عامان على عاصفة الحزم.. أفخاخ الحل السياسي
تمر اليوم الأحد الموافق 26 مارس الذكرى الثانية لانطلاق عاصفة الحزم التي نفذتها قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بهدف إعادة الشرعية في اليمن وكسر انقلاب (الحوثي وصالح) على الدولة وسيطرتهم على العاصمة صنعاء وأغلب المحافظات اليمنية.
الساعة الثانية عشرة ونصف بعد منتصف ليلة 26 مارس 2015 كانت لحظة حاسمة في تاريخ اليمن، بعد أن فقد اليمنيون الأمل بعودة الدولة عندما سيطرة المليشيات على الأجهزة الأمنية والجيش والسلطة والثروة وبسطوا سيطرتهم على المنافذ البرية والجوية والبحرية، وحاولوا بكل قوتهم أن يقتلوا الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي عبر القصف بالطائرات الحربية على مقر إقامته في قصر "المعاشيق" بمدينة عدن الجنوبية.
وجاء التدخل العربي بقيادة المملكة بعد طلب مباشر من الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي مستنداً على المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك معاهدة الدفاع المشترك التي رسمتها الجامعة العربية من أجل الدفاع عن اليمن من تمدد مليشيات الحوثي الحليفة لإيران والتي بدأت بفرض علاقات سياسية وعسكرية مع طهران من أول يوم من سيطرتها على العاصمة صنعاء، وبدأت تُسير 7 رحلات أسبوعية من صنعاء إلى طهران اتهمت فيها بأنها تستقدم سلاح وخبراء إيرانيين.
والشيء الذي لم يكن يتوقعه أحد عندما بدأت هذه العاصفة هو أن يطول أمدها إلى هذه الدرجة، حتى تداخلت المصالح الدولية والاقليمية وزادت أوضاع الشعب اليمني سوء وتردت الأمور بشكل أسوأ في ظل تعنت المليشيات واستغلالها للأوضاع الإنسانية وابتزاز الحكومة الشرعية بمسألة رواتب الموظفين وموارد الدولة.
ولعل الكثير من المتابعين يطرحون فرضية ماذا حققت عاصفة الحزم بعد عامين من الانطلاق، وما هي أفاق المستقبل، وهل بات الحل السياسي أقرب إلى الحسم العسكري للخروج من هذه المأزق.
وبالمقارنة بين ما كانت عليه اليمن قبل عامين منذ سيطر الحوثيون وصالح على السلطة فإن الوضع الآن يختلف بدرجة كبيرة، فالرئيس الشرعي قد عاد إلى السلطة وبدأ بتجهيز جيش وطني ولائه للوطن بعيداً عن الجيش العائلي الذي أعده صالح للدفاع عن أسرته ومصالحه الشخصية، فضلاً عن أن الشرعية باتت تسيطر على أكبر قدر من الجغرافيا اليمنية.
وبالتأكيد فالمعركة ليست بتلك السهولة التي يظنها البعض، فاليمن جبال وشعاب وأودية وساحل ممتد على طول 2400 كيلو متر مربع، وسلاح ثقيل خزنه صالح خلال ثلاثين عاماً في الجبال والشعاب والمخازن، وجيش ولائه لعائلة وليس للوطن، ومليشيات متدربة على القتال، وفوق كل هذا دعم لوجستي وتدريبي وعسكري وسلاح حديث يصل إليهم بشكل مستمر بطرق التهريب من إيران، فضلاً عن الضغوطات الغربية على المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي لإيقاف هذه الحرب والخروج بحل سياسي يضمن بقاء تلك المليشيات كطرف أساس في أي صيغة حكم قادمة.
لكن مع تقدم الأيام أصبحت فرضية الحسم العسكري مستبعدة بشكل أو بأخر خصوصاً مع تداخل المصالح والولاءات داخل صف التحالف العربي وقوات الشرعية نفسها، ومع تحركات الأمم المتحدة لإنجاز حل سياسي يضمن انهاء الحرب والدخول في مشاورات مباشرة بين أطراف الصراع.
ويبدو جلياً من خلال قراءة متأنية لواقع المعركة الحالية أن الحل السياسي سيكون هو الأكثر حضوراً في نهاية المطاف، لكن ظروف تشكل هذا الحوار السياسي لم يتشكل بعد رغم الدخول في مفاوضات مباشرة لثلاث مرات متتالية، مرتان في جنيف، والثالثة في الكويت استمرت لمدة ثلاثة أشهر دون التوصل إلى أي آفاق للحل في ظل تمسك كل طرف بشروطه.
هناك تحرك وسعي كبير من الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية على إنهاء الحرب في اليمن بأي طريقة بعيداً عن البحث في أضرار بقاء السلاح وجزء من السلطة بأيد المليشيات الحليفة لإيران، وخطرها على أمن المملكة العربية السعودية والمنطقة.
ومن خلال تجارب اليمن الطويلة في الحوارات مع الحوثيين منذ الحرب الأولى في صعدة صيف 2004 فقد أثبتت التجارب بما لا يدع مجالاً للشك وفي عشرات الاتفاقيات أن هذه المليشيات لا تؤمن بالحوار السياسي ولم يحدث أن نفذت وثيقة اتفاق، فتاريخ الحوثي حافل بنقض الاتفاقيات واستخدام الحوار السياسي كوسيلة وتكتيك وإعادة للتمترس والخوض في المعارك من جديد.
أما الخطر الأكبر الذي سيبقى حاضراً في حال تم التوافق على آلية سياسية يكون الحوثي طرفاً فيها، فهو استمرار تخزين الأسلحة وتوريدها عبر البحار للحوثيين في ظل سيطرتهم على ما تبقى من أموال البنك المركزي وموارد الدولة خلال عامين وأكثر، وتخزين أسلحة ثقيلة وصواريخ بالستية في الجبال والأودية ومن الصعوبة أن يتم إلزامهم بحصرها وتسليمها.
ليس هذا فحسب، بل إن الخطر الثقافي والطائفي سيكون له أبعاده في المستقبل، فالحوثيون يقومون بتغيير المناهج وفقاً للمذهب الشيعي والأفكار المستوردة من إيران، وقاموا بتغيير كل خطباء المساجد ومدرسي حلقات التحفيظ وألزموا المدارس بتنفيذ شعارات طائفية تضر بمستقبل أطفال اليمن وتهدد بتحولهم إلى قنابل موقوتة.