حي المغاربة في دائرة الاستهداف اليهودي
نير حسون/ "هآرتس"
حول مخطط تم اعداده بعد سنوات قليلة من احتلال القدس، لهدم بيوت الحي الاسلامي
المجاورة للحائط الغربي للمسجد الاقصى، الذي تدعي الحكومة الصهيونية أن جدار الهيكل
او ماي عرف باسم "حائط المبكى". وجاء في التقرير انه في شباط 1972، اهتزت البلاد.
فالعمال الذين أرسلتهم بلدية القدس لتعزيز مبنى مال إلى الانهيار في الحي الإسلامي،
حفروا أربعة ثقوب كبيرة في الجدار الشرقي للمنزل. وسرعان ما اتضح أن الجدار هو
"حائط البراق" بكل هيبته، في المقطع المعروف اليوم باسم "حائط المبكى الصغير"،
الواقع إلى الشمال من ساحة حائط البراق المعروفة. في حينه اصيب حاخام حائط المبكى،
مئير يهودا جاتز، بالصدمة، وقارن بين الحفر في حائط المبكى والحفر في التوراة، وهرع
العمال إلى جمع أجزاء الحجارة ووضعها في وعاء زجاجي في باحة حائط البراق. وفي اليوم
التالي كان العنوان الرئيسي في صحيفة معاريف: "تأثر كبير في القدس ازاء تدنيس
القدسية". ودعت اللافتات التي تم تعليقها ليلا على جدران أحياء المتدينين اليهود
إلى تنظيم "احتجاج ضخم" وقامت رئيسة الوزراء، غولدا مئير، بتعيين لجنة لفحص
الاخفاق.
لقد كشف هذا الحادث للجمهور الصهيوني، بعد خمس سنوات من الحرب، حقيقة وجود أجزاء
اخرى لحائط البراق تستتر بين بيوت الحي الإسلامي. وأدى الحادث إلى كشف خطة
دراماتيكية، كانت معروفة حتى ذلك الوقت لمجموعة صغيرة من الموظفين وصناع القرار،
لإنشاء ساحة او ساحات اخرى لحائط البراق، من خلال هدم بيوت في الحي الإسلامي ملاصقة
للحائط. ويكشف البحث الجديد الذي أجراه نداف شرجاي- الصحفي والباحث الكبير في
المركز المقدسي لشؤون الجمهور والدولة – حكاية حائط البراق الصغير وخطة توسيع حائط
البراق باتجاه الشمال.
يبلغ طول الحائط الغربي للحرم القدسي488 مترا، بينما يصل طول ساحة الصلاة التي
يصلي فيها اليهود في حائط البراق إلى 57 مترا. إلى الجنوب من الساحة يقوم الموقع
الأثري "دافيدسون"، والذي يصل طول حائط البراق المحاذي له إلى 81 مترا. غالبية
الحائط الغربي الذي يصل طوله إلى 350 مترا، خفي عن العين ويمتد على طول بيوت الحي
الإسلامي. عشرات البيوت تتكئ عليه، في بعضها يشكل الحائط الغربي، كما يتبين، أحد
جدران البيت. وتشذ عن ذلك ساحة "الحائط الصغير"، وهي ساحة صغيرة تختفي وراء تعقيدات
الأزقة، ويصل طولها الى 16.4 مترا.
في كتاب "الحائط المخفي، قصة الحائط الغربي الصغير"، حقق شرجاي في تاريخ هذه
الساحة. قدسيتها لا تقل عن ساحة حائط البراق بحسب مزاعمه، بل يعتقد الكثير من الناس
انها أهم منها، لأنها قريبة أكثر إلى قدس الأقداس على "جبل الهيكل" . ولكن على
الرغم من ذلك، ورغم جهود التنظيمات اليهودية والأفراد لتحويلها الى مكان منظم
للصلاة، بقي الحائط الصغير " الأخ غير الشقيق" كوصف شرجاي، "للحائط الكبير". يمكن
الصلاة فيه، لكنه لا يمكن إقامة ما يدل على انه مكان للصلة، ولم يتم الاعلان رسميا
عن قدسيته بالنسبة لليهود.
