ماذا تريد تل أبيب في حلب؟!
عاموس هرئيل/"هآرتس"
ان التحول في المعركة على حلب، حيث يحقق نظام الأسد نجاحا كبيرا بعد سنوات من التحرك البطيء في الحرب الأهلية السورية، صحيح انه يحدث بعيدا عن حدود اسرائيل، ولكنه يواصل جذب اهتمام اجهزة الاستخبارات هنا. في نظرة اسرائيلية، يعتبر هذا التطور الهام بمثابة ميل واضح للكفة لصالح ما تسميه اسرائيل "المحور الراديكالي" – التحالف الشيعي بقيادة ايران وحزب الله، الذي يدعم النظام العلوي للرئيس السوري بشار الأسد.
ورغم أن الأمر يكاد لا يقال بشكل علني، إلا أن القدس فضلت بشكل واضح استمرار الوضع السابق – السحق المتبادل بين النظام وخصومه، الذي ولّد التوازن المسبب للشلل بينهما، كونه يجبرهما على تكريس كل الموارد لهذا الصدام، ومنع، غالبا، المعسكرات المتحاربة من المبادرة الى خطوات ضد اسرائيل. النجاح المدوي للنظام لن يثبت سلطة الأسد فقط، وانما يمكنه تعزيز مكانة حلفائها، وبالتالي التأثير على ما يحدث على الحدود في هضبة الجولان.
السبب الرئيسي للتغيير الأساسي في الأوضاع داخل سورية، كما سبق وكتبنا هنا اكثر من مرة، هو انتشار الطيران الروسي في شمال غرب سورية- في أواخر آب، وفي اعقابه، الهجوم الجوي الواسع في انحاء الدولة. لقد منع دخول روسيا الى الصورة الانهيار الشامل للنظام، وهي نتيجة تخوف منها الأسد خلال أشهر الربيع والصيف، وحقق بسرعة الاستقرار على خطوطه الدفاعية. ومنذ كانون الثاني يحقق النظام والميليشيات الشيعية التي تساعده، انجازات برية صغيرة، في شمال سورية وفي معارك درعا في جنوب البلاد. ولكن الانجاز البري الجوهري الأول، تم تحقيقه في الأيام الأخيرة، عندما اقتربت قوات النظام من محاصرة الثوار في حلب، وكادت تفصل بينها وبين الحدود التركية في الشمال، وتقطع غالبية مسارات الامدادات التي تقود الى المدينة.
التوقعات بشأن الاستسلام المطلق والعاجل لتنظيمات الثوار في المدينة تبدو مبكرة لأوانها قليلا. مناطق البناء الكبيرة في حلب، التي شهدت اعمال تدمير كبير، ستجبر النظام على تفعيل قوات كبيرة، وستصعب عليه التقدم لاحتلالها، وبالتأكيد في ظل حالة الطقس الصعبة للشتاء السوري. لكن ما بدأ يحدث هو الهرب الجماعي للاجئين من حلب الى الحدود السورية، تحت طائلة القصف الجوي الساحق والمكثف الذي تشنه الطائرات الروسية، التي تم زيادة عددها مؤخرا. لقد زاد سلاح الجو الروسي من عدد طلعاته في كل المناطق السورية، الا أن حلب تتلقى الآن أعمال قصف جوي ثقيل بشكل خاص. يبدو أن النظام يطمح الى استكمال الطوق وفرض الحصار المتواصل على حلب، والذي لن يتردد خلاله بتجميع السكان بهدف اخضاع المدينة – وهي خطوة لجأ اليها في الأشهر الأخيرة، في بلدية مضايا المجاورة للحدود مع لبنان.
