• - الموافق2024/11/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الإسلاموفوبيا.. ومسؤولية الغرب في إنتاج الإرهاب

الإسلاموفوبيا.. ومسؤولية الغرب في إنتاج الإرهاب

تشير التقارير الرسمية الصادرة حديثاً في الغرب إلى تزايد معدلات حوادث الاعتداء ضد المسلمين بشكل غير مسبوق في الدول الغربية خلال العامين الأخيرين وخصوصاً بعد حادثة (شارلي إيبدو) بفرنسا، التي وقعت في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني 2015.

ووَفْق تلك التقارير فإن حالات الاعتداء التي يتعرض لها المسلمون واللاجئون في تزايد مستمر، كما أن الجمعيات المدنية في أوروبا تؤكد هذه الحقيقة، ومنها جمعية (تيل ماما) المعنية بمراقبة الاعتداءات ضد المسلمين في بريطانيا، والتي لفتت الانتباه إلى ارتفاع الأعمال العدائية في ضوء التطورات الجارية في العراق وسوريا، مشيرة إلى أكثر من 200 حادثة عنف واعتداء في بريطانيا لحقت بالمسلمين بعد نشر مقطع الفيديو الذي أظهر إعدام (داعش) للصحفي الأمريكي (جيمس فولي)، بينما شهد شهر كانون الثاني 2014  أكثر من 112 حالة اعتداء مماثلة على المسلمين، وهي أرقام لا تعكس حقيقة عدد الاعتداءات لعدم تصريح المعتدى عليهم بذلك خوفاً من التبعات.

وقد تم رصد كثير من تلك الحالات في كثير من الدول الأوربية خلال الأشهر الأخيرة من عام 2015؛ ففي إسبانيا - مثلاً - أوضح تقرير أعده (اتحاد الجمعيات الإسلامية) أن النساء المسلمات مع نهاية عام 2014 والنصف الأول من عام 2015 كن الفئة الأكثر استهدافاً  بهذه الأفعال بسبب ارتدائهن الحجاب، وأورد حالات لمسلمات قال إنهن تعرضن لمضايقات للسبب نفسه منتقداً تعاطي وسائل الإعلام المحلية بمختلف أصنافها مع الموضوع؛ حيث اعتبر أن الإعلام يسهم في تفشي الظاهرة من خلال إصداره الأحكام المسبقة لدى المواطنين الإسبان حول المسلمين عموماً.

وارتفعت الظاهرة في بريطانيا خلال الأشهر الأولى من عام 2016 إلى 70%؛ حيث تم تسجيل ما يقرب من 816 حالة اعتداء ضد الإسلام والمسلمين حتى شهر تموز من عام 2015، بينما سجل عام 2014 نحو478 حالة، مع الإشارة إلى أن السيدات هن أكثر الفئات تعرضاً لتلك الاعتداءات لفظية كانت أو جسدية.

وتتخذ ظاهرة (الإسلاموفوبيا) في المجتمعات الغربية صوراً متعددة، منها:

·       الهجمات اللفظية والجسدية على المسلمين في الأماكن العامة ولا سيما ضد النساء المحجبات.

·       تعرض المسلمين بشكل مباشر ومتكرر للإهانات والإساءات والشتائم وحوادث (البصق).

·       الاعتداء على المساجد وتدنيس مقابر المسلمين وذلك بالكتابة على الجدران وإلقاء القنابل الحارقة

·       إحراق المصاحف على الملأ.

·       حوادث إحراق مخيمات اللاجئين.

·       معاملة المهاجرين الجدد معاملة سيئة لا تحترم أبسط الحقوق الإنسانية.

·       إظهار المسلمين في الإعلام بصورة سلبية ونمطية مكررة وترويجها في الخطاب السياسي والإنترنت وكافة الوسائل الإعلامية.

·       اضطهاد المسلمين والحد من حرياتهم المدنية وحقوقهم الدينية، واستبعادهم عن ممارسة الشأن العام والحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

·       ممارسة التمييز العنصري ضدهم خصوصاً في المؤسسات التعليمية، ومنعهم من الحصول على فرص عمل مناسبة، وحرمانهم من توفير الخدمات اللازمة لهم من تعليم ورعاية صحية[1]. ويشار إلى أن الصحفي الألماني الشهير (يورغن تودنهوفر) سلط الضوء على معاناة المسلمين من العنصرية في بلاده بعبارة مختصرة قال فيها: "عندما يتقدم شخص منهم لوظيفة ما ويكون اسمه محمد مثلاً، فلا يتم الالتفات إلى هذا الطلب على حين الوضع يختلف تماماً لو كان الاسم ألمانياً أو نمساوياً"[2].

·       إظهار مجموعة من الساسة الغربيين مشاعر العداء للمسلمين في خطاباتهم السياسية، ونشير هنا إلى نموذجين: الأول: المرشح الرئاسي الأمريكي (دونالد ترامب) الذي دعا إلى "منع كامل وشامل للمسلمين من دخول الولايات المتحدة"[3]. والثاني: (مارين لوبان)، زعيمة حزب (الجبهة الوطنية الفرنسي) اليميني المتطرف التي تعتبر أن الإسلام والمسلمين هم سبب الخوف الذي تعيشه بلادها وصرحت بقولها: " فليقل الاتحاد الأوروبي ما يقوله، ولكن فرنسا يجب أن تستعيد السيطرة على حدودها... يجب أن نوقف التطرف الإسلامي، وعلى فرنسا أن تمنع المنظمات الإسلامية المتطرفة، وتغلق المساجد المتشددة، وتطرد الأجانب الذين يحرضون على العنف في أراضينا، وكذلك الذين يعملون في الخفاء"[4].

