مفهوم السيادة عند الحوثي وبشار ونصر الله
لطالما شغلت أسماعنا شعارات أنصار الملالي في المنطقة العربية بمفهوم السيادة والدفاع عن الأوطان وقبلها كانت الممانعة التي سقط قناعها في سوريا، فبعد أن كانت الحرب إعلامية ظاهرياً ضد الكيان الصهيوني من قبل أنصار الممانعة، تحولت المعركة رأساً على عقب وأصبحت حرباً حقيقية للدفاع عن مصالح الكيان الصهيوني من خلال الذود عن بشار الأسد وطواغيته.
قبل أيام بثت وسائل الإعلام فيديو لرئيس النظام السوري بشار الأسد وهو في أحد الممرات الداخلية في قصره بدمشق أثناء استقبال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، معلناً أنه أصيب بالمفاجأة بعد وصول وزير الدفاع الروسي كونه لم يكن على علم بالزيارة.
وأظهر الفيديو الذي بث على وسائل إعلام روسية، مقدار الإهانة والتهميش الذي تمارسه روسيا بوتين على بشار الأسد، فلم يكن هناك أي معالم واضحة للاستقبال الرسمي وكأن وزير الدفاع فاجأ بشار الأسد بوصوله عند بوابة قصره إن لم يكن عند بوابة مكتبه الخاص، وهو الأمر الذي لوحظ على هيئة بشار وهو يردد بكل أدب أمام سيرغي شويغو "أنا سعيد جداً بلقائكم هنا.. مفاجأة سارة.. لم أكن أعلم أنكم ستأتوا شخصيا".
هذا الفيديو الذي نشرته وسائل الإعلام الروسية بشكل متعمد يظهر – حسب مراقبين- كمية الإهانة التي أراد الروس أن يلقنوها بشار الأسد من خلال زيارته بدون أن يبلغوه وفق البرتوكولاته المعروفة، ووجد الرجل نفسه مجبراً على إظهار أكبر قدر من الاحترام والحفاوة لقدوم وزير الدفاع الروسي الذي سيجلس معه وجهاً لوجه لوضع ما يريد على الطاولة مقابل خدمة الأسد في الحرب الدائرة.
ويعود بنا هذا الحدث المخجل لبشار الأسد، إلى الخطب العصماء التي شغلنا بها قادة المليشيات الشيعية ابتداء ببشار في سوريا وحزب الله في لبنان مروراً بالحوثي في اليمن وليس انتهاء بقادة المليشيات الشيعية في العراق، ومن ناصرهم من شيعة الخليج. ففي أكثر من مرة يظهر بشار الأسد ليتحدث عن الدفاع عن الأرض وسيادة البلد في الوقت الذي تنتهك مليشيات حزب الله وإيران وقوات روسيا البلد شرقاً وغرباً من دون أن يعلم بشار الأسد حتى بوصول وزير الدفاع الروسي إلى بوابة قصره المشيد.
من سوريا إلى اليمن، حيث أزعج العالم الشاب المتعطش للسلطة عبدالملك الحوثي بخطابات طويلة ومملة عن السيادة الوطنية ومواجهة العدوان الخارجي، ولكن في حقيقة الأمر فساحتهم مفتوحة أمام مليشيات حزب الله وإيران والسفن الإيرانية المحملة بالأسلحة التي تصل تباعاً إلى أيديهم، وفور سيطرتهم على صنعاء فتحوا جسراً جوياً مع إيران يمرر قرابة 14 رحلة جوية من طهران إلى صنعاء بالأسبوع الواحد، ولولا التدخل العربي الحاسم في عاصفة الحزم لرأينا قاسم سليماني يجول طول البلاد اليمنية وغربها كما يحدث في العراق بعد أن انتهكت إيران سيادة العراق ومزقته وأصبحت تتناوشه كالكلاب الضارية وما الفلوجة عنا ببعيد.
بالنسبة لحزب الله فهو مثله مثل المليشيات الأخرى التي تتلقى تعليماتها من ولي الفقيه فالسيادة عندهم ليست سيادة أرض لبنان بل سيادة دولة الفقيه الذي يقدم الأوامر لميليشياته بانتهاك سيادة الآخرين، وبالتالي لا سيادة عند حزب الله فهم أصلاً لم يحترموا سيادة بلدهم بل تحولوا إلى أدوات لانتهاكات سيادة الآخرين كما يحدث في سوريا عبر ميليشياتهم التي تعود بالنعوش يومياً لأنهم يحاربون في أرض غيرهم، فهو يحارب في أرض الآخرين، وقبل ذلك كان قد نقل معركته مع الكيان الصهيوني إلى الداخل اللبناني ونفذ عمليات داخل بيروت وأصبح الآن يمارس انتهاك سيادة الآخرين من خلال خوضه حروباً داخل الدول العربية كما هو الحال في سوريا واليمن والعراق والبحرين والكويت، حيث تتفاوت الأدوار بين العسكري والأمني والسياسي.
إذن فمهموم السيادة لهذه المليشيات الشيعية التي زرعت في جبين الأمة العربية وأصبحت تجد لها صدى واسعاً ودعماً لا محدوداً من قبل الدول الغربية، ليست سوى الدفاع عن مصالح إيران وتنفيذ ما يطلق عليه "تصدير الثورة الإيرانية" إلى البلدان العربية، ففي واقع الأمر ليست معركتها في تحرير المسجد الأقصى من دنس اليهود إلا في إطار الشعارات الإعلامية المستهلكة، أما في الواقع العملي فهي تسعى إلى الاستحواذ على مكة والمدينة وبغداد وصنعاء ودمشق والبحرين والكويت وأبوظبي.
تلك حقيقة تجليها الأيام والوقائع على الأرض فلا سيادة لهذه المليشيات في أوطانها، فوطنهم الحقيقي هو إيران ومرجعية تلك المليشيات هي ولاية الفقيه، ولذلك لا أمان لهذه المليشيات على حماة الأوطان أو صناعة مستقبله، فمن لا يملك قراره لا يملك حريته، وجاهل من يعتقد أن إشراك تلك المليشيات في السلطة سياسهم في تخفيف وطأة علاقتهم بإيران بل سيزيد الطين بلة وستصبح الحكومات العربية مكشوفة لإيران عبر مكوناتها المزروعة في تلك الحكومات.
إن الرغبة في صناعة الخراب وسفك أنهار الدماء من قبل ملالي إيران ليست ناتجة إلا من عقيدة وتراث تاريخي يربط سفك الدماء والدمار بظهور المهدي المنتظر، عبر روايات كثيرة أبرزها رواية "لن يظهر المهدي إلا بعد سفك دماء أهل الحجاز والعراق والسيطرة عليهما". والجميع يعرف أن العراق أصبحت ساحة مفتوحة لإيران ومليشياتها.. فهل يفهم أهل الحجاز الدرس؟!