إلى جانب الانجاز في حلب، يتقدم جيش الأسد، بمساعدة روسية وايرانية، أيضا في ابعاد الثوار عن اطراف المنطقة العلوية في شمال – غرب البلاد. وهناك معركة مركزية أخرى تدور في الجنوب: بعد احتلال بلدة الشيخ مسكين في نهاية كانون الثاني، يتواصل تقدم القوات البطيء باتجاه الجنوب، نحو درعا، وفي الأيام الأخيرة تم احتلال بلدة أخرى بالقرب من المدينة. وعلى الرغم من أن الأمر استغرق فترة طويلة الا ان الاستراتيجية الوحشية والتي لا تعرف التسوية، التي يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تبدأ بقطف ثمار النجاح في سورية. ولا يجري الحديث هنا فقط عن انقاذ نظام الأسد. فبالنسبة لروسيا تعتبر سورية كنزا استراتيجيا هاما بسبب موقعها في شمال شرق البحر المتوسط. طوفان اللاجئين الذي يتوقع ازدياده الآن بسبب السعي الى تطويق حلب سيفاقم الفوضى والاضطرابات في أوروبا الغربية، في حين أن تركيا التي تتحدى السياسة الروسية تشعر بالحرج بسبب عدم القدرة على انقاذ المتمردين.
هجوم النظام بدعم روسي على حلب خلال انعقاد مؤتمر السلام الفاشل في جنيف، أثار غضبا كبيرا على روسيا في الغرب بل حتى الشجب من قبل الأمم المتحدة. لكنه يبدو ان بوتين سينجح بالتغلب على الأسف الكامن في ذلك. في حلب، وكما في الهجمات الجوية الأخرى، يركز الروس جهودهم على مهاجمة تنظيمات الثوار التي تهدد نظام الأسد. تنظيم داعش (الدولة الإسلامية) الذي يجري تركيز الهجمات الجوية عليه في الغرب، هو مجرد هدف ثانوي بالنسبة للروس (ووجوده في حلب هامشي في كل الأحوال، ذلك أنه يسيطر في الأساس على مناطق واسعة الى الشرق من المدينة).
ربما يكون الخبير الاميركي المخضرم في الشأن السوري، فردريك هوف، محقا في ما كتبه في نهاية الأسبوع، حول امتلاك الرئيس الروسي لخطة منظمة طوال الوقت. التدخل الروسي يهدف الى اعادة تقسيم سورية الى منطقتي سيطرة، واحدة للأسد والثانية لداعش، من خلال القضاء التدريجي على بقية تنظيمات الثوار. وفي الاختيار بين هذين، سيواصل الغرب التقدم في الحرب ضد داعش، ما يعني ضمان سلطة الأسد لفترة طويلة. وبالفعل، على الرغم من قيام داعش بين الحين والآخر، بنشر افلام التنكيل والقتل الوحشي لجنود النظام، الا انه يبدو بأن التنظيم يقلل منذ زمن طويل من المواجهة المباشرة مع الدكتاتور السوري.
المواجهة في حلب، كما الحرب كلها، لم تحسم بعد، ولكن التطورات هناك تعزز الاستنتاجات التي يبلورها الجانب الصهيوني. اولا، روسيا عادت وحصنت مكانتها كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط، يتحتم على الجميع اخذ مواقفها في الاعتبار. الحكومة الصهيونية باتت تفعل ذلك، بواسطة آلية التنسيق لمنع المواجهات الجوية مع الروس في سورية، لكنها ستضطر الى مواصلة التحرك بحذر على الجبهة الشمالية كي لا تحتك بمصالح موسكو. ثانيا، الهجوم على حلب، في خضم محادثات جنيف، عاد وأبرز ضعف مكانة الولايات المتحدة التي لا تنجح بمساعدة من تكرر تعريفه كجانب ايجابي في الحرب السورية، وتفشل في الجهود التي تبذلها لصد التأثير الروسي.
ثالثا، وربما يكون هذا هو اكثر المؤثرات العملية على الوضع الأمني للكيان الصهيوني – النجاح في حلب يمكنه اقناع نظام الأسد بزيادة جهوده في جنوب البلاد ايضا، في درعا، ومن ثم الى الغرب من هناك، على امتداد الحدود في هضبة الجولان. الصدام العنيف بين النظام و الثوار في الجولان سيقوض الاستقرار على الحدود، ومن شأنه لاحقا ان يقود الى تواجد مكثف لحزب الله والحرس الثوري الإيراني على مقربة من الأراضي المحتلة.