مناظرات باكستان المحتدمة حول الطائرات المسيرة

مناظرات باكستان المحتدمة حول الطائرات المسيرة

امتياز جول *
 
2 يوليو 2010
 

   في الوقت الذي تقاتل فيه القوات الأمنية الباكستانية مسلحي حركة طالبان ـ الذين يتبعون خطى  القاعدة ـ في المناطق القبلية الملتهبة في باجوار وأوراكزاي، فإن الطائرات الأمريكية المسيرة بدون طيار والتي تديرها الاستخبارات الأمريكية تستمر في مطاردة عناصر القاعدة الأجانب الذين يختبئون في منطقة وزيرستان الوعرة. وآخر تلك الضربات التي استهدفت معاقلهم في منطقة القبائل بوزيرستان بالقرب من الحدود الأفغانية أدت إلى مصرع ثمانية مسلحين في أوائل الأسبوع الماضي، بما في ذلك حمزة الجوفي، المصري المتحالف مع تنظيم القاعدة، والذي يعتقد أنه كان يعمل من خلال قاعدة عمليات متقدمة تقع في شابمان، عبر الحدود في خوست الأفغانية. وقد قامت الطائرات المسيرة باستهداف مواقع داخل باكستان ، في 141 ضربة على الأقل منذ عام 2004، بما في ذلك 45 هجومًا هذا العام وحده حتى الآن.

وبغض النظر عن مدى فاعلية ضربات تلك الطائرات المسيرة ضد القاعدة والجماعات التابعة لها، فإن استخدامها أصبح يثير جدلاً واسعًا في باكستان، جزء من ذلك الجدل يتمحور حول قانونية تلك الطائرات المسيرة. فقد صرح نائب البرلمان الباكستاني عمران خان بإدانة مثل تلك الهجمات التي وصفها بأنها تعد انتهاكًا" لسيادة وتضامن الدولة الباكستانية وسلامة أراضيها ودفاعها القومي"، وكل تلك الاتهامات جاءت في سياق الحرب العالمية ضد الإرهاب التي بدأت في أكتوبر 2001 تحت قيادة جورج دبليو بوش. وارتباط تلك الحرب ببوش أدى إلى معارضة شديدة من العديد من الباكستانيين المحافظين ومن الجماعات السياسية اليمينية مثل جماعة الإسلام وجماعة علماء الإسلام لتلك الهجمات التي تشنها الطائرات المسيرة.وحتى حركة طالبان الباكستاني، تلك الجماعة التي تتخذ من وزيرستان مقرًا لها والتي تقود عمليات التمرد في المناطق الشمالية الغربية، قد بررت عملياتها بأنها رد فعل لضربات الطائرات المسيرة.

ويعترض الآخرون ليس على الطائرات المسيرة، ولكن على قادة الرأي العام الباكستاني أنفسهم، فقد صرح آياز أمير المحلل والسياسي وعضو البرلمان عن الرابطة الإسلامية الباكستاني في مؤتمر أخير عقد في إسلام آباد أن المسئولين الباكستانيين يتخذون مواقف متناقضة تمامًا بشأن ضربات الطائرات المسيرة: فهم علانية يدينونها ولكنهم يتبنونها سرًا.

ويقول كريس روجرز الباحث والعضو في حملة "الضحايا الأبرياء في الصراعات" أنه "بالرغم من أن باكستان لم تصعّد القضية رسميًا في أي منتدى دولي كما أنها لم تصدر أية بيانات رسمية أو حكومية ضدها، إلا أنه من الواضح أن هناك تفاهمًا ضمنيًا بين الولايات المتحدة وبين باكستان حول تلك الهجمات".

ولكن الموافقة الباكستانية الضمنية لا تجعل من تلك الضربات بالضرورة قانونية، فطبقًا لأحمر بلال صوفي، الخبير في القانون الدولي، فإن "الولايات المتحدة تطبق تلك الحملات المسيرة تحت ذريعة الدفاع عن النفس والحرب على القاعدة، ولكن حتى ذلك يعد انتهاكًا للقانون الدولي وللسيادة الباكستانية". بل إنه يقول أن "تلك الوسائل أصبحت أكثر عرضة للاستهجان لأن الاستخبارات المركزية الأمريكية تقوم بإدارة ضربات الطائرات المسيرة، وبالتالي تنتهك قضايا مثل الشفافية والمصداقية".

كما يقول بعض المراقبين أنه إذا قامت باكستان بتلك العمليات بالطائرات المسيرة فهذا يمكن أن يبطل بصورة كبيرة تلك الانتقادات؛ فقد طالب الرئيس الباكستاني آصفعلي زرداري وقادة الجيش أكثر من مرة بأن يتم نقل تلك التقنية إلى باكستان، وصرح أن مثل ذلك النقل للتقنية سوف يوقف الانتقاد لتلك الضربات.

وقد اعتمد المنتقدون الباكستانيون بصورة كبيرة على تصريحات فيليب ألستون، وهو أستاذ للقانون الدولي بجامعة نيويورك وممثل خاص للأمم المتحدة فيما يتعلق بالإعدامات خارج نطاق القضاء، والذي نصح في تقرير له في يونيو الماضي بأن يتولى الجيش الأمريكي هجمات تلك الطائرات المسيرة ضد مسلحي طالبان والقاعدة داخل باكستان، ولكنه كتب أيضًا قائلاً أنه "إذا ما قامت دولة ما باستهداف مواطنين بالقتل المتعمد على أراضي دولة أخرى فإن الدولة المضيفة يجب أن تشير بوضوح إذا كانت قد أعطت موافقة بذلك أم لا، وعلى أي أساس تمت تلك الموافقة".

ومن الممكن أن تخضع سياسية الهجمات الأمريكية بالطائرات المسيرة إلى بعض التغييرات الكمية في الفترة القادمة، في ضوء التغير الأخير في القيادة العسكرية للولايات المتحدة في أفغانستان. ففي سعي أوباما للبحث عن نصر سريع في أفغانستان، والذي سيكون الدعم الباكستاني فيه أساسيًا، فإن إدارة أوباما يمكن أن تخلص إلى آلية تؤدي إلى تصفية عناصر القاعدة ولكنها في الوقت ذاته تلبي المخاوف الباكستانية فيما يتعلق بشرعية تلك الضربات من الطائرات المسيرة. وهذا التغير يمكن أن يزيل بعض آثار عدم الثقة بين أمريكا وباكستان مما يمكن أن يساعد في تحسين التعاون الثنائي بين البلدين، ولكن يجب على الحكومة الباكستانية أن تنهي أولاً نزاعها العلني والسري بشأن الطائرات المسيرة وأن تعلن صراحة أين تقف في تلك القضية الشائكة.

 


* امتياز جول:  يرأس مركز الدراسات الأمنية والبحثية في إسلام آباد، ومؤلف كتاب "المكان الأكثر خطورة".

http://afpak.foreignpolicy.com/posts/2010/07/02/pakistans_dueling_drones_debate

أعلى