صاروخ إيراني في مكة
على بعد 65 كيلو متر من مكة المكرمة – حرسها الله- أسقطت دفاعات المملكة العربية السعودية صاروخاً حوثياً كان في طريقه إلى مكة بحسب بيانات السعودية وقيادة التحالف العربي.
بدهياً فإن أي فعل عسكري للحوثي بهذا الحجم يذهب بنا إلى الفاعل الأساسي والمدبر الفعلي للحادثة، فمليشيات الحوثي لا تملك القدرة التقنية والعسكرية والوسائل الحديثة التي تمكنها من ضرب مناطق بعيدة المدى دون الإستفادة من الخبرة الإيرانية والخبراء الذين يمدونها بكل المعلومات والتدريب والتسليح.
على مدار الأشهر الماضية وصلت إلى الحوثيين كميات غير معلومة من الأسلحة الحديثة عبر طرق تهريب معقدة التفاصيل، منها صواريخ حرارية وقطع أسلحة تمكنت من خلالها تحديث الصواريخ البالستية التي سيطرت عليها من الجيش اليمني بعد تحالفها مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح.
وربما هذه المرة الثانية خلال أقل من شهر تستطيع تلك المليشيات أن تطلق صاروخين على مسافة بعيدة، الأول سقط في مدينة الطائف التي تبعد عن مكة قرابة 70 كيلو متراً، والثاني سقط في منطقة "خليص" التي تبعد عن مكة 65 كيلو متراً، ويأتي هذا بعد مرور ما يقارب العامين من بداية عاصفة الحزم.
وبسبب قدسية المكان وأهميته بالنسبة للمسلمين فقد سارعت أغلب الدول والشعوب والمكونات الإسلامية إلى إدانة هذه الجريمة التي تمثلت باستهداف أقدس الأماكن على وجه الأرض، مكة المكرمة قبلة المسلمين التي يهوى إليها أكثر من مليار ونصف مسلم في عموم الأرض.
ورغم نفي الحوثي نيته استهداف مكة المكرمة، وأن صاروخه كان موجهاً نحو مطار الملك عبدالعزيز في جدة، وهي جريمة أخرى إذ أن المطار يعد موقعاً مدنياً ومن خلاله يتم استقبال ضيوف الرحمن القادمين من كل دول العالم؛ إلا أنه يجب التأكيد على أن الحوثي يبحث عن أي نصر عسكري إعلامي يقوي به رابطته الداخلية ويعطي لأفراده دفعة معنوية ويشعرهم بأنه لا يزال قوياً، وهي أيضا رسالة للمملكة بأنه لا يزال يملك خيارات متعددة لاستهداف عمق المملكة.
كان بإمكان الحوثي أن يضرب صاروخه نحو مواقع عسكرية حدودية أكثر قرباً من جدة، فهناك مواقع ومعسكرات بل وحتى مطارات قريبة المدى، لكنه وجه صاروخه نحو مكة في محاولة واضحة للاستهداف المتعمد لهذا المكان الشريف.
وبشكل عام فالحوثي لا يبالي إن سقطت صواريخه في مكة أو في مطار جدة أو في أي مكان آخر، فهو في الأساس لا يبالي بالدماء، فسلاحه موجه نحو اليمنيين يومياً في مأرب وصنعاء وتعز والبيضاء وغيرها من المحافظات، وصواريخه تضرب المناطق الحدودية السعودية بشكل عبثي دائم، وبالتالي لن يزعجه أن تصل صواريخه إلى مكة المكرمة.
أضف إلى ذلك أن حالة التحريض التي تمارسها وسائل الإعلام الإيرانية ومليشياتها الشيعية الطائفية المتواجدة في المنطقة على السعودية ومحاولة تخريب الحج في أكثر من واقعة، والتصريحات التي تطالب بتحييد الحج ونزع الزعامة على الحرمين الشريفين من المملكة العربية السعودية واضحة في إعلامهم وتصريحاتهم فالكعبة لا قيمة لها عند إيران فهم يقدسون قبور قادتهم أكثر من الكعبة إلى درجة أنهم يقولون أن الحج إلى كربلاء يوازي الحج إلى الكعبة بأكثر من سبعة ألف مرة، وروايات أخرى تزيد وتنقص عن هذا الرقم.
ويجب أن لا نغفل حالة التغول التي تمارسها مليشيات إيران في المنطقة، بداية بالحشد الشعبي والمليشيات الشيعية في العراق وسوريا، وحزب الله في لبنان، والحوثي في اليمن وأذرعهم الخفية في الخليج؛ من حرب واضحة تستهدف أمن المملكة وتستهدف المشاعر المقدسة، فها هي تصريحات قادة الحشد الشعبي تقول أن المعركة القادمة ستكون في السعودية، وها هو نوري المالكي يبشر بالقدوم إلى صنعاء "قادمون يا يمن"، ولا تخفي إيران عزمها على مواصلة تصدير الثورة الإيرانية فالحرس الثوري الإيراني يصول ويجول في العراق وسوريا ولبنان وخبراؤه في اليمن بشكل واضح وعلني ومن دون أي مواربة.
ويجب الإشارة هنا إلى أن جرأة الحوثي الأخيرة في ضرب صواريخ بعيدة المدى على المملكة كانت متزامنة مع الهدنة التي طالبت بها الأمم المتحدة والتزمت بها كالعادة قوات التحالف العربي في حين لم يلتزم بها الحوثي وواصل استهداف المدنيين في تعز والقصف على المواقع العسكرية في مأرب والحدود السعودية.
ليس هذا فحسب بل أعلن المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ قبل يومين، مبادرة جديدة وخارطة طريق تنص بشكل واضح على إخراج الرئيس هادي ونائبه الفريق الركن علي محسن الأحمر من السلطة وتعيين نائب جديد مقبول لدى الجميع تنقل له كل الصلاحيات ويتم اختيار حكومة جديدة وكلام عمومي حول سحب السلاح من المليشيات.
ومن الجيد إعلان الرئيس والحكومة مساء أمس رفض هذه المبادرة، فالقبول بها قبول بالهزيمة وانتصار حقيقي للحوثي، وعلى الشرعية أن تعيد من طريقة تعاملها مع الواقع الميداني فالوقت ليس بصالحها في ظل الضغوطات الدولية الكبيرة التي تريد أن توقف الحرب على أية حال.
التسريع بالحسم العسكري وعودة سلطة الدولة وسحب السلاح من المليشيات هو الهدف الأساسي الذي يجب أن تضعه الشرعية ومن وراءها دول التحالف نصب العين، فالقبول بأنصاف الحلول سيبقي شوكة الحوثي قوية وستبقى الحدود السعودية تحت خطر التهديد الإيراني وستبقى اليمن في صراعات مستمرة وحروب ونزاعات المستفيد الأول منها مليشيات إيران.