بعد يوم من احتلال الحرم القدسي والحائط الغربي في حزيران 1967، وصل إلى المكان
رئيس الحكومة الأسبق دافيد بن غوريون. ولاحظ الزعيم العجوز وجود مرحاض يتكئ على
الجدار الغربي فسأل مدير سلطة الحدائق القومية في حينه، يعقوب يناي، كيف يمكن لهذا
ان يحدث. وحاول يناي الشرح بأنه تم يوم امس فقط احتلال المكان. فرد بن غوريون: "رغم
ذلك لا يمكن احتمال هذا". تلك المراحيض كانت جزء من حي المغاربة، الذي كان يقوم حيث
تقع ساحة البراق اليوم. بعد يومين من تلك المحادثة، وبضغط من رئيس البلدية تيدي
كوليك وقائد المنطقة، شلومو لاهط، تم هدم المراحيض، ومن ثم على الفور، تم هدم كل
بيوت الحي التي بلغ عددها 108. وهكذا اقيمت ساحة البراق المعروفة. ولكن الحاخامية
الرئيسية ووزارة الاديان واليمين السياسي لم يكتفوا بذلك، وطالبوا بكشف أجزاء أخرى
من الحائط، شمال حي المغاربة. لقد بدأت الاصوات المطالبة بهدم المزيد من بيوت
السكان، تعلو بعد فترة قصيرة من الحرب. وكتب الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين،
يتسحاق نيسيم، في مذكرة بعث بها إلى اللجنة الوزارية لشؤون الاماكن المقدسة:
"الأيام الأولى كانت مريحة لذلك، وكلما مضت الأيام اصبح الأمر أصعب". وبالفعل فإن
الدفعة التي قادت إلى هدم بيوت حي المغاربة توقفت وبدأت نقاشات حول مواصلة الهدم.
وفي حينه كتب حاخام اليهود الغربيين ايسار يهودا اونترمان: "انا متأكد من أنه سيتم
قريبا ترتيب الأمر، وعندها سيملأ الجمهور الخط كله من الزاوية الى الزاوية وهناك
سيصلي آلاف اليهود بشكل دائم".
في وزارة الأديان سعوا إلى تطبيق المبادرة واعدوا استطلاعا لفحص كل أجزاء الجدار
الغربي. وهكذا أعدت وزارة الأديان خارطة تم فيها تحديد البيوت التي سيجري هدمها.
وكتب في احدى الوثائق: "سيظهر الجدار بكل فخامته. كشف الجدار على امتداده سيثبت
للعالم حقنا داخل "جبل الهيكل" نفسه، وهي مسألة ليست ملموسة الآن". وفيما بعد قارنت
الوثيقة بين كشف الجدار وما فعلته السلطات البريطانية لإزالة المباني التي كانت
ملاصقة لسور البلدة القديمة من اجل كشفه.
وبدأت المكاتب الحكومة بإعداد المخططات، لكن من سعى إلى صدها كان مدير دائرة
الآثار، البروفيسور ابراهام بيرن. فلقد اعد مع رجاله وثائق مضادة تتحدث عن أهمية
الحفاظ على المباني القديمة على امتداد الحائط. وتواصل النقاش سرا حتى حادثة الثقوب
في 1972، وعندها طغى على السطح. وقد اثير في اعقاب التساؤل عما اذا يجب هدم أو
الحفاظ على البناية التي تم فيها حفر الثقوب منذ البداية، وهل يتم تنفيذ الوعد
لعائلة شهابي التي اقامت فيه، بالعودة إلى بيتها.
ووقف رئيس حزب حيروت، مناحيم بيغن، على رأس المؤيدين للهدم، وقال خلال نقاش أجرته
لجنة الداخلية في الكنيست: "السؤال هو هل سيرى الشعب اليهودي في العالم أم لا كل
الحائط الغربي. لدينا حائط واحد ويجب كشفه كله. طوال أجيال حاول اعداؤنا تدميره
وهدمه، ولم نستطع عمل شيء ضدهم. اليوم، حين أصبحنا في القدس، لماذا يجب علينا جرح
أنفسنا؟". ووقف امام بيغن رئيس بلدية القدس تيدي كولك، الذي عارض الهدم. "توجد هناك
بيوت عمرها مئة سنة، وبيوت عمرها 800 سنة". فرد بيغن: "لا نريد المس بقدسية أحد،
ولكن لدينا قدسيتنا وعلينا الحفاظ عليها – حتى إن كان يعني ذلك اخلاء عدد من بيوت
العرب". واقترح بيغن تعويض السكان بمنازل بديلة. وقال النائب لوبا الياف الذي عارض
الهدم: "أنا وامثالي لم نحلم بنيل ما نلناه في موضوع الحائط الغربي، كان أكثر ما
حلمنا به هو اعادة الحائط لنا كما كان في 1948، ولم نفكر بساحات كبيرة من حوله.
