• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الصراع الخفي بين القاعدة وداعش في اليمن

الصراع الخفي بين القاعدة وداعش في اليمن


كان الكثيرون يتوقعون أن الهجمة التي شنها "التحالف الدولي" ضد تنظيمي القاعدة و "الدولة الإسلامية" داعش في سوريا والعراق سينعكس على حالة الصدع بينهما إلى التخندق مع بعضهما لمواجهة هذا التوجه الدولي، لكن الذي حدث هو استمرار الصراع التلاسني والإعلامي المعزَّز بعمل مسلَّح بيني دموي على الأرض.

في الخامس من مايو الجاري ظهر زعيم القاعدة أيمن الظواهري ليؤكد استمرار الخلاف الجذري بين جماعته وتنظيم الدولة الذين وصفهم بـ "الخوراج"، وهذا ليس جديداً؛ ولكنه يؤكد استمرار التدافع بينهما على تمثيل مشروع "الجهادية العالمية" في ظرف تهشُّم صورة الجهاد لدى الرأي العام العربي بفعل التدفق الإعلامي الدولي والإقليمي الضخم لشيطنة الجهاد، كأصل، وليس كجماعات بذاتها.

ورغم حدَّة الصراع الحاصل بينهما إلا أن هذا لا يعني اختلافهما على أصل الثوابت التي اجترحها منظرو الجهاد، ولكن الظواهر السياسية وتقلباتها في المنطقة أحدثت تبايناً في ميكانيزم هذه الثوابت على الأرض فأحدثت شرخاً بين من يرى ضرورة إقامة الدولة عبر جهاد "الشيعة" مثل "داعش"، وبين من يرى الجهاد العالمي وضرب "رأس الأفعى" أمريكا، بشكل أولي، كالقاعدة.

تأثيرات الخلاف على فروع اليمن:

هذه التباينات لم تقتصر على الحالة السورية والعراقية، فحسب، بل وصلت إلى اليمن، رغم أن فرع تنظيم الدولة لم يصل في القوة إلى حد التنافس مع القاعدة حتى يدخل معه في صراع مسلح.

في أبريل 2015م أعلن مجموعة من المسلحين عن فرع لتنظيم الدولة في صنعاء. كانت تلك الفترة هي أوج الصعود الملفت لتنظيم الدولة في العراق بعد سقوط الموصل بيدها، فحاول هؤلاء الأفراد الاستفادة من هذا الصعود لخلق كتلة تنظيمية، وسحب المقاتلين من يد أبو بصير ناصر الوحيشي زعيم القاعدة، لكن عقب هذه الإعلان دخلوا في حرب باردة مع قيادات القاعدة بعد مطالبتهم القيادات بمبايعة أبو بكر البغدادي.

وعلى الرغم من أن أغلب مقاتلي القاعدة في اليمن كانوا مندفعين بقوة مع تنظيم الدولة في العراق إلاّ أن دخولهم مع "جبهة النصرة" في صراع، شرخ الفكر الجهادي إلى نصفين مصحوباً بضغائنية وصلت حد الاقتتال على الانتماء المخالف، وهو ما جعل الصدع الفكري بين التنظيمين في اليمن متبايناً بشكل واضح.

اتجه تنظيم الدولة إلى تنفيذ عمليات ضد الحوثيين عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014م مدفوعين بمخيلة الصراع السني الشيعي في العراق الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي، فقاموا بعمليات عسكرية في بعض مساجد في صنعاء على اعتبار أنها "حسينيات" لكن قيادات القاعدة قالت حينها إنه عمل غير صحيح، ومن في المساجد ضحايا من أهل السنة أكثر من المصلين الحوثيين نافية أن يكون لها صله بهذه الأعمال.

اعتراض القاعدة على ما قام به تنظيم الدولة أبرز الخلاف وجسَّده بشكل علني ودفع به نحو الواجهة بعد أن كان مقتصراً على بعضهم، وهو ما صَعَّد من حدة الخلاف بينهما وبدأت مؤشرات الصراع المسلح ماثلة، غير أن عدم تكافؤ القوة بينهما أجبر تنظيم الدولة على تأجيل المعركة.

وبعد أن ظهر الخلاف بشكل علني تطور ليصل حد الحرب الإعلامية، إذ ضرب تنظيم الدولة على وتر ظاهرة اقتناص الطيران الأمريكي دون طيار لأبرز قيادات القاعدة؛ حيث قتل أهم من كانوا في أعلى هرم التنظيم خلال سيطرتهم على مدينة المكلا في حضرموت ما بين أبريل 2015 وأبريل 2016.

وضخ ناشطو تنظيم الدولة على وسائل التواصل الاجتماعي أن مقتل قيادات القاعدة، بمن فيهم زعيم التنظيم الوحيشي، هو نتيجة لوجود اختراق مخابراتي من الداخل، وحاول أن يقدم تنظيم الدولة نفسه البديل أمام مشروع القاعدة "المخترق من قبل المخابرات الدولية".

