التحول المطلوب في السياسة الأمريكية في القرن الإفريقي
برونوين إي. بروتون[1]
مجلس العلاقات الخارجية [2]
6 أغسطس 2009م
تتمثل المصالح الاستراتيجية الأمريكية في منطقة القرن الإفريقي في منع الصومال من أن تصبح ملاذاً آمناً للقاعدة، أو الجماعات الجهادية العالمية الأخرى، ومن أجل إنجاح استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب وجدت الولايات المتحدة أهدافاً مشتركة لها مع إثيوبيا، فمنذ وقت طويل والحكومة الإثيوبية تخشى من أن تجدّد الصومال مطالبها بضم الأراضي التي تقع على حدودها الشرقية، أو أن تثير الحركات الإسلامية القوية القلاقل بين مسلمي إثيوبيا الذين يمثلون نسبة كبيرة هناك، كما تشعر إثيوبيا بالقلق من نشاط الحركات الانفصالية القوية في منطقة أوجادين، وتخشى أيضاً من النزاع الحدودي غير المحسوم مع جارتها الشمالية إريتريا.
ولكن سلوك الحكومة الإثيوبية في السنوات الماضية، سواء في الداخل، أو في تعاملها مع الدول المجاورة، بات يمثل تحديات متزايدة للولايات المتحدة وأهدافها طويلة الأمد في المنطقة، فيجب على واشنطن أن تستعد لممارسة ضغوطها على شريكها؛ لتغير توجهها ثقيل اليد على المنشقين السياسيين في الداخل، وفي مجال مكافحة الإرهاب، أو تدرس إنهاء علاقة الشراكة معها، فقد عانت إثيوبيا في مرحلة الإصلاح الداخلي منذ انهيار نظام ديرج الشيوعي عام 1991م، وبالرغم من نمو البلاد اقتصاديّاً، إلا أن محاولاتها تعثرت فيما يتعلق بإضفاء الصبغة المؤسسية على النظام وفي تطبيق ديمقراطية متعددة الأحزاب.
ففي عام 2005م عقدت إثيوبيا انتخابات حرة نسبيّاً ونزيهة وديمقراطية، وقبيل الانتخابات كانت هناك انفتاحة غير مسبوقة لملء الفراغ السياسي في البلاد، فقد استطاعت الأحزاب السياسية المعارضة أن تعقد مسيرات انتخابية، واستطاعت الصحافة أن تنشر تحليلات سياسية منتقدة للنظام، وساعدت منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية في مراقبة الانتخابات، ولكن تلك الجهود الحكومية المؤقتة لملء الفراغ السياسي لم تجنِ ثمارها: فبعد اكتشاف سلسلة من الانتهاكات في التصويت طعنت العديد من الأحزاب السياسية في نزاهة الانتخابات، وأعلنت الحكومة الإثيوبية حالة الطوارئ، وردت بوحشية على سلسلة من التظاهرات التي بدَت سلمية، وغرقت البلاد في سلسلة من التوترات الأهلية العنيفة، قامت الحكومة الإثيوبية في خضمها باعتقال آلاف المتظاهرين، وقبضت على المئات من عناصر المعارضة، بما في ذلك غير السياسيين من نشطاء المجتمع المدني ومن الصحافة، وحولت العديد من الإجراءات الطارئة إلى إجراءات دائمة، مما أدَّى إلى سن تشريعات تجرِّم تقديم «الأجانب» مساعدات لمنظمات المجتمع المدني، (بما في ذلك منظمات المجتمع المدني الإثيوبية التي تتلقى معونات خيرية أجنبية)، وفرضت الحكومة إجراءات جنائية قاسية على أيّ تحركات جماعية، بما في ذلك التظاهرات الشعبية، بل كانت تصفها بأنها «إرهابية».
أثر ذلك على أهداف السياسة الأمريكية:
بالنسبة للولايات المتحدة فإن التعاون مع إثيوبيا السلطوية يمثل تحدياً كبيراً لأهداف سياستها، فمن المحتمل أن تؤدي محاولات الحكومة الإثيوبية لتقليل المنافسة السياسية استعداداً لانتخابات 2010م إلى إذكاء التوتر الطائفي في البلاد، كما أن الحزب الحاكم في إثيوبيا «حزب جبهة الشعب الديمقراطية الثورية الإثيوبية» يهيمن عليه فصيل واحد من الأقلية العرقية، وهي التيجري، وتفرده بالسلطة السياسية ربما يُفهم على أنه تعدٍّ على الإثنية الغالبة في إثيوبيا، وهي الإثنية الأمهرية وطائفة الأورومو.
وقد وصل هذا السخط الشعبي على الحكومة إلى ذروته في أعقاب انتخابات عام 2005م، ولا يمكن استبعاد تفجر العنف في البلاد بسبب ذلك في الأيام القادمة. كما أن للصراعات الإثيوبية بُعداً عسكريّاً، سواء مع كل من إريتريا والصومال، أو مع الحركات الانفصالية القوية في إقليم أوجادين؛ فبينما يحقق التحالف الإثيوبي الأمريكي إيجابيات تكتيكية قصيرة الأمد، إلا أنه ربما يقوِّض الأهداف الأمريكية الاستراتيجية في مجال مكافحة الإرهاب.
