• - الموافق2024/11/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
تداخل المصالح الدولية وأثرها على فشل الحل السياسي باليمن

تداخل المصالح الدولية وأثرها على فشل الحل السياسي باليمن

بانتهاء مشاورات الكويت تكون اليمن، هذه المرة، قد طفت على بحر من التداخلات المصالحية الدولية؛ إذ لم تعد هذه البقعة من جنوب الجزيرة العربية في منأىً عن الصراع الشائك في سوريا والمنطقة كلها.

وعلى الرغم من أن الحديث عن ربط الملف اليمني بالسوري في بداية عملية التحالف العربي العسكرية ضد الحوثيين كانت مستبعَدة إلاّ أن الظواهر السياسية والعسكرية التي طرأت على سوريا بتدخُّل روسيا فيها؛ أدت إلى وضع الملفَّين على طاولة الشطرنج، أو كما أرادت روسيا أن يحدث على هذا النحو، بينما أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تمارس نشاطها في الهامش خصوصاً تجاه قضايا اليمن.

الموقف الروسي:

وقبل أن تدخل روسيا كفاعل دولي متسبب في إطالة أمد الحرب وتضاؤل الحلول السياسية كانت تتخذ مواقفَ حياديةً تجاه الصراع في اليمن أو تكتفي بالصمت لا سيما عقب عملية عاصفة الحزم في مارس 2015.

وحين تمكنت المملكة من انتزاع قرارٍ من مجلس الأمن ضد جماعة الحوثي وصالح عقب العاصفة لم تعترض روسيا على القرار، ونأت بنفسها حتى نُفذ القرار رغم أنه صادر ضد حليف لإيران وهي من تقف مع إيران في أغلب قضايا المنطقة.

لم يكن لروسيا مصلحة من الوقوف ضد التحالف الذي تقوده السعودية، فهي - أي السعودية - البلد الذي بمعارضته تخسر روسيا تبادل مصالحَ أكثرَ مما ستقدمه حركة متمردة بنظر المجتمع الدولي ومن خلفها إيران التي هي الأخرى عالقة بحصار اقتصادي، لكن وما إن تدخلت عسكرياً في سوريا 30 سبتمبر 2015 بدأت تُحول المنطقة إلى كتلة واحدة متشابكة في الصراع ومتوازية في الحلول.

في تلك الأثناء كان علي صالح والحوثيون يطالبون روسيا بالتدخل في اليمن رغبةً في توسعة دائرة الصراع بعد أن كانت مقتصرة بين الحكومة وتحالف انقلب على السلطة، لكن دخول روسيا في خط الصراع بسوريا كان أكثر دافعاً لها أن تتجه نحو ربط الملف اليمني لكي تضع السعودية أمام أمر واقع يقول: "أتركوا لنا سوريا وسنترك لكم اليمن".

ونتيجة لملاقاة القوات الروسية استماتةً ضدهم في سوريا تمسكت أكثر بمحاولة الضغط على دول المنطقة الداعمة للفصائل السورية المقاتلة وعلى رأسهم السعودية، وبدأت تتخذ مواقف سياسية تقف إلى جانب تحالف الحوثي وصالح لا سيما في مجلس الأمن وعرقلة أي قرارات تقضي بالتصعيد ضد الحوثي وصالح.

في المقابل تمسك الحوثيون وصالح برفض أي انصياع لقرار مجلس الأمن الذي يقضي بإنهاء الانقلاب، باعتبار أن روسيا باتت تدفع من خلفهم، وهو ما جعل مشاورات جنيف 2 نهاية العام المنصرم 2015م بين وفد الحكومة ووفد الحوثي وصالح تنتهي بنتائج صفرية دون تقدم أي خطوة.

وفي مطلع العام الجاري بدأت السعودية تكثِّف من الحديث عن نية التدخل في سوريا بالتحالف مع تركيا ضمن غطاء دولي لكن روسيا حاولت أن تستخدم ثقلها بمجلس الأمن للوقوف مع تحالف الانقلاب باليمن لكسر أي تصعيد في المقابل بسوريا.

