أربع جولات فاشلة من الحوار السياسي اليمني
انتهت المفاوضات اليمنية اليمنية التي استمرت في دولة الكويت قرابة ثلاثة أشهر ونيف في جولتين متتاليتين شهدت عراكاً سياسياً ومناوشات إعلامية، وفي نفس الوقت استمرت الحرب الدائرة على الأرض دون تغير نوعي على الوسط السياسي والعسكري.
هذه هي الجولة الرابعة من المشاورات التي دخل فيها طرفي الصراع اليمني ممثلة بالحكومة الشرعية من جهة، وجماعة الحوثي وحليفها المخلوع صالح من جهة أخرى، جولتان في دولة سويسرا ومثلها في دولة الكويت ولم تخرج بنتيجة تذكر سوى بعض التطمينات التي يطلقها المبعوث الأممي في نهاية كل جولة.
ولم يستطع المبعوث الأممي ومساعديه وسفراء الدول العشر خلال هذه الفترة الطويلة من إقناع جماعة الحوثي وحليفها صالح من تقديم تنازلات للدخول في حلول سياسية شاملة للأزمة اليمنية، فهم يعلنون أنهم لن يسلموا السلاح والمؤسسات الحكومية إلا لدولة جديدة يكونوا شركاء أساسيين فيها، في حين يرى الطرف الآخر بضرورة عودة مؤسسات الدولة إلى الشرعية وتسليم السلاح من كل المليشيات والدخول في حوار سياسي تدخل فيه كل الأطراف السياسية بما فيهم الحوثي وصالح، مع تنفيذ القرار الدولي رقم 2216.
وقد خرج المبعوث الأممي في نهاية هذه الجولات بتصريحات إيجابية كالعادة، داعياً التزام أطراف المشاورات بالعودة إلى طاولة الحوار في غضون شهر في بلد يتم التوافق عليه لاحقاً، وقال أن مشاورات الكويت ساعدت في تأسيس أرضية صلبة لاتفاق يأمل أن يرى النور قريبا.
واقعياً يبدو أن هناك ضغوطات دولية وإقليمية تحاول إنجاح هذه المشاورات وإعلان الحل السياسي بدلاً من الحل العسكري، لكن يراد أن يكون هذا الحل واضح وغير محرج للتحالف العربي الذي أكد في أكثر من مرة بأنه يحارب في اليمن من أجل عودة الشرعية وتسليم سلاح الحوثي وحماية الحدود السعودية من الانتهاكات الحوثية، وبالتالي من الضروري البحث عن حل مرضي لكل الأطراف وضرورة حضور قوي للسعودية في أي اتفاق قادم.
في الأرض لم تسكت أصوات المدافع والصواريخ، فالمواجهات على أشدها في أكثر من جبهة، ففي الوقت الذي يتحاور فيه السياسيون على الطاولات يقوم العسكريون بمهماتهم المعتادة في قيادة المعارك، فتعز لا تزال تحت الحصار الحوثي منذ أكثر من عام والمواجهات مستمرة في أكثر من جهة، والجوف ومأرب جبهة مفتوحة على الدوام، وأطراف صنعاء تشتعل ناراً ودخاناً من القصف بين الطرفين، أما على الحدود السعودية فقد زادت حدة المواجهات خلال الأيام الأخيرة من عمر المشاورات بعد أن كانت قد هدأت بشكل كامل عندما تم توقيع أكثر من اتفاقية بين الجهات السعودية والحوثي في ظهران الجنوب.
ومن خلال القراءة المتأنية للمشهد والتجربة الطويلة بمنهجية حركة الحوثي فإن أي حل سياسي في اليمن لن يكون لصالح الشرعية ولا لصالح الشعب اليمني بل لصالح مليشيا الحوثي التي سطت على الدولة وعلى سلاح الجيش وأموال البنك المركزي، وبالتالي من الصعوبة بمكان أن تسلم كل ما تم نهبه بتلك السهولة ما لم يتم إجبارها على ذلك بالقوة، فضلا عن أي اتفاقية لن تؤول إلى التطبيق نظراً لتجربة اليمنيين في خيانة الحوثي للاتفاقية والعهود الموقعة.
وبناء على تتبع مسار الأحداث لا يظهر أن هناك نوايا للحسم العسكري بالقوة فالضغوط مستمرة فكلما تقدم الجيش الوطني نحو أطراف صنعاء تزداد عجلة الضغوط فتتوقف عربات الجيش وتبقى في مرحلة استعداد في انتظار القرار من القيادة العليا وعلى ما يبدو أن القرار لن يأتي قريباً.
وفي مجمل هذه الأحداث لا يمكن إغفال الخطوة الجديدة التي أعلن عنها طرفي الانقلاب ممثلة بصالح والحوثي، حيث تم الإعلان عن "مجلس سياسي" مؤلف من عشرة أعضاء بالتناصف يقوم بمهام إدارة البلاد، والاتفاق على إلغاء اللجان الثورية التي سيطرت الدولة بالقوة بعد الانقلاب على الرئيس هادي.
ويمكن الإشارة هنا إلى الرفض التام لهذا المجلس من قبل دولة المنطقة ودول غربية، وفي نفس الوقت حصلت على دعم روسي وبعض الدول الإقليمية، وهي خطوة خطيرة يراد منها شرعنة الانقلاب عبر مجلس النواب والمجلس السياسي الانتقالي لحكم البلد إلى أن يتم الإعلان عن انتخابات جديدة.
لكن في واقع الحال يبدو ان تلك الخطوة لم تكن إلا مناورة ضمن المناورات السياسية ولن تفضي إلى جديد خصوصاً مع الأسماء الباهتة والمغمورة التي ظهرت في عضوية هذا المجلس، وبالتالي لن يكون لهذا المجلس أي اعتبار.. في انتظار جولة قادمة من الحوار بعد شهر من الآن، أو جولة ساخنة من الحرب بدأت للتو.. من يحسم، طاولة السياسية أم جبهات القتال؟ ننتظر.. وللحديث بقية.