كما أدى الاعتماد الأمريكي على القوة العسكرية الإثيوبية، وعلى استخباراتها، إلى زيادة القلاقل في الصومال، فقد أدى الغزو الإثيوبي للصومال والوجود الممتد للقوات الإثيوبية في مقديشو إلى انتكاسة في الأوضاع الداخلية مثَّلت نقطة جذب للمتطرفين المحليين، كما أدى ذلك إلى تطور عمليات التمرد المعقدة ضد الاحتلال الإثيوبي، وأسفر عن تشكيل ميليشيا جهادية من الشباب وهي «حركة شباب المجاهدين»، كما استثمرت حركات الجهاد العالمي هذا الوضع، واعتمدت على حركات التمرد المحلية، وعلى دعم أمريكا للغزو الإثيوبي من أجل تدويل الصراع الصومالي، فقد ساعد الوجود الأجنبي والتمويل الخارجي على تحوّل ميزان القوة في صالح جماعات التطرف الصومالية، كما تشعر الولايات المتحدة بالقلق من أن يؤدي الصراع المستمر في أوجادين إلى ولادة حركات جهاد محلية جديدة داخل إثيوبيا. لذا فإن الشراكة الأمريكية الإثيوبية بأهدافها التكتيكية قصيرة الأمد ربما تقوّض الأهداف الكبرى للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب.
فقد أصبحت المشاعر المعادية للولايات المتحدة في الصومال واضحة للعيان، وتنبع في جزء كبير منها من تواطؤ أمريكا في الغزو الإثيوبي، وفي انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها في الصومال، كما تورطت إثيوبيا أيضاً في انتهاكات لحقوق الإنسان داخل إقليم أوجادين المتاخم للصومال، والذي تشتبك فيه الحكومة مع جماعات التمرد ضد الحركات الانفصالية ذات الأصول الصومالية.
وبالرغم من أن إثيوبيا أنكرت تلك الاتهامات، إلا أن منظمات حقوق الإنسان، بما فيها منظمة العفو الدولية ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان، قامت بتوثيق الفظائع التي ارتكبها طرفي الصراع. وجاء القرار الأمريكي بسحب الأفراد والموظفين الأمريكيين من أوجادين في أبريل عام 2006م، وتلا ذلك فشل المجتمع الدولي في مساءلة إثيوبيا على تلك الفظائع، وأدَّى كل ذلك إلى تعزيز الانطباع العام واسع الانتشار في إثيوبيا والصومال بأن الولايات المتحدة أرادت أن تغمض عينيها عن انتهاكات حقوق الإنسان في مقابل التعاون الإثيوبي في مجال مكافحة الإرهاب.
وما أدى إلى زيادة تعقيد الجهود الأمريكية لدعم الحكومة الصومالية المركزية هو الصراع الحدودي غير المحسوم بين إثيوبيا وإريتريا، فإريتريا تتهم إثيوبيا بأنها رفضت احترام حكم اللجنة المستقلة لترسيم الحدود المشتركة، وطالبت بتدخل المجتمع الدولي، في حين تهتم إثيوبيا إريتريا بأنها ردت بتهريبها للسلاح والأموال إلى الجماعات الراديكالية الصومالية، وبعضها يعارض الوجود الإثيوبي هناك.
ولكن إريتريا أنكرت تلك الاتهامات، ولم يتم إثباتها، بالإضافة إلى الاتهامات التي وجهتها لها الأمم المتحدة ومنظمة الاتحاد الإفريقي، ولكن لا تزال هناك مطالبات بتوقيع عقوبات على إريتريا، كما أدلت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أثناء زيارتها إلى كينيا في 6 أغسطس الماضي بتصريحات ربطت فيها بين إريتريا والميليشيات الصومالية، وهو ما يفيد بأن آمال إشراك إدارة أوباما لإثيوبيا في حوار سياسي بَنَّاء مع أسمره أصبحت بعيدة المنال. وكل ذلك يفيد بأن الولايات المتحدة سوف تستخدم دبلوماسيتها فقط في محاولة حل الصراع الحدودي، ولمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الإثيوبية، ولكن يبقى السؤال إذا كانت أمريكا سوف تتحرك من أجل زيادة المساحة الديمقراطية في البلاد أم لا؟
عوائق أمام التحركات الأمريكية:
إن الولايات المتحدة لا ترغب في ممارسة ضغوطها العلنية على إثيوبيا لكي تتبنى إصلاحات ديمقراطية واسعة النطاق لعدة أسباب: منها أن العديد من الخبراء يرون أن النظام في إثيوبيا بالفعل عُرضة للانهيار، ويخشى دبلوماسيون أمريكيون أن أية ضغوط أمريكية علنية على إثيوبيا يمكن أن تؤدي إلى المزيد من القلاقل في المنطقة، ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تتحمل وجود قلاقل في ذلك البلد الذي يقوم بدور مهم في تلك المنطقة المضطربة.
كما أن هناك عقبة أخرى أمام الولايات المتحدة، وهي عدم وجود إجماع دولي في الإجابة على ذلك السؤال الأساسي: هل لا تزال إثيوبيا بلداً ديمقراطيّاً؟ أم أن نظام الرئيس ميليس زيناوي يتجه نحو الديكتاتورية؟ فالشعور العام بين الدول الأوروبية أن إثيوبيا لا تزال دولة ديمقراطية، مما يجبر الولايات المتحدة على اتخاذ دور قيادي وفردي في الضغط على إثيوبيا من أجل الإصلاح.
[1] زميلة بمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي.
[2] مجلس العلاقات الخارجية، مركز بحثي أمريكي مقره واشنطن.