ورغم أن السعودية كانت ولا زالت ترفض أي مقايضات بين الملف السوري واليمني إلاّ أن روسيا ربما تمكنت من استغلال الفعل الهامشي للولايات المتحدة الأمريكية في ربط الملفين. حينها، وتحديداً، في يناير من العام الجاري قال جون كيري وزير خارجة أمريكا عقب لقائه بوزراء خارجية دول الخليج إنه اتفق معهم على العمل سوياً لتسريع وتيرة الجهود لحل الأزمة في اليمن بينما تلتزم السعودية بالعمل لتحقيق الاستقرار في سوريا.

وبقدر ما كان هذا الاتفاق، الشكلي، صادراً من كيري إلاّ أنه من المؤكد أنها كانت بتنسيق مع روسيا لتهدئة الوضع في سوريا واليمن معاً، لكن تعقيد الصراع في سوريا أدى معه إلى إطالة أمد الحل السياسي في اليمن.

وحين بدأت مشاورات الكويت في 22 أبريل الماضي بين الحكومة ووفد الحوثي وصالح انتهت المشاورات بعد 90 يوماً ولكن دون أن يقبل الأخير بقرار تسليم السلاح والانسحاب من مؤسسات الدولة واستغلوا الوقت لا عادة الانتشار المسلح على الأرض، وكل هذا يأتي في إطار تفهُّم الحوثي وصالح بأن روسيا لن تتركهم في وسط الطريق.

وفي مطلع الشهر الجاري حين اجتمع أعضاء مجلس الأمن تقدمت بريطانيا ببيان يدين جماعة الحوثي وصالح على إنشاء "المجلس السياسي" الذي لا يخدم المسار السياسي لكن روسيا فاجأت الجميع باعتراضها على البيان وإحباطه.

أظهرت روسيا بموقفها بمجلس الأمن المتماهي مع تحالف الحوثي وصالح بأنها باتت تقف ضد مشروع الحل السياسي وإعادة الشرعية للبلد، لكن روسيا ربما اتخذت هذا الموقف في مجلس الأمن بالتزامن مع ما كان يحدث من انتصارات في حلب واستعادة الفصائل المقاتلة كتلتها في مواجهة ما تبقى من نظام الأسد.

الموقف الأمريكي:

باعتبار الولايات المتحدة الأمريكية فاعل دولي مؤثر في اليمن إلاّ أنها أدارت ظهرها هذه المرة لصراعات البلد رغم أن اليمن باتت تتداخل مصالحها القومية مع السعودية التي تعتبر بالنسبة لأمريكا ثاني دولة تعتمد عليها في المشتقات النفطية.

وعلى الرغم أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت داعماً استخبارياً لعمليات "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين إلاّ أنها اكتفت بهذه المهمة ودورٍ غير فاعل في الضغط في مجلس الأمن وتفعيل قراراته التي يمكن أن تنهي الانقلاب وترك المجال مفتوحاً أمام روسيا لعرقلة كل ما يدين الانقلاب.

الموقف الواضح لأمريكا ربما كان في إطار الاجتماع الرباعي في لندن في يوليو الماضي، والذي ضم الاجتماع السعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا وخرجوا ببيان يدعو الأطراف اليمنية للاتفاق حول انحساب الميليشيات من المدن وتسليم السلاح وتشكيل حكومة توافقية، لكن لم يؤكد البيان على جوهر الخلاف الذي يرفضه تحالف الانقلاب وهو البَدء بتسليم السلاح والانسحاب.

وتلاقي سياسة أمريكا، على هذا النحو من الهامشية وغير الواقفة بقوة مع الشرعية انتقاداتٍ واسعةً، وهو ما نتج عنه فراغ لصالح الدور الروسي المعرقِل للحل، وترك فسحة أمام الحوثيين لمزيد من التصلب في مواقفهم.

