيير مواقفها، فالكثير من هذه الجماعات تتلقى دعم خارجي ولها ولاءات مختلفة وهو ما تحاول أنقرة التغلب عليه خلال الأيام القليلة المقبلة عبر التفاوض مع تلك الجماعات أملاً في أقناعها بتمرير الإتفاق الذي سيكون على حساب سلاحها الذي سيتم أنتزاعه بمعرفة طرفي الإتفاق، لكن التحفز التركي لتمرير هذا الإتفاق له ما يبرره حيث أكدت الصحف والتحليلات التركية على أن الإتفاق في حال نجاحه سيمنحها مزيداً من النفوذ العسكري في شمال سوريا وهذا ما دفع أنقرة لأرسال المزيد من التعزيزات العسكرية خلال الأيام القليلة الماضية.
ما تزال الأمور غامضة بشأن تمرير الإتفاق وفرص نجاحه ليست كبيرة، لأن ما ورد في نصوص الإتفاق لم يميز بين الجماعات المتطرفة التي تعهدت تركيا بإخراجها من إدلب والقوى الثورية، كما أن مسألة تسليم السلاح الثقيل الذي تحمله تلك الجماعات يحتاج للكثير من الإجراءات والوقت، عدا عن قبول هذه الجماعات تسليم سلاحها من عدمه، ما يرجح احتمال دخولها في مواجهة عسكرية مع تركيا، الأمر الذي يمكن أن يدفع أنقرة وموسكو في أحسن الأحوال إلى تأجيل المدة الزمنية المتفق عليها والتي تنتهي في منتصف الشهر الجاري تجنباً لأي مواجهة محتملة بين الأطراف، فالمواجهة العسكرية المحتملة يمكنها أن تعيد الأمور إلى المربع الأول.