• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
المقاومة الفلسطينية ومعادلة ليبرمان

المقاومة الفلسطينية ومعادلة ليبرمان


مثلت سلسلة الردود العسكرية الصهيونية العنيفة جداً على حادثة إطلاق صاروخ تدَّعي تل أبيب أنه تم إطلاقه الأسبوع الماضي من قطاع غزة ولم يُحدث أيَّ ضرر، نقطةَ تحول فارقة في العلاقة بين تل أبيب وقطاع غزة. ويدلل هذا التطور أكثر من أي شيء آخر على طابع التغيير الذي سيشهده الجهد العسكري الصهيوني ضد المقاومة في غزة في عهد وزير الحرب الجديد أفيغدور ليبرمان.

ويحاول ليبرمان أن يجعل من منصبه كوزير للحرب سبيلاً للوصول إلى قيادة دفة الأمور في الكيان الصهيوني، ولا سيما أنه بنى خطابه السياسي الداخلي عندما كان في المعارضة على الزعم بأنه لو أتيحت له الفرصة لخلص إسرائيل من التهديد الذي تمثله المقاومة في غزة مرة وللأبد.

في الوقت ذاته، فإن ليبرمان من خلال التصعيد غير المتناسب في ردة الفعل العسكرية على إطلاق الصاروخ عمل أن يرد على منتقديه في الساحة الداخلية الذين سخروا من تعهداته السابقة بحسم المواجهة ضد غزة.

ويحاول ليبرمان التدليل للرأي العام الصهيوني على أنه على الرغم من أنه لا يملك خلفية عسكرية، مثل سلفه السابق موشيه يعلون، الذي كان رئيساً لأركان الجيش، فإنه لن يكتفيَ بأقلَّ من الحسم في مواجهة المقاومة الفلسطينية.

ومما لا شك فيه أن ما يساعد ليبرمان على تبنِّي هذا الخط هو طابع الائتلاف الحاكم في تل أبيب واستناده إلى أغلبية ضيقة؛ حيث إنه على الرغم من أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا يشاطر ليبرمان حماسه في ضرب غزة، سيما في هذه الظروف، إلا أنه لا يمكنه أن يخاطر بأية خطوة يمكن أن تفضيَ إلى انسحاب حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي يقوده ليبرمان من الحكومة. في الوقت ذاته، فإن نتنياهو غير معني بأن يظهر أمام قواعد اليمين الصهيوني الانتخابية كمن يفرمل جهداً حربياً يهدف إلى ضرب المقاومة الفلسطينية.

لكن لا يمكن تفسير التصعيد المفاجئ ضد غزة فقط برغبة ليبرمان في ذلك، حيث إن قيادة الجيش تلعب دوراً مهماً في تحديد طابع الرد العسكري. صحيح أن القيادة العسكرية في تل أبيب تتبع توجيهات القيادة السياسية ولا تتجاوزها، علاوة على أن جنرالات الجيش يحرصون أحياناً على التأقلم مع التوجهات الأيديولوجية لوزراء الحرب وتملُّقهم من خلال تصميم الردود العسكرية لِتُوائم هذه التوجهات.

لكن من الواضح أن قيادة الجيش الإسرائيلي وظفت إطلاق الصاروخ من أجل استهداف مرافق حيوية واستراتيجية لحركة حماس، تشك تل أبيب أن الحركة كانت تخطط لاستخدامها في عملياتها ضد إسرائيل مستقبلاً. وقد نقلت قناة التلفزة الصهيونية الأولى عن مصادرَ أمنيةٍ قولها إن جيش الاحتلال استغل إطلاق الصاروخ من قطاع غزة، وقام بضرب أهداف حيوية، من بينها "شبكاتُ أنفاق كانت الحركة تخطط لاستخدامها في عمليات الإنزال الخلفية في أي مواجهة مستقبلية مع إسرائيل. ويمكن الافتراض بأن جيش الاحتلال ضرب أهدافاً أخرى ذات علاقة بالجهد الميداني للمقاومة الفلسطينية، وتم تحديدها بناء على معلومات استخبارية تم الحصول عليها مسبقاً.

ويشار إلى أنه سبق للمستشار القضائي الأسبق للحكومة الإسرائيلية مخائيل بن يائير أن اتهم جيش الاحتلال بتدبير "مسرحية" إطلاق صاروخ أثناء إحدى الهدن خلال حرب غزة الأخيرة من أجل تبرير تنفيذ محاولة اغتيال محمد الضيف القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس.

ولا يمكن إغفال البعد الإقليمي كمحفزٍ أغرى الكيان الصهيوني بتكثيف التصعيد ضد غزة. فبعد عامين على انتهاء حرب 2014، فإن مركبات البيئة الإقليمية التي سادت خلالها ليس فقط لم تتحسن بالنسبة للفلسطينيين، بل ازدادت سوءاً.

فالبيئة الإقليمية التي لعبت دوراً رئيساً في توفير الظروف أمام إسرائيل لمواصلة عدوانها دون أن تكون مضطرة للتجاوب مع مطالب المقاومة، رغم بطولاتها وإبداعاتها وتضحياتها الجسام، أصبحت أكثر حميمية لإسرائيل وأشد عداء للفلسطينيين.

في الوقت ذاته، فإن الانقسام الفلسطيني الداخلي، والذي يزداد اتساعاً، يمنح الصهاينة المزيد من هامش المناورة ويسمح لهم بالتصعيد، وهو ما يعني أن البيئة الداخلية لا تقل إشكالاً عن البيئة الإقليمية.

ومنذ انتهاء الحرب تمكنت إسرائيل من تحقيق مزيد من الاختراقات على الساحة العالمية تجعل الحصول على شرعية دولية لشن حرب جديدة على غزة ليس مهمة صعبة بشكل خاص. وإن كان استثمار الصهاينة في العلاقات مع إفريقيا جعل كلاً من رواندا ونيجيريا، اللتين كانتا عضوين غير دائمين في مجلس الأمن تصوتان ضد كل مشروع قرارٍ دعا إلى وقف حرب 2014 من خلال التجاوب مع الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية، فإن الشواهد تدلل على أن البيئة الدولية باتت مريحة أكثر للكيان الصهيوني.

يتوجب على المقاومة الحرص على عدم الانجرار لمواجهة تحدد تل أبيب ظروفها وشروطها ونتائجها في ظل بيئة إقليمية وداخلية ودولية ضارة.

فلا شك أن الصهاينة يخططون لنسف معادلة الردع المتبادل التي أسفرت عنها الحرب الأخيرة، وهي أهم إنجاز حققته المقاومة في مواجهة الاحتلال.

وبسبب قوة الردع التي حققتها المقاومة، فإن المستويات الأمنية الصهيونية باتت تجاهر برفضها توصيات لجنة "شمغار"، التي حثت على عدم إطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين في صفقات تبادل الأسرى مع المقاومة الفلسطينية؛ حيث إن هذه المستويات غير واثقة أن الجيش قادر على منع عمليات الاختطاف.

من هنا يتوجب على المقاومة الاحتفاظ بقوة ردعها واستنفاد الطاقة الكامنة فيه لضمان تحقيق مكتسبات لشعبنا وتقليص مظاهر الحصار عليه، وهذا يتطلب عدم تبديد هذا الإنجاز وتجنب الاستدراج لمواجهات في ظل بيئة سلبية.

 

 

أعلى