• - الموافق2024/11/25م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
جيش الهلال الشيعي في اليمن

جيش الهلال الشيعي في اليمن


منذ الأيام الأولى لانقلابهم على الرئيس عبدربه منصور هادي في 21 سبتمبر/أيلول 2014م، ركز الحوثيون على وزارتي الدفاع والداخلية، وبسطوا نفوذهم فيهما بصورة مركزة وتدريجية، من خلال زرع عناصر قيادية تدين بالولاء لهم، عصبوياً أو براجماتياً، ثم عمدوا إلى الإحكام القسري على جهازي الأمن السياسي والقومي، وإقصاء مناوئيهم منهما، حتى تمكنوا من تحقيق مستوى من الرضا الحذر تجاه من أبقوا عليهم، بعد أن وحدتهم المنافع الخاصة وظروف الحرب التي تمر بها البلاد.

لم يكتف الحوثيون بما حققوه في هذا الجانب، فكل يوم يمر عليهم وهم في سلطة الانقلاب، تتضح نواياهم إزاء دولة المستقبل التي يسعون إليها، من خلال إغراق الجيش والشرطة والمخابرات بالآلاف من عناصرهم والقادة الميدانيين لميليشياتهم، إمعاناً منهم في تشديد قبضتهم على هذه الأجهزة، والسعي الدؤوب لإخراجها نهائياً من نفوذ منافسيهم، وعلى رأسهم حليفهم في الانقلاب والحرب، الرئيس السابق علي صالح. فعلى سبيل المثال: منذ أيام قليلة، أصدر محمد علي الحوثي، الذي يشغل منصب رئيس ما يسمى" اللجنة الثورية العليا" في سلطة الانقلاب، قراراً بتعيين وترقية (146) شخصاً في وزارة الداخلية برتب مختلفة، أعلاها رتبة لواء، وأدناها رتبة ملازم أول.

الحقيقة أن مثل هذه القرارات لا تختلف عما دأب عليه نظام الرئيس السابق، علي صالح، مع كل أزمة سياسية أو صراع مسلح تعرضت له البلاد خلال أكثر من ثلاثة عقود من حكمه؛ حيث كان الجيش والشرطة وعاءً مفتوحاً أمام كل من يراد مكافأته بالرتب والمناصب، عرفاناً بجهوده في خدمة السلطة وتدعيم أركانها، ولعل أبرز ما مرت به البلاد من ظرف مشابه للظرف الراهن، حرب صيف 1994م، ثم حروب صعدة الستة (2004م-2010م) حين تحولت معهما مؤسستا الجيش والشرطة إلى مراكز لتعزيز النفوذ وزرع المؤيدين والحلفاء. مع كل ذلك، يلزم الإشارة هنا، إلى أن ما قام به الحوثيون على الوجه والحجم المرصود، وفي فترة قياسية، يعد سابقة خطيرة لا يمكن وضعها في مقابل ما حدث خلال العقود الثلاثة الماضية.

جدير بالعلم، التمييز بين أمرين: التعيين في الرتبة، والترقية في الرتبة، وفقاً للقانون رقم (67) لعام 1991م وتعديلاته، بشأن الخدمة في القوات المسلحة والأمن، والقانون رقم (15) لعام 2000م، بشأن هيئة الشرطة في اليمن. فالتعيين يشير إلى قيد شخص ما، برتبة ما، أول مرة كضابط في السلك العسكري أو الشرطي، بقرار يصدره رئيس الجمهورية، أما الترقية فتشير إلى ترفيع شخص ما من منتسبي القوات المسلحة أو الشرطة، إلى رتبة أعلى مما يشغلها، وفق معايير واستحقاقات وآليات محددة قانونياً، وهذه الأخيرة هي ما يسلكه الحوثيون في الغالب؛ لدمج عناصرهم المدنية كضباط في الجيش والشرطة والمخابرات، بناء على ولاءات ضيقة لا غير.

كما يجدر الإشارة إلى صدور قرارات مماثلة في القوات المسلحة خلال العامين الماضيين، تبنت دمج وترقية عدد من العناصر القيادية الموالية للحوثيين، أبرزها ما كان على عهد الرئيس هادي الذي فرض عليه الحوثيون تعيين ضابط مغمور يحمل رتبة عقيد يدعى زكريا الشامي، في منصب نائب رئيس هيئة أركان القوات المسلحة وترقيته إلى رتبة لواء قفزة واحدة! وكذلك قيامهم، قبل أقل من عام، بمنح القائد الميداني عبد الله علي الحاكم، المكنى بـ "أبي على الحاكم" رتبة لواء، وتوليته منصب قيادة المنطقة العسكرية الرابعة، وتعيين العشرات من الضباط المنتمين والموالين لهم في مراكز قيادية في كافة الأجهزة العسكرية والشرطية والاستخبارية.