وتتخذ أمريكا بسياسة الانكفاء على ذاتها أو ما بات يعرف بـ "مبدأ أوباما" في اليمن وسوريا والمنطقة أمام التدخلات الإيرانية نتيجة لعدة عوامل: إما لأنها تقف أمام انتخابات رئاسية وشيكة تسببت في تقليص الاهتمام الخارجي وقد تتغير بقدوم الرئيس القادم، بحسب خبراء أمريكيين، أو العامل الثاني وهو أنها سياسةً مدروسةً وممنهجةً للتحضير لواقع جديد ستفرضه في المنطقة يشمل سوريا واليمن، ضمن مشروع شرق أوسط جديد يصب أغلبُه في صالح إيران وحلفائها.

وفضلاً عن ذلك، لا زالت أمريكا تبقي في أعلى سُلم اهتمامِها في اليمن الحرب على "الإرهاب" إذ لا خطر بالنسبة لها في بقاء البلد منقسماً بقدر خطر توسع "الإرهاب"، فهي لا زالت تتخذ سياسة تضخيم "الإرهاب" في اليمن واعتباره بالنسبة لها أكثر خطورة من بقاء اليمن حظيرة إيرانية.

وخلال الأيام الأخيرة، وتحديداً في يونيو الماضي، تحدث الجنرال جوزيف فوتيل الذي يشرف على القوات الأمريكية في المنطقة إن بلاده تدرس زيادة وجودها في اليمن للتصدي بشكل أفضل لتنظيم القاعدة بجزيرة العرب.

السعودية في مواجهة الدب الروسي:

بعد أن سمعت السعودية تصريح المسؤول الإيراني علي رضا زكاني يقول إن اليمن باتت في طريقها لأن تكون العاصمة الرابعة في يد الثورة الخمينية، لم يعد أمامها مجال لترك اليمن لتكون حظيرة إيرانية وأصبحت معركة اليمن هي معركة الخليج والسعودية بامتياز.

لكن وبعد أن أصبحت روسيا هي صاحبة الثقل في مجلس الأمن وتضع مطبات أمام إنهاء الانقلاب في اليمن، باتت إيران تقف في الظل وأصبحت المملكة أمام الدب الروسي الذي يحاول أن يفرض مكاسب في اليمن لكي تتخلى المملكة عن دعم الفصائل المقاومة لنظام بشار الأسد.

ورغم الزيارات التي حدثت خلال الأشهر الماضية من قبل المملكة إلى روسيا ومحاولة ترتيب صفقات اقتصادية إلا أن السعودية لا زالت في طور دفع روسيا عن محاولة ربط الصراع اليمني بالصراع في سوريا.

قبل أسبوعين قال عادل الجبير وزير خارجة السعودية إن الرياض مستعدة لكي تعطي حصة لروسيا في الشرق الأوسط لتصبح أقوى بكثير من الاتحاد السوفييتي سابقاً، مقابل تخليها عن الرئيس السوري بشار الأسد، وفي مقابلة مع صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية خلال زيارته إلى بروكسل قال إن السعودية مستعدة للتعاون مع روسيا بصفتها من أكبر منتجي النفط في العالم، بمعنى أن المملكة باتت تخوض حرباً دبلوماسية مع روسيا لكي تترك الأسد وعدم استغلال اليمن وعرقلة إنهاء الانقلاب في مجلس الأمن.

وعلى هذا النحو من تداخل المصالح الدولية في اليمن، كانت الأمم المتحدة هي الأخرى التي تخلت عن مسؤوليتها في كشف المتسبب بعرقلة الحل السياسي وإنهاء الحرب؛ إذ تحولت الأمم المتحدة من وسيط للحل السياسي إلى أشبه بمُيسر في كيفية الاشتباك القانوني ومركز لإدارة الصراع.

وبقدر ما كانت الحكومة اليمنية تطالب مبعوث الأمم المتحدة بإعلان المتسبب في عرقلة المشاورات والحل السياسي إلا أن المبعوث كان يختتم كلَّ مرةٍ المشاورات الفاشلة دون ذكر المتسبب في عرقلة الحل، وآخرها ما حدث في نهاية مشاورات الكويت نهاية أغسطس الماضي حين انتهى بالفشل بسبب الحوثيين، لكن ولد الشيخ مبعوث الأمم المتحدة اختتمها بكلام لا يعبر سوى عن موقف غامض يقود عملياً لمزيد من الصراع على الأرض.

 

أعلى