وبشكل عام فإن كل مظاهر الاضطهاد المشار إليها ضد المسلمين تؤكد مسؤولية الغرب في إنتاج العنف والإرهاب رغم أنه يدعي التحضر ويتغنى بحرية التعبير، فأحد أوجه التطرف غض الطرف عن استعمال وسائل تخريبية غير مقبولة ضد الآخر، ومن الضروري مقاربة (الإسلاموفوبيا) من زاويتين مختلفتين؛ أي: (مسؤولية التنظيمات المتطرفة) و (مسؤولية الغرب)، إذ التحليل الموضوعي الدقيق للظاهرة (أسبابها، تداعياتها، مستقبلها) سيقودنا إلى حقيقتين هامتين، وهما:

1-   أن التنظيمات المتطرفة لعبت دوراً مباشراً في تنامي مشاعر الكراهية للمسلمين، فممارساتها الوحشية في سوريا والعراق وليبيا والتفجيرات المدوية على أهداف مدنية في عدد من البلدان الغربية، كفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وإسبانيا، ساهمت في تصعيد المخاوف من الإسلام، ومنحت القوى الكبرى مبرراً إضافياً للتضييق على المسلمين بحجة مسؤوليتهم عن الإرهاب. ولا شك بأن طرد تنظيم (داعش) لمعتنقي الديانات غير المسلمة وخاصة النصارى، من مدينة الموصل شمالي العراق، تسبب في زيادة الاعتداءات ضد المسلمين واللاجئين خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي في الدول الأوروبية كالدنمارك؛ حيث لفت رئيس الجمعية الإسلامية هناك (أحمد دنيز) في تصريحاته لوكالة الأناضول إلى أن :"هجمات تنظيم داعش وجهت أنظار المجتمع بشكل كثيف نحو المسلمين". كما نوَّه الكاتب بصحيفة (تانيا) اليونانية، (دامون داميانوس) لمراسل الوكالة أن أعمال (داعش) تسببت في :"تعزيز الحركات المناهضة للإسلام في أوروبا".

2-  من جانب آخر وبالنظر إلى السياسات الغربية يجب القول بأن من خلق الظاهرة بالأساس هم أعداء الإسلام ودعاة التحرر والإباحية في المجتمعات الغربية؛ إذ إن الحكومات الغربية تتحمل مسؤولية تفاقم الظاهرة، كونها عاجزة عن التعامل بحيادية مع قضايا المسلمين بحجة (الدفاع عن حرية الرأي والتعبير)، وهذا ما نلمسه من خلال نظرتها الخاطئة إلى القضية الفلسطينية والصراع العربي (الصهيوني)، وتقصيرها حيال موضوع الرسومات المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فتسمح بتكرار مثل هذه الحوادث متجاهلة مشاعر ملايين المسلمين وردود أفعالهم الغاضبة منها. والغريب أن الدول الغربية تتنكر لشعاراتها تلك حين يتعلق الأمر بالأقليات المسلمة في مجتمعاتها؛ حيث تمارس ضدها أشكال التمييز والاضطهاد ولا تسمح لها بممارسة شعائرها الدينية بحرية، كما أنها تتغاضى عن مطلقي تلك الممارسات العنيفة في ظل الضخ الإعلامي وربط مفهوم العنف بالإسلام وإنكار وسطيته واعتداله والتشويه المقصود لجوهره الأخلاقي والإنساني، وهو ما يعني أنها تبرر أفعالهم وتشجع على نشر الكراهية المدمرة وتذكي نار التطرف.

وفي ظل المعطيات السابقة يتعين على الجميع القيام بواجباته ومسؤولياته لاحتواء الظاهرة، وهي مهمة صعبة ومركبة تستدعي تضافر الجهود لسد جميع الثغرات التي تم الإشارة إليها، لكن كل ما سبق يستدعي من الحكومات الغربية إعادة النظر في سياساتها حيال المسلمين واللاجئين، كما يضع الدعاة والعلماء والمؤسسات الدينية أمام مسؤولية تاريخية تتطلب كثيراً من العمل الجدي من أجل تنقية الخطاب الديني من الأفكار المشوهة والتأويلات الخاطئة.

  


[1] - من أبشع حالات الاعتداء المناهضة للمسلمين في لندن، قيام رجل عجوز يبلغ من العمر 81 عاماً بدفع امرأة مسلمة كانت ترتدي الحجاب تحت عربات قطار المترو في اللحظة التي كانت العربة تقترب من المحطة، وفي الحال لقيت السيدة المسلمة حتفها جراء هذا العمل الإجرامي وتم القبض على مرتكب الواقعة ووُجهت إليه تهمة القتل العمد.

[2] - www.alitaliyanews.com/2015/02/blog-post_386.html

[3] - http://arabic.cnn.com/world/2015/12/08/donald-trump-muslim-ban-immigration

[4] - www.albawabhnews.com/1387430

أعلى