سيكون علينا ذات مرة، الجلوس والتسوية وتقديم الوعد وتلقي الوعود". وفي نهاية
الأمر، سمح للسكان بالعودة إلى بيوتهم ولم يتم هدم المزيد منها.
في حديثه لصحيفة "هآرتس" قال شرجاي عن خطة هدم البيوت: "كانت عملية جدا. أنت لا
ترسل الناس لإجراء استطلاع وتعد خارطة وترسلها إلى وزارة الأمن اذا لم تشأ عمل ذلك.
ولكن في نهاية الأمر، قامت الدولة بمد خط حدودي بين الحي اليهودي والحائط "الكبير"
وبين الحي الإسلامي والحائط "الصغير".
ينطوي خط الحدود هذا على أهمية بالغة في سياسة الحكومة ازاء الحي الاسلامي حتى
يومنا هذا. خلافا للحي اليهودي، الذي أخلى منه الاف السكان العرب، واعيد بناؤه
وتوطينه من قبل الحكومة، ابقت الحكومة عملية التوطين في الحي الإسلامي في ايدي
جمعيات المستوطنين، وعلى رأسها "عطيرت كوهانيم". هذه الجمعية تحظى بدعم حكومي،
لكنها تقوم بكل العمل بشكل مستقل. وقد نجحت مع مرور السنوات بشراء الكثير من البيوت
وتوطين حوالي 1300 يهودي في الحي الإسلامي. ولكن على الرغم مما بذلوه من جهود، لم
ينجح رجال "عطيرت كوهانيم" بشراء البيوت المجاورة للأجزاء الشمالية من الحائط
الغربي.
في هذه الأثناء حدث في الحائط الصغير ما يشبه واقع راهن متوتر: يمكن الصلاة فيه
بالنسبة لليهود لكنه يمنع وضع ما يدل على انه مكان للصلاة، كالمنصات والمقاعد
وخزانة للكتب المقدسة وغيرها. وفي كل يوم جمعة تقيم الشرطة الصهيونية حواجز كي لا
يسد المصلون مداخل بيوت الفلسطينيين الذين يعيشون فوق الساحة. كل عمل يجري هناك،
مهما كان صغيرا – كتنظيف النفايات واخلاء السقالات القديمة – يتحول إلى مسألة
مصيرية تناقش على أعلى المستويات. بعد سنوات تم تفكيك سقالات اخفت جزء من الحائط،
لكنه بقيت صفائح قصدير كبيرة، تتراكم من خلفها النفايات. وحسب الشرطة فان هذه
الصفائح هي جزء من الواقع الراهن، ويمكن لإزالتها أن يثير معارضة الوقف والحكومة
الأردنية.
حول هشاشة الوضع الراهن، تشهد حادثة وقعت قبل عشر سنوات تقريبا. في مطلع 2006 اقيمت
الصلاة لليهود في المكان، وقام شاب يهودي اسمه الياهو كلايمان، بإطلاق الصفير
بواسطة البوق. وعلى الفور اعتقلته الشرطة وصادرت البوق. لقد تخوفت من سماع المصلين
المسلمين في الحرم القدسي لصوت البوق (وكان الوقت شهر رمضان) وحدوث اضطرابات.
السيادة الصهيونية ووجود ساحة الحائط لا تمنع شرغاي من المقارنة في كتابه بين هذا
الحادث وحادث مشابه وقع في 1930، حين اعتقلت السلطات البريطانية الحاخام موشيه سيغل
بعد قيامه بإطلاق صافرة البوق قرب الحائط الغربي.
ويقول شرجاي: "لقد حققت حلمي بشأن هذا المكان، كي يعرف الناس بوجوده، وأن هناك حائط
أخر وراء الحي الاسلامي. اريدهم للمجيء لزيارته، للصلاة، لإخلاء النفايات وتنظيم
شروط صلاة مريحة، ولكن ان يحافظوا ايضا على معبر للعائلات المقيمة هنا. لم تسألني
إذا كنت اؤيد الآن هدم البيوت من أجل كشف اجزاء اخرى من الحائط. ولكي لا يساء فهمي،
انا ضد ذلك".