من جانب آخر، تعد هذه القرارات مؤشراً على وجود صراع خفي مع حلفيهم صالح الذي لا يزال راسخ القدم في أجهزة الجيش والشرطة والمخابرات، وأنهم ماضون بكل قوة في إزاحة نفوذه منها تدريجياً، عن طريق مثل هذه القرارات، في ظل توقف نشاط الكليات العسكرية التي تخرِّج كل عام مئات الضباط، وهو توقف متعمد كما يبدو، تديره حسابات سياسية موجهة ضد حليفهم صالح وخصومهم في الحرب الذين استوعبت الكليات العسكرية دفعاتها إبان حكم أولئك الخصوم، خلال ثلاث سنوات بعد ثورة فبراير/ شباط عام 2011م.

كما جاءت هذه القرارات بعد شهر من قيام محمد علي الحوثي بمنح ما لا يزيد عن خمسة وعشرين طالباً من طلاب الكلية الحربية المتأخرين عن زملائهم الذين تخرجوا قبل عامين، منحهم رتبتهم المستحقة ورتبة إضافية ليس لها أي مسوغ قانوني، إلا أن الواقعة تكشف عن أن القرار كان ممهداً لقرارته الأخيرة محل هذا الطرح، وقرارات أخرى مشابهة قد تحملها الأيام القادمة، على أن سلطة القمع التي تدار بها البلاد كافية لتكميم الأفواه ما دام كل معارض سيلقى حتفه أو سيكون نزيل معتقل من معتقلاتهم التي باتت كل الطرق المؤدية إليها خاضعة لسيطرتهم.

على المستوى الاستراتيجي، يمكن النظر إلى الأمر في ضوء مطامع إيران في المنطقة عبر أذرعها المسلحة التي باتت تتحكم في السلطة في عدد من الدول العربية كالعراق ولبنان؛ إذ إن الحوثيين ليسوا حزباً سياساً له مشروعه الوطني الجامع، بقدر ما هي حركة دينية مؤدلجة لها ارتباطاتها مع حركات شيعية مماثلة، كحزب الله في لبنان وفصائل الحشد الشيعي في العراق. وهنا يكمن الخطر تجاه الهوية القومية والدينية للشعب اليمني، وانعكاس ذلك على الهوية العربية على المدى والبعيد.

إن موضوعاً كهذا، لا يجب أن يمر مر السحاب، بل علينا أن نتذكر أنه في الوقت الذي كان المرجع الشيعي في العراق علي السيستاني عام 2014م، يطلق الدعوة لمساندة الجيش العراقي، بالمتطوعين الذين يعرفون اليوم بـ " الحشد الشيعي"، كان زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي يوجج بخطاباته أنصاره  ويجيشهم من مختلف محافظات اليمن لاجتياح محافظة عمران بعد سيطرة جماعته على كافة مناطق صعدة معقل الجماعة، وتمكنها من تهجير سلفيي بلدة دماج فيها، على طريق التقدم إلى أفق أوسع تحدده خريطة الهلال الشيعي الذي يتفلت كل يوم من قبضة مناهضيه مع كل لحظة تراخ في اليمن أو غيره من دول هدف هذا الهلال.

لقد استفاد الحوثيون من كل سانحة لإبراز دور ميليشياتهم المسلحة كرديف للجيش والشرطة المتحالفين معهم؛ بحيث لا يذكر الجيش المساند لهم إلا ويذكر معه ما يسمى "اللجان الشعبية" الحوثية، حتى غدا وصف "الجيش واللجان الشعبية" في اليمن مماثلاً لوصف "الجيش والحشد الشيعي" في العراق، بغض النظر عما تبديه أطراف هذه الحشود من مواقف غاضبة تحاول التبرؤ من هذه التهم، لكنها مع ذلك لا تستطيع أن تخفي مطامعها ومطامحها المستقبلية المتوثبة على طريق مشروع الهلال أو الطوق الشيعي الرامي إلى خنق المنطقة السنية.

أخيراً، ما يزال هناك متسع من الوقت والقوة؛ لإعادة اليمن إلى هويته العربية والسنية التي تحاول إيران مسخها من خلال الذراع الحوثية في اليمن، وتمكينها من السلطة المطلقة فيها، وتحويل جيشها وأجهزتها الشرطية والاستخبارية إلى رقم صعب في مصفوفة دعم هذه الطوق.

أعلى