• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
عدن وأخواتها.. من يصنع الفوضى؟

عدن وأخواتها.. من يصنع الفوضى؟


من أسئلة اللحظة التي يثيرها متابعو الشأن اليمني: لماذا تغرق محافظات يمنية جنوبية، مثل: عدن، ولحج، والضالع، في لجة من الفوضى المتزايدة، بعد تحريرها من ميليشيات الانقلاب التابعة للحوثي وصالح، رغم وجود قوات ضاربة تابعة التحالف، وإلى جانبها وحدات عسكرية ناشئة دربت خلال الستة الأشهر الماضية؟

تبرز أهم أسباب الفوضى في محافظات الجنوب في غياب الاستراتيجيات والخطط التي تضطلع بإدارة المناطق المحررة، وهي استراتيجيات يجري إعدادها وتوفير أدواتها قبل الشروع بأي عمل عسكري ينتج واقعا جديدا في تلك المناطق، وذلك على نحو ما اتبع في أفغانستان بعد إسقاط نظام طالبان عام 2002م، وفي العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين، وقبل ذلك في الكويت عقب إخراج القوات العراقية التي اجتاحتها في 2 أغسطس/ آب 1990م، وينصب تركيز هذه الاستراتيجيات على المجالات الدفاعية، والأمنية، والاقتصادية، والإعلامية، والاجتماعية، وتتمتع بالمرونة التي تمكنها من مواجهة التغيرات التي ينتجها مجتمع ما بعد الحرب، وردود الأفعال التخريبية التي يغلب عليها المباغتة والتنوع وشدة التأثير.

بعد هزيمة صالح والحوثي في عدن ولحج والضالع، وانسحاب قواتهما في يوليو/ تموز 2015م، تمركزت قواتهما المنسحبة في مناطق الحدود الشطرية التي كانت بهذه المسمى قبل تحقيق الوحدة في مايو/ أيار 1990م، وأخذت في شن هجمات وأعمال إغارة على بعض المناطق المتاخمة، بمساندة جيوب وخلايا مواليه لهما هناك، كما فعلت ذلك في مناطق من الضالع ولحج وشبوة، فيما اضطلعت خلايا أخرى تحت مسميات مختلفة، بإثارة الفوضى في عدن، وتمكنت منظومتها الصاروخية التي أفلتت من ضربات طيران التحالف، أن تشن هجمات عديدة على عدن ولحج، ودون أن يجري اعتراضها على نحو ما يتبع في مارب التي تتعرض لمثل هذه الهجمات!

إن أشد بواعث الفوضى في محافظات الجنوب- تحديدا في عدن- الشروخ العميقة في الصف الجنوبي المقاوم وتعدد الجماعات المسلحة فيه، واختلاف توجهاتها الأيديولوجية، ورؤيتها المتباينة حول مستقبل محافظات الجنوب، في مسألة أن يكون ضمن دولة فيدرالية تضم اليمن كله- وهذا ما يمضي فيه الرئيس هادي وفقا لوثيقة مؤتمر الحوار الوطني المقرة في فبراير/شباط 2014م-  وأن تكون ضمن دولة مستقلة كما تنادي به بعض قوى الحراك الانفصالي. وقد تعالت مع هذه الاختلافات أصوات العصبوية الجهوية التي تسكن نفوس الكثير من تلك الجماعات وقواعدها، والقلق من الاستفراد بالسلطة والثروة في قبضة عصبة دون أخرى، وما إلى ذلك من التوجسات التي تزيد من عمق تلك الشروخ واتساعها.

على صعيد التنوع في الكيانات السياسية والأيديولجية، الفكرية والدينية، التي تكتظ بها ساحة الجنوب، لم يعد الحراك الجنوبي، وحده، من يمثل الجنوبيين حين كان يحشدهم في الساحات خلال عشر سنوات مناديا بتقرير المصير؛ فهناك كيانات أثبتت قدرتها على الندية والمواجهة من خلال بصماتها التي أبدتها خلال عام من الحرب، وقد برهن على ذلك بسالتها وتضحياتها الكبيرة في التصدى لمقاتلي الحوثي وصالح. فعلى سبيل المثال: برز دور شباب من حزب الإصلاح والجماعة السلفية ومقاتلين آخرين غير مؤطرين حزبيا أو فكرا، كأمهر المقاتلين دفاعا عن عدن ولحج والضالع وغيرها، وهؤلاء توافق رؤيتهم الرؤية التي تنظر لمستقبل الجنوب على أن يكون في إطار الدولة الفيدرالية.

كتلة أخرى من الجنوبيين المؤطرين حزبيا من المنتمين لحزب المؤتمر الشعبي العام، جناح صالح، أو ممن انخرط في صفوف الكيان السياسي للحوثيين المسمى" أنصار الله"، ومثلهم آخرون غير مشمولين بعناوين معروفة ومحددة، سواء ممن يقطنون الجنوب أو ممن لا يزالون في الشمال، ويرتبطون معا وفق تنسيق وتعاون وثيق، لديهم رؤية رافضة للنظام الفيدرالي الذي أفصح عنه صالح عبر كلمة متلفزة قبل أيام قليلة، ولا يستبعد أن يكونوا وراء الاستهدفات التي طالت مصفاة النفط وتجمعات الجيش والمقاومة، وكذا الاغتيالات التي طالت عددا من الشخصيات الجنوبية. أما من لم يحمل السلاح من هؤلاء فميدانهم الشائعات والتحريض في أوساط السكان وعبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي الإلكترونية التي ترمي إلى زعزعة الأمن، وإقلاق السكينة العامة، ونزوح السكان من تلك المناطق.

يأتي الفساد كأحد أهم عوامل فشل إدارة المناطق المحررة، ومن ذلك الفساد المالي في الأجهزة الشرطية؛ حيث كشف مؤخرا عن اختلاسات مالية مؤكدة، صودرت فيها حقوق الجنود والموظفين المدنيين في قطاعات مختلفة؛ ما انتج ردود أفعال عنيفة ودامية. كما استشرت ظواهر هادمة للاستقرار، تمثلت في نهب أراضٍ ومساكن وممتلكات عامة؛ لذلك لا غرابة أن تضطرب هذه المناطق وينهار فيها الأمن، وهي حالة غوغائية يمعن الحوثيون وصالح وأنصارهم- هناك- في استدامتها، تمهيدا لعودتهم للجنوب كمنقذين ومخلّصين منها!

إن ما ينبغي الإسراع به- الآن- درءا للفوضى، وضع خطة أمنية شاملة ومستعجلة للمدن المحررة، تعمل على توحيد مصدر القرار الأمني والعسكري، وتحديد مهام القوات المسلحة والشرطة؛ لمنع الازدواجية والتدخل في الاختصاصات، وفرض رقابة صارمة على ذلك، وتقييد التحركات في بعض المناطق الحساسة، دون المساس بالحريات العامة، ومنع التجول بالسلاح إلا للسلطات الرسمية، وتأمين حقوق وممتلكات السكان، وتفعيل الدور المجتمعي المساند للجيش والشرطة؛ ليكون كل مواطن جنديا وشرطيا مؤازا لهما، وانتهاج سياسة إعلامية توظف وسائل الإعلام المختلفة في الاتجاه الذي يوحد الجميع أمام كل أسباب الفوضى. 

أعلى