في المقابل جهزت القاعدة فلماً خاصاً ردت به على ما وصفته بكذب "جماعة الدولة"، وعرضت فيه تحت عنوان "حقيقة هوليوود جماعة البغدادي" شخصاً يشرح فيه فبركات تنظيم الدولة في فيديو "أباة الضيم" الذي كان أصدره تنظيم الدولة في وقت سابق، وكشف الشخص المتكلم أنه كان أحد الممثلين في هذا الفيلم، حينما كان أحد أعضاء تنظيم الدولة.

كان هذا الفلم يعتبر ضربة قوية في مصداقية تنظيم الدولة أمام أنصاره أو المتعاطفين معهم من بعض الشباب، ودخل في تلك الأثناء - ولأكثر من سبب - في تصدعات وانشقاقات في ما بين التنظيم نفسه.

ولم يكن هذا الفلم الوحيد الذي قاد الصراع للعلن؛ بل دخل التنظيمان في اتهامات متبادلة حول "الجاسوس" المدعو همام الحميد الذي قبضت عليه القاعدة، في مايو 2015م بعد أن اتهموه بالتسبب بمقتل قيادات بارزة في القاعدة عبر زرع شرائح تصوب ضربات الطيران الأمريكي دون طيار.

وفي حين قالت القاعدة بعد أن أعدمت "الجاسوس" إنه دخل اليمن بتزكية من مسؤول تنظيم الدولة في اليمن أبو بلال الحربي، قال أنصار التنظيم إن الجاسوس كان مقرباً من قيادات القاعدة، ووجوده بينهم دليل على اختراق دولي للقاعدة، وتصاعد الصراع الذي قد بدا للمتابع حينها أن هناك مؤشرات صراع مسلح بين التنظيمين، ولم تعد المسألة سوى وقت لاندلاعها.

وعلى الرغم من هذا الخلاف المتصاعد بين التنظيمين إلاّ أنه لا يزال في مربع التلاسن، والحرب الباردة في فضاء الإعلام، لكن ما إذا استمر هذا التصعيد فإن هناك عدة عوامل تحدد مستقبل الصراع المسلح بينهما، وهي:

أولاً: عامل تنامي قوة تنظيم الدولة؛ فإذا تمكن من اجتذاب قوة بشرية وعسكرية، فإن احتمال اندلاع الصراع مع القاعدة متوقع، لا سيما مع حالة الشحن والتحريض المتبادل من الطرفين.

ثانياً: بقاء اليمن ضمن استراتيجية التنظيمين والوجود فيها؛ إذ إن اليمن تعتبر بالنسبة لهما مأوىً كبيراً أو للفارين من بقية دول المنطقة، على اعتبار جغرافيته، وكذلك أمنياً بفعل هشاشة أجهزة الدولة، وهو ما يستدعي التسابق عليها.

ثالثاً: استمرار تصور واعتقاد تنظيم الدولة بعدم شرعية الجماعات والتنظيمات والأحزاب في اليمن، كما أعلن بذلك البغدادي أنه سيسعى إلى تطبيق هذا الأمر بالقوة مستقبلاً، وهو ما جعل القاعدة في اليمن تُحّمل البغدادي ما سيترتب على هذا الإعلان، وستقاتل من يقاتلها.

رابعاً: تحول الصراع من خلاف إداري وفي الأولويات إلى خلاف ديني عقدي، وهذا ما يظهر من خلال فتوى التكفير والردة التي لا زالت مقتصرة على أنصار تنظيم الدولة، وإذا ما تحول إلى خلاف عقدي بشكل رسمي فهو الذي سيكون السبب الرئيسي في الصراع المسلح.

 وعلى الرغم من تلك العوامل حول الصراع المسلح بين التنظيمين إلا أن هناك أسباباً قد تستبعد الحرب بينمها وَفْقاً للآتي:

أولاً: عدم قدرة أنصار الدولة على تكوين قوة عسكرية؛ إذ لا يزالوا يفتقدون للقوة البشرية بالمقارنة مع ما تملكه القاعدة من مقاتلين وقوة عسكرية اكتسبتها خلال سيطرتها على أبين وشبوة 2011 - 2012م، وسيطرتهم على المكلا طيلة العام الماضي، الأمر الذي يجعلهم يتجنبون الدخول في أي صراع غير متكافئ مع القاعدة.

ثانياً: توجه القاعدة في الوقت الراهن إلى عدم السيطرة على الأرض واقتصارها على الوجود فقط في المناطق الجنوبية، وهو ما يقلل من فرص الصراع المسلح بين الطرفين في مناطق السيطرة.

ثالثاً: توقف عمليات التحالف العربي ضد الحوثيين، واستماتت المجتمع الدولي في جعلهم سلطة فاعلة باليمن قد يُقلل من حالة الصراع بين القاعدة وتنظيم الدولة على المدى القريب.

وفضلاً عن ذلك، فإن استمرار التنافس على مشروع "الجهاد العالمي" بين التنظيمين في سوريا، هشم من صورة الجهاد كركيزة إسلامية لدى الرأي العام العربي والإسلامية على الأقل في الوقت الراهن نتيجة لسيلان الدم بين المسلمين الذي أحدثه هذا التنافس وتقديم نموذج دموي استغله الإعلام الغربي لشيطنة المشاريع الإسلامية بشكل